وفي الوقت الذي تصاعدت فيه التحذيرات من انفجار أزمة العملة على نطاق واسع في السباق إلى انتخابات رئاسية وتشريعية حاسمة، ترك الأمر لصهر الرئيس بيرات البيرق كي يتحدث عنه، قائلاً إن الليرة التي تتعرض لضغوط هي ضحية عملية من “أصول في الخارج” تهدف إلى إسقاط الحكومة.
ذهنية الحصار
وأشارت بيتل إلى أن البيرق الذي بات في السنوات الأخيرة واحداً من أقرب الموثوقين لدى الرئيس، هو رمز لذهنية الحصار المتنامية في القصر الرئاسي. ويقول محللون وسياسيون إنه على مدى 15 عاماً من هيمنة أردوغان على السياسة التركية، فإن التهديدات الحقيقية والمتخيلة قد أجبرته على التراجع نحو حلقة داخلية من الأشخاص الذين يقولون له ما يحب سماعه. ويقول مسؤول تركي إن “مستشاريه هم حزمة من الأغبياء والمتملقين. إنه لم يعد يصغي لنصيحة ذات معنى”.
رفع الفائدة
وأوضحت بيتل أن المستثمرين يلقون باللوم في تفاقم أزمة العملية، على أردوغان لمعارضته رفع أسعار الفائدة، بعدما فقدت الليرة 17 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الشهر الماضي. وفي نهاية المطاف رفع البنك المركزي خلال اجتماع طارئ الأربعاء الفائدة بـ300 نقطة لتبلغ 5،16%. وهذه فائدة أساسية تستطيع البنوك أن تقترض على أساسها قبل أن تغلق الأسواق المحلية. واستعادت الليرة 5،2 % من قيمتها بعد تدخل البنك المركزي، لكن ذلك تبدد مع خسارة الليرة 2،2 في المئة عند بدء التداول الخميس.
آراء “غير تقليدية”
وقالت إن إردوغان كانت لديه دائماً ما يسميه المحللون تهذيباً آراء “غير تقليدية” حول أسعار الفائدة، مجادلاً بأنها تتسبب بالتضخم عوض أن تكبحه. وقبيل آخر زيادة طارئة في أسعار الفائدة في يناير (كانون الثاني) 2014، كان أردوغان يبدي معارضته- لكنه كان يصر في الوقت نفسه على استقلال البنك المركزي. وبعد أربعة أعوام، لا يزال الرئيس يقول إن البنك المركزي مستقل. لكن الكثيرين من المستثمرين لم يعودوا يصدقونه. وبينما يعمد إلى تعزيز سلطته، فإن المستثمرين باتوا يعتقدون على نحوٍ متزايد أنه لم يعد يسمع للاقتصاديين البراغماتيين.
وذكّرت بيتل بأنه بينما كانت الليرة تهبط الأسبوع الماضي، لجأ نائب رئيس الوزراء محمد شمشيك والمسؤول الإقتصادي الرئيسي في الحكومة، لجأ إلى التغريد بأنه لا يزال “يأمل ويعتقد” بأن السياسة السليمة ستنتصر. ومذذاك، لم يغرد المسؤول السابق في ميريل لينش سوى بفيديو عن الحيوانات وبرسالة تهنئة لفريق غلطة سراي التركي لكرة القدم، من دون أن يتطرق إلى وضع الليرة، إلى أن تدخل البنك المركزي.
عكس نصيحة “صندوق النقد”
ولاحظت أنه بدلاً من ذلك، غرق صوت شمشيك وسط آراء غريبة للفريق الإقتصادي المحيط بالرئيس. وبين هؤلاء يغيت بولوت، الذي اشتهر مرة عندما زعم أن أعداء أردوغان يحاولون قتله بواسطة التحريك الذهني، وجميل إرتيم، الذي تعهد الشهر الماضي، أن يفعل “تماماً عكس” نصيحة صندوق النقد الدولي.
ولفتت الصحافية إلى أنه خلال حكمه المضطرب، كان مؤيدو أردوغان يعزون إليه الفضل في قيادة اقتصاد قوي وفي أحيانٍ كثيرة اقتصاد مزدهر، بالمقارنة مع المشاكل المالية التي ورثها حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه عندما اكتسح السلطة عام 2002. ومع ذلك، فإن الطيش الذي تصرف به إردوغان حيال العملة، جعل الكثير من المراقبين في حيرة.
واعتبر الحاكم السابق للبنك المركزي دورموز يلماظ، الذي يقدم المشورة لحزب “إيي” المعارض، أن الرئيس ربما يتلاعب بالليرة عمداً من أجل إيجاد شعور بالأزمة الوطنية لتعزيز تأييده في الإنتخابات.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إن الانكسار الأخير في سعر الليرة التركية والذي تفاقم يوم الأربعاء ليشارف الآن على نسبة 25%، تحول من فشل في “الاقتصادات الأردوغانية” ليتحول إلى كابوس سياسي يهدد فرص الرئيس رجب طيب أردوغان في انتخابات الرابع والعشرين من حزيران القادم.
