هذا سؤال وجواب عن ضرورة اتباع الشيعة مذهب أحد مراجعهم الدينية من عدمه، واليكم نصهما الكامل
“السلام عليكم شيخنا
اتمنى منكم جواب وافي
س / هل ورد عن اهل البيت عليهم السلام حديث بوجوب التقليد ؟
ام ان مسألة التقليد مسألة حديثة مُجتٓهٓد بوضعِها ؟
س / واذا كنت انسان صالح ، اصلي واصوم وعملي صالح هل سيرفض الله تعالى كل ذلك ويحبط عملي لاني غير مقلد لمجتهد معين ؟”
…………
السلام عليكم
نعم ورد عن اهل البيت عليهم السلام رضاهم وحثهم جماعة المؤمنين على اتباع العلماء والاخذ بقولهم، وحثهم للعلماء على التصدي للافتاء ونشر العلم في احاديث كثيرة، فوجوب التقليد على العامي – وهو غير المتخصص في علم الفقه حتى ولو كان حاصلا على اعلى الدرجات في مجال اختصاصه العلمي – هو من باب رجوع الجاهل الى العالم، والذي يستدل عليه بقوله تعالى: (وما أرسلنا قبلك إلاّ رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) وقوله تعالى في الاية التي تسمى آية الانذار أو النفر والذي يبين فيها تعالى ان للدين حملة يجب عليهم انذار قومهم وارشادهم الى مصالح الدين والدنيا والاخرة (وما كان المؤمنون لينفروا كافّة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون).
وايضا فان لكل واجب مقدمة لا يتحصل الواجب الا بها لذا تصير واجبة، والعقل حكم على المكلف بلزوم حق طاعة مولاه، لان براءة ذمة المكلف من التكاليف الشرعية وانجازها بشكل صحيح لا يتحصل الا بايجاد مقدمة واجبة لبراءة ذمته وهو التقليد.
وسيرة العقلاء معروفة وثابتة برجوع الجاهل إلى العالم وصاحب الاختصاص، فالمرضى يرجعون الى الاطباء لانهم الاخبر والاعلم بالامراض والاعراض، وطلاب البناء يرجعون الى المعمار والمهندس لانهم الاعلم والافقه في شأن ما يطلبون، لأن الإنسان بطبيعته محكوم بالتخصص في مجال محدد ومنشغل عن غيره، الا النادر من البشر، لذا لزم على من لا يعرف علما ان يرجع الى اهل الاختصاص فيه، ولا شك ان الفقه من اكثر العلوم سعة وتعقيدا وتفصيلا، ما يوجب الرجوع الى المتخصص فيه وعدم الاستهانة به لانه مجموع الاحكام التي تبرئ ذمة المكلف .
وبما ان العقل حكم لبراءة الذمة وجوب التقليد فان الشرع حاكم ايضا بذلك لما قاله العلماء من ان ما امر به العقل أمر به الشرع .
وايضا ووفق قاعدة وجوب دفع الضرر، فإن العقل يحكم بلزوم دفع الضرر المحتمل الناتج من إهمال امتثال الأحكام الشرعية التي لا يعرف تفصيلها بالدقة والتي لا يعرفها الا الفقهاء، لذا فالمكلف ليس أمامه إلا التقليد للوصول إلى ما يؤمنه من العقاب .
وقد انعقد إجماع الفقهاء على الحكم بوجوب التقليد على المكلف للوصول إلى الأحكام الفرعية، بل ان الاخباريين انفسهم هم ايضا فقهاء علماء اوجبوا على المكلف اتباعهم فيما نقلوه من احاديث اهل البيت وما شرحوه منها؛ فلا فرق في الجوهر بين الاصولي والاخباري من هذه الجهة.
ويعتبر كثير من العلماء ان لسيرة المتدينين والتزامهم العام بسلوك ديني يعتبر حجة، ويسموه (سيرة المتشرعة) ، وسيرة المتشرعة من المؤمنين والمسلمين منذ عصر الأئمة (عليهم السلام) إلى يومنا هذا على اتباع رأي العالم والاخذ به والسير عليه.
اما الروايات التي تؤكد هذا المعنى :
فما ورد عن الإمام العسكري عليه السلام : (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه).
وما ورد عن الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) : (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا).
وما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : (إذا أردت حديثناً فعليك بهذا الجالس، وأومأ إلى رجل ، فسألت أصحابنا ، فقالوا زرارة بن أعين).
ومن الواضح ان مجرد نقل الحديث ليس هو المقصود بل فهمه واستيعابه وتطبيقه على المصاديق وهذا هو معنى الفقيه وليس المقصود هنا راوي الاخبار او المحدث.
ورواية أحمد بن إسحاق عن الإمام الهادي (عليه السلام) قال : (سألته وقلت من أعامل وعمن أخذ معالم ديني وقول من أقبل ؟) فقال (عليه السلام) : (العمري ثقتي فما أدى إليك فعني يؤدي، وما قال لك فعنيّ يقول، فاستمع له وأطع فانه الثقة المأمون). قال (احمد بن اسحاق) : فسألت أبا محمد الحسن بن علي (عليه السلام) عن مثل ذلك ، فقال (عليه السلام: (العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فأنهما الثقتان المأمونان).
وما ورد عن عبد العزيز المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعاً , عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال :(قلت ، لا أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج اليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني ؟ فقال (عليه السلام) :[نعم ] ) .
بل حث المعصوم العلماء على التصدي للفتيا وتعليم الناس معالم دينهم فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال لأبان بن تغـلب: (اجلس في المسجد (أو مسجد المدينة) وأفتِ الناس فإني احب أن يرى في شيعتي مثلك).
وما ورد عن معاذ بن مسلم النحوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس) . قلت : نعم ، وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج، إني أقعد في المسجد فيجيئني الرجل فيسألني عن الشيء ، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بمـا يفعلون ويجيئني الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم ويجيئني الرجل لا أعرفه ولا أدري مَنْ، فأقول ، جاء عن فلان كذا، وجاء عن فلان كذا، فأدخل قولكم فيما بين ذلك فقال عليه السلام) : (أصنع فأني كذا أصنع).
وحتى لو لم ترد اي رواية بهذا الشأن، او لو قيل ان هذه الروايات هي روايات ضعيفة او مخدوشة او او ، فالمسلم مع ذلك بين خيارين لا ثالث لهما:
الاول: ان يعرف احكام الشريعة تفصيلا حتى يبرئ ذمته امام الله تعالى في جميع ابواب الفقه.
الثاني: ان يتبع عالما متخصصا في هذا المجال ثقة ، ليبرأ ذمته.
والاول هو ما يسمى (بالاجتهاد) والثاني هو ما يعرف بـ(التقليد) وعليهما كما رأيت كثير من الادلة العقلية والشرعية والروائية والسيرة.
اما الواضحات البديهية او اليقينيات في الدين كوجهة القبلة ووجوب الصلاة وعدد ركعات الصلاة فلا حاجة إلى التقليد فيها. ولكنّه يرجع إلى المختص (المجتهد) في تفاصيل هذه الوجوبات وشرائطها وأحكامها.
ومحاولات اثارة الشبهات حولها، لا تنطلق من داخل المجتمع المتدين بل من خارجه كجزء من حملة التشويش على أصول وفروع الدين.
المصدر صفحة الشيخ عباس شمس الدين/فيسبوك
وقد حظي الموضوع بمتابعة كثيرين اخترنا منها