هذا نص فيديو أثار الكثير من الجدل نشره الكاتب منصور الناصر أكد فيه أن الله اختراع سياسي قام به الأمويون. ولم يكن هناك إله قبل الإسلام بهذا الاسم. فيما طرح في الفيديو قضايا تتعلق بالعلمانية والتطرف الديني، وفيما دعا للتخلص من التراث المعرفي العربي الموروث، قترح أربع سبل يجب اتباعها من أجل تأسيس معرفة جديدة.
وقال الناصر إن التطرف الديني هو ردة فعل على نشوء الدولة الحديثة وفرضها على مجتمعاتنا المتدينة، وأن هذه الدولة قالب جديد كليا عليها .. وما زالت لا تستطيع استيعابه.
بل أنها تشعر أنها لا تحتاجه.. هذا هو ما يفسر انتشار الدكتاتوريات بيننا. فما كان لها أن تنتشر لو وجدت بيئة غير خصبة.
بدليل أن مجتمعاتنا تنفرط بسهولة تامة لأي ظرف مختلف وطارئ يؤدي إلى انهيار الطغاة دينين أو ثوريين لا فرق
.. هذا ما حصل مع صدام والقذافي وبشار .
هناك من ما زال يعتقد ان هناك دولة دينية.. هذا مستحيل .. لا يمكن لأي نظام في العالم الآن أن يقوم إلا على أساس نظام حديث.
أي نظام علماني. ليس على مستوى الدول بل حتى على مستوى نظام لإدارة أي مؤسسة معاصرة ولو كانت مؤسسة دينية تطالب بإقامة دولة دينية! وهذا الكلام لا حاجة لأورد لكم أدلة عليه. يمكن لكم قراءة آية أدبيات عن الدولة الحديثة لتكتشفوا الأمر بنفسكم.
التطرف الديني أو العلماني هنا يصبح عملية نكوص لا واعية وفي متناول الايدي أمام المواطن أو المؤمن البسيط، أو المثقف وعالم الدين.
وعليه يصبح التطرف الديني أو حتى الاعتدال الديني ردة فعل على علمنة الوعي، ونستطيع أن نفهم خطاب التطرف على أنه جواب حاد على ما تقوم به الدولة الحديثة.
غربيا العملية جرت بسلاسة. وكانت هناك إجراءات تحديث متساوقة بدأت بعلمنة الوعي تطور العلم تطور الوعي الحديث..
تطور مفهوم الفرد وحقوقه الفردية. تطور مفهوم المجال العام والمجال الخاص. أي كل ما يتعلق بما يسمى عملية التحديث.
كلها جرت بشكل تدريجي .. تطور التصنيع العلم نشوء الدولة الحديثة تأسيس الجيوش فكرة الوطن والمواطن
أي توافق تحييد الدولة في الشأن الديني مع الوعي العام للمواطنين. أي أنهم غيروا في أنماط تدينهم.
المشكلة لدينا أننا فرضنا العلمنة علينا من الأعلى. واتبعنا عادة النمط الفرنسي. أتاتورك الاتحاد السوفياتي .. ايران افغانستان مصر العراق سوريا.. وهذا ولد ردات الفعل.. الخميني والإخوان أبرز الحالات
وهذا ادى ينقسم المجتمع فتظهر الهوية الدينية في مواجهة مع الهوية العلمانية الوطنية. يصبح هناك من ينادي بالانطلاق من الوطن أولا.. وليس الدين ولا أهله. أي من اشتراطات الأرض والواقع وليس اشتراطات السماء والغيب.
وهذا ما حصل في تركيا ونوعا ما في تونس. العملية كانت قسرية. وكانت النتيجة كما نرى
إيران الخميني انقلب الحال لديها. فأصبح الناس يشعرون بالحاجة للتغيير. وعجز الخطاب الديني عن معالجة قضاياهم.
النتيجة النهائية أثبت الجميع عجزهم..
واتضح أن عملية الفرض من الاعلى سواء من قبل العلمانيين أو المتدينين. عملية فاشلة. و أدت إلى كوارث في جميع المجالات.
وهذا أفرز وضعا دراميا. فلا الناس تستطيع التخلي عن علمنة الوعي. ولا العمل باطمئنان وفقا لعاداتها الدينية.
وهذا يفسر تكرار عبارة الدين الصحيح وأن المشكلة في التطبيق .. سواء تطبيق الدين أو العلمانية .. وعبارة تجارة الدين..
وهذه عبارات تكشف عن ظاهرة بسيكولوجية جماعية. نعرف من خلالها أن الكل لا يعرف ماذا يجب عليه أن يفعل.
وأن الوعي العام للمؤمنين والمواطنين مرتبك ومهزوز ولا يستند إلى حقائق راسخة إلى حد قابل للتأسيس عليه لفترة زمنية طويلة.
تأسيس معرفة جديدة:
الحل برأيي ألخصه في بضع نقاط يمكن الاتفاق عليها وتساعد على تأسيس معرفة جديدة كليا و مختلفة جوهريا عن كل ما مضى وكنا عليه.
