هل هناك معجزات؟ وهل هي دليل شرك وإلحاد لا توحيد وإيمان؟

عن المعجزات وهل هي دليل شرك وإلحاد أم دليل توحيد وإيمان؟ كتب منصور الناصر. مع فيديو حول الموضوع، قائلا إن المعجزات دليل شرك لا توحيد.

Advertisements

شاهدت اليوم حدثا عجيبا لم اكن أصدق حدوثه أبدا في أي زمان ومكان.. لولا أنني شاهدته بعيني هاتين..ليس وحدي بل كان هناك آلاف الأشخاص..

أظن أنني شددت انتباه من يسمعني الآن. وأشعلت داخله رغبة لمعرفة ما حدث..
في الحقيقة لا توجد أي حكاية ولا أي معجزة .. لكنني أردت الإشارة إلى رغبتنا الشديدة لما هو غير معتاد.
فما مصدر هذه الرغبة؟ وما سر تعلقنا الشديد بها، إلى درجة أنها تجعلنا نفقد قدرتنا على التفكير المنطقي السليم؟

وما هي المعجزات؟ ولماذا يتمنى الإنسان كسر قوانين الطبيعة إلى درجة أنه اعتنق أديانا تنتهك أغلبها قوانين الفيزياء وحتى الآلهة؟

أهذ هو ما دفع بعض المفكرين إلى القول بأن الإيمان بالمعجزات هو إشراك بالله؟
إيمان بوجود إلهين .. أحدهما يخلق العالم، والآخر ينتهك قوانينه؟
ثم هل هناك دين بلا معجزات؟ ..و لماذا لا نكاد نجد دينا إلا وينطوي على عشرات الحكايات العجيبة والغريبة؟

هذه الأسئلة وغيرها حاولت البحث عن اجوبتها وتفسيرها لدى عشرات المفكرين والفلاسفة فكان هذا الفيديو.. فكونوا معي.

نتائج البحث


قبل البداية، سأكشف ما توصلت إليه مقدما، وكما يلي:

Advertisements
  1. أن الإيمان بالمعجزات إشراك بالله  .. سواء بعلم أو دون علم.
  2. أن المعجزات كالأساطير، هي بقايا ديانات قديمة ورثتها الأديان الحية، وفشلت في إيجاد ما يعوض عنها.
  3. أن المعجزات موجودة فعلا.. ولكن في رؤوسنا فقط!
  4. أن حاجة الإنسان الأساسية، ليس إلى الدين، إنما حدوث المعجزات.
  5. أن سبب تخلفنا هو إيماننا بالمعجزات، ليس لرفضنا العلم والمنطق العلمي فقط، بل لأن ثقافتنا الدينية تتعمد جعلنا عاجزين عن فهمه والعمل به.  
  6. أن الحياة هي بحد ذاتها معجزة، بما في ذلك وجودنا وهذا الكون الشاسع وكل شيء. بل أننا نحن أنفسنا ككائنات أكبر معجزة..
  7. أن لا وجود لكلمة معجزة لا في القرآن ولا الإنجيل! وهما لا يتحدثان عن معجزات إنما عن آيات.

هذا الكلام قد يغضب البعض.. وكل ما أتمناه أن تبقوا معي لكي نعرف معا
كيف توصلت إلى هذه النتيجة.


وهي نتيجة لا أدعي أنها نهائية، فأنا على استعداد لمراجعتها وتغييرها رأسا على عقب،
لهذا اطمع بسماع آرائكم في التعليقات، وسأهتم بها جدا.

Advertisements

النقاط الرئيسة للمحاضرة


سأقدم أولا عرضا تاريخيا وفلسفيا محايدا عن فكرة الإعجاز والمعجزات وسبب انتشارها.

Advertisements

حديثي سينقسم إلى سبعة نقاط:

  1. عن المعجزة من وجهة نظر الراوندي وابن سينا وابن رشد والغزالي وسبينوزا وديفيد هيوم.
  2. عن المعجزة بوصفها طعن بوحدانية الله
  3. عن تحليل فكرة وظاهرة المعجزات
  4. عن وجود نوعين أساسيين للمعجزات طبيعي وغير طبيعي
  5. عن الحاجة للربط بين الدين والإيمان والمعجزات
  6. عن أضرار وفوائد المعجزات وهل هي حاجة بشرية؟ا
  7. عن حل مشكلة الإيمان بالمعجزات وعن جدوى هذا الفيديو والمقال.

