الولايات المتحدة الاشتراكية!

على صفحته في الفيس وتحت عنوان الولايات المتحدة الاشتراكية! كتب الإعلامي والمحلل سليم سوزه

اليوم وبعد أن صوّت مجلس الشيوخ يوم أمس فقط على الحزمة الاقتصادية الثالثة والضخمة بميزانيتها (١.٩ تريليون دولاراً) لتحفيز الاقتصاد في زمن كساد كورونا، تدخل الولايات المتحدة الامريكية فضاءً جديداً للادارة والسياسة والاقتصاد عبر الانتقال الناعم (أو الرجوع الهادئ) الى سياسات ما قبل النيوليبرالية.

Advertisements

هذه الحزمة، وان كانت تحظى بشعبية هائلة في امريكا نظراً لأنها تدعم قطاعا واسعا من المجتمع وترسل مبالغ نقدية للعوائل، ناهيك عن راتب شهري للاطفال وزيادة في البطاقة الغذائية لاصحاب الدخل المحدود وتمديد المعونات المالية للعاطلين عن العمل وسماحات ضريبية كبيرة وقروض متسامحة الفوائد لاصحاب البيزنيس.

إلّا انها أصبحت قشة جديدة على ظهر بعير الاختلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين لكونها، حسب الجمهوريين، تثقل كاهل الدولة بمصاريف جديدة وتنزع عنها رأسماليتها لتتحول الى دولة اشتراكية ناشئة ترعى مواطنين “كسالى” وتدفع عنهم اجور خدماتهم اليومية.

Advertisements

لم يصوّت جمهوري واحد لهذه الحزمة يوم أمس، فيما صوّت الديمقراطيون بعددهم الخمسين في مجلس الشيوخ ليمضي المشروع بالأغلبية البسيطة ويأخذ طريقه الى مجلس النواب للمصادقة عليه هذين اليومين قبل ان يذهب الى مكتب الرئيس بايدن للتوقيع عليه والبدء بتطبيقه.

ثمة استقطاب سياسي حاد في أمريكا منذ نشأة الحزبين الكبيرين فيها. هذا ليس جديداً وهو جزء من الحالة الامريكية. لكن ما نشهده هذه الايام، لا يتعلق بمثل هذا الاستقطاب السياسي فحسب، وانما يتعلق بمخاض جديد وعسير، تحاول فيه النخب الامريكية تحديد بصمتها الاقتصادية واعادة انتاج هويتها الثقافية والسياسية من خلال التنصل شيئاً فشيئاً من القديم والتواصل بالتدريج مع الجديد الذي لم يولد كاملاً بعد.

لقد ساهمت المعرفة الاكاديمية (جامعات، مراكز فكر، دور نشر، …) مع هوليوود ونخب الميتروبوليتان وصنّاع التكنولوجيا الرقمية، ناهيك عن جيل الشباب الجديد الذي باضت الرأسمالية على اكتافه أثقل الديون وأشدها استعباداً، بخلق جو يساري مشحون ببعض الافكار الاشتراكية الجريئة، والتي صار يُعبّر عنها بشكل صريح وواضح في بلد كان يضيّق على كل مَن كان يلمّح بها في السابق.

هذا واقع سوسيو-ثقافي جديد فرض ارادته على السياسة والمال في امريكا، ولهذا الواقع مجموعة عوامل، منها ما ذكرناها اعلاه، ولكن ما ساهم في استدعاء هذا الواقع والتعجيل به هو وصول رئيس مختل للسلطة كترمپ وجائحة مميتة كفايروس كورونا المستجد.

ناهيك عن صعود اليسار التقدمي الى الواجهة وضغطه المستمر نحو سياسات من هذا النوع. هذا اليسار التقدمي الذي يمثله الفريق اليساري “المتشدد” الذي يدعى squad (وهم النواب الستة المعروفون: الهان عمر ورشيدة طليب وأيانا بريسلي والكسندريا اوكاسيو كورتيز وجمال باومان وكوري بوش) ومن ورائهم زعيمهم، شيخ اليسار بيرني ساندرز، يدفع تجاه حزم اقتصادية اخرى اكثر جرأة في تخطي الخطوط الاقتصادية الحمراء التي وضعها بناة أمريكا السابقون منذ نشأة الدولة.

من بين تلك الحزم اعفاء ديون الطلبة، على الاقل ٥٠ الف دولارا من ديونهم الدراسية، ورفع اجور العاملين والموظفين من ٧ دولارات فاصلة ٢٥ سنتاً للساعة (وهو الحد الادنى الآن في بعض الولايات وليس كلها) الى ١٥ دولارا للساعة.

Advertisements
Advertisements

اضافة الى تأميم قطاعي التعليم والصحة، وجعل الكليات والجامعات مجانية في مرحلة البكالوريوس، على الاقل للعوائل ذات الدخل المحدود، دون الحاجة الى اغراق الطالب بالقروض الدراسية التي عليه ارجاعها بعد التخرج على شكل دفعات شهرية.

