فريق التحرير
أدّى الانفجار الذي هزّ لبنان ووصل صداه إلى العالم بأسره يوم أمس إلى تدمير جزءٍ حيويّ من مدينة بيروت كما ألحق أضرارًا بالغة بالمباني والبيوت المحيطة بالمرفأ، وأدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة الآلاف، وهي أرقام ما تزال مرشحة للارتفاع، حيث البحث ما يزال جاريًا عن المفقودين تحت الأنقاض، وما تزال المستشفيات في العاصمة وما حولها تحاول استيعاب الأعداد الهائلة من المصابين في ظل أوضاع صعبة يعاني منها القطاع الصحي المنهك في البلاد.
هذا الانفجار الذي أدّى إلى إعلان السلطات اللبنانية بيروت مدينة منكوبة، عزاه العديد من المحللين والمعلقين إلى إهمال مريب في التعامل مع كميات ضخمة من موادّ قابلة للانفجار مثل نترات الأمونيوم، والتي تبلغ الكميات المخزنة منها حوالي 2700 طن بحسب تصريحات رسميّة، وقد تركت مهملة في أحد المستودعات القديمة لأغراض بيعها أو إتلافها منذ أكثر من أربع سنوات.
وقد شهد العالم منذ مطلع القرن العشرين العديد من حوادث الانفجارات المتعلقة باحتراق بالأسمدة الصناعية، وخاصة نترات الأمونيوم ذات القوة الانفجارية العالية، حيث سجّل أكثر من 30 حادثًا مروّعًا لانفجارات نترات الأمونيوم منذ العام 1916، ابتداءً من حادثة تعرف باسم “الانفجار العظيم” في أحد المصانع في المملكة المتحدة عام 1916، والتي تعدّ أسوأ حادثة انفجار في تاريخ مصانع المتفجرات في بريطانيا، وانتهاء بكارثة انفجار مرفأ بيروت يوم الثلاثاء 4 آب/أغسطس.
عد ليل مأساوي ودموي لم تشهد له مثيلًا حتى في أعتى الحروب التي عرفتها، استفاقت بيروت المنكوبة صباح الأربعاء، واستفاق معها اللبنانيون، الذين لم ينم معظمهم، على مشهدية صادمة وموجعة. شمس الصباح أظهرت بيروت كمدينة أشباح تعرضت لزلزال مدمّر لتوّها. أعداد الجرحى فاقت القدرة الاستيعابية للمستشفيات وتمت معالجة مئات الحالات في الشارع وبمواد أولية، في ظل الحديث عن عشرات القتلى وآلاف الجرحى، فيما كان مصير عدد كبير من المواطنين مجهولًا، مع ترجيحات بارتفاع عدد الضحايا مع الوقت، بعد القيام برفع أنقاض المباني المهدّمة.
بعد ليل مأساوي ودموي لم تشهد له مثيلًا حتى في أعتى الحروب التي عرفتها، استفاقت بيروت المنكوبة صباح الأربعاء، واستفاق معها اللبنانيون، الذين لم ينم معظمهم، على مشهدية صادمة وموجعة
وفيما لفّ الغموض ملابسات وأسباب حدوث الانفجارين الذين طالا مرفأ بيروت في ظل تضارب الأنباء وتعدّد الروايات، وفيما وعد رئيس الحكومة حسان دياب المواطنين في خطاب متلفز بأن الحقيقة ستُكشف وبأن المسؤولين والمقصّرين سيلقون العقاب، يبدو أن اللبنانيين لا يملكون أي ثقة بالخطاب الرسمي، ويخشون أن يتم التحايل على القضية كما جرت العادة في كل المآسي السابقة التي أصابتهم.
وبالرغم من عشرات التفجيرات التي شهدها لبنان في السنوات الأخيرة، واستهدفت شخصيات سياسية وعسكرية أو تجمعات مدنية، فإن انفجار مرفأ بيروت يختلف عن كل ما سبق في الشكل وفي المضمون، وقد سُمع دويّه في عدد كبير من المناطق اللبنانية، بل أن عددًا من سكان جزيرة قبرص قالوا إن صوت الانفجار وصل إليهم. المصوّر الصحفي ابراهيم الجاويش قال إنه خلال 24 سنة من عمله في التصوير والتي شهد خلالها الكثير من الحروب، لم يرَ شيئًا مشابهًا لما رآه في الأشرفية (بيروت) بُعيد التفجير.
