ملخص لكتاب الدين والتحليل النفسى – إريك فروم
محمد سكرانه
يتعلم الأطفال فى المدارس أن الامانة والنزاهة والعناية بالروح ينبغى أن تكون المبادىء الهادية فى الحياة على حين تعلمنا الحياة أن الاهتداء بهذه المبادىء يجعلنا على أحسن تقدير حالمين وغير واقعيين.
——————————
هل سيسمع أطفالنا صوتاً يرشدهم إلام يتجهون وما الهدف الذى يعيشون من أجله؟ إنهم يشعرون على نحو ما كما يشعر الناس جميعاً أن لا بد للحياة من معنى ولكن ماهو؟ هل يجدونه فى المتناقضات وفى الكلام المزدوج الدلالة وفى الاستسلام الساخر الذى يلتقون به عند كل منعطف؟ أنهم مشوقون الى السعادة والحقيقة والعدالة والحب والى موضوع للعبادة فـ هل نحن قادرون على اشباع شوقهم؟
عاجزون نحن مثلهم، بل إننا لا نعرف الإجابة لأننا نسينا حتى ان نسأل السؤال ونزعم أن حياتنا قائمة على أساس متين ونتجاهل ظلال القلق والهم والحيرة التى تغشانا فلا تريم.
——————————
من بعض أعراض إضطراب الاعصاب بـ أن يعتقد بعض الناس أن العودة ألى الدين هى الإجابة، لا بوصفها فعلاً من أفعال الإيمان بل للهرب من شك لا سبيل إلى إحتماله وهؤلاء لا يتخذون هذا القرار تعبداً بل بحثاً عن الأمن.
—————————–
يعتقد الناس الذين يحاولون العثور على حل بالرجوع للدين التقليدى فيتأثرون بالرأى الذى يدعو اليه رجال الدين فى أغلب الأحيان ويبدو لديهم أن القساوسة والكهنة والشيوخ هم الفئات المحترفة الوحيدة المهتمة بالروح والمتحدثون الوحيدون عن المثل العليا: الحب والحق والعدل.
—————————-
المسألة ليست هى عودة الإنسان الى الدين والإيمان بالله بل هى أن يحيا فى الحب ويفكر فى الحقيقة.
———————-
يرى فرويد فى كتابه مستقبل الوهم: أن الدين ينبع من عجز الإنسان فى مواجهة قوى الطبيعة فى الخارج والقوى الغريزية داخل نفسه وينشأ الدين فى مرحلة مبكرة من التطور الإنسانى عندما لم يكن الإنسان يستطيع أن يستخدم عقله بعد فى التصدى لهذه القوى الخارجية والداخلية ولا يجد مفراَ من كبتها أو التحايل عليها مستعيناً بقوى عاطفية أخرى. وهكذا بدلا من التعامل مع هذه القوى عن طريق العقل يتعامل معها بـ عواطف مضادة، بقوى وجدانية أخرى تكون وظيفتها هى الكبت أو التحكم فيما يعجز عن التعامل معه عقلانياً.
فى هذه العملية ينمى الإنسان الوهم وهذا الوهم تؤخذ مادته من تجربته الفردية الخاصة عندما كان طفلاً اذ يتذكر الإنسان حين يواجه قوى خطرة لا سبيل الى السيطرة عليها او فهمها.. يتذكر الإنسان ويعود القهقرى الى تجربة مر بها وهو طفل حيتما يشعر أن أباه يحميه أباه الذى يعتقد أنه أوتى حكمة عالية وقوة وهو يستطيع أن يكسب حب أبيه وحمايته بإطاعة أوامره وتجنب نواهيه.
يتعامل الإنسان مع القوى المهددة له بنفس الطريقة التى تعل بها وهو طفل أن يتعامل مع شعوره بعدم الامان وذلك بالاعتماد على والد يعجب به ويخافه.
———————-
يقول فرويد أن الدين خطر لأنه يميل الى تقديس مؤسسات إنسانية سيئة تحالف معها على مر التاريخ وفضلاً عن ذلك فإن ما يقوم به الدين من تعليم الناس الاعتقاد فى وهم وتحريم التفكير النقدى يجعله مسئولاً عما أصاب العقل من إغلاق.
يقرر فرويد أن إشباع الفكرة لـ رغبة ما لا يعنى بالضرورة أن هذه الفكرة خاطئة!
كبت التفكير النقدى فى نقطة معينة يؤدى الى افقار قدرة الشخص النقدية فى مجالات أخرى من الفكر ومن ثم يعوق قوة العقل!
الاعتراض الثالث هو أن الدين يضع ” الأخلاقية” تستند على كونها أوامر الله، فإن مستقبل الأخلاق ينهض أو يتداعى مع الإعتقاد فى الله. ولما كان فرويد يفترض أن الإعتقاد الدينى فى سبيله الى الانحلال فإنه مرغم على افتراض أن الإرتباط المستمر بين الدين والأخلاق سوف يؤدى الى تحطيم قيمنا الأخلاقية!
يشير فرويد الى التضاد القائم بين ما يتصف به الطفل من ذكاء لماح وما نلاحظه من فقر العقل عند البالغ المتوسط وهو يفترض أن طبيعة الإنسان الحميمة قد لا تكون عقلية كما تكون عندما يخضع الإنسان لتأثير التعاليم اللاعقلية!
————————–
اذا تخلى الإنسان عن وهمه فى إله أبوى وإذا واجه وحدته وتفاهته فى الكون فـ سيكون أشبه بالطفل الذى ترك بيت أبيه!
———————
غاية التطور الإنسانى هى أن يتغلب على هذا التثبيت الطفولى وعلى الإنسان أن يعلم نفسه لمواجهة الواقع فإذا علم أنه لا يستطيع الإعتماد على شىء إلا على قواه الخاصة فسيتعلم كيف يستخدمها إستخداماً صحيحاً.