المعجزة في تاريخ الفكر

حماس عاطفي أم مناقشة عقلانية؟
المشكلة هنا أننا سنقف في مفترق طرق، بين الحماس العاطفي والحاجة الماسة لمراجعة عقلانية هادئة.
وبناء على القرار المتخذ، سيتحدد مصير النقاش!
بالطبع الأغلبية ستفضل الحماس العاطفي، لأنه أسهل بكثير، ولا يحتاج جهدا عقليا.

Advertisements

غالبا ما تسيطر العاطفة على كل حديث عن المعجزات

لكن الأمر المهم الذي يجب طرحه، فكريا.. هو هل ان  المعجزة تخرق نظام الطبيعة كما يقول سبينوزا،
وإذا كان خرق نظام الطبيعة عبر التدخل الإلهي ضروريا، ويتطلب إرسال رسول “يذكّر”، الناس بعبوديتهم وواجبهم
 .. فمن سيكون حينئذ المالك الحصري لهذا النظام؟

هل هو الذي اخترق النظام أم الذي كان مشرفا على هذا النظام؟

هل يتمرد الله على نفسه؟ لأنه لو فعل ذلك فقد تناقض مع نفسه، فما الفرق حينئذ بينه وبين العابدين؟

وهذا معناه أن التدخل الإلهي ليس دليلا على صحة وجود الإله، كما يعتقد الجميع.
فأي إله مرتبك هذا الذي يتمرد على نظام خلقه بنفسه؟

هل أن إرسال الأنبياء هو أشبه بإرسال خبر عاجل أو قرار عاجل يكسر إيقاع الحياة اليومية؟

أمر آخر: أين هي هذه المعجزات؟ من رآها بنفسه؟ لماذا لا تتكرر وكل ما يقال عنها، يسبح في أفق الحكايات والقيل والقال؟

ربما يقال أن المعجزة لا تحتل ركنا أساسيا في الدين، ولكن هل يمكن لدين أن يوجد ويستمر بدون إيمان بالمعجزات؟

وإلا ما الذي يبقى من المسيح دون قيامة؟ وما الذي يبقى من محمد دون جبريل ووحي وكتاب منزل؟
وما الذي يبقى من موسى دون عصاه ولوح وصاياه؟.

ألا توصف المعجزات هكذا بانها القلب النابض لكل دين، وأن الاديان بدونها ستذبل وتموت؟.

ولو حصل ان ماتت الاديان فما الذي سيبقى منها؟

Advertisements

المعجزات بمنظور فلسفة الدين

تدّعي أغلب الأديان وقوع أحداث خارقة أخبر عنها من شهدها، ولكل دين أحداثه الخارقة المختلفة، فهي مرة تقوم بها كائنات روحية، غيبية أو أنصاف آلهة، أو كما في معجزات الأديان التوحيدية.

ولفظ المعجزات اصطلاحًا هو محدث خارق للعادة (أي القوانين الطبيعية) بسبب تدخل قوة ما ورائية تجاوزت على على النظام الطبيعي لهدف ما ولحظة ما، ليتغير المسار الطبيعي للحدث.

وهذا يستدعي التساؤل عن عبارة “الدال على قدرة الله”: أهذا يعني أن للطبيعة قدرة منفصلة عن قدرة الله؟
فما نتوقعه أن تتجلى قدرة الله في الطبيعة كلها، وإلا لماذا نعتبر اختراقه نظام الطبيعة، التي تخضع لأمره، دليلاً على قدرته؟ وعليه: أيخرق الله قدرته ليدل على قدرته؟

حجة المعجزات 

هي حجة لوجود الله 

حجة المعجزات حسب ويكيبيديا هي حجة لإثبات وجود الله وتعتمد على الاعتقاد بأن الأحداث التي تتم مشاهدتها ووصفها كمعجزات – أي كأحداث لا يمكن تفسيرها وفق القوانين الطبيعية أو العلمية – تشير إلى تدخل فوق طبيعي .


ومن الأمثلة على هذه الحجة الحجة المسيحية: الإدعاء بأن الأدلة التاريخية التي تثبت أن يسوع المسيح قام من بين الأموات وأنه لا يمكن تفسير ذلك إلا إذا كان الله موجوداً. حجة أخرى هي الادعاء بأن العديد من نبوءات القرآن قد تحققت وأنه لا يمكن تفسير ذلك أيضاً إلا في حالة وجود الله.


من المدافعين عن الحجة سي. إس. لويس وغلبرت كايث تشيسترتون وويليام الأوكامي .

