سلط المحلل الإسرائيلي تسفي برئيل الضوء على التغير الكبير في الاستراتيجية السعودية في عهد الملك سلمان في مختلف الملفات المتعلقة في الشرق الأوسط والمنطقة برمتها، من سوريا إلى اليمن واتفاق النووي الإيراني والعلاقات مع مصر والإخوان المسلمين وتركيا، وتأثير هذا التغير على العلاقة السعودية الأمريكية الأمر الذي تناوله لقاء الملك السعودي بأوباما.
وقال برئيل في مقالته بصحيفة “هآرتس” الأحد، إن السعودية في عهد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز اضطرت لإحداث تغيير استراتيجي في خططها بعد أن تأكد لها أن أمريكا حليفة مشوشة وخطيرة، خاصة بعد خطواتها الفاشلة في الشرق الأوسط، بالذات في ما يتعلق بالاتفاق الإيراني النووي.
ونوه من خلال قراءته لزيارة الملك السعودي إلى أمريكا، إلى أن براك أوباما سيبدو في هذه المرة مختلفا؛ إذ إنه وخلافا لمصر والأردن وإسرائيل فإن السعودية لا تحتاج إلى المساعدات الأمريكية، وهي ستشتري منها الطائرات والصواريخ والأسلحة بمليارات الدولارات. هذه هي الصفقات الأخيرة فقط وهي لا تشمل الصفقات التي تمت بعشرات المليارات والأسلحة قيد التصنيع الآن. باختصار، فإن السعودية لا تشتري السلاح فقط بل تشتري الدفاعات العسكرية، الأمر الذي سيقوي الاقتصاد الأمريكي، وفي المقابل فهي تتوقع الحصول على نتائج سياسية مناسبة.
وتابع مقالته بالقول: “بخلاف إسرائيل، فإن السعودية لا تتفاخر بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، لا سيما بعد أن تبين أن هذه الديمقراطية هي عبء على الإدارة الأمريكية. بينما للسعودية أملاكها الخاصة التي تجعلها حليفة حيوية”.
وقال برئيل إنه بالنسبة للسعودية، فإن هذه رزمة من الفشل تفرض على السعودية ضمان أن حليفتها لن تحطم، حتى لو بالخطأ أو بالسذاجة أو بسبب غياب الخبرة، مميزات يعتبرها المحللون في السعودية صفات إنسانية للولايات المتحدة، أي مكانة وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ونوه إلى أن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، في أيامه الأخيرة، اعتقد أن على السعودية تغيير استراتيجيتها وأن تتحول من دولة تعمل من وراء الكواليس إلى دولة مبادرة، والسبب الرئيس لذلك هو أنه بعد ثورات 2011 لم تبق دولة عربية قادرة على حمل لواء القيادة. فمصر غارقة حتى عنقها في مشكلاتها، والعراق مُقسم، وسوريا تتفكك تماما. ولكن سياسة عبد الله تميزت بمعارك الكبح مثل المساعدة التي منحها لنظام السيسي (المقاطعة التي فرضها على قطر لتتراجع عن مهاجمة مصر)، الابتعاد، في التصريحات على الأقل، عن الإخوان المسلمين، رعاية مليشيات دينية ولكن غير راديكالية في سوريا وسعي أولي لإصلاح العلاقات مع إيران.
واستدرك بالقول، إنه توجد لسلمان استراتيجية مختلفة، وكبح إيران ووقفها بقيت الاستراتيجية المركزية، لكن تنفيذها يستند إلى سياسة ناجعة لا ترتدع عن القيام بعمل عسكري مباشر.
ونوه إلى أن الملك سلمان مثلا أقام “الخط السني” الذي يضم مصر ودول الخليج وتركيا أيضا التي تعتبرها مصر دولة معادية. وقد اضطر السيسي إلى بلع حبة الدواء المرة وفهم أنه خلافا لعبد الله الذي احتقر تركيا وأبعدها عن شؤون الشرق الأوسط، فإن سلمان له أولويات أخرى. السعودية أقل عداءً للإخوان المسلمين وبالنسبة لها فإن “حماس” هي وسيلة مقبولة من أجل تطهير الواقع العربي السني من تأثيرات إيران. والانضباط المصري تحصل عليه السعودية بواسطة الأموال الطائلة التي تُمكن السيسي من بقاء نظامه، ولكن ليس تحديد الأولويات السياسية في المنطقة.