المرفأ معطّل والأمن الصحي والغذائي في خطر
بالإضافة إلى الخسائر البشرية، خلّف الانفجار أضرارًا مادية جسيمة في المباني والمؤسسات التجارية المحيطة بمنطقة المرفأ، إضافة للمنشآت الأثرية والمستشفيات ودور العبادة. وتعرّضت إهراءات القمح ومستودعات الأدوية المستعصية لأضرار بالغة قضت على جزء كبير منها، ما يشكّل تهديدًا جدّيًا للأمن الغذائي والصحي في الفترة القادمة، مع العلم أن مرفأ بيروت يعد العصب الأساسي في حركة الاستيراد والتصدير في لبنان. وقد تضرّرت بشكل كامل أو جزئي مئات السيارات التي تساقطت أنقاض الأبنية فوقها، فيما أدى عصف الانفجار ودويّه إلى تحطيم الزجاج في معظم مباني مدينة بيروت، ووصلت الأضرار إلى مباني تبعد أكثر من عشر كيلومترات عن موقع الانفجار.
يقيم في بيروت وضواحيها اليوم أكثر من مليوني نسمة، ويستطيع كل واحد منهم أن يخبر بروايته الخاصه لما حصل عصر الثلاثاء. يشعر كل واحد منهم بأنه نجا من الموت بأعجوبة، لأنه تأخّر خطوتين في المشي، أو لأنه خرج من الغرفة التي انهار زجاجها قبل دقيقتين. وقد وجد الآلاف أنفسهم بدون مأوى بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بمنازلهم، فيما انتشرت تحذيرات على وسائل التواصل الاجتماعي من استنشاق الهواء بشكل مباشر في ظل انبعاث مواد كيميائية سامة من سحابة الدخان المهولة التي غطت سماء بيروت. وقد كان لافتًا في هذا المجال، إعلان مئات المواطنين من مختلف المناطق اللبنانية، ومن خلال مواقع التواصل عينها، عن تقديم منازلهم لأهل بيروت الذين تدمّرت منازلهم.
شهادات حية.. الموت يحيط بنا من كل جانب
تواصل “ألترا صوت” مع عدد من المواطنين الذي عايشوا الانفجار، والذين تشابهت شهاداتهم إلى حد كبير، حيث وصفوا جميعًا ما جرى بالكابوس المخيف، وبأنهم لم يختبروا في السابق شعورًا قريبًا لما خبروه الثلاثاء. تقول “فرح” أنها كانت في أحد شوارع الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية لحظة حدوث الانفجار، وتروي حالات الهلع التي أصابت المواطنين في الشارع. وبعد تقصّي الحقيقة وتبيّن طبيعة الانفجار وموقعه، توجّهت فرح إلى منطقة الجميزة القريبة من المرفأ للاطمئنان على زملائها في العمل.
تصف المشهد المرعب هناك، وتقول إنها شعرت بأن بيروت بلا سماء وبأن المباني كلها ستسقط في أية لحظة. زملاؤها في العمل أُصيب معظمهم بفعل تحطّم الزجاج. توجهت فرح إلى مستشفى الروم للبحث عن إحدى صديقاتها المفقودات. هناك، تقول، كانت الجثث تملأ المكان، وسيارات الإسعاف تتحرك في كل الاتجاهات، الموت في كل مكان. تقول فرح إن أحداث الثلاثاء ستترك آثارًا نفسية وجروحًا عميقة في نفوس الذين عايشوا اللحظة والساعات التي تلتها. تضيف: “لقد مات كل شيء في داخلنا، لقد قتلتنا هذه السلطة”.
لماذا تنفجر الأسمدة النتروجينية؟
تحتاج المزروعات إلى النتروجين لبناء الأحماض الأمينية والبروتينات، ومن الصعب الحصول على القدر الكافي من النتروجين من الطبيعة، بالرغم من أن النتروجين يشكل حوالي 80 بالمئة من الغلاف الجوي من حولنا. وبحسب ما تنقل مجلة نيويوركر فإن نترات الأمونيوم تعد من أكثر الأسمدة الصناعية استخدامًا في العالم، وهي تساعد في تزويد المزروعات بما يكفي من النتروجين لنموها، فنترات الأمونيوم تتكون من النتروجين والهيدروجين والأكسجين. ولأن الرابط الكيميائي بين هذه العناصر أقل ثباتًا مقارنة بروابط النتروجين في الغلاف الجوي، فهذا يساعد المزروعات على الحصول على النتروجين بشكل أسرع، أما النترات (NO3) فهي موجودة أصلًا بشكل يمكن للمزروعات الاستفادة منه، بينما يتحول الأمونيوم (NH4) إلى نترات مفيدة عبر البكتيريا الموجودة في التربة، ويكون مفيدًا للمزروعات على مدى أطول.