المعجزة بين الماضي والحاضر

الراوندي

سأبدأ من الراوندي وهو اقدم المعترضين

ناقش الراوندي أمر المعجزات وقدم براهين كثيرة على استحالة حصولها، ولم يكتف بهذا إنما تهكم من فكرة نزول ملائكة لمقاتلة قريش في يوم بدر، قائلا أين اختفى هؤلاء يوم أحد؟.. وما وصلنا منه كان في أغلبه محاولة لنفي النبوة أكثر مما هو نفي لحدوث المعجزات.

الرازي


تابعه في ذلك الرازي الطبيب، ومضى أبعد وقال ان العقل وحده يكفي لمعرفة الخير والشر ولا حاجة لإرسال انبياء، كما ان الانبياء متناقضون فيما بينهم.

وفي التراث العربي صنف عضد الدين الإيجي مواقف المعترضين إلى ستة اصناف منها ان تجويز خرق العادة سفسطة، وإلا لجاز انقلاب الجبل ذهبا، واواني البيت رجالا، وولد هذا الشيخ أمامي بلا أم ولا أم!

ولكن هل المعجزة دليل على صحة الرسالة النبوية؟
 الجواب صعب لأنه صار رسولا بعد المعجزة.. وهذا لا يمنع وجود أحد غيره يقوم بالفعل نفسه. ص 175المواقف في علم الكلام ص 345

Advertisements

معظم الفقهاء المسلمين عرّفوا المعجزة بأنها: “أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم عن المعارضة. ويظهر على يد مدعي النبوة، موافقاً لدعواه” (د. محمد القاسم الشوم، “علوم القرآن ومناهج المفسرين”؛ دار الكتاب العلمية – بيروت؛ ص 151).
والمقصود من التعريف السابق، هو أن المعجزة هي عمل خارق لا يقدر عليه أي شخص آخر!

ولهذا سميت بالمعجزة لأن الخصم يعجز عن الإتيان بمثلها (الفخر الرازي، “مفاتيح الغيب”؛ 14/ 119).

وهذا التعريف ضعيف، أولا: لأن المعجزة عمل خارق لقوانين الطبيعة، وليس للعادة وإلا أصبح كل من يكسر العادة نبيا!

وثانيا: أن تحدي الآخرين دون وجود معارضة، لا يدل على حدوث معجزة أيضًا!
فهناك آلاف الذين كسروا الأرقام القياسية، كما أن أيا من البشر لا يستطيع ان يصل مستوى رونالدو أو ميسي في كرة القدم.
وواضح أن التعريف الفقهي يحاول تجاوز مشكلة كسر القوانين الطبيعية، وهو أمر وجد له الإمام الغزالي حلا ذكيا كما سنبين لاحقا.

ابن رشد

أما ابن رشد: فقال إن المعجزات أمر ديني: جزء من الشريعة وامر ديني،لا علاقة له بالقوانين والطبيعة. لأن فكرة “الجواز” الدينية لدى الأشاعرة أي الخروج على نظام الطبيعة لا يؤدي لمعرفة الله بل الجحود به. وانتقد بشدة الأشعريين على دفاعهم المستميت عن فكرة الجواز.

 لأنه ينفي الحكمة عن الصانع ولا يدل على وجوده.
 محمد مزوز ف.د. 65، ابن رشد الكشف عن مناهج الأدلة166 و169.


الغزالي:

أما الغزاالي فقد أبطل مبدأ السببية لكي يثبت وجود المعجزة وليس لكي يثبت حقيقة التجربة كما فعل هيوم.. فقال كلا: انها أمر طبيعي.. وضرب مثالا بإنسان يطلي نفسه بمادة وسوف لن يتأثر بالنار ولو وضع وسط التنور! .. وقال بالطبع لن يصدق هذا الخبر كل من لم يره.. لكنهم لو عرفوا السبب لما استغربوا.    


لأن هناك فجوة بين العلة والمعلول. وغاية الغزالي أن يثبت إمكانية كسر العادة، لكي يفسح المجال أمام التدخل الإلهي.  تهافت الفلاسفة دار المشرق ص 195

ونقول إن مثال الغزالي جيد ومقنع: لكن مشكلته أنه يبقي المعجزة داخل العالم.. وهنا تنتفي عنها صفة المعجزة، بل قد تحسب هكذا، على أنها نوع من انواع السحر والمهارات البهلوانية.


خطورة جواب الغزالي يكمن في أنه حل مشكلة فقهية عانى منها جميع علماء الكلام وأصول الفقه في تبرير المعجزة..
لكنها أدت إلى إنقاذ الدين ومعجزاته على حساب العلم والتجربة..فلم التجربة ذات قيمة ولا مصدرا للمعرفة.


