الغجر..تجوال الكستناء والخيول
خزعل الماجدي
سرقة الخيول، صهر النحاس، ترميم الأواني، ضرب الخيام، مدّ يد التسوّل ومدَ الساق أمام الغريب عناوين تاريخ غير مدون. تاريخ الأودية السمر. تيه بلا نهاية لا يعرف الراحة، لا وطن له وليس له من عودة.
إنها أودية تجوال الكستناء التي تعلمت أن تضحك على كل شيء وتلعب على أوتار الربابة، ومن ذلك تنشأ الأغاني التي تتحشد بالجوع والسعادة والغيرة والحب العنيف الذي تتدفق فيه الدماء الحارة.
ليس عبثاً أن تحدثنا الأساطير كيف أن أم الغجر قد غمرتها السعادة حين رأت أطفالها في الجنة ولم تتمالك نفسها من الضحك.. إن مروج السماء تروّض أبناءها الذين كانوا أكثر جموحاً من الخيول الهائجة.
يعيش الغجر في بقاع العالم وهم يبتعدون خطوة أو أكثر عن المجتمعات التي تعيش حولهم فهم الأكثر شغفاً بالحرية والأكثر تمثلاً لشروط الحياة البسيطة.
وهناك اعتقاد سائد قوي هو أن الغجر في جميع أنحاء العالم ينحدرون من أصلٍ واحد، هذا الأصل يطلقون عليه اسم (روم) فهو النموذج الكامل للجنس البشري في نظرهم أما باقي البشر فهم آل (كاجو) الذين ما زالوا يسعون للكمال.
تاريخ الغجر
سابقاً، اعتقد بعض المؤرخين أن الغجر وفدوا من بلاد الرافدين وافترض غيرهم أنهم من مصر أو شمال أفريقيا أو أثيوبيا لكن البحوث الحديثة رجّحت أن الوطن الأصلي للغجر هو الهند ولنا وجهة نظر خاصة عن أصلهم الحقيقي.
فهم، تحديداً، من شعوب وادي السند التي بنت أول حضارة في شبه القارة الهندية ونرجح أن يكونوا من الدرافيديين الذين هم السكان الأصليون للهند وقد هاجر بعضهم إلى جنوب الهند بعد الغزو الآري للهند أما الذين فروا خارج الهند باتجاه إيران ثم الشرق الأدنى ومنه إلى أوربا فهم (الغجر).
وهذا مايفسر بشرتهم السمراء وتسريحاتهم الخاصة. كان أول اتجاه فروا به إلى بلاد فارس وتركستان وفي بلاد فارس نشأت منهم قبيلة غجرية كبيرة هي (اللور أو اللُّر) ولا تزال حتى يومنا هذا في إيران مقاطعة واسعة تسمى (لورستان) يقطن فيها بعض القبائل الرحل من نمط الغجر.
وقد هاجروا من أراضيهم (في الهند وإيران) في نحو القرن الرابع الميلادي، وفي آسيا الصغرى وصل الغجر إلى أرمينيا وأقاموا حول أرارات ومن أرمينيا هاجروا نحو الأناضول وفي نهاية القرن التاسع الميلادي وجد الغجر عند أطراف الإمبراطورية البيزنطية ثم اتجهوا نحو بحر إيجة وفي أواسط القرن الخامس عشر وصلوا إلى مناطق المجر وصربيا وباقي بلاد البلقان الأخرى.
عند تخوم أوربا انقسموا إلى مجاميع مختلفة بعضها توجهت نحو جنوب اليونان في جزيرة بيلون وأسموها (مصر الصغرى) وأقاموا فيها ثلاثة قرون ثم استمرت الهجرة إلى أوربا.
وفي القرن الخامس عشر جاء القسم الأعظم من الغجر عبر البسفور وظهروا في أرض (تراقيا) في شبه جزيرة البلقان حيث انقسموا إلى عدة مجموعات أهمها مجموعة الملك زندل. الفيوفودون، أندريا. مهاجو وباندل.
يعدّون قرابة 10 ملايين نسمة حول العالم
في القرن الرابع عشر التقوا في مملكة دوزان (عام 1343) القيصرية ووقفوا في عهد ازدهار الإمبراطورية الصربية أمام الغزو العثماني وبعد حين ظهروا في الأراضي الرومانية ثم في بلاد بوهيميا وخلال القرن الخامس عشر غطوا أراضي ألمانيا وإنجلترا وأسبانيا وهناك مجموعة أخرى اتجهت نحو روسيا.
ثم بعد ذلك انتشروا في بولندا، واستمر انتشارهم إلى أن بلغوا السويد وإنجلترا في القرن السادس عشر الميلادي، كما استوطنوا في إسبانيا بأعداد كبيرة.
غجر أوربا
تنقسم الشعوب الغجرية إلى نوعين أساسين هما: الأول: غجر الرومن (الروما): وهم غجر أوربا يعيشون اليوم في وسط وجنوب أوربا وينقسمون إلى (الغجر الرومانيين) في رومانيا، و(الغجر اللارومانيين) في صربيا ومقدونيا وكرواتيا، وقد هاجر الكثير منهما إلى دول أوروبا الغربية، وينقسمون إلى مجموعات هي:
– الفلاكس وعددهم (2,015,000) يعيشون في رومانيا والبرازيل والبوسنة والهرسك والولايات المتحدة الأميركية ولغتهم الرئيسة هي الرومانية بلهجتهم الفلاكسية، ويدينون بالمسيحية.
– البلقان وعددهم (1,368,000) ويعيشون في أوكرانيا وصربيا وبلغاريا، ويتحدثون الرومانية باللهجة البلقانية وفي صربيا لهم لجة خاصة، ويدينون بالمسيحية وفي أوكرانيا لهم ديانة خاصة.
– الكالو