الإنسان الحر الذى حرر نفسه من نير السلطة التى تهدد وتحمى هو وحده الذى يستطيع إستخدام قوة عقله وإدراك الكون ودوره فيه إدراكاً موضوعياً دون وهم وبقدرة على التطور وعلى استخدام القدرات الكامنة فيه.
———————-
جون ديوى يفرق بين الدين والخبرة الدينية فهو يرى أن معتقدات الدين الفائقة على الطبيعة قد أضعفت من موقف الإنسان الدينى وأوهنته ويقول: ” أن التعارض القائم بين القيم الدينية كما اتصورها وبين الدين لا سبيل الى رفعه ولأن تحرير هذه القيم من الأهمية بمكان، فإن التوحيد بينهما وبين عقائد الأديان ومعتقداتها أمر ينبغى فصمه.
—————-
يقرر فرويد ” أن الناس لم يستخدموا قط القوى التى يملكونها لـ نشر الخير تمام الاستخدام وذلك لأنهم انتظروا قوة خارجية عنهم وعن الطبيعة لتؤدى عنهم العمل الذى تقع عليهم مسئولية أدائه “
—————–
لا وجود لإنسان بغير حاجة دينية، حاجة الى ان يكون له اطار للتوجيه وموضوع للعبادة، بيد أن هذا القول لا يخبرنا بشىء عن سياق خاص تتجلى فيه هذه الحاجة الدينية، فقد يعبد الإنسان الحيوانات، أو الأشجار أو الأصنام من الذهب أو الحجارة أو إلهاً غير منظور، أو إنساناً مقدساً، أو زعماء شيطانين، وربما عبد أسلافه أو أمته أو طبقته أو حزبه أو المال أو النجاح وقد يؤدى به دينه الى تطوير روح الدمار أو الحب، الى التسلط أو الإخاء أو ربما ضاعف من قوة عقله أو أصابها بالشلل وقد يدرك أن مذهبه مهب دينى، يختلف عن المذاهب الدنيوية أو قد يظن أنه لا يملك ديناً، وان تكريس نفسه لأهداف دنيوية مزعومة كالقوة أو المال أو النجاح ليس شيئاً آخر سوى إهتمامه بالعملى والنافع والمسألة ليست ” ديناً أو لادين ” بل أى نوع من الدين، هل هو من النوع الذى يساعد على تطور الإنسان وعلى الكشف عن قواه الإنسانية الخاصة به كإنسان، أم
هو من النوع الذى يصيب هذه القوى بالشلل؟
——————–
الحق ان الإنسان لا يعيش بالخبز وحده وليس لديه الا اختيار بين الاشكال الحسنة أو الرديئة، السامية أو الدنيئة، المرضية أو الهدامة، من الاديان والفلسفات.
ما من شىء لا إنسانى أو شرير أو لا معقول لا يمنح شيئاً من الراحة اذا اشتركت فيه جماعة!
——————
حتى أبعد التوجيهات عن المعقولية لو اشترك فيه عدد كبير من الناس فإنه يعطى الفرد شعوراً بالإتحاد مع الآخرين وقدراً معيناً من الأمن والإستقرار يفتقر اليه الشخص العصابى وما من شىء لا إنسانى أو شرير أو لا معقول لا يمنح شيئاً من الراحة إذا اشتركت فيه جماعة، فما ان يتمكن مذهب من المذاهب أيا كانت لا معقوليته فى مجتمع ما حتى يؤمن ملايين من الناس بدلاً من أن يشعروا بالبنذ والإنعزال!
———————-
الدين التاريخى قد انهزم أمام السلطان الدنيوى، وآثر المصالحة مرة بعد أخرى كما انه وجه عناية أكبر الى معتقدات معينة بدلاً من أن يعنى بممارسة الحب والتواضع فى الحياة اليومية وأخفق الدين فى تحدى السلطان الدنيوى باستمرار وفى غير هوادة حيثما انتهك هذا السلطان روح المثل العليا الأعلى الدينى بل على العكس من ذلك شارك المرة تلو المرة فى مثل هذه الانتهاكات.
———————
الدين التسلطى: هو اعتراف الإنسان بقوة عليا غير منظورة تتحكم فى مصيره، ولها عليه حق الطاعة والتبجيل والعبادة.
فكرة أن هذه القوة بسبب السيطرة التى تمارسها جديرة بالطاعة والتبجيل والعبادة فـ سبب الطاعة والتبجيل لا يمكن فى صفات الإله الأخلاقية فى الحب أو العدل وانما فى ان لها السيطرة أى السطان على الإنسان كما ان للقوة العليا الحق فى إرغام الإنسان على عبادتها، وان التقصير فى التبجيل والطاعة يعد اثماً!
العنصر الجوهرى فى الدين التسلطى هو الاستسلام لقوة تعلو على الإنسان.
الفضيلة هى الطاعة، الخطيئة الكبرى هى العصيان.
فى فعل الاستسلام يفقد استقلاله وتكامله بوصفه فرداً ولكنه يكتسب الشعور بأن قوة مهيبة تحميه، بحيث يصبح جزءاً منها!
فكرة احتقار كل شىء فى الإنسان وخضوعها العقل الذى ينوء بفقره، هذه التجربة هى جوهر الاديان التسلطية كلها سواء صيغت بلغة علمانية او لاهوتية.
الاله فى الدين التسلطى رمز للقوة والجبروت وهو الأعلى لأن له القوة الأعلى، والإنسان الى جواره لا حول له ولا قوة !
الدين التسلطى العلمانى الدنيوى يتبع هذا المبدأ.. فيصبح الفوهرر (ابو الشعب) المحبوب، او الدولة او الجنس او الوطن موضوعاً للعبادة وتصبح حياة الفرد تافهة وتتألف قيمة الإنسان من انكاره لقيمته وقوته!