أولا: قراءة جديدة للتراث والموروث
وأعني قراءة قائمة على قراءة جديدة للتراث والموروث.. ولما أثبت نجاحه، بالمقارنة مع نجاح الشعوب الاخرى. (طبعا هذا إن استطعنا تعريف مفهوم النجاح).
ولكي تتحقق هذه المعرفة علينا جميعا أن نتفق على أن كل ما يأتينا من الماضي أو الآخر.. هو موضع شك .. ويجب دراسته بدقة واختيار ما هو مناسب لنا وقابل للتطبيق والتنفيذ وحسم الخلافات.
هذا الأساس هو الذي سيسمح لنا بوقف نزعات التطرف فيما بيننا والانحياز الطفولي إما لماض انتهى أو لحاضر آخر مختلف عنا ويقف على أبوابنا. إن لم نقل أنه داخل رؤوسنا.
يصبح التطرف مسألة مرفوضة اجتماعيا. لأننا عرفنا جوهر المشكلة واستطعنا تعريف معنى الدين ومعنى العلمانية ومعنى المجتمع ومدى اختلافه عن مفهوم الجماعة.
يصبح الاعتقاد الحر وليس الاعتقاد الجماعي القطيعي، هو المعيار الذي يفتخر به الجميع. ويتميزون من خلاله.
على الأقل في مرحلة التأسيس التي قد تحتاج جيلين لكي تتحقق.
بعدها أو أثناءها سيتحول التطرف والتعصب ليس للأفكار والمعتقدات إنما في القدرة على تقديم حلول ورؤى جديدة. تتطلب مهارات خاصة وثقافة واسعة.
وهذا أمر كما يبدو لا ترغب به الأغلبية وخاصة قادة القطيع. فهو يتطلب ذكاء ومهارة ووقتا وجهدا هائلا فضلا عن المخاطرة بخسارة امتيازاتهم الكثيرة.
الأسهل لهم أن يأخذوا أحكاما جاهزة من التراث. أو الاستعانة بالآخرين لترتيق الثغرات والإشكالات.
تعودنا على الكسل
وهذا هو السر الأعظم لكل مشاكل مجتمعاتنا ودولنا العربية.. فهم تعودوا على الخمول والكسل. إلى درجة أنهم أغلقوا أبواب الاجتهاد والتفكر في شؤون العالم والحياة ومعالجة هذا الكم الهائل من المتغيرات.
يريدون أن يأتي كل شيء جاهزا إما من الغرب والأمم الأخرى .. أو من أسلافهم القدامى. مثل ابن تيمية أو البخاري. أو الشافعي أو حتى الرسول محمد.
فهؤلاء ليسوا قدوة لنا. ولن يستطيعوا ذلك فعلا. فنحن أدرى بمشاكلنا منهم
اختيار الحلول الجاهزة وجلبها من الماضي أو الحاضر أثبت فشله كما قلت. فنحن لدينا أكبر نماذج الفشل. من الخميني والإخوان والسلفية وداعش إلى صدام وعبد الناصر وأتاتورك.
الخميني وداعش والاخوان ولوا وجوههم شطر الماضي و استعادوا كل عفنه وخرافاته.
فيما استورد صدام وأتاتورك وعبد الناصر النماذج القومية والاشتراكية و فرضوها على الناس. بطريقة ساذجة وغبية جدا.
هؤلاء جميعا كانوا أكبر نماذج الفشل. وأترك لكم إحصاء وتعداد كوارثهم.
ثانيا: تغيير مناهج النظر داخل الوعي أولا. وخارج العالم تاليا.
إدراك مسألة عميقة جدا، ما زالت الأغلبية لا تدرك أهميتها. وأعني أن مفهوم النصر لم يعد هو المعيار الذي تمارس فيه الحياة البشرية
أي أن رؤية العالم بصفته منقسما إلى أخيار وأشرار .. مؤمنين وكفار..
أي أن نستمد المعرفة من العقل والعلم والتجربة وليس من الغيب والوحي والدين والمقدسات.
معرفة وإدراك أننا لم نعد بحاجة لعدو لكي ندرك ونميز انفسنا. أو لكي ننتصر لأنفسنا.
بل على العكس أن ندرك أننا بحاجة لن نثبت قصة نجاحنا امام الآخر .. ليس الآخر القومي أو الديني أو حتى الوطني. إنما الآخر الإنساني.الآخر الذي يقيم في اليابان أو يعيش معي داخل البيت ولا أقول الدولة نفسها..
الحدود بين الأنا والآخر رفعت.. وجفت الصحف كما يقال. لم يعد الآخر كافرا.. إنما منافسا .. أي شريكا لي في تحقيق الحلم الإنساني الخاص بنا جميعا.
فأنا أتنافس معك كي يبتكر أحدنا طريقة أفضل لعلاج مرض ما. وليس أن أدخل معك في نزاع لأفوز به عليك . لأنك من الطائفة او الدين كذا.
