بسام البدارين
عمان ـ «القدس العربي»: الجدل المتنامي في الأردن ودول الجوار بعنوان تسليح العشائر السنية يوفر مساحة إضافية من التكهنات والتأويلات حول الخفايا والخلفيات لكنه من جهة أخرى يعيد إنتاج الدور الأردني الاقليمي أو بالحد الأدنى يوفر أرضية للتحدث عن دور محتمل في المستقبل.
تصريحات الملك عبد الله الثاني بالخصوص تصلح لإطلاق بالونات اختبار بعدما تبين أن برنامج تسليح العشائر السنية في العراق وسوريا قد يعقبه أو يربطه بعض المراقبين بسيناريوهات مستقبلية تحت عنوان توسيع هوامش إدارة المملكة الأردنية الهاشمية.
بالونات الاختبار بهذا المعنى قد تصلح للاستهلاك المحلي في الأردن وقياس قابلية البنية المجتمعية والعشائرية في التعاطي مع منتج إقليمي من هذا النوع سيربط الأردنيين في كل الأحوال وبصرف النظر عن قدراتهم وعن الوقائع والحقائق بالاشتعالات المتفاعلة في المنطقة.
يصلح الاختبار نفسه لقياس ردود الفعل في العراق وسوريا أيضا.
في العراق سينتج وينفذ برنامج تسليح العشائر السنية ضمن مخططات وتكتيكات التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة.
حكومة بغداد التي ترحب بطبيعة الحال في أي شراكة في معركتها ضد تنظيم الدولة تتعامل بحساسية وتحفظ مع مشروع التسليح الأردني للعشائر ليس فقط لأنها تفضل ان تكون طرفا أساسيا في الإشراف على برنامج من هذا النوع،
ولكن أيضا لان حكومة بغداد تخشى ان يساهم تأطير العلاقة بين الأردن وعشائر العراق السنية عبر برنامج التسليح بتشكيل مركز قوة سني في معادلة الحكم العراقي وهو أمر ما زالت الحكومة الأردنية تعتبره تعبيرا عن الطائفية المقيتة التي تحكم النخب والإدارة الحالية في بغداد.
ألمح لذلك رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور وهو يتحدث لـ«القدس العربي» عن وضع معقد جدا في العراق قوامه الجميع ضد الجميع وفكرته بروز قوى ميليشياتية مسلحة تتجاوز في قواتها الواقعية الآن الجيش العراقي النظامي.
العاهل الأردني سلم الراية الهاشمية لجيشه:أهي استعادة لحلم دولة تضم سوريا والعراق “المتشظيان”؟
بالفيديو..شاهد موكب ملك الأردن يدهس مواطن..والملك يتحدث محرجا مع المواطن المصاب
في التشخيص الأردني للحالة العراقية يبرز القلق الشديد من تنازل قوة الميليشيات الشيعية حتى أصبحت تتحكم بالقرار السياسي لحكومة بغداد وليس العكس وهو وضع مقلق في حسابات الأردنيين لأنه يغير معطيات المعادلة السياسية أولا، ويعزز نزعات الانفصال عند مكونات أخرى في المجتمع العراقي ثانيا، ويخدم في النتيجة عزل المكون السني ويقدم بالتالي الذخيرة التي تتغذى عليها اجتماعيا تنظيمات وميليشيات تنظيم الدولة ودولة الخلافة.
مثل هذه التشخيصات في عمق المعادلة الأردنية تدفع عمان للتعامل مع الحدث العراقي خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأنبار المحاذية وما يحصل فيها باعتباره حدثا أردنيا بامتياز لا يمكن التغاظي عنه ولا التفاعل معه وفقا لقواعد العمل الدبلوماسي بين الدول. فالجيش العراقي النظامي غير موجود على الحدود وقواه خائرة ومتهالكة والميليشيات الشيعية تحكمه وامكانية إعادة تأهيله صعبة للغاية والحل الأمثل لتأمين سياسة الردع الأمنية الأردنية في العمق هو العمل داخل الأراضي العراقية لكن ضمن خطة سياسية محكمة تحظى بالشرعية ولا تناكف ان استطاعت حكومة بغداد.