الدين التسلطى بيسلم بمثل أعلى يصل الى درجة عالية من التجريد والبعد بحيث لا يمت بصلة تقريباً بالحياة الواقعية للشعب الحقيقى زى مثلاً الحياة بعد الموت، مستقبل الإنسانية.. يعنى يمكن ان يضحى بحياة وسعادة الأشخاص اللذين يعيشون هنا والآن.. هذه الغايات المزعومة تبرر كل الوسائل وتصبح رموزاً تتحكم بإسمها ” الصفوة” الدينية او الدنيوية فى حياة اخوانهم من البشر!
—————————
هدف الإنسان فى الدين الإنسانى هو ان يحقق أكبر قدر من القوة لا أكبر قدر من العجز والفضيلة هى تحقيق الذات، لا الطاعة. الايمان هو يقين الاقتناع المؤسس على تجربة المرء فى مجال الفكر والشعور، لا على تصديق قضايا وفقاً لذمة المتقدم بها، والمزاج السائد فيها هو الفرح، على حسين أن المزاج السائد فى الدين التسلطى هو الحزن والشعور بالذنب!
———————-
بقدر ما تكون الاديان الإنسانية تأليهية، يكون الإله رمزاً على ” قوى الإنسان خاصة ” التى يحاول تحقيقها فى الحياة، ولا يكون رمزاً على القوة والتسلط و” القدرة على الإنسان”!
———————–
المهم فى اى مذهب كان دينى دينى او فلسفى ليس المذهب الفكرى من حيث هو كذلك بل الموقف الإنسانى الكامن وراء معتقداتها!
ليس الاله رمزاً للقدرة على الإنسان، بل رمزاً على قوى الإنسان الخاصة!
———————–
على حين أن الإله فى الدين الإنسانى صورة لذات الإنسان العليا ورمز على ما يمكن أن يكون الإنسان أو ما ينبغى أن يئول اليه، نرى أن الإله قد أصبح فى الدين التسلطى المالك الوحيد لما كان يملكه الإنسان أصلاً: أعنى العقل والحب وكلما كان الإله أكمل، كان الإنسان أنقص. إنه يُسقط أفضل ما عنده على الإله ومن ثم يفقر نفسه. وهكذا يملك الإله الآن كل الحب وكل الحكمة وكل العدل والإنسان محروم من هذه الصفات، انه فقير خاوى الوفاض. فقد بدأ بشعور الضآلة ولكنه أصبح الآن عاجزاً تماماً، لا حول له ولا قوة، وأسقط قواه كلها على الإله. طريقة او ميكانيزم الإسقاط هذه هى نفسها ما يمكن ملاحظته فى العلاقات الشخصية المتبادلة التى يقيمها ذات الطابع الخانع المشوب بالماسوشية حيث يرهب شخص شخصاً آخر وحيث وحيث يعزو قدراته الخاصة وتطلعاته الى الشخص الآخر. وهو نفس الميكانزم الذى يجعل الناس يخلعون على الزعماء ذوى المذاهب الممعنة فى اللاانسانية صفات من الحكمة الخارقة والعطف!
———————–
توسل الآن الى الإله بعد أن أعطاه كل ما يملك لكى يعيد اليه بعض ما كان يملكه أصلاً ولكنه بعد ان فقد نفسه أصبح تحت رحمة الإله تماماً فهو يشعر بالضرورة كما يشعر الخاطىء ما دام قد جرد نفسه من كل ما هو خير ولن يستطيع أن يسترد ما يجعله إنساناً الا بفضل الإله ورحمته، وفى سبيل اقناع الإله بأن يمنحه شيئاً من حبه ينبغى عليه أن يثبت له شدة حرمانه من الحب، وفى سبيل إقناع الإله بأن يهديه بحكمته الفائقة ينبغى عليه أن يثبت له مدى حرمانه من الحكمة إذا تُرك لنفسه!
————————
اغتراب الإنسان عن قواه الخاصة لا يجعل الإنسان معتمداً على الإله اعتماداً ذليلاً فحسب بل يجعله شريراً ايضاً. اذ يصبح انسان بلا ثقة فى اخوانه البشر وفى نفسه بلا تجربة لحبه الخاص وقوة عقله الخاصة ونتيجة لهذا يحدث الانفصال بين المقدس والدنيوى ويتصرف الإنسان فى مناشطه الدنيوية بلا حب وفى ذلك القطاع من حياته الذى يدخره للدين يشعر أنه خاطىء ( وهو خاطىء فعلاً، ما دامت الحياة بلا حب، هى الحياة فى الإثم) ويحاول أن يستعيد شيئا من انسانيته الضائعة بأن يكون على صلة بالإله. وكذلك يحاول فى الوقت نفسه أن يكتسب المغفرة بالالحاح على عجزه وتفاهته وهكذا ينشأ عن هذه المحاولة فى اكتساب الغفران تنشيط للموقف الذى تنبت منه الخطيئة وهكذا يجد نفسه محصوراً فى مأزق أليم فكلما أثنى على الإله صار أشد خواء وكلما أصبح أشد خواء أحس بأنه يتمادى فى الخطيئة وكلما أمعن فى الإثم إزداد تمجيداً للإله وبالتالى صار أعجز عن استرداد نفسه!
————————
إن ما يفكر فيه الناس وما يشعرون به يضرب بجذوره فى شخصياتهم، وشخصياتهم تُصاغ وفق الصورة الكلية لممارستهم الحياة، أو معنى أدق بالتركيب الإجتماعى والاقتصادى والسياسى لمجتمعهم ففى المجتمعات التى تحكمها أقلية قوية تسطير على الجماهير يمتلىء الفرد بالخوف حتى يصبح عاجزاً عن الشعور بالقوة والاستغلال وتكون تجربته الدينية فى هذه الحالة تسلطية وسواء عبد إلهاً مرهوب الجانب محباً للعقاب أو زعيماً يتصوره على هذا النجو فلن يختلف الأمر كثيراً!
حيثما يشعر الفرد بالحرية والمسئولية عن مصيره أو بين الأقليات المتطلعة الى الحرية والاستقلال نشات التجربة الدينية الإنسانية وتطورت!