هذه السياسات الجديدة محط انظار النخب ومادة خصبة في سجالاتهم اليومية، اذ يتساءل الجميع الآن، الى أين تتجه الولايات المتحدة الامريكية، خصوصاً بايدن وحكومته الحالية، حكومة الاقليات والملونين؟

Advertisements

الى سياسات اكثر يسارية؟ أم انها فورة وانتقام ورد فعل وقتي على فترة حكم ترمپية ساهمت في صعود اليمين القوماني، ولن تكون مستدامة وراسخة الى الأبد؟ انتخابات عام ٢٠٢٤ ستكشف لنا مزاج الناخب الامريكي فيما ان كان مؤيداً للبحبوحة “الاشتراكية” الحالية التي يدفع اليها الديمقراطيون ام سيتخذ موقفا صارما ضدها ويصوت للجمهوريين؟

خطة إغاثة بقيمة 1.9 تريليون دولار

نجح مشروع قانون الإغاثة الذي قدمه الرئيس جو بايدن، لمساعدة الأمريكيين على التعامل مع تأثير وباء كورونا، في تخطي أكبر عقبة في طريقه بعد أن وافق مجلس الشيوخ على خطة بقيمة 1.9 تريليون دولار على الرغم من تصويت الجمهوريين ضدها.

ومن المتوقع أن يوافق عليها مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، يوم الثلاثاء المقبل.

ووصف بايدن تصويت مجلس الشيوخ بأنه “خطوة عملاقة أخرى إلى الأمام” في الوفاء بالوعد بمساعدة الناس.

وخلّفت أسوأ أزمة صحية عامة في أمريكا منذ قرن، ما يقرب من 523 ألف وفاة و29 مليون مصاب، مع معدل بطالة بلغ 6.2٪ .

ويقول الجمهوريون إن الخطة مكلفة للغاية. كما أعرب بعض الديمقراطيين عن انتقادات لبعض البنود واضطرت قيادة الحزب إلى تقديم عدد من التنازلات، لا سيما تخفيض إعانة البطالة الفيدرالية من 400 دولار إلى 300 دولار في الأسبوع. وسيتم تمديد الميزة حتى 6 سبتمبر/أيلول بموجب الخطة.

وقال الرئيس بايدن “من الواضح أن الأمر لم يكن سهلا. لم يكن الأمر جميلا على الدوام. ولكن كانت هناك حاجة ماسة له”.

وأضاف أنه يأمل في تمرير سريع لمشروع القانون في مجلس النواب حتى يتمكن من توقيعه.

ماذا تتضمن الحزمة؟

تخصص ما يسمى بخطة الإنقاذ الأمريكية 350 مليار دولار لحكومات الولايات والحكومات المحلية، وحوالى 130 مليار دولار للمدارس.

كما ستوفر 49 مليار دولار لتوسيع اختبارات وأبحاث كوفيد – 19، بالإضافة إلى 14 مليار دولار لتوزيع اللقاحات.

في غضون ذلك، سيمثل تمديد إعانات البطالة حتى سبتمبر/أيلول، مهلة رئيسية لملايين الأمريكيين العاطلين عن العمل منذ فترة طويلة، والذين من المقرر أن تنتهي أهليتهم للحصول على الإعانات في منتصف مارس/آذار.

Advertisements

ويتضمن مشروع القانون أيضا منحا للشركات الصغيرة بالإضافة إلى المزيد من التمويل الهادف: 25 مليار دولار للمطاعم والحانات، 15 مليار دولار لشركات الطيران و8 مليارات دولار أخرى للمطارات، 30 مليار دولار لواسائل النقل، 1.5 مليار دولار لقطارات أمتراك و3 مليارات دولار لصناعة الطيران.

الرئيس الأمريكي جو بايدن
Advertisements
التعليق على الصورة،يأمل بايدن في تمرير سريع للمشروع في مجلس النواب حتى يتمكن من توقيعه ليصبح قانونا

ما هي نقاط الخلاف؟

بينما أيّد الجمهوريون على نطاق واسع خطتي تحفيز سابقين، تم إقرارهما عندما سيطروا على كل من البيت الأبيض ومجلس الشيوخ في عهد دونالد ترامب، فقد انتقدوا تكلفة مشروع قانون بايدن.

وكانت هناك جلسة ماراثونية استمرت 27 ساعة قبل التصويت النهائي يوم السبت، وكانت حصيلة 49-50 على طول الخطوط الحزبية مؤشرا على انتشار المعارضة الجمهورية.

وكان الانقسام المتساوي بين الأحزاب في مجلس الشيوخ يعني أن الخطة يجب أن يدعمها كل الأعضاء الديمقراطييين.

لكن يوم الجمعة، اعترض السيناتور الديمقراطي المعتدل جو مانشين، على أساس أن مشروع القانون الضخم قد يؤدي إلى انهاك الاقتصاد. استغرق الأمر 11 ساعة من المفاوضات طوال الليل للتوصل إلى صفقة.

وتعني التسوية بشأن خفض إعانة البطالة أن الحزمة يمكن أن تمضي قدما للتصويت النهائي.

وقال تشاك شومر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ قبل التصويت “لقد كان يوما طويلا، ليلة طويلة، عام طويل، لكن جاء يوم جديد ونقول للشعب الأمريكي أن المساعدة في الطريق”.

لكن زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل انتقد حزمة المساعدات. وقال “مجلس الشيوخ لم ينفق قط 2 تريليون دولار بطريقة أكثر عشوائية أو من خلال عملية أقل صرامة”.

وتوقع شومر أن مجلس النواب سيصادق على القانون وسيوقع عليه الرئيس بايدن قبل انتهاء صلاحية إعانات البطالة المعززة في 14 مارس/آذار.

Advertisements
Advertisements
Advertisements