وفي مقال رئيسي موقع باسم هيئة التحرير، عرضت الصحيفة كيف أن نهج الدكتاتورية الذي استخدمه أردوغان في الأمور السياسية انتقل إلى السياسات المالية والنقدية على نحو أرعب المستثمرين الدوليين وأحدث هجرة عكسية في الأرصدة والاستثمارات المحلية بحوالي 30%، وهو ما حوّل الفشل الاقتصادي إلى سياسي يمكن أن تظهر نتائجه في صناديق الانتخابات.
“وول ستريت جورنال” و”بلومبيرغ”
بنفس التقديرات تقريبًا جاءت اليوم أيضًا في وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية وفي صحيفة “وول ستريت جورنال” الاقتصادية النافذة.
“الجورنال” وصفت ما حصل في تركيا بأنه “ذوبان” لليرة جعل المستثمرين في الأسواق الناشئة ينظرون إلى أوضاع تركيا بأنها نسخة مماثلة لما كان حصل في الأرجنتين، مع فارق أن أردوغان يحكمه عناد أعمى يجعله لا يرى الأمور على حقائقها، ولا يستفيد من دروس الآخرين، كما قالت.
وأوردت عدة أسباب للذوبان السياسي والمالي لليرة التركية جعلها تفقد يوم أمس الأربعاء 5%، وبإجمالي يقترب من 25% منذ بداية السنة.
رفع نافذة السيولة 16.5%
وكالة “بلومبيرغ” وصفت ما حصل في اجتماع اللجنة المالية والاقتصادية العليا ،مساء أمس الأربعاء في أنقرة بأنه هزيمة لأردوغان أمام البنك المركزي. فبعد أن كان اردوغان أعلن في مقابلة أخيرة مع بلومبيرغ بأنه سيستحدث إجراءات مالية ونقدية بعد الانتخابات قد تدفع محافظ البنك المركزي للاستقالة، عاد أردوغان مساء أمس ليخضع لتوصيات “المركزي” ويقبل برفع ما يسمى “نافذة السيولة” ب 300 نقطة، بمعدل 16.5%.
يشار إلى أن مستشاري أردوغان يروجون بأن أزمة الليرة التركية “مؤامرة أمريكية” على أردوغان أطلقها البنك الفيدرالي الأمريكي عندما قام بالرفع الاخير لأسعار الفائدة.
توقيت شديد الحرج
صحيفة “نيويورك تايمز” تحدثت عن ثمن سياسي قد يدفعه أردوغان لهذا التخبط الاقتصادي. فتوقيت انفجار أزمة الليرة يأتي في ظرف شديد الإحراج لأردوغان الذي سيطلق اليوم الخميس حملته الانتخابية التي تتضمن “ادعاءات بالإنجاز الاقتصادي ،تكذبه الأرقام على أرض الواقع”، كما قالت.
وأعطت التايمز شواهد على ذلك بارتفاع نسبة التضخم إلى 10%، ومثلها استحقاقات خدمة الديون الخارجية، فضلاً عن شواهد الفساد والمافيات ، مع تحليلات متخصصة تصل إلى حد التحذير من “أزمة اقتصادية: حسب تقديرات دورموس يلديزالمحافظ السابق للبنك المركزي التركي.
العامل الاول: الحرب التجارية التي تلوح في الأفق بين الولايات المتحدة والصين، والتي زادت من متاعب الليرة التركية، إذ تخطط بكين لفرض رسوم جمركية على أكثر من 100 منتج أميركي.
وبما أن هذه المنتجات تشكل ما قيمته 50 مليار دولار أميركي من حجم التداول بين أكبر اقتصادين في الساحة الدولية، فإن ذلك وضع تركيا بعملتها في عين العاصفة التجارية بين واشنطن وبكين.
ويضاف إلى التضخم والحرب التجارية الأميركية الصينية، عامل ثالث يتمثل في المخاطر الجيوسياسية التي تحيط بتركيا، على وقع تدخلها عسكريا ضد الأكراد في عفرين شمالي سوريا مؤخرا.
وجاءت تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي انتقد فيها السياسة النقدية للحكومة الحالية، لا سيما معارضته رفع الفائدة؛ لتزيد الطين بلة وتعمق القلق لدى المستثمرين، وتهبط بالعملة المحلية أكثر فأكثر.
يأتي ذلك كله وسط شكوك بشأن مصير نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك، أكبر مسؤول عن السياسات الاقتصادية في تركيا، إذ أشارت تقارير إلى تقديم شيمشك استقالته إلى رئيس الوزراء بن علي يلدريم الذي رفعها بدوره إلى أردوغان.