حيثما تحالف الدين مع السلطة الدينوية أصبح بالضرورة تسلطياً.
———————-
الخطيئة الحقيقية للإنسان هى اغترابه عن نفسه، واذعانه للقوة وانقلابه على نفسه حتى لو كان ذلك تحت قناع عبادة الإله!
——————–
أن نفهم ان قدرتنا محدودة فهماً واقعياً متزناً جزء جوهرى من الحكمة والنضج، اما ان نعبدها فهذا يدخل فى باب الماسوشية وتدمير الذات.. الموقف الاول هو التواضع، أما الموقف الثانى فهو إذلال النفس!
———————-
ثمة اناس يميلون الى التمارض وتعريض أنفسهم للحوادث وللمواقف الذليلة وتصغير أنفسهم وإضعافها ويظنون أنهم تورطوا فى مثل هذه المواقف ضد رغبتهم وارادتهم بيد أن دراسة دوافعهم اللاشعورية تكشف أنهم مسوقون فعلاً بأشد ميول الإنسان امعاناً فى اللامعقولية أعنى الرغبة اللاشعورية فى أن يكونوا ضعفاء عاجزين وهم يميلون الى تحويل مركز حياتهم الى قوى يشعرون أنهم لا يقدرون عليها وبهذا يهربون من الحرية ومن المسئولية الشخصية وفضلاً عن ذلك نجد أن هذا الميل الماسوشى يصاحبه فى العادة ميل مضاد له تماماً هو التحكم والسيطرة على الآخرين وأن هذين الميلين الماسوشى والمسيطر يؤلفان جانبى التركيب ذى الطابع التسلطى.. مثل هذه الميول الماسوشية ليست دائماً لا شعورية ونحن نجدها صريحة فى الانحراف الماسوشى الجنسى حيث يكون تحقيق الرغبة فى ان يجرح الإنسان ويذل هو شرط الانفعال والاشباع الجنسى ونجدها أيضاً فى العلاقة بالزعيم والدولة فى الاديان المتسلطة الدنوية ججميعاً فهنا تكون الغاية الظاهرة هى التنازل عن ارادة المرء وتجربة الأذعان للزعيم او الدولة بوصفها تجربة مجزية جزاء عميقاً!
———————–
متبين الدرجة التى يبلغها الإنسان فى استخدام تفكيره لتبرير العواطف اللامعقولة وأفعال طائفته تبين عظم المسافة التى مازال على الإنسان ان يقطعها لكى يصبح انساناً عاقلاً HOMO sapiens..
————————
الإنسان فى أصله حيوان يحيا فى قطيع وتتحدد أفعاله بدافع غريزى لإتباع الزعيم وبأن تكون له صلة وثيقة بالحيوانات الأخرى من حوله وبقدر ما نكون قطيعاً لا يهدد وجودنا خطر أعظم من فقدان هذه الصلة بالقطيع فنصبح معزولين والصواب والخطأ والحق والباطل أمور يحددها القطيع ولكننا لسنا قطيعاً فحسب بل نحن انسانيون ايضاً نملك الوعى بأنفسنا ونملك العقل الذى هو بطبيعته ذاتها مستقل عن القطيع ومن الممكن ان تتحدد أفعالنا بنتائج تفكيرنا بغض النظر عما اذا كانت الحقيقة يشارك فيها الآخرون أو لا يشاركون!
————————-
التبرير مصالحة بين طبيعتنا القطيعية وقدرتنا البشرية على التفكير. وهذه القدرة الأخيرة تدفعنا الى الاعتقاد بأن كل ما تفعله يمكن أن يصمد لإختبار العقل. هذا ما يحدونا الى أن نضفى طابع المقعولية على آرائنا وقرارتنا اللامعقولة. لكن من حيث إنتمائنا الى قطيع ليس العقل هو مرشدنا الحقيقى وإنما يقودنا مبدأ مختلف تمام الإختلاف هو
ولاؤنا للقطيع. صــــ 55،56
—————————
تفتح العقل وظهوره الكامل يعتمدان على بلوغ الحرية الكاملة والاستقلال وحتى يتحقق هذا يميل الإنسان الى قبول الحقيقة التى تقررها الغالبية العظمى من الجماعة وما يصدره من أحكام تحدده حاجته الى الاتصال بالقطيع وخوفه من الانعزال عنه وقليل من الافراد هم الذين يستطيعون احتمال هذا الانعزال وقول الحق على ما فيه من خطر فقدان الصلة بالقطيع وهؤلاء هم الأبطال الحقيقيون للجنس البشرى ولولاهم لكنا الآن مازلنا نعيش فى الكهوف أما بالنسبة للغالبية العظمى من الناس الذين ليسوا أبطالاً فإن نمو العقل يعتمد على ظهور نظام اجتماعى يحترم فيه كل فرد احتراماً تاماً ودون أن يتخذ أداة تحركه الحكومة أو أية جماعة أخرى، نظام إجتماعى لا يخشى فيه من توجيه النقد ولا يكون السعى فيه عن الحقيقة عازلاً للإنسان عن اخوانه بل يشعر بأنه شىء واحد وإياهم.
————————-
الإنسان لن يبلغ القدرة التامة على الموضوعية والتعقل إلا اذا قام مجتمع للإنسان يعلو فوق كل الانقسامات الجزئية بين الجنس البشرى وإلا أصبح الولاء للجنس البشرى ومثله العليا هو الولاء الأول فى الوجود!
قد تكون الفكرة مجرد قوقعة خاوية أو مجرد رأى يتخذه المرء لأنه النموذج الفكرى للثقافة التى يعتنقها دون عناء والتى يمكن ان يتخلى عنه بلا عناء أيضاً اذا تغير الرأى العام وقد تكون الفكرة من ناحية أخرى تعبيراً عن مشاعر الشخص ومعتقداته الحقيقية وفى هذه الحالة الأخيرة تضرب الفكرة بجذورها فى جماع شخصيته ويكون لها منبت عاطفى ومثل هذه الأفكار التى تضربها بجذورها فى أعماق الإنسان هى وحدها التى تحدد أفعال الشخص تحديداً فعالاً!