بل إن الغزالي دعا إلى عدم تدريس العلوم والرياضيات. وهذا ما نعاني منه حتى الآن,

ابن رشد يرى ان النظام وليس كسر العادة هو ما يدل على وجود قوة خفية سامية ومتعالية.. لأن نفي الأسباب الطبيعية، هو نفي الحاجة لوجود خالق. وهذا القول يلتقي مع الدهريين “ويقصد الماديين”. كشف الادلة ص 166


وهذا رأي نراه الأقرب للعقل. فلولا هذا النظام مثلا لما استطعت أن أتحدث معك الآن وتراني وتسمعني، من جهاز مصنوع من بضعة معادن لا حياة فيها.


وقد سمعني وأنا نفسي لا أعرف بالأمر.. وقد لا أكون حيا، وفارقت هذه الحياة أصلا!
أليست هذه بمعجزة؟

سبينوزا: الإيمان بالمعجزات اعتراف بوجود إلهين

وقال سبينوزا: إنها مسالة محرجة ..لأنها كسر للقوانين الطبيعية وهذا مستحيل.. مبينا أن الاعتراف بها معناه اعتراف بوجود إلهين. الاول يخلق النظام في الكون والآخر يعطله أو يوقفه مؤقتا..


ويرى الفيلسوف الهولندي سليل أغنى عوائل أمستردام اليهودي، أن العامة يظنون ان قدرة الله تتجلى في اجتراحه للمعجزات.. وهذا معناه انهم لا يشعرون بالتناقض السابق.. بل على العكس من ذلك تماما. ص 221 رسالة في اللاهوت..

Advertisements

ويفسر تداولها بأن الفكرة اجترحها اليهود القدماء، لكي يؤكدوا أن إلههم أقوى من آلهة الآخرين وقادر على تلبية كل ما يحتاجه منه شعبه اليهودي.

وراح سبينوزا ابعد من هذا وقال إن معرفتنا بالله وإرادته تزداد بمعرفتنا بالأشياء الطبيعية، فما نعرفه بوضوح أفضل مما نجهله كل الجهل. وحتى لو كانت المعجزات تكشف شيئا، فإنها لا تدل مطلقا على وجود الله، لأن المعجزة عمل محدود ولا يدل إلا على قوة محدودة”.

ويؤكد قائلا “إن الله يدرك بالمعرفة لا بالجهل” ص 226-رسالة

وأضاف أن العامة لا يدركون الله إلا بحواسهم..ونقول هذا صحيح لأن فكرة المجرد والمطلق نفسها يصعب إدراكها بينهم.

وأكد سبينوزا أن الكامل لا يتغير وإلا أصبح ناقصا فعم يبحث؟ الناقص هو فقط من يتغير، وهذا يرتبط بفكرة المعجزة، وهذا معناه أن الذي يقوم بأي معجزة ليس إلها.

ويقول إن 2+2 = 4 لا يوجد خيار آخر، وفي كل وقت.
وهذا يدعونا لأن نربط بين فكرة سبينوزا وفكرة المعجزة.. لنكتشف أن المعجزة امر يستحيل حدوثه.
والدليل بسيط جدا.. وهي عدم وجودها في حياتنا مطلقا.

ويعتبر سبينوزا أن مجرد القول بأن للوجود غاية معناه الإطاحة بفكرة الله وكماله واطلاقيته،  فكيف باجتراحه للمعجزات، لكي يقنع الإنسان بعبادته؟


هذا يقودنا إلى أن من يحتاج عبادته هو الحاكم، أو الأمير أو رجل الدين، وليس الإله الذي يتحدثون باسمه.
بمعنى أنهم حين يعاقبون ليس بهدف حماية حق الله، إنما حقهم المفترض. 

 هيوم والمحاكمة الأشهر للمعجزات

توسع الفيلسوف التجريبي الإنكليزي ديفيد هيوم (1711- 1776 ) في تناول الموضوع وسلط نقده في كتابه ( رسالة في الفهم البشري ) وفيه فصل خاص بالمعجزات.