على هذا الأساس يرى عقل المؤسسة الأردنية أن البقاء في عمق المكون العشائري السني فيه مصلحة مباشرة للأمن القومي الأردني لأن الحاجة ملحة دوما لتشكيل عوازل جغرافية وبشرية تساعد الأردن في التصدي للمخاطر والقلاقل التي يمكن ان ينتجها تنظيم الدولة.
في الموضوع السوري يتنامى التواصل والتنسيق مع مكونات العشائر السورية في درعا ونقل الأردن لنموذج تسليح عشائر العراق إلى جنوب سوريا خطوة تكتيكية بامتياز لا تقف عند حدود الترتيبات الأمنية الحدودية العميقة ولكنها تهدف لتجنب خيار استراتيجي مقلق يتمثل في الاضطرار للتعامل ميدانيا مع جبهة النصرة تحديدا مستقبلا.
في التصنيف الأردني تنظيم الدولة في نسخته السورية هو العدو والخصم الأول انما جبهة النصرة فقد لا تكون صديقا ولا يمكن بناء رهانات صداقة معها من الناحية العملية وإن كانت الحرب غير مندلعة أصلا بين تنظيم النصرة والجانب الأردني في قراءة ثنائية متلازمة للواقع الموضوعي.
جبهة النصرة كطرف قوي موجود جنوب سوريا وبهذه الصفة يمكنه ان يخدم كعازل الأمن الحدودي الأردني ويمنع الإشتباك مباشرة مع مسلحي تنظيم الدولة رغم وجود محذور سياسي بعنوان صعوبة التفاهم والرهان أصلا على علاقات من أي نوع بين الأردن والجبهة مستقبلا.
رغم ذلك تنظيم الدولة هو اليوم العدو الأشرس للأردن ولجبهة النصرة في سوريا وهو وضع تكتيكي جعل عمان في حالة تواطؤ سياسي إذا جاز التعبير مع جبهة النصرة انتظارا للمواجهة مع العدو المشترك.
الجهة المركزية التي تغضبها التكتيكات المركزية تتمثل في حكومة دمشق والنظام السوري الذي لا يسيطر عمليا على الأرض والواقع في درعا ويوجه الاتهام بالجملة لعمان برعاية الإرهاب والإرهابيين وهو اتهام لا تستمع له الاذن الأردنية لأن مراقبة ما يجري في درعا والحفاظ على علاقة متقدمة بفصائلها المسلحة ومكوناتها العشائرية والاجتماعية أصبح في حد ذاته هدفا لا يمكن التنازل عنه عندما يتعلق الأمر باستراتيجية الدفاع الحدودي الأردنية.
الجهة الأخرى التي ترتاب في مشروع تسليح عشائر سوريا تمثل جبهة علوش المعارضة التي تخشى في حساباتها بدورها من نمو النفوذ الأردني في درعا اذا ما تحول برنامج تسليح عشائرها إلى منطقة نفوذ واستحكام لصالح الدولة الأردني الأمر الذي يجعل عمان مستقبلا طرفا أساسيا في أي ترتيب شمولي تحت عنوان مستقبل سوريا.
لذلك يمكن القول مجددا ان الأردن وهو يتحدث بهذا المستوى العلني عن تسليح عشائر الأنبار ودرعا يقطع مسافة إضافية ليس فقط في غطاء الدفاع عن خياراته الاستراتيجية ولكن أيضا في نطاق إطلاق بالونات الاختبار استعدادا فيما يبدو لكل احتمالات وسيناريوهات المستقبل بما في ذلك أي مرونة يمكن ان يتطلبها الواقع عندما يتعلق الأمر بحدود الدول.
بسام البدارين/ القدس العربي