من خلال دراسة ظروف نشأة الجماعات الارهابية ومن ابرزها تنظيم “داعش” وما يسمى “جبهة النصرة” وزمرة “خلق” الارهابية وملاحظة الممارسات الاجرامية التي تنفذها هذه الجماعات لا نكاد نرى أي نوع من العقلانية في سلوكها، بل على العكس فإن هذه السلوكيات تنم عن وجود إنحراف عميق في الأفكار التي يحملها عناصر هذه الجماعات والمتبنيات الفكرية وربما “الدينية” التي يروجون لها من أجل تبرير جرائمهم التي تفوق بشاعتها وفظاعتها حد الوصف ولايمكن أن تبدر إلا عن نفوس مريضة وشريرة لحد الجنون إن لم يكن أكثر بكثير.
الارهاب والعقم السياسي
يبدو من خلال قراءة تاريخ الحركات الارهابية أنها وصلت الى هذا النوع من السلوك الاجرامي بسبب فشلها الذريع في إيجاد أي مخرج سياسي وايديولوجي لما تؤمن وتفكر به وهو ما يمكن أن نصفه “بالعقم السياسي والايديولوجي”.
ورغم سعي أكثر هذه الجماعات الى إضفاء صبغة فكرية ودينية على تصرفاتها ونشاطاتها لغرض إيهام الرأي العام بأنها تحمل شكلاً من أشكال الايديولوجية، إلا أن الطبيعة الإجرامية لهذه الجماعات لا يمكن أن تخفي حقيقة إفتقارها الى أي ايديولوجية سوى “ايديولوجية” القتل والذبح وتقطيع الاوصال والسلب والنهب والاغتصاب والتمثيل بجثث الضحايا وتدمير الممتلكات والمؤسسات الحيوية والإعتداء على التراث التاريخي والثقافي للشعوب التي تستهدفها هذه الجماعات الارهابية.
وبالعودة الى السؤال الذي طرحناه في بداية المقال عن سبب ظهور هذه الجماعات وتمركزها بشكل واضح في الشرق الاوسط، يمكن القول في هذا المجال ان الاسباب وراء ذلك تكمن في:
اولاً: الافكار التكفيرية التي تحملها هذه الجماعات والنابعة من الفكر الوهابي – السلفي الذي يبيح لأتباعه ارتكاب ابشع الجرائم ضد من يخالفه في المعتقد أو حتى في الأفكار الجزئية التي لاتعبر بالضرورة عن خلاف مذهبي حقيقي أو أي نوع من الصراع الفكري والايديولوجي.
ثانياً: محاولات القوى الاجنبية للسيطرة على مقدرات المنطقة ونهب ثرواتها والتحكم بمصيرها، والتي لاتتحرج في ارتكاب أي جريمة لتحقيق أغراضها، ولذلك لجأت هذه القوى الى تشكيل الجماعات الارهابية. وقد اعترف العديد من المسؤولين الاميركيين بينهم وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بأن بلادهم هي التي أوجدت تنظيم “داعش” الارهابي الذي يتلقى مختلف انواع الدعم من الانظمة الحليفة لواشنطن لاسيما الانظمة الرجعية والعميلة في المنطقة.
ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو لماذا ينتشر الارهاب في منطقة الشرق الاوسط اكثر من غيرها من مناطق العالم وبدرجات متباينة جداً؟
الاجابة على هذا السؤال تكمن في معرفة الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة بالنسبة للقوى الاستكبارية وفي مقدمتها الدول الغربية وعلى رأسها أميركا من الناحيتين الجغرافية والسياسية والثروات الطبيعية الهائلة التي تزخر بها دول هذه المنطقة، ولهذا تقوم هذه القوى بنشر الإرهاب في المنطقة وتمكين الارهابيين من تنفيذ مخططاتها من أجل تمزيق أوصالها وإشغال شعوبها بالصراعات الطائفية والقومية كي تتمكن من سرقة ثرواتها، وتحويلها الى مستهلك للسلاح بشتى انواعه لجني الأرباح المادية الهائلة من الانظمة والحكومات التي تأتمر بأوامرها والتي تخشى على مستقبلها أيضاً من الجماعات الارهابية رغم دعمها لها استجابة للضغوط الاميركية التي حولت هذه الأنظمة الى بقرة حلوب تعتصر ضرعها متى شاءت وتلوح لها بالعصا الغليظة لإرعابها أنّى أرادت.
المصدر: الوقت