أزاميل/ متابعة: هناك خطوات غير معلنة تجري لتعزيز قدرات القوات المحلية المحتملة في سوريا لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». ما ذكره موقع «ميدل إيست بريفينج» سابقا عن العرض الأردني لتسليح القبائل العربية في سوريا بدا أنه أكثر مما كنا نعتقده في السابق. فبالإضافة إلى ذلك، تكثف حكومة إقليم كردستان العراق برنامجها لتدريب وتجهيز الأكراد السوريين الذين عادوا إلى بلادهم من أجل محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية».
وفي المقابل، رفض «بشار الأسد» مبادرة روسية، وصفت بالجريئة، لحل الأزمة السورية سياسيا في وقت سابق من هذا الشهر. ويوضح هذا الرفض للإطار المقترح من روسيا، والذي تم عرضه بعد زيارة وزير الدفاع السعودي «محمد بن سلمان» إلى موسكو الشهر الماضي، حدود نفوذ موسكو في دمشق، والذي تم نقله في نهاية المطاف إلى الروس بعد مشاورات وثيقة بين دمشق وطهران.
وقامت قوات البشمركة الكردية بتدريب وتسليح خمسة آلاف سوري، معظمهم من الأكراد، ثم قاموا بإرسالهم إلى سوريا. وأتى هؤلاء المقاتلون من مخيمات اللاجئين في تركيا، وليس من الواضح حتى الآن كيف سيتعامل حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا مع القادمين الجدد. وعارضت وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا لأكثر من سنة فكرة إرسال مقاتلين من كردستان العراق إلى سوريا. لكن تم التوصل إلى بعض التسويات، برعاية من الولايات المتحدة الأمريكية، لعبور المقاتلين إلى سوريا.
وهناك أمل في أن القوة الجديدة سوف تكون قادرة على كبح جماح التطهير العرقي الذي تمارسه وحدات حماية الشعب الكردية ضد العرب في شمال سوريا، حيث تردد صدى هذا الأمر في المنطقة، وأحدث تأثيرا سلبيا على الجهد الجماعي لمكافحة «الدولة الإسلامية». وقد عانى السكان العرب الأصليون في المناطق التي استولت عليها وحدات حماية الشعب الكردية من مصادرة ممتلكاتهم وحرق منازلهم والقتل والهجرة القسرية للخروج من قراهم. والآن، يقدم تنظيم «الدولة الإسلامية» نفسه لهم باعتباره المنقذ الوحيد للعرب السنة والمخلص مما يرونه من سوء العذاب.
دور أردني
وبالنسبة لحالة القبائل العربية في شرق سوريا، فقد أكدت تقارير إعلامية على الدور الأردني كرأس حربة في مشروع عربي أمريكي متضافر لتدريب وتجهيز قوة قبلية من سوريا نفسها لمكافحة «الدولة الإسلامية». ووفقا لهذه التقارير، فقد التقت مجموعة من رؤساء القبائل في سوريا بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة «ستيفان دي مستورا» والمبعوث الأمريكي الخاص «جورج ألان» وبعض المسؤولين من الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي في جنيف خلال الشهر الماضي. وتم تقسيم المحادثات إلى شقين رئيسيين، شق ناقش احتمالية التوصل إلى حل سياسي في سوريا، بينما تناول الشق الآخر تشكيل قوة للتدريب في الأردن لقتال «الدولة الإسلامية» في الصحراء السورية.
ومن المقرر أن يلتقي زعماء القبائل بالعاهل الأردني الملك «عبد الله الثاني» خلال الشهر الجاري. إنهم يتعرضون لضغوط تقع عليهم من كل حدب وصوب، من النظام السوري، ومن الولايات المتحدة، ومن دول مجلس التعاون الخليجي، ومن تنظيم «الدولة الإسلامية» نفسه. ومن غير المؤكد، حتى الآن، إذا كانوا سوف يستجيبون لفكرة تشكيل قوة لمحاربة التنظيم أم لا. وتعهد الملك الأردني الشهر الماضي أن بلاده ستدافع عن أمنها وسلامة أراضيها قائلا «حتى لو كان ذلك يعني تجاوز حدود بلادنا».