ص 57 ص58
تكون الفكرة قوية اذا استقر أساسها فى تركيب شخصية الفرد، وما من فكرة يمكن أن تكون أقوى من منبتها العاطفى!
——————————
الواقع الإنسانى مثلاً وراء تعاليم بوذا أو عيسى أو المسيح أو سقراط او سبينوزا هو فى جوهره شىء واحد بعينه إذ يحدده التطلع الى الحب والحق والعدل. كذلك يتشابه الواقع الإنسانى الكامن وراء مذهب كالفن والمذاهب السياسية التسلطية والروح التى تسرى فيها هى روح الخضوع للقوة، الافتقار الى الحب، احترام الفرد الإنسانى!
“وبثمارها سوف تعرفها ” اذا كانت التعاليم الدينية تسهم فى نمو المؤمنين بها وفى قوتهم وحريتهم وسعادتهم فهنا نرى ثمار الحب، أما اذا كانت تسهم فى انطواء الامكانيات الإنسانية وفى التعاسة والعقم فلا يمكن أن تتولد عن الحب بغض النظر عما تقصد العقيدة تبليغه الى الناس!
——————————
اذا تخلص المريض من التقيؤ أو السعال الناشىء عن سبب نفسى أو تخلص من أفعاله القهرية أو افكاره التسلطية، عد فى هذه الحالة متماثلاً للشفاء!
التكيف هو قدرة الشخص على التصرف كالغالبية العظمى من الناس فى الحضارة فى الحضارة التى ينتمى اليها!
—————————-
حين يحاول المرء أن يقدم صورة للموقف الإنسانى الكامن وراء تفكير لاوتسى وبوذا والانبياء وسقراط والمسيح واسبينوزا وفلاسفة عصر التنوير حين يحاول هذا يصطدم بأنه على الرغن من الاختلافات ذات الدلالة إلا أن هناك جوهراً من الافكار والمعايير مشتركاً بين تلك التعاليم جميعاً و بوسف تقريبى لهذا الجوهر: على الإنسان أن يكافح لمعرفة الحقيقة، لا يمكن أن يصل الى انسانيته الكاملة الا بمقدار ما ينجح فى هذه المهمة. ولابد أن يكون مستقلاً وحراً، وغاية فى ذاته، لا وسيلة لأغراض أى شخص. وينبغى عليه أن يربط نفسه بإخوانه البشر مدفوعاً بالحب، فإذا لم يشعر بالحب كان قوقعة خاوية حتى لو امتلك القوة كلها والثروة كلها والذكاء كله. يجب على الإنسان أن يعرف الفرق بين الخير والشر وعليه أن يتعلم كيف يستمع الى صوت ضميره، وأن يكون قادراً على اتباعه.
—————————
أوضح التحليل النفسى أن الاعتقاد الذاتى ليس معياراً كافياً للإخلاص بأى حال من الأحوال فمن الممكن أن يعتقد شخص ما أنه يتصرف مدفوعاً بإحساس العدالة ومع ذلك يكون مدفوعاً بدافع القسوة. ومن الممكن أن يعتقد أنه مدفوع بالحب ويكون مسوقاً مع ذلك برغبة ملحة الى الاعتماد الماسوشى على غيره. وقد يعتقد شخص ما أن الواجب هو مرشده، على حين أن دافعه الرئيسى هو الغرور والواقع أنه فى معظم التبريرات يعتقد الشخص الذى يستخدمها أنها صادقة وهو لايريد من الآخرين أن يؤمنوا بتبريراته فحسب، بل أنه يؤمن بها هو نفسه وكلما أراد أن يحمى نفسه من ادراك دافعه الحقيقى كان ايمانه بها أشد حرارة وفضلاً عن ذلك يتعلم الشخص فى عملية التحليل النفسى أى أفكاره ينبع من مصدر عاطفى وأيها لا يخرج عن كونه أكليشيهات تقليدية لا جذور لها فى بناء شخصيته وبالتالى لا وزن لها ولا قيمة.
—————————
لا يمكن تحقيق الصحة العقلية والسعادة إلا بفحص تفكيرنا وشعورنا لإكتشاف أن كنا نقوم بعملية تبرير أم أن معتقداتنا متأصلة الجذور فى شعورنا.
فى كل من التفكير الدينى الإنسانى والتحليل النفسى تؤخذ قدرة البحث عن الحقيقة على انها مرتبطة ارتباطاً لا انفصام له بالوصول الى الحرية والاستقلال!
الغالبية العظمى من الناس فى حضارتنا متكيفون تكيفاً حسناً، لأنهم تخلوا عن الكفاح من أجل الإستقلال بصورة أسرع وأقطع من الشخص العصابى، فقد قبلوا حكم الغالبية قبولاً تاماً بحيث وفروا على أنفسهم ألم الصراع الحاد الذى يعانيه الشخص العصابى. مع أنهم لأصحاء من وجهة نظر التكيف ألا أنهم أشد مرضاً من الشخص العصابى من حيث تحقيق أهدافهم بوصفهم كائنات بشرية.
————————–
الشخص المتكيف الذى لا يعيش بالحقيقة، ولا يحب، يحمى نفسه من الصراعات الظاهرة فحسب فإذا لم يكن مستغرقاً فى العمل فعليه أن يستخدم سبل الهرب العديدة التى تقدمها حضارتنا وذلك لكى يحمى نفسه من تجربة الوحدة المخيفة مع نفسه والنظر فى هوة عجزه وإملاقه.
ص 77
أحبب أخاك كما تحب نفسك هى المبدأ الأساسى المشترك فى جميع الاديان.
