بهية.. قصة كفاح خالدة
بهية علي سليمان.
امرأة مصرية صعيدية، من محافظة المنيا، وتعيش في بني سويف.
زوجة لرجل أخرس ومريض وكبير في السن، وأم لـ ٦ أطفال، توفى منهم ٣ وبقي لها ٣ آخرين، وهي مسؤولة أيضاً عن ابناء زوجها الـ ٣ الذي أنجبهم من زواجٍ سابق.
لديها إبنتها ‘جنى’ البالغة من العمر ٤ سنين، مريضة وتحتاج لعملية.
وتوفت إحدى بناتها ‘منة’ البالغة من العمر ١٣ عاماً في رمضان الماضي إثرَ حادثة حريق حدثت في “تك تك”.
حلقت شعرها وأسمت نفسها “بَكَار” وعاشت في ملابس الرجال لمدة ٥ سنوات لتستطيع الإنفاق على ابناءها.
منزلُها عبارةٌ عن “خرابه”، وبقيت هي وعائلتها في خيمة في الشارع لمدة (٤٥) يوم بلا مَأوى.
عمِلت في كثيرٍ من الأعمال الشاقَة، وباعت كليتها لمستشفى بـ ٢٥ ألف جنيه، لتستطيع تسديد أحد ديونها مع العلم أنها تعرضت للنصب من قِبل المستشفى فهذا ليس السعر التي تُشترَى به الكلى، وعانت بعد بيع كلاها من تكون ‘صديد’ على الكلية الأخرى مما أتعبها جداً، وما زالت أيضاً مُعرضة لخطر السجن لأنها لم تكمل تسديد ديونها.
والدها متوفي وأمها امرأة كبيرة في السن ولديها أخوات لم تكلف الواحدة منهم نفسها ان تمُد يد العون لأختها بالرغم من أن جميعهن حالتهن المادية جيدة ولم يكلفن انفسهن حتى بالسؤال عنها، لم تسأل عنها وتشجعها إلا امها، وليس كالأم أحد.
ما حدث لبهية هو دليلٌ على بشاعة الحياة وقسوتها..
يحدثك عن السعادة وانها بيدك وانك تستطيع تحقيق اي شيء إن اردت حتى لو اضطررت لبيع “كليتك” ويجب ان تتفائل فالحياة جميلة، وإن حدثته بواقعية هاجمك وقال لك انك شخص متشائِم ونكدي ولا ترى جمال الحياة وروعتها، يقول لك هذا الكلام وهو يجلس أمام مسبح في أفخم فنادق أوروبا.
كل من يحدثكم عن السعادة والتفاؤل في حالٍ سيء ما هو الا مخلوقٌ حقير.
أين ستصرف هذه السيدة العظيمة المناضلة الفولاذية، كل الكلام السلبي السخيف الذي سيأتيها؟!
ماذا ستفعل بالتفاؤل والإيجابية؟!
من سيعوضها عن سنينها التي مضت وهي غير مرتاحه فيها؟!
من سيعيد لها سعادتها وانوثتها وطاقتها التي افنتها؟!
من سيخبرها كم هي عظيمة ورائعة ويحدثها عن الحكمة التي تستلهمها من قسوة الظروف؟!
من سيعيد لها شبابها الضائع؟!
من سيرسم البسمة المفقودة على شفاهها؟!
تمت استضافتها في برنامج (٩٠ دقيقة) على قناة: المحور.
البرنامج الذي استضافها لم يركز الا على تصرفها وتغييرها لشكلها!
وتجاهل البرنامج والجميع حجم قذارة وحقارة الدولة التي تجبر مواطنيها على مثل هذه الحياة القاسية وتخضعهم تحت سطوة بشاعَة الظروف، كما أن احد المتصلين قام بـ”التطبيل” للساسة على حساب هؤلاء المساكين!
ياااااه ما اقسى الألم الذي شعرت به عندما قالت :
“بعمل كده عشان عيالي”.
ما أعظم الأمهات وما أعظم الامومة، لا شيء يقسم الظهر كالوجع على الأطفال والخوف عليهم.
لن يضحي أحد بحياته ويقتل شغفه بالحياة لأجلك، سوا والديك.
وقالت:
“لو معملتش كده، كنت حغضب ربنا، وأنا مش عايزة أغضب ربنا”
ثم يأتيك المتأسلمين يتحدثون عن إيمانك وعن قلة صبرك واحتسابك وعدم ثقتك بالله.
وانك لا تعرف الله، هم فقط من يعرفون الله ويتحدثون بـ اسمه، ويصنفون الصالح من الطالح واهل الجنة من اهل النار.
ينتقدونها وينعتونها بقليلة الإيمان لأنها فعلت ذلك وكان الأجدر بها ان تتستر وتتقوقع في منزلها حتى تموت من الجوع هي وابناءها لان ما فعلته يخالف المرأة المسلمة المحتسبة، وأن ما فعلته تشبهاً بالرجال ولعن الله المتشبهين من النساء بالرجال حتى لو كانت تبحث عن مصدر رزقٍ شريف، يتغاضون عن نضالها وكفاحها وبطولتها ومعاناتها وحزنها ولا يهتمون بالقضية ولا الظروف ولا اهمال الدولة للشعب ولا يهتمون بصراعها المؤلم مع ذاتها ومع الدنيا، يركزون على القشور فقط، عليكم لعنة الله يا مدعين الأخلاق والفضيلة.