واكد فيه ستحالة حدوثها من وجهة نظر علمية، ومما تمّ تفنيده الزعم بمعجزة قيام السيد المسيح من قبره، بعد أكثر من ألف و سبعمائة عام على حدوث تلك المعجزة 

وقال إن القانون الطبيعي هو الأحق بالإيمان، ثم راح يحلل ويحاكم روايات المعجزات المسيحية والتوراتية، ووضع شروطا لتصديقها وأختصرها في نقاط

Advertisements
  1. أن يشهد عليها عدد كاف من الناس
  2. أن يكون الشهود على قدر من النزاهة وسمعتهم حسنة
  3. هل لديهم مصلحة مادية او معنوية من حدوث المعجزة؟
  4. هل سيتعرضون لخطر ما إن ثبت كذبهم؟
  5. هل رأوا المعجزة بأنفسهم او سمعوا بها؟

مع هذا لم يغلق هيوم الباب تماما، وقال سأقبل بوجود معجزات، ولكن بشروط!  أن تكون المعجزة متواترة، وان تجتاز جميع اختبارات الشك ويتقبل أصحابها، تشكيك الآخرين بروايتهم. وأن يثبتوا أنهم سوف لن يجنوا أي فائدة منها.

وأضاف أن لو سمعنا بحكاية عودة ميت إلى الحياة، فأن على العقلاء الانحياز إلى الاحتمال الأقرب للواقع.

وقال إن حدوث اي تفسير طبيعي أكبر من احتمال وقوع المعجزة (وضرب مثالا بأن احتمالية سرقة جسد المسيح من قبره، أكبر من احتمالية قيامته إلى السماء).

وعتمد اللاهوتيون الحديثون على حجج ديفيد هيوم، الفيلسوف الإسكتلندي في القرن الثامن عشر، والمعروف اليوم بفلسفته الشكوكية والطبيعية.

فقبل تقديم أي إدعاءات، يشرح هيوم مبدأ الأدلة: الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها تقييم مصداقية إدعاءين هي موازنة الأدلة. وفقاً لهوم، نظراً لأن الأدلة على المعجزات تتكون من مجموعة محدودة من الحالات، فإن كل حالة من حالات الحياة الطبيعية في العالم الحقيقي تُضاف إلى الأدلة التي تفوق بكثير أدلة المعجزات. [1]

الخلاصة أننا لو واصلنا هذا الطريق لوجدنا ان من يؤيد فكرة المعجزات سيصل إلى الدور الفلسفي، أي طريق مسدود تماما.

وهو أمر يسميه ريكور الدوامة المفهومية وهي باختصار لكي نفهم يجب أن نؤمن ولكي نؤمن يجب أن نفهم!

لكي أفهم النص يجب أن أعتقد به، ولكن ما يعلنه النص لي، لم يعط في  أي مكان آخر إلا في النص، ولهذا لا حل سوى أن أفهم النص لكي يقوم الاعتقاد” صراع التأويلات 447

وهذه هي ضرورة التثبيت التي لا تحيل لخارجها إلا باعتباره افقا آخر معاديا بالضرورة، أو حقلا للامتلاك والانتهاك والاستغلال.

أنواع المعجزات

هناك أنواع من المعجزات منها الإعجاز العلمي القرآني والتوراتي وحتى الهندوسي.

لكني وبعد اطلاعي على نسبة كبيرة من المعجزات، سأصنفها إلى نوعين من المعجزات

Advertisements

.. وفقا لطريقة المجتمعات القديمة والحديثة في انتقاء المعجزات التي تناسب “ذوقها” وحاجتها،
وتوصلت إلى أن هناك نوعين منها

الأول أسميه بالمعجزة الطبيعية، والثاني بالمعجزة غير الطبيعية

المعجزة الطبيعية: هي المعجزة التي يرفض الناس تصديقها غالبا، ومن امثلتها الكوارث الطبيعية والأوبئة والمجاعات ومظاهر الموت والفناء وغيرها. وهذه يفسرها الناس غالبا بأنها نتيجة لغضب إلهي، أو ذنوب ارتكبوها، بسبب عدم تصديقهم وإيمانهم بالمعجزات من النوع الثاني، ويتطلب منهم، تقديم القرابين والتضحيات لغفرانها.. ومن أبرز صفاتها ونقاط قوتها أنها معجزات متواترة.

المعجزة غير الطبيعية: وهي المعجزات التي تخرق قوانين الطبيعة، ولا وجود لأي دليل على وجودها ولا تواترها مطلقا. لكنها تتواتر فقط في احلام ومعتقدات وأماني ورغبات المجتمعات البشرية. وبسبب عدم الإيمان بها تحدث المعجزات من النوع الاول، ومن أبرز صفاتها ونقاط ضعفها، أنها لا تتكرر أبدا، وغير متواترة، ولا يوجد عدد كاف من الشهود عليها.

كما نرى أن النوعين بالنسبة للإنسان المتدين لا ينتسبان إلى الواقع الطبيعي، إنما إلى واقع افتراضي، ترسمه احلام وتطلعات وأماني الناس العاديين.