—————–
لماذا طلب معلمو الجنس البشرى الروحيين العظام.. لماذا طلبوا من الإنسان أن يحب إذا كان الحب إنجازاً يسيراً كما يبدو أن معظم الناس يشعرون بذلك. فما الذى يدعى حباً؟ الإعتماد على الغير، الخضوع، العجز عن التحرك بعيداً عن “الحظيرة” المألوفة، السيطرة، التملك، اشتهاء السلطة، هذا هو ما يشعر به الناس على أنه حب، والنهم الجنسى والعجز عن إحتمال الوحدة يؤخذان على أنهما دليل على قدرة عارمة على الحب. ويعتقد الناس أن حب المرء لغيره أمر بسيط ولكن أن يحب المرء فـ شىء من أصعب الأمور.
———————-
ليس الصعوبة فى أن يكون المرء محبوباً بل صعوبة الحب نفسه، وأن الإنسان لا يحب الا اذا كان قادراً على أن يحب، اذا كانت قدرته على الحب تولد حباً فى شخص آخر، ولا يعلمون أن القدرة على الحب لا على بديله المزيف هى من أصعب الإنجازات!
———————–
لا وجود لدليل أشد إقتناعاً على أن وصية ” أحبب جارك كما تحب نفسك ” هى أهم شعار للحياة، وأن انتهاكها هو العلة الأساسية فى الشقاء والمرض النفسى.. أياً كانت الأعراض التى تظهر على المريض العصابى فإنها جميعاً متأصلة فى عجزه عن الحب والقصد بالحب هو القدرة على تجربة الإهتمام والمسئولية واحترام شخص آخر وفهمه والرغبة الشديدة فى نمو هذا الشخص الآخر!
————————–
لا يستطيع المرء أن يحكم على جماعته حكماً نقدياً الا اذا تجاوز مرحلة الوشائج المحرمة وقبل هذا لا يستطيع المرء أن يحكم على الاطلاق ومعظم الجماعات سواء كانت قبائل بدائية أو امما أو ديانات لا تهتم الا ببقائها والتمسك بسلطان زعمائها فهى تستغل الحس الأخلاقى المتأصل فى نفوس أعضائها لتستفزهم ضد الأعداء الخارجيين الذين تحاربهم. بيد أنها تستخدم الوشائج المحرمة لتجعل الشخص مقيداً بالاغلال الأخلاقية الى جماعته لتخفق هذا الحس الأخلاقى والحكم وذلك حتى لا ينتقد جماعته على ماترتكبه من انتهاك للمبادىء الأخلاقية بينما تدفعه الى المعارضة العنيفة اذا اقترف غيرها هذا الانتهاك!
——————————-
وانها لمأساة الأديان العظمى جميعاً أنها تنتهك مبادىء الحرية وتفسدها فى اللحظة التى تتحول فيها الى مؤسسات جماهيرية تهيمن عليها البيروقراطية الدينية. فالمؤسسة الدينية والرجال الذين يمثلونها يأخذون الى حد ما مكان الأسرة والقبيلة والدولة. وهم يحتفظون بالإنسان مغلولاً بدلاً من أن يتركوه حراً. فلم يعد الله هو الذى يعبد بل الجماعة التى تدعى الكلام باسمه حدث هذا فى جميع الاديان.
————————
من الممكن أن تتصور الأديان البدائية الخطيئة على أنها فى جوهرها انتهاك للمحرمات دون أن يكون لها أى تضمين أخلاقى. أما فى الدين التسلطى، فالخطيئة هى فى المقام الأول عصيان السلطة، ولا تكون انتهاكاً للقواعد الأخلاقية الا فى المقام الثانى فحسب.
——————-
ليس الضمير فى الدين الإنسانى هو صوت السلطة نابعاً من باطن الإنسان، بل هو صوت الإنسان نفسه والحارس على تكاملنا الذى يذكرنا بأنفسنا حين يتهددنا خطر فقدان أنفسنا. هكذا لا تكون الخطيئة موجهة ضد الإله فى المحل الأول بل موجهة ضد أنفسنا.
————————-
يتوقف رد فعل ضد الخطيئة على التصور الخاص للخطيئة ومعناتها فإدراك الإنسان لخطاياه فى الموقف التسلطى يكون مخيفاً لأن معنى أن يرتكب الإنسان الخطيئة هو أن يعصى السلطات القوية التى ستعاقب المخطىء. وضروب الفشل الأخلاقية ما هى إلا أفعال تمرد لا يمكن التكفير عنها الا فى طقوس جديدة من الخضوع ورد فعل الإنسان على شعوره بالذنب هو أنه محروم لا حول له ولا قوة، شعور بان الإنسان قذف بنفسه تماما تحت رحمة السلطة وبالتالى يأمل فى الغفران. والمزاج المصاحب لهذا النوع من الندم هو الخوف والقشعريرة.
—————————–
النتيجة المترتبة على هذا الندم هى ان الخاطىء بعد ان غاص فى شعور الحرمان يضعف من الناحية المعنوية ويمتلىء بالحقد والاشمئزاز من نفسه وبالتالى يكون ميالاً الى اقتراف الخطيئة مرة أخرى اذا إجتاز نوبة تعذيب النفس وضربها بالسياط. ويكون رد الفعل هذا أقل تطرفاً حين يقدم له دينه تكفيراً شعائرياً أو كلمات كاهن تمسح عنه ذنبه. ولكنه يدفع لهذا التخفيف من ألم الذنب ثمناً هو اعتماده على أولئك الذين يملكون إغداق الصفح والغفران.
————————
روح الحقد والتعصب فى الدين التسلطى هى نتيجة وتعويض عن حالة الخضوع القاسية! على عكس الدين الإنسانى.
