قال الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك في مقالٍ له في صحيفة الإندبندنت، أنّه عندما سمع أنّ الرئيس الفرنسي ماكرون عرض استضافة رئيس الوزراء اللبناني المختطف في باريس مع عائلته – الرهائن لدى السعودية – لم يستطع سوى تذكر ما أخبره به سعد الحريري عندما أصبح رئيسًا للوزراء في لبنان عام 2009 في مكتبه في قصر قريطم، وسأله عما إذا كان أحب كونه يتقلد منصب رئيس وزراء لبنان.
كان لديه مستشاران اثنان فقط. وقال الحريري «إننى أسير على خطى والدي». في إشارة إلى والده رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الذي أغتيل في بيروت فعام 2005. لكنه لطالما تعرَّض لسخرية الناس من أجل ذلك. ولكن فيسك سأله مرة أخرى، كيف هو شعور أن يكون رئيس وزراء لبنان؟ فصدُم من رد الحريري.
قال الحريري ردًا على سؤال فيسك «إننى أعرف أنّ هذا واجبي. لكنَّني أفتقد السعودية. أفتقد متعة أخذ عائلتي إلى الصحراء ليلاً ليلفح هواها وجوهنا، وحدنا، بلا شرطة ولا حراس». لكنّ فيسك يرى أنّ رأي الحريري في المملكة سيتغير بعدما جرى معه مؤخرًا. وهو ما كان له انعكاس مثير للاهتمام على أسرة الحريري.
يقول فيسك إنه كان على معرفة قوية برفيق الحريري. وعندما قُتل مع 21 آخرين في بيروت عام 2005، رأى جثة رفيق الحريري ملقاة على جانب الطريق. كان الراحل ممتلئ الجسم، وقد ظن فيسك في البداية أنه الرجل الذي يبيع المناقيش (أكلة شامية شهيرة) على الكورنيش حتى رأى شعره. كانت جواربه مشتعلة. وكان قد التقى لأول مرة برفيق الحريري في الرياض – حيث يُسجن ابنه الآن – وإن كان ذلك في أجواء الرفاهية التي اعتادت الأسرة عليها.
كان رفيق ما يزال شابًا إلى حد ما في التسعينيات ويجلس في مجمع مكتبه في مقر شركة أوجيه المفلسة الآن، وهو يمارس العادة المزعجة المحببة لرجال الأعمال العرب: التحدث مع مستشاريه وهو ينظر إلى شاشة تلفزيون كبيرة.
كان للحريري أفكار عظيمة للبنان – يؤكد فيسك – وكان من الواضح أنه يريد إعادة بناء البلاد بعد الحرب الأهلية. فلماذا يعيش في السعودية، سأله فيسك؟ فردّ رفيق «ولمَ لا؟ هذا بلد عظيم – فقط لا تتدخل في السياسة!».
ولكن هذه هي المشكلة – يشدد فيسك – فلطالما عانى رفيق الحريري من طموحات حزب الله السياسية. وقد عبَّر عن غضبه لفيسك بعد أن قرر السيد حسن نصر الله بناء قبر لشهدائه أمام مدخل المطار الجديد الذي بناه الحريري جنوب بيروت. قال الحريري متعجبًا «هل تتخيل هذا؟ هذا الرجل كان سيضع جثث مقاتليه مباشرة أمام مدخل المطار الدولي، وهو أول شيء سيراه السياح عند وصولهم». لكنّ الحريري منع هذا الأمر.
اتهم الغرب حزب الله بقتل رفيق الحريري، وهكذا عندما أصبح ابنه سعد رئيسًا للوزراء، كان يخشى حزب الله هو الآخر، على الرغم من أن العديد من المحللين – بمن فيهم فيسك – كانت لديهم شكوك حول منفِّذ عملية الاغتيال. ومع وجود وزراء حزب الله في الحكومة – المنتخبين بحرية ونزاهة – وجد سعد الحريري نفسه في خطر مختلف عندما عاد رئيسًا للوزراء العام الماضي. فبوصفه مواطنًا لبنانيًا سنيًا، توقعت الرياض أن يتصدى لحزب الله الشيعي. ولكنه كان مضطرًا لأن يحكم لبنان الموحد، وألا يقوده إلى حربٍ أهليةٍ أخرى.
لذلك عندما حاول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان البالغ من العمر 32 عامًا تدمير قوة الإسلام الشيعي، كان لبنان والحريري هدفين لهذا الغضب الخطير. حاول ابن سلمان تدمير نظام بشار الأسد الشيعي، وفشل. فشن حربًا ضد الحوثيين الشيعة في اليمن، فتحول الأمر إلى كارثة. فانتقل إلى خنق قطر اقتصاديًا بسبب علاقاتها الوثيقة مع إيران ورغبته في إغلاق قناة الجزيرة وفشل. لذا حوّل هياجه الهائل نحو لبنان الآن.