هذان النوعان هما المصدر الأساسي لظهور العقائد والطقوس والأديان، وهما بحاجة لبحث منفصل سأعمل فيه لاحقا.

المعجزات في الوقت الحاضر

أكتفي بالإشارة هنا إلى أن وباء كورونا الحالي هو خير مثال على النوع الأول للمعجزات..

كلنا نتذكر نظريات المؤامرة التي ظهرت حول الوباء وأن الفايروس مصنع، وفي الحقيقة أن أغلبية المؤمنين بالنظرية كانت لا تريد مواجهة الحقيقة، والتهرب منها، كما تهرب منها الإنسان البدائي القديم.

تحليل فكرة وظاهرة المعجزات

رأيي أن المعجزات فكرة وثنية تخدم الإنسان وليس الإله فلماذا؟

  1. دينيا وثقافيا، المعجزة تطعن بوجود الله وهي دليل ملحدين لا مؤمنين
    الدين عموما يتصف اصحابه بالتحفظ الشديد، فهو يقوم على فكرة وجود ثابت وهذا معناه، كراهية أي تغيير.. لهذا هو يعتقد أن إصراره على التعصب لموقفه، هو الذي سيعجل بحدوث المعجزة.. وحدوث التغيير!
    أي ان التغيير سيحصل بتحقيق شرط الثبات التام (على الدين الصحيح مثلا، او تطبيق العبادات الدينية، إلخ)

  2. ولكن كيف يمكن تحقيق الثابت “داخل النص المقدس” بوجود المتغير؟ من هو صاحب المتغير.. هل هو صاحب الثابت نفسه؟ هنا يحدث التناقض ليس في الحقيقة بمجردها، إنما في الخطاب الديني-الإعجازي نفسه.
    فهو من ورط نفسه بهذا التناقض وليس أحدا غيره.
  3. كان المؤمنون بالأديان وخاصة البدائية يعتقدون دائما أن المتغير في العالم وهمي ونتيجة لعدم إيمانهم بثوابتهم،  وأن الحقيقة هي أن ثوابتهم ستنتصر في النهاية،
    هذا الوهم، وله جذور نفسية، كان نتيجة لحقيقة دامغة يوميا، هي أن التغيير أمر لا يمكن إيقافه، بل أن الإنسان أضعف بكثير من محاولة مواجهته، فماذا يمكن ان يفعل الإنسان امام متغير مثل حدوث زلزال تحت قدميه، أو تعرضه في كل لحظة لاحتمال الموت؟
    لابد من فعل شيء ما بأي شكل! ..

الحل إذن تحاشي النظر في عيني أشباح الخوف والموت مباشرة، وافتراض وجود معجزة ترافق كل إنسان في كل لحظة.. وهي كفيلة بحمايته ودعمه معنويا وعمليا.
بهذه الطريقة سيستطيع مع توفر خيار المعجزة، تحقيق خرق افتراضي هائل للنظام والقوانين وحكم العادة الطبيعي، فتبدو المعجزة وكأنها حل أخير لمشكلة “التثبيت” التي يقررها الإنسان المؤمن بالحقيقة الإلهية. ويسميها الثبات على الإيمان والحق الإلهي..

هي توفر إذن منفذا لتحرر الديني من عالمه المغلق الخانق، أشبه بمخرج الطوارئ في البنايات المحترقة.

Advertisements

لكن هذا المأزق كان دائما مثيرا لإعجاب عامة المؤمنين بدين ما، فهو بالنسبة لهم:

أولا: “آية” دامغة على صحة إيمانهم، وصواب عقيدتهم.

ثانيا: أنها أداة معنوية كبيرة في مواجهة الخصوم، ويمكن أن تستعمل كسلاح ضد كل من يعترض على إيمانهم بها.

ثالثا: أنها سهلة التصديق، توفر فرصة للأمل لأي إنسان، فأغلب الناس تميل لتصديق فكرة وجود مخلص ومنقذ، يقف إلى جانبهم في جميع الأوقات. فمن يرفض الإيمان بوجود مكان لا مرض فيه ولا خوف وفيه كل المتع والمغريات؟ هذا الإيمان لن يقاومه إنسان معاصر لنا..  فكيف بالإنسان القديم الذي كان مصيره معلقا بين الموت والحياة في كل لحظة؟
لن يجدوا بديلا مغريا للواقع أفضل من هذا. وسيقدمون كل ما لديهم لتحقيق هذا الحلم أو ما يسمى “الإيمان”.