ص 141 كتاب الإنسان لنفسه نفس الكاتب
————————–
حين يتصل الإنسان بهذا العالم المفكك للاشعور يستبدل الإنسان بمبدأ الكبت مبدأ التشبع والتكامل. ذلك أن الكبت هو فعل من افعال القوة من أفعال البتر، من أفعال ” القانون والنظام”، فهو يحطم الصلة بين الأنا وبين الحياة اللاعضوية التى منها انبثقت، ويجعل من ذاتنا شيئاً مصنوعاً، شيئاً توقف عن النمو، فأصبح ميتاً. وحين نقضى على الكبت نسمح لأنفسنا بإدراك العملية الحية، وبأن تؤمن بالحياة لا بالنظام!
———————–
لا سبيل الى تصور أن أى كشف تصل اليه العلوم الطبيعية يمكن ان يصبح تهديداً للشعور الدينى بل على العكس كل مزيد من الوعى بطبيعة الكون الذى نعيش فيه لا يمكن الا أن يساعد الإنسان على ان يصبح أشد ثقة بنفسه وأكثر تواضعاً.
—————————-
فهم العلوم الطبيعية المتزايد بطبيعة الإنسان وبالقوانين التى تحكم وجوده أحرى بأن يسهم فى نمو الموقف الدينى لا فى تهديده.
———————
حين كان تلاميذ بوذا يسألونه عن هل العالم متناهى أم لا متناهى، هل الكون أزلى أم لا وغيرها من المسائل دى كان يجيب دائماً وأبداً: ” أنا لا أعرف، ولا يهنى أن أعرف، لأنه أياً كانت الإجابة فإنها لا تسهم فى المشكلة الوحيدة ذات الأهمية: كيف نخفف العذاب الإنسانى؟! “
يعبر أحد أناشيد الريجفيدا عن هذه الروح أجمل تعبير ” من الذى يعلم حقاً، ومن يستطيع أن يعلن هنا متى ولد الخلق، ومتى جاء؟ الآلهة متأخرون عن خلق هذا العالم.. من يعلم إذن متى أتى الى الوجود؟ هو، الأصل الأول للخلق، هل هو الذى صاغه جميعاً أم لم يصغه، ذلك الذى تشرف عينه على هذا العالم من السماء الأعلى، هو الذى يعلم حقاً، أو ربما لم يكن يعرف “
————————
الطقس بمعناه الواسع هو الفعل المشترك المعبر عن تطلعات مشتركة متأصلة فى قيم مشتركة!
كثيرين ممن يعلنون إيمانهم بالله هم فى موفقهم الإنسانى عبدة الأصنام أو أناس بلا إيمان، على حين أن بعض الملحدين المتحمسين ممن يكرسون حياتهم لإصلاح حال البشرية ولأعمال الإخاء والحب، يتخذون موقفاً دينياً عميقاً يتسم بالإيمان.
———————
تركيز المناقشة الدينية على قبول رمز الإله أو إنكاره يسد الطريق على فهم المشكلة الدينية بوصفها مشكلة دينية ويحول دون تنمية ذلك الموقف الإنسانى الذى يمكن أن نسميه موقفاً دينياً بالمعنى الإنسانى لهذه الكلمة.
الصراع الحقيقى ليس بين الاعتقاد فى الله وبين الإلحاد بل بين موقف انسانى دينى وبين موقف هو والوثنية سواء بغض النظر عن كيفية التعبير عن هذا الموقف او كيفية تمويهه فى الفكر الواعى.
————————
جوهر الوثنية لا يكون فى عبادة هذا الصنم أو ذاك ولكنه موقف إنسانى معين يوصف بأنه تأليه للأشياء، أو لمظاهر جزئية من العالم، وبأنه خضوع الإنسان لمثل هذه الأشياء فى مقابل موقف يكرس فيه الإنسان حياته لتحقيق أسمى مبادىء الحياة مثل الحب والعقل، مستهدفاً أن يصبح ما هو بالقوة ( او الإمكان ) أعنى كائناً خلق مشابهاً للإله.
فإننا بقدر إهتمامنا بالجوهر لا بالأصداف الخارجية، وبالتجربة لا بالكلمة، وبالإنسان لا بالكنيسة نستطيع أن نتحد فى استنكار حازم للوثنية وربما وجدنا فى هذا الإستنكار من الايمان المشترك ما يزيد على أية أقوال إيجابية عن الإله. ولكننا سنجد بالتأكيد مزيداً من التواضع والحب الأخوى.
إنتهى التلخيص هنا لكن لم تنتهى القراءة ولم ينتهى التحليل ولم تنتهى المشكلة ولن تنتهى إلا بالقراءة العميقة والفهم وإستفراغ الموروثات البالية وفهم الواقع وتحليله
أدناه ملخص كتاب فروم الإنسان لذاته
يبدأ المؤلف بحثه بفصل أوَّل يحدد فيه المشكلة التي هو بصدد معالجتها، فتظهر للقارئ منذ الوهلة الأولى الثقة العلمية لإيرك فورم؛ إذ أنَّ تحديد مشكلة البحث أمر يكشف عن ملامح الكتاب ويرسم خطوطًا متقطعة لهيكله العام.
ثُمَّ ينتقل في الفصل الثاني ليقرر المشكلة تقريرًا علميًا بنفي الشبهات عنها، فيمارس قسمة ثنائية منطقية مضمرة في بحث متناسق، فينفي مقولة النسبوية في الأخلاق بطرد مصدري التسلط والوضعانية.
وفي فصله الثالث يسلك مسلكًا تحليليًا إرجاعيًا بالتدقيق في الإنسان طبيعة وطبعًا.
وأمَّا في الفصل الرابع فيسلط القلم البحثي على معالجة ما قد يوقع في النسبوية، مثل: الأنانية، الضمير، اللذة والسعادة، الوسائل والغايات، الخير والشر.. فيبدع في معالجات موضوعية ماكِنة.
ثُمَّ يختم كتابه بتقرير طبيعة المشكلة الأخلاقية، فينتهي إلى أنّ واحدة على طول الخط التاريخي، وأمَّا التحولات الثقافية فهي مُظهِرات لنفس المشكلة، وتغيرها لا يعني تغير المشكلة..
كتاب علمي مهم، أتمنى لكم معه قراءة رائقة .