لكن لو نظرنا إلى جزيء النتروجين N2، فإنه بحاجة إلى قدر هائل من الطاقة لفصل ذرتي النتروجين عن بعضها وكسر الرابط بينهما، وفي المقابل سيكون هنالك قدر هائل من الطاقة الصادرة في حال اندماج الذرتين معًا من أجل تشكيل الرابطة. ومن المعروف أن ذرات النتروجين تنتقل من حالة أقل ثباتًا ذات إمكانات طاقوية عالية (كما هي في NO3 أو NH4)، إلى حالة أكثر ثباتًا وطاقة أقل (كما هي الحال في N2)، بحيث يتم إطلاق الطاقة الزائدة بشكل سريع جدًا، بل حتى بشكل انفجاري، ولهذا السبب نرى أن العديد من العناصر الكيميائية المستخدمة في المتفجرات، مثل النتروجليسرين والنتروسيليلوز وثلاثي نيتروتولوين (TNT)، هي مركبات يدخل النتروجين في تركيبها.
وبحسب نيويوركر فإن السبب الذي يجعل نترات الأمونيوم لا تنفجر بشكل تلقائي هو ما يعرف باسم “طاقة التفعيل”، وهي الحد الأدنى من الطاقة الضرورية لبدء تفاعل كيميائي. فطاقة التفعيل الخاصة بانفجار نترات الأمونيوم عالية بالحد الكافي لجعلها غير قابلة للانفجار في الظروف الاعتيادية اليومية. لكن في حال وجود قدر كاف من الطاقة، مثل حريق أو شعلة تفجيرية، فإن الآثار قد تكون مدمّرة. فنترات الأمونيوم تشتمل على وقود ذاتي، وهو الأمونيوم، وعامل الأكسدة الذاتي، وهو النترات، ما يجعل عملية الاحتراق قادرة على الاستمرار بذاتها وبشكل قويّ ومكثّف. وهذا ما يجعل السلطات المختصة في العديد من الدول في العالم تفرض إجراءات خاصة فيما يتعلق بتخزين نترات الأمونيوم ونقلها وكميات شرائها وتوزيعها.
شهدت العاصمة اللبنانية بيروت، عند الساعة السادسة من مساء الثلاثاء 4 آب/ أغسطس الجاري، انفجارًا ضخمًا تحوّلت بفعله إلى مدينة منكوبة، وفقًا لما أعلنه محافظ بيروت مروان عبّود في تصريحٍ صحفيّ تحدّث فيه عن فقد الاتّصال بعناصر من فوج إطفاء العاصمة عقب دخولهم مكان الحادثة.
مستشفيات بيروت تعجز عن استيعاب المزيد من الإصابات
أعلنت مستشفيات العاصمة اللبنانية بالإضافة إلى تلك المحيطة بها أيضًا فقدانها القدرة على استقبال المزيد من الإصابات بفعل الأعداد الكبيرة التي وصلت إليها، عدا عن الأضرار الكبيرة التي لحقت بها نتيجة الانفجار
وأفادت معلومات أوّلية غير مؤكّدة أنّ الانفجار الذي هزّ العاصمة اللبنانية، ووصلت ارتداداته إلى مختلف المناطق الأخرى المُحيطة بها، نتج عن حريق اندلع في العنبر رقم 12، وطال كمّيات كبيرة من المواد المتفجرة المخزّنة في مرفأ العاصمة منذ أكثر من أربع سنوات، مما أدى إلى اشتعالها وانفجارها موقعةً أكثر من مئات القتلى والجرحى، بالإضافة إلى خسائر مادّية هائلة طالت المنازل والأبنية والمؤسّسات المحيطة بالمرفأ.
في هذا السياق، أشارت وسائل إعلامية لبنانية إلى صعوبة عمليات الإجلاء وإخماد النيران التي تقودها فرق الدفاع المدنّي بالإضافة إلى فوج إطفاء بيروت بسبب انقطاع التيّار الكهربائيّ في المنطقة، وتحطّم أعمدة الإنارة أيضًا، في الوقت الذي تواصل فيه المجموعات التابعة للصليب الأحمر اللبنانيّ نقل الجرحى إلى المستشفيات بعد طلب إدارة المؤسّسة من جميع المسعفين الاستنفار العام والالتحاق بمراكزهم لمواجهة الكارثة.