من أعظم مواصفات الإنسان إنه يعشق الاحتمالات المستحيلة، يتمناها وتتراءى له في أحلامه اليقظة.
قدرته على الربط بين الصور والأشكال والكلمات والتصورات، جعلته قادرا على تشكيل أي علاقة يشاء بين المتغيرات.

هذه الإمكانية صنعت الإنسان المتفوق الأخير، لكنها في الوقت نفسه جعلت منه الإنسان المتفوق الحقير..
أي ذلك التافه المتحذلق، الذي يربط وبمعونة ماكنته الدماغية المتخصصة في اختراع العلاقات، بين أي شيء وشيء.. يكفي فقط أن يرغب بأمر ليجد دماغه المتطور سببا مقنعا لذلك.. فهذه وظيفته اصلا !

لماذا نربط بين الإيمان والمعجزات؟

  1. الإنسان بحاجة إلى الوهم أكثر من حاجته إلى الحقيقة. والدين يشجعنا على ذلك، وهذا سر انتشاره، ونجاحه.

المشكلة الوحيدة التي تواجه كل دين، هي أن رجال الدين القائمين عليه بحاجة دائمة لتقديم برهان دامغ على صحة قصصهم وأحكامهم ومعتقداتهم،
وهذا لن يحدث إلا بتنظيم عملية خداع واحتيال ضخمة ومرهقة وطويلة الأمد، تستثمر بأفضل الطرق الممكنة رغبة الناس الشديدة بالحصول على ما يتمنونه لنفسهم، من تمنيات ورغبات مستحيلة.

هنا الدين برجاله يوفر فرصة رائعة لجعل المستحيل ممكنا، إلى درجة أن يستغني الإنسان عن الحاجة لبذل أي جهد كبير للفوز بما يحلم، هذا إن استطاع تنفيذه فكرا أو عملا.
هذه الحاجة هي التي أفرزت طبقة جديدة، تستثمر “الجهل”، و”الرغبة”، و”الكسل”، و”الخمول الفكري”، لصالحها.

  • تطور الأمر عند ظهور عدد من رجال الدين الطموحين، الذين حاولوا صناعة المعجزة بأنفسهم، وادعائها.. بدأت بظهور السحرة والشامانات وغيرهم، وانتهت بظهور الأنبياء والأولياء والحكماء. هذا الأمر حدث بسبب الطلب الشديد من قبل الإنسان القديم على تحقيق آمالهم وتهدئة مخاوفهم.

  • مضى الدين أبعد وظهرت الحاجة لأن يمتلك الكهنة السلطة على مجتمعهم، لكي تتحقق مطالبهم.. فكيف يمكن تحقيقها، وهناك من لا يؤمن بدين الكهنة ويكفر بها؟
    .. هنا اصبح الجمهور مستلبا كليا لصالح الكهنة ودينهم المهيمن. والويل بعدها لكل من يتطاول على الدين.
  • ازداد رسوخ الطبقة الجديدة، وظهر من بينها القادة والملوك.. وانحصر الصراع بينهم طوال التاريخ القديم والوسيط والحديث فيما عدا الدول الغربية.
  • الدين هكذا   تلاقي المصلحتين  غبة تلاقي المصلحتين، بتهم


أضرار وفوائد الإيمان بالمعجزات وهل هي حاجة بشرية؟

أولا

فوائد المعجزات

أولا تعريفي للمعجزة وهو أن المعجزة كذبة مرغوبة ومقبولة اعتاد الناس سيكولوجيا، على تصديقها، كنوع من أنواع التعزية والمقاومة لحقيقة يومية مؤلمة.

وفكرة المعجزة مثل كثير من الافكار اللاهوتية، لم تكن إلا شعارا ضروريا لتشتيت انظار العامة عن جوهر الدين ووظيفته الحقيقية وهي علمانية أرضية صرف غالبا، وإثارة انتباههم إلى قضايا خيالية ومثيرة لوعيهم العاطفي المحدود.

لهذا لا حاجة لنسأل عن المستفيد الاكبر من المعجزات فهم معروفون
إنهم رجال السياسة والدين وكذلك السحرة والمشعوذين.
وهذا يفسر سر تغافل السلطات وخاصة الدينية عن مظاهر الدجل والشعوذة في المجتمعات التي تقع تحت هيمنتها.
فهي أفضل وسيلة لدوام هيمنتهم وإقناع الجمهور بأنهم مكلفون من السماء بأمرهم. بل وحتى “نحرهم”!