الإنسان من أجل ذاته : بحث في سيكولوجية الأخلاق
عندما نتحدث عن عمل كلاسيكي فإننا عادة ما نفكر في كتاب قد كتب منذ بعض الوقت وقد ساهم في موضوع أو مشكلة على نحو أن له معنى تاريخيًا لا تزال له أهميته الدالة من يومنا هذا. إن كتاب فروم “الإنسان لنفسه” يذهب إلى أنه بحث في سيكولوجية فلسفة الأخلاق. فهل هذا البحث يعد كلاسيكيًا؟ إننا اليوم نجد أن المشكلات الأخلاقية هي حديث المدينة، ومما لا شك فيه أن فروم يساهم بالكثير في معضلاتنا الأخلاقية الراهنة في يومنا هذا- ولذلك على مدى استمر على مدار خمسين عامًا بعد صدور الإصدار الأول للكتاب. وعلى أي حال، فإن إسهامه في حقل فلسفة الأخلاق مختلف نوعًا ما بالنسبة للتوقعات التي يمكن أن تتولد لدى القراء. إنه لم يطرح أي إجابات أخلاقية على مستوى سلوكي ولكنه يركز على الشخص الذي يسلك وفي التوقانات السيكولوجية الشعورية أو غير الشعورية التي تحدد السلوك. وفي هذا الصدد فإن كتاب فروم “الإنسان لنفسه” من المؤكد أنه كتاب كلاسيكي. فلقد كان أول عالم نفسي يعلي من شأن التحديد السيكولوجي لفلسفة الأخلاق من وجهة نظر التحليل النفسي، ومن أجل التأثير الأخلاقي للتحليل النفسي.
إن البحث في المعايير المتعلقة بما ينبغي أن نفعله وألا نفعله يسمى “فلسفة الأخلاق”. وهي إذ تحدد لنا كيف علينا أن نتصرف بوصفنا قوى فاعلة تتخذ لا محالة شكل علم معياري. ولا بدّ لفلسفة الأخلاق كذلك من أن تدرس ما يمكن أن نفعله لتلبية مطالب التزام، أو لنقل ذلك بطريقة أخرى: إنها معنية أساساً بالمسؤولية الإنسانية. وليست المسؤولية ببسيط العبارة نتيجة للحرية، بل العكس: فأن يكون المرء مسؤولاً عن الآخرين وعن نفسه هو الأساس لما ندعوه “الحرية” بالمعنى الأخلاقي.
ولعل أكبر تحديين تواجههما فلسفة الأخلاق اليوم هما المطلقية والنسبوية. وبالنسبة إلى الأولى، يرى أصحابها أن المعايير الأخلاقية لكي تكون صحيحة يجب أن تكون “مطلقة”، ومن ثم فإن قضاياها الأخلاقية صحيحة قطعياً وأبدياً ولا تسمح بإعادة النظر ولا تسوّغها. والمطلقية سبب النزاعات المأساوية والكارثية، وللحروب التدميرية لا للسلام. ومن أبرز أمثلتها الثقافة الإمبريالية والثقافة الأصولية. وتقوم الثقافة الإمبريالية على الإعتقاد بالتفوقية الأساسية لشعب على بقية الشعوب التي لا يمكن أن تصل في أية مرحلة تاريخية – ولم تصل من قبل – إلى حالة التفوق، وهذا ما يبيح السيطرة عليها وعلى ثرواتها. وهي أساساً أيدولوجية تبرر إخضاع الشعوب الأخرى واستغلالها بتعريفها من جانب واحد بأنها وثقافاتها بدائية أو همجية أو إرهابية وعليها واجب حمايتها أو تحريرها أو الإنعام عليها. وقد لاحظ جاك دريدا في الخطاب الرسمي للإمبريالية الأميركية، وعلى الرغم من الفصل المبدئي للدين عن الدولة، تمسكه الجوهري بالكتاب المقدس، في عبارات من قبيل “فليبارك الرب أمريكا” “وفاعلي الشر” و “محور الشر” و “العدالة المطلقة”. إنها مثال على الكامن العنيف للثقافة في القصد والتطبيق على السواء. وفيه تؤدي الثقافة وظيفتها بوصفها النذير والأساس التصوري للحرب ولعنف الهيمنة الاستعمارية؛ وهي تؤدي وظيفتها في محاولة إخفاء أبسط أشكال الأنانية الجماعية وأقلها صقلاً. والكتاب الذين تهيمن عليهم هذه الروح كثيرون، وتمكن في ذلك العودة إلى إدوارد سعيد وكتابه عن “الثقافة والإمبريالية”. وسيلاحظ القارىء كيف دعم مفكرون كثيرون، شعورياً ولا شعورياً، وبتحرر مدهش من الإحساس بالذنب، أهداف الإمبريالية الثقافية.
أما عن الموضوع بحد ذاته فهو عن الإنسان الخام .. أخلاقياته وذاتيته دون تأثيرات خارجية .. كان هناك الكثير من المواضيع و-الأجمل -المصطلحات التي وجدتها جاهزة هنا لتعبر عن الكثير من الأفكار والتأملات الداخلية التي لدي شخصيا حول هذه المواضيع .. في هذا الكتاب وجدت الحيادية .. المنطق .. البراعة .. الفلسفة والكثير من الفلسفة المتداخلة مع علم النفس .. أحيي الكاتب الذكي والفيلسوف بحد ذاته والمترجم محمود منقذ الهاشمي الذي وحدته لايقل براعة هو الآخر في نقل هذا الكتاب العميق بلغة وأسلوب تجد صعوبة لتصدق أنه ترجمة عن نص بالإنكليزية ! لقد كان المترجم كاتبا وفيلسوفا هو الآخر .
هذا الكتاب ليس مخصص للقراءة السريعة أو قراءة “تقطيع الوقت” .. هناك الكثير من الأفكار العميقة والدسمة هاهنا .. خمسة نجوم !