ولكن الشك الرئيسي الذي ينتاب القبائل العربية السورية يتجه نحو الأمريكيين. فهم يتذكرون كيف تركت الولايات المتحدة عشائر الأنبار تعاني في ظل السياسات الطائفية من «نوري المالكي» وانتقام تنظيم القاعدة في العراق بعد الحرب ضد التنظيم. ويصفون الأمريكيين كأصدقاء لا يمكن الاعتماد عليهم ويتهمونهم بالدفاع عن الأكراد فقط، وأنّهم غير مبالين بحياة العرب. وسوف يلتقي الملك «عبد الله الثاني» في القريب برؤساء القبائل ويحاولون معالجة همومهم. وتمتد القبائل العربية من شرق سوريا عبر الحدود إلى الأنبار.
الدور الناشئ من الأردن يجعل منها هدفا محتملا تتلاطمه دوامة الحرب. وتسعى إيران إلى تغيير سياسة عمان بأي وسيلة ممكنة. وفي إبريل/نيسان الماضي، تم اعتقال عراقي يحمل جواز سفر نرويجي في عمان وبحوزته 45 كيلو جراما من المتفجرات، وقد اعترف أثناء التحقيق معه أنه يعمل مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وقال إن عمليته كان من المفترض أن تكون بداية للعديد من الهجمات التي كان من المخطط أن يتم إلصاقها بجبهة النصرة و«الدولة الإسلامية»، وذلك من أجل تشكيل نهج أردني مختلف للحرب في سوريا.
ومن الصعب علينا أن نتصور كيف يمكن لفيلق القدس تغيير سياسات المملكة الأردنية الهاشمية. ومع ذلك، فإنه من الخطأ في الوقت ذاته أن نفترض أن المحادثات مع زعماء القبائل سوف تحقق أي نتائج سريعة، حيث إن الصورة العامة في سوريا والعراق تقترح معسكرين يعملان ضد بعضهما البعض في الصحراء من الرمادي حتى دير الزور. ائتلاف قوى بين إيران و«الأسد» والشيعة في العراق، والآخر مكون من المجموعات المسلحة من الولايات المتحدة والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي المعادية للدولة الإسلامية. وفي حين أن الحدود الجغرافية للمعركة يمكن أن تجعل البُعد السياسي المتعلق بـ«الأسد» في سوريا على الحياد بشكل مؤقت، لكن هذا ليس هو الحال في العراق. الفارق بعيد ومركزي على أرض الواقع.
مقاومة شيعية
وتدرك القوى الشيعية في بغداد، والتي هي مدعومة بشكل تام من الإيرانيين، الطبيعة الحقيقية للأهمية الاستراتيجية للصراع، وسوف تقاوم بضراوة تسليح عشائر الأنبار، وسوف تفعل كل ما بوسعها لإفشال أي محاولة لحشد القبائل السورية الشرقية تحت العلم العربي – الأمريكي. كما أن «الأسد»، الذي لا يملك قوات كافية الآن للسيطرة على الشرق، بدأ في تنفيذ خطة منسقة لتقسيم القبائل العربية السورية، وعزل القادة المشتبه بهم والتلاعب بـ«الدولة الإسلامية» لمحاربة عدو محتمل ناشئ.
وسوف تكون الصحراء الممتدة بين سوريا والعراق بكل تأكيد عامل رئيسي في تحديد نتيجة الفوضى الحالية في البلدين، حتى على المستوى السياسي، مع احتمالية أن الحفاظ على وحدة البلدين، بطريقة أو بأخرى، سيتم تحديده لاحقا، وستكون أيضا هي ساحة المعركة حيث نهاية مصير «الدولة الإسلامية». لكن في اللعبة الكبرى التي تجري للسيطرة على هذه المساحة الحيوية من الرمال، ستكون معسكرات المعارضة الرئيسة هي العرب والإيرانيين، وسيأتي تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى هناك في مكانه الصحيح كمحرك ثانوي لهذه المعركة الرئيسة.