هي تمنح الدين والدولة فرصة للسيطرة على العامة، والتحكم بردود افعالهم.
فمن الملام هنا؟ طبيعتنا البشرية القاصرة أم من يستغلها؟
السؤال الأخير يصبح سؤالا يتعلق بكوننا كائنات بايلوجية، تخضع لقوانين داروينية تنطبق حتى على أبناء جنسها نفسه.. وهذا مبحث آخر قد نتناوله لاحقا.

Advertisements

ثانيا: أضرار المعجزات

كأفراد: ظهور شخصيات تفشل في فهم الواقع، فاقدة للقدرة على التفكير المنطقي العقلاني.

اجتماعية وعائلية: نشوء خلافات وصراعات، بين المؤمنين مثل قضية الطبيعتين، السنة والشيعة الخ

صحية ونفسية: القيام بممارسات خطرة جسديا ونفسيا، رفض تلقيح الأطفال، تعذيب وإيذاء الجسد:

أضرار اقتصادية: دفع أموال وتبرعات لأماكن مقدسة ومزارات، وكهنة الخ

أضرار علمية وتربوية: تجعلنا نرفض الحقائق والنظريات العلمية، وكذلك تدريسها في المدارس والجامعات مثل نظرية التطور وكروية الأرض وعلاج الأمراض المختلفة وغيرها. وهو ما حصل فعلا.

أضرار إجرامية: إباحة قتل الآخرين من غير المؤمنين.. وبالتالي شن الحروب وتدمير كل منجز إنساني.

هل الدين حاجة بشرية أم أن الحاجة للمعجزات؟

يقال كثيرا أن الدين حاجة بشرية، وأن الدين هو الفطرة..
ولكن قلما نسمع شرحا لهذه العبارة بشكل محايد، فهي تستعمل عادة لتأدية وظيفة دعائية لهذا الدين أو ذاك.

وكأن هؤلاء يقولون أن دينهم ولنقل مثلا أنه الدين سين يولد مع الإنسان، مع هذا نرى أنهم يستقتلون في ابتكار طرق تلقين مجتمعهم مبادئ وقيم هذا الدين، وجعلها سلوكا يوميا معتادا.

لكن الحقيقة برأيي أن حاجة الإنسان إلى المعجزات أكثر منها إلى الدين بحد ذاته.
لهذا نجد الأديان قائمة عليها وليس العكس! بمعنى أن دينا لا توجد فيه معجزات
 لا يمكن له الانتشار إلا بين النخبة المتعلمة في أقصى الاحوال.
وهذا ليس كلاما نظريا إنما يكشفه الواقع وتاريخ الاديان والمعتقدات.

اكتبوا كلمة معجزة في بحث غوغل وشاهدوا عدد النتائج بالملايين.
والسبب أن الإنسان كائن ناقص، خائف، بحاجة لكي شيء تقريبا، وخاصة الأشياء المستحيلة،

من هنا نجد ان معجزات المسيح مثلا في إحياء الموتى، تتمحور فكرتها ليس في عظمة المسيح، إنما في فعله، وهذا إقرار بأن فعله أكثر أهمية منه، وهو يعني أن كل من يفعل ما فعله، سينال الحظوة نفسها! 

أخيرا ما جدوى هذا الفيديو والمقال؟

أننا بحاجة لأن ننظر لأنفسنا بواقعية،
أن نعرف بأن إيماننا بالمعجزات وحتى الاديان والآلهة، أمر مهم ومفيد في أحيان كثيرة

ولكن بشرط واحد وهو أن كل هذه المعتقدات والأفكار هي أدوات ومجرد وسائل لاختراق حجب العالم حولنا..

أما إذا صدقنا بها وآمنا فهذا سيعمل على إفسادها وبدلا من إسعافها، لنا، فسنصبح لها نحن المسعفين والمنقذين!

أي أن الفكرة تلتهم صاحبها وليس العكس!

والحكم لكم .. تحياتي واعتزازي.

المعجزات تستهوي الناس وتسلب عقولهم بمعنى الكلمة، فنحن جميعا سمعنا بوجودها وآمن بها،
المشكلة أننا نسمع بها دائما ولا نراها بأنفسنا أبدا !

مع هذا فأن المعجزات والخوارق تحتل جزءا كبيرا من تاريخنا وثقافتنا نحن البشر! 

منصور الناصر

شاهد أيضاً

الدين هو المؤامرة والشيطان هو المصمم الذكي ج1

أعلن المفكر منصور الناصر في عنوان رئيس لمقال له عن اكتشاف حقيقة الدين..كما نشر فيديو …