حدود الحوار بين المجموعات – دروس من حوار قاس

Advertisements
Advertisements

صائب خليل
صورة العالم عندنا ليست موضوعية بل متأثرة بالأحكام الشخصية والظروف التي يخلقها محيطنا وشخصيتنا وأكثر من ذلك، الإعلام الذي يصل الينا. وبهذا الشكل يمكن ان نقول ان لكل منا “حقل حقائق”، هو المساحة التي يرى انها تشمل كل الحقائق، وكل ما خارجه أوهام وأكاذيب. وبما أن هذا الحقل متأثر بالأحكام الشخصية فهو مشوه بعض الشيء عن الحقيقة الموضوعية ليشمل حقائق موضوعية وأوهام، والأخيرة لا تنطبق كلها مع أوهام شخص آخر، فلكل منا أوهامه.
ولكن، لأن البيئة والإعلام هي المحدد الأساسي لصورة العالم عند كل منا، فأن الناس الذي يتعرضون لنفس البيئة ونفس الإعلام، يتشابهون أكثر من غيرهم فيما يفترضونه من “حقائق” وما يعتبرونه أوهاماً. أي يمكننا ان نبسّط الأمر ونقول ان لكل مجموعة “حقل حقائق”، يختلف عن حقول المجموعات الأخرى، بقدر ما تعيش ظروفا مختلفة وتتأثر بإعلام مختلف.

وبما ان الناس تستطيع الحديث ضمن ما تفترضه من حقائق تستند إليها، فأن المنطقة الممكنة للحوار والجدال بين مجموعتين تقتصر مبدئيا على المنطقة المشتركة التي يعتبرها الجميع من الحقائق. وكلما كانت صورة العالم لمجموعتين من الناس بعيدة كل عن الأخرى، قلت إمكانية الحوار والتفاهم بينهما.
إذا فرضنا في الشكل، ان المربع غير الملون يمثل الحقيقة الموضوعية، وأن كل مستطيل يمثل “حقل حقائق” مجموعة من الناس، نرى أن المنطقة المشتركة من الحقائق تتمثل بالمستطيل المحاط بالخط الأحمر. في هذه المنطقة (فقط) يمكن الحديث بأمان ودون خشية اصطدام.
.
ونلاحظ أنه كلما كانت المجموعتان متقاربتان، زادت مساحة المستطيل المشترك الذي سنسميه “حقل الاتفاق”، وكلما ابتعدتا انخفضت مساحته وقلت الموضوعات التي تستطيع المجموعتان مناقشتها بسهولة ودون مخاطرة بالاصطدام.
نحن نعلم أن الآخرين يختلفون عنا فيما يرونه من حقائق، ونعلم ان ما نتفق معهم عليه محدود ولا يشمل كل شيء. لكننا لا نستطيع رؤية حدود “حقل الاتفاق” هذا. وكثيرا ما يقع الخطأ من افتراض أن ما تراه من حقائق، يراه الآخر أيضا كذلك. ولأننا نعرف اننا نختلف فسوف يتحمل كل منا الآخر، إن كان الحديث عن قضايا غير مهمة بالنسبة لكل منا، وإن كانت طريقة الحديث “دبلوماسية” وناعمة. وكلما كانت الحقائق خطيرة الأهمية وتمثل مصالح جوهرية، وكلما كانت تقع في أماكن بعيدة عن “حقل الحقائق المشترك” كلما كان الحديث فيها خطراً، يتطلب الحذر، حتى على حساب العفوية والصدق، إن شئنا تجنب الصدام وأردنا تحقيق تقدم ما.
.
استنتاجات:
1- إذا أردت ان تفصل مجموعة عن أخرى وتجعل الحوار بينهما صعباً أو مستحيلا، يجب ان تعرض كل منهما لإعلام مختلف ومتناقض. أن تدفع بأحدهما الى اليمين والأخرى الى الشمال، حتى تتقلص مساحة “حقل الحقائق المشترك” إلى أدنى حد ممكن.
2- ان أهم ما يتصف به المحاور الناجح هو المعرفة الدقيقة بمساحة وحدود “حقل حقائق” الجهة المقابلة، ليتحرك بأمان ضمن مساحة “حقل الحقائق المشترك”. وحين يضطر إلى أن يخرج منه، أن يفعل ذلك بحذر وبوعي انه يدخل ارضاً ملغومة.

Advertisements
Advertisements