وقال برئيل إن ذروة السياسة السعودية الناجعة بدأت منذ آذار على أرض اليمن. فقوات برية وجوية سعودية، بالتعاون مع مليشيات محلية وأجزاء من جيش اليمن، نجحت في احتلال مدن عدن وتعز، وهي تعد بأنها ستحتل العاصمة من جديد حتى الخريف من أيدي المليشيات الحوثية. رغم أن تمرد الحوثيين في اليمن لم يبدأ بمبادرة إيران (فقد حذرتهم إيران من محاولة احتلال الدولة)، وقد نجحت السعودية في تأطير الحرب في اليمن كصراع قوة في وجه إيران، وإن الحوثيين هم شيعة يعملون باسم الجمهورية الإسلامية.
ونوه إلى أن السعودية تبنت الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي تتم استضافته مؤقتا في الرياض، وهي تعتبر حزب الإصلاح اليمني المرتبط بالإخوان المسلمين مستندا سياسيا أساسيا، مرة أخرى رغم أنف المصريين.
وشدد برئيل على أن السعودية نجحت بذلك في وضع الولايات المتحدة في مفارقة صعبة. فما زالت واشنطن تعتبر أن الحرب ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية جزءًا من استراتيجيتها، وفي ظروف أخرى كان يمكن للحوثيين بالتحديد أن يشكلوا قوة مساعدة مهمة ومفيدة في هذه الحرب.
وأكد أن السعودية تطمح في سوريا إلى إدارة اللعبة السياسية، عندما أعلنت بشكل حاسم أن الأسد لا يستطيع الاستمرار في الحكم حتى وإن كان هذا على شكل حكومة انتقالية. السيسي الذي أعلن قبل بضعة أسابيع أن الأسد يمكنه أن يكون جزءًا من الحل، اضطر إلى التراجع وقبل الموقف السعودي. اليمن وسوريا ستحظيان بالنجومية في اللقاء بين أوباما وسلمان. فالملك السعودي سيطلب تفسيرات واضحة وقاطعة تضع الولايات المتحدة وراء ظهر المملكة مع قبول قدرة واشنطن على المناورة.
وأشار إلى أن السعودية تعرف أن الاتفاق النووي مع إيران هو حقيقة واقعة، ولكن بخلاف إسرائيل فإن ما يقلقها ليس عدد أجهزة الطرد المركزي أو كمية اليورانيوم المخصب الذي تستطيع إنتاجه، بل تأثير رفع العقوبات على المكانة الإقليمية والدولية لإيران، وهذا ما سيكون في جوهر النقاش السعودي الأمريكي.
وختم برئيل تحليله بالقول: “من هنا تنبع الأهمية الكبيرة التي تنسبها السعودية للسياسة الأمريكية القاطعة في المكانين، اليمن وسوريا، حيث أن الحرب ضد داعش بالنسبة لها هي حرب ثانوية قد تزيد من قوة إيران. والتعاون غير الرسمي بين إيران والولايات المتحدة في الحرب ضد داعش في العراق، والأصوات في واشنطن التي تعتبر الأسد قوة مساعدة محتملة للقضاء على داعش في سوريا، تزيد اشتباه الرياض بالنوايا الأمريكية الحقيقية”.
وشدد على أن أوباما يحتاج إلى قدرته الكلامية والدبلوماسية كي يعد الملك سلمان، بأن “الفوز” في إيران لن يتسبب بفقدان وضياع الشرق الأوسط العربي.
—-
وكان المحلل الإسرئيلي اعتبر بمقال له في شهر أيار الماضي أن السعودية مستنفرة قبيل التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران. فخوفها الدائم ليس من احتمال قيام إيران بتطوير السلاح النووي، بل من المكانة الاستراتيجية الجديدة التي ستحتلها إيران. فإيران التي حظيت بالمشروعية الدولية بإمكانها ليس فقط منافسة العربية السعودية على اسواق النفط، بل من شأنها ايضا ان تنضم إلى طاولة المفاوضات التي تعالج النزاعات الاقليمية. حيث ان إيران تمسك بيديها بمفاتيح استراتيجية لثلاث من القضايا الاقليمية ـ واحد في سوريا (لبنان) والثاني في العراق والثالث في اليمن.
وحول تركيا وعلاقتها بالسعودية اشار في آذار الماضي إلى أن تنظيم الدولة داعش لا يشكل خطرا مباشرا على تركيا، ولكن في المقابل، فإن تحالفا سياسيا سنيا من شأنه أن يزعزع الطائفة العلوية الأكبر في تركيا، التي لا تتضامن مع تلك الموجودة في سوريا، والتي تعد حوالي 11 مليون نسمة، وفقا لبرئيل.