التحول التدريجي من وسط فوضى العراق وسوريا إلى صحراء الرمادي ودير الزور وتدمر لا يعني بالطبع أن أهمية غرب العراق أو دمشق قد تضاءلت أو أنها ما عادت ذات فائدة. لقد رأينا،على سبيل المثال، أن القوى الشيعية العراقية المعروفة باسم «لواء أبو الفضل العباس» تم سحب عناصرها من مواقعهم في وسط حلب بعد سقوط مدينة الرمادي في أيدي قوات «الدولة الإسلامية» هناك. وما هي إلا أيام قليلة حتى تم توجيه هذه القوات للدفاع عن بغداد بدلا من حلب. وقد سمح هذا للمليشيات المعروفة باسم «نور الدين زنكي» الموجودة ضمن المعارضة السورية بمهاجمة المنطقة التي يسيطر عليها النظام بدءا من مواقع مركز الأبحاث، حيث تركزت قوات «لواء أبو الفضل العباس» خلال عملياتها في السابق.
وإذا كان الإيرانيون ينظرون إلى هذه الصحراء باعتبارها ساحة قتال، فهم يدركون أن ذلك على النقيض مما يعتقده خصومهم، ومن ثم يتعين عليهم أن يبقوا على دمشق تحت سيطرتهم. وهذا هو بالضبط ما يحاولون القيام به مهما كلف الأمر من جهود وتضحيات.
وقال «علي أكبر ولايتي»، مستشار السياسة الخارجية لـ«آية الله علي خامنئي»، في مقابلة مع صحيفة «كيهان» في طهران إن المرشد الأعلى أصدر أوامر واضحة إلى جميع فروع الحكومة أنه «ينبغي تقديم كل مساعدة ممكنة للرئيس بشار الأسد في سوريا من أجل الحفاظ عليه ومنع سقوطه». وخلال لقاءاتنا الأخيرة مع قادة في كل من سوريا والعراق، وجدنا من يذكرنا بأنهم قبل عامين قالوا وأكدوا إن «نظام الأسد» لن يسقط. لم نكن متأكدين حينها أنه سيبقى في السلطة هو ونظامه حتى الوقت الذي نحياه. ولكن اليوم أستطيع أن أقول بكل ثقة إنه سيبقى في السلطة هو ونظامه أيضا. وتابع «ولايتي»: «أنا أتحدث هنا عن الاعتبارات المحلية والدولية، وليس عن وجهات نظر شخصية» وبالتزامن مع تفاؤل «أكبر ولايتي» أرسلت طهران قوات «لواء أبو الفضل العباس» وقوات إضافية أخرى لدعم دفاعات النظام في حلب.
وفي الوقت نفسه، تم التصدي للهجوم على درعا في جنوب سوريا في الوقت المناسب. لقد كان يُعتقد أنّ المملكة الأردنية الهاشمية لم تدعم الاستيلاء على المدينة من قبل المعارضة في الوقت الراهن. وفي حلب؛ لا يزال الوضع غير جلي وتحيطه الغيوم، ولكن ليس هناك احتمالات معينة بأن المعارضة سوف تستولي على المدينة في الأسابيع القليلة المقبلة.
وفي الوقت ذاته، فإن الجبهة السياسية عاجزة هي الأخرى. فوفقا لما ذكره مسؤولون سوريون، اقترح الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» على وزير الخارجية السوري «وليد المعلم» في 28 يونيو/حزيران أثناء زيارته لموسكو «رؤية» لبناء جبهة موحدة لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». هذه الجبهة المقترحة كانت لتضع تركيا والمملكة العربية السعودية والأردن وسوريا معا في خندق واحد ضد الإرهاب. وعلى الرغم من نشر هذا العرض في وسائل الإعلام الروسية، لكن الأمر الذي لم يتم الإعلان عنه هو الاقتراح الروسي المتفق عليه بفترة انتقالية تدير شؤون الحكم في سوريا. وخلال هذه الفترة الانتقالية، سوف يتخلى «الأسد» عن جزء كبير من صلاحياته إلى التحالف الذي يجمع القوى المعارضة لتنظيم «الدولة الإسلامية» والنظام في الحكومة في دمشق. ولكنّ «الأسد» رفض هذا الاقتراح. ومن الواضح أن جهود موسكو الفاترة بعد اجتماع الأمير «محمد بن سلمان» مع «بوتين» وصلت إلى طريق مسدود.
المصدر | سمير التقي وعصام عزيز – ميدل إيست بريفينج