لا نحتاج بعد الىن لمن يقف على المنبر ويدعونا للتصدي للكفار والأعداء. إنما لمن يدعونا لتعاون مع الناس جميعا. وإثبات حضورنا الخلاق بين الجميع. هذا التحول هو الذي سيساعدنا على إعادة تعريف انفسنا وذواتنا. داخل اطارنا الاجتماعي العام داخل بلد معين أو مؤسسة مدنية ما.
ثالثا: الله اختراع سياسي و ثوابت الدين والحياة مزيفة
أي أن الحقيقة فكرة أسطورية ولم يستطع أحد يوما أن يثبت أي حقيقة يدعيها!
من ضمن ذلك الأكاذيب السخيفة والتافهة التي تقال عن وجود نصوص مطلقة ومقدسة .. أنزلها إله يقيم في السماء وعلينا جميعا اتباعها.
هذه النصوص مزيفة ولا تنطوي على أي قيمة معرفية حقيقية. إنما قيمة دينية طقسية تعبدية لا أكثر ولا أقل.
كانت مجرد لعبة سياسية.
الله اختراع سياسي. بالتالي فأن الإسلام اختراع سياسي كذلك نجح في فرض سلطته الأمويون وبعدهم العباسيون ..
بل أن الدين كله اختراع سياسي. الغاية منه فرض السلطة على الناس والتحكم بهم .
لم يكن هناك شيء اسمه الله قبل الإسلام في جميع أنحاء العالم .. ولا حتى بين العرب. وإن وجد وهذا احتمال ضئيل ففي الشام وليس مكة ولا المدينة.
من يدافع عن هذه المخترعات هو متملق أو شخص منقاد بحكم العادة. وواجبنا إنقاذ هؤلاء وكشف الحقائق لهم
وقصة اختراع هذا الإله كانت لعبة سياسية سلطانية مارسها الخلفاء والسلاطين والأمراء. لخداع العامة. و تدجينهم لصالح إلههم بدلا من السماح لآلهة أخرى باصطياد المؤمنين لصالحها.
ولكي يتحقق الأمر وتتأسس المعرفة الدينية اللازمة لذلك، ظهر الفقهاء والمفكرون في ذلك الزمن.
بالمناسبة كلمة اصطياد المؤمنين مقصودة. فهي بالضبط عبارة دينية قالها القديس بولس مرة.
أقول: الإيمان بوجود ما يسمى ثوابت الدين. ظاهرة ليس إسلامية بل إنسانية عامة. بل إنها ظاهرة فسيولوجية حيوانية.. لا يمكن لأي كائن الانطلاق من مكان غير ثابت. سواء من مكان يقف عليه. أو من فكرة يفكر بها وينطلق منها.
التأسيس هنا ضروري. ولكن لكي نحقق إنسانيتنا يجب أن ننطلق من أسس مرنة، قابلة للتغيير عندما يحين الوقت المناسب. لا أن نجعلها حقائق مطلقة ومقدسة. يستحق القتل كل من يخرج عليها.
إصلاح الإنسان وليس إصلاح الأديان
رابعا: إشاعة ثقافة النقد والنقاش وتقبل الآراء المختلفة أيا كانت. ضمن إطار احترام الآخر وحرياته في الاعتقاد بما يشاء.
ليس لأننا نحترم حقوقه في القول والتعبير. بل لأننا بحاجة لرأيه المختلف. لإيقاظنا من غفوتنا وجعلنا ننهض من واقعنا الإنساني الراكد والمتعفن .
بمعنى أننا بحاجة لإحياء علوم الوعي وليس لإحياء علوم الدين. ولا إصلاح الدين. وما شابه.
بعبارة أخرى نحن بحاجة لإصلاح الإنسان.. ومنعه من الانقياد خلف ربه السماوي أو الارضي كالنعاج والسير مع القطعان!
ختاما فإن ما نحتاجه بغض النظر عن أي تسمية ومصطلحات ومفاهيم هو
تبادل السلطة بالأغلبية، فصل السلطات، استقلال القضاء، احترام الحريات الفردية (وهذه مشكلة الدين)
د19 وهذه هي مبادئ الديمقراطية والحياة التعددية ..
اما ما هي العلمانية وتعريفها فيكفينا معرفة تاريخها وتعريفاتها.. ولكنها ليست أمرا جامدا إما هذه أو تلك.
بل أنها غالبا ما تكون موجودة دون أن يسميها أحد ..
المهم لا وجود لتدخل في حياة الناس وفرض نمط معين على حياتهم. التدخل بالحريات الفردية. وبحياة المواطن. هنا لا نجد الحرية كمفهوم وحق. إنما فرض صورة معينة موضوعة مسبقا على الجميع. والتدخل بشؤون المواطن الخاصة. والتحكم بضميره ووجدانه. بعد ذلك سم هذا الحال ما شئت.
ويمكن ان نضع دستور وقوانين ديمقراطية وليبرالية دون أن نستخدم مصطلح العلمانية أبدا!