وقالت ايضاً:
“من بعت الكلية لي سنة ونص مش قادرة أوقف على رجلي، تعبت”
ضحت بصحتها فقط لتستطيع الإهتمام بعائلتها، ما أعظمكِ يا بهية!
قالت:
“أنا ما فيش حصيرة أنام عليها في البيت”
مواطنة مصرية في وطنها الأصلي ليست مغتربة، لا تجد ما تنام عليه؟! لماذا حال شعب أم الدنيا هكذا؟! إن لم يعزهم وطنهم فمن سيعزهم ويكون عوناً لهم؟!
ولا أستطيع وصف مقدار وقاحة ’معتز الدمرداش’ الذي كان هذا أول سؤال له بعد أن ذرفت بهية دموعها بحُرقة:
“ما وحشكيش إنك تبقي ستّ؟”.
وأجابته بإجابة مؤلمة جداً.
يزيد جرحها جرح وألمها ألم فقط ليسير مركب الدراما في الحلقة ويُرضي الرأي العام على حساب قهرها ومعاناتها.
https://www.youtube.com/watch?v=1OtGRN6PYPM
لأ. ما وحشهاش إنها ترجع أنثى،كانت فقط تنتظر سؤالك الحاذق الذي ينُم عن إحساس عالي جداً بالآخرين لتجيب بنعم.
من يريد أن يثني عليها كان يقول لها: “انتي امرأة بـ١٠٠ رجل”، في حين لو أن احدهم أراد اهانة رجل لقال له: “يا إمرأة أو يا حرمه أو يا بنت”!!
منذ متى والرجل مقياس الشجاعة، هي امرأة شجاعة وشجاعة بكونها امرأة والرجل ليس وسيلة لمدحها.. ومنذ متى والمرأة تستخدم كشتيمة وإهانة!!
يا أمةً ضحِكت من جهلها الأممُ.
القصة هذه ترمُز لقهرِ النساء في مجتمعات “الشرق الأوسخ” للأمراض العقلية، التي جعلتها تضطرُ لطمس أنوثتها وتكون ذكر لتستطيع العمل ولتحمي نفسها وتطعم زوجها وأطفالها، مجتمعات مريضة متخلفة جاهلة رجعية منحطة.
ويخرج لك أحد البُلهاء ليقول أن بهية شوهَت صورة المرأة المسلمة وانها بلا شرف، من يرى ان بهية ليست شريفة لانها غير محجبة واختلطت بالرجال فهو عديم شرفٍ وانسانية وعقل.
وبهية وغيرها من الكادحات العظيمات أشرف منه ومن بعض المحجبات اللاتي لا يعرفن الشرف الا بالأقمشة وهن الأبعدُ عن الشرف.
القماش ليس مقياس لشرف الانسان فكم من متبرجة شريفة وكم من محجبة حقيرة، الشرف بالعقل وليس بالجسد، والمرأة عظيمة بعقلها وقلبها قبل حجابها وشكلها.
شرف المرأة ليس في الجسد والحجاب؛
شرف المرأة في عقلها وحكمتها وقوتها.
بهية منذ سنوات تعيش ظروف صعبة جداً ومع ذلك لديها طفلة لم تتعدى الـ ٤ سنوات، لو افترضنا أن الأطفال السابقين ولدوا والعائلة في حالة مادية جيدة!!
لماذا تُنجبون أبناء وانتم لا تستطيعون إعالتهم وتربيتهم وتأمين الحياة الطبيعية لهم؟!
متى ستتوقف ثقافة التفريخ هذه والإنجاب بلا تنظيم ووعي؟!
لماذا تأتون بالأطفال إلى هذه الدنيا البائسة ليُكابدوا معكم عناء المعيشة؟!
لماذا تزيدوا الحِمل على انفسكم وأنتم تعانون من ظروف صعبة؟!
توقفوا عن الإنجاب إن لم تكونوا صالحين لذلك.
لو كانت بهية رجل لتخلى عن زوجته بالطلاق او بالزواج من غيرها بعذر انها لا تستطيع ان تقوم بواجبه وواجب ابنائه!
اما بهية فكانت وحدها أم وأب عظيمين♡
ما أعظم وفاء المرأة عندما تحب.
أعتذر بالنيابة عن الوطن والمجتمع والأسرة والإعلام لهذه السيدة العظيمة عن جميع ما تعرضت له.
ستبقين شامخة عظيمة رائعة بهية قدوة جميلة، ستبقين دائماً المرأة الأقوى والأعظم والأفضل، انتي وجميع النساء الرائعات امثالك.
كم بهية بيننا يا ترى؟!
ما أروعكِ!
كم انتي بهيةٌ يا بهية.
بهية قدوة وفخر، لجميع نساء الأرض.