ويبدو أنه سيُمنى بفشلٍ ذريع في هذا أيضًا – يضيف فيسك – ويرجع ذلك جزئيًا إلى الرئيس الفرنسي ماكرون. يحمل الحريري الجنسية الفرنسية – إلى جانب السعودية واللبنانية – ومن ثم يستطيع ماكرون التدخل لصالحه. يسعى حاكم فرنسا إلى اصطحاب زوجة الحريري وطفليه إلى باريس كي لا يترك رهائن خلفه. ولكن ثمة رهينة آخر – يستدرك فيسك – فهناك شقيقه بهاء.
على الرغم من العداء العلني الشديد، فإن السعوديين لن يقدموا على الهجوم على إيران نفسها. إن هذا أمرٌ مخيف للغاية بالنسبة لولي العهد السعودي. ولكن من الجدير بالذكر مدى عشق سعد الحريري للمملكة مثل والده.
#بالفيديو#الحريري من الاليزيه: سأعود إلى #لبنان في الأيام المقبلة وأفصح عن مواقفي بعد لقائي الرئيس #عون pic.twitter.com/C25gl17aDD
— وكالة يونيوز للأخبار (@UUnionNews) November 18, 2017
يقول فيسك إنه بعد فترة طويلة من إعراب سعد عن حنينه إلى السعودية، أجاب على سؤال عن طموحاته السياسية بالقول: «بعد خمس سنوات في السياسة اللبنانية، سأرحل بلا عودة».
وهذا ما كاد يحدث بعد ثمان سنوات – يواصل فيسك – وهو يقرأ خطاب استقالته من الرياض.
يتضح الآن أن عددًا من دول الاتحاد الأوروبي تخشى بشدة على حياة سعد الحريري بعد أن قرأ خطابه المشؤوم. ويخشى آخرون على مستقبل وزير الخارجية السعودي والسفير السعودي السابق في الولايات المتحدة عادل الجبير الذي من المؤكَّد أنه حاول أن ينصح ولي العهد بعدم إكراه الحريري. إذا صدقت الأنباء التي تشير إلى أنه قد قدَّم مثل هذه النصيحة، فمن الواضح أن ابن سلمان لم يستجب. عندما ظهر الجبير في وقت لاحق على شاشة التلفزيون، بدت عيناه – على حد تعبير قريب من عائلة الحريري – «جاحظتين».
لكنَّ الحريري نفسه غير راض عن بعضٍ من أقرب مستشاريه في حركة المستقبل الخاصة به في بيروت – يشير فيسك – والتي هي في حد ذاتها مموَّلة من قبل السعوديين. لا أحد يمكنه تخمين من أين ستأتيه الخيانة. قد يخمِّن البعض فؤاد السنيورة، الخبير الاقتصادي والأكاديمي والصديق المخلص. يؤكد فيسك أنه أعجب دائمًا بالسنيورة. فقد ساند رفيق الحريري عندما حاول أعداؤه الزعم يوجود فساد في الحكومة اللبنانية. لكن السياسة في بيروت زلقة أكثر من نظيرتها في السعودية – بل وأحيانًا أكثر خطورة، على الرغم من أن ذلك قد يتغيَّر قريبًا.
عندما أُخذ سعد الحريري من مطار الرياض من قبل رجال الأمن السعوديين في الليلة الأولى، وجد نفسه في البداية على بعد بضع مئات من الأقدام من فندق الريتز كارلتون في الرياض، حيث يُحتجز عشرات الأمراء من منافسي ولي العهد في «الفساد». كان يجب أن يتساءل عما إذا كان على وشك الانضمام إليهم. ولعله حينئذٍ لن تبدو حرية الرياح في الصحراء السعودية جذابة جدًا!
مترجم عنLebanese Prime Minister Saad Hariri accepts exile in France as Saudi Arabia no longer feels like a home away from homeللكاتب Robert Fisk
ورأى فيسك أنّه عندما حاول وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تدمير قوة الشيعة، كان لا بدّ من أن يكون لبنان ومعه الحريري من أهدافه، وأوضح قائلاً: “بن سلمان حاول تدمير النظام السوري، ولم ينجح بذلك، شنّ حربًا على الشيعة في اليمن، فتحوّلت الى كارثة، جرّب تقييد قطر إقتصاديًا بسبب علاقاتها مع إيران، ولم يفلح أيضًا، فقرّر الآن تحويل غضبه نحو لبنان. ويبدو أنّ الخطّة لن تنجح أيضًا جزئيًا بفضل ماكرون الذي قد يبرّر موقفه بأنّ الحريري لديه الجنسية الفرنسية، وماكرون يريد أن يصطحب الحريري مع زوجته وأولاده الى باريس، وبذلك لا يبقى أي رهائن وراءه. ولكن يوجد بهاء الحريري للبداية!”.
كما لفت فيسك الى أنّ الحريري غير راضٍ من بعض المستشارين المقرّبين منه في “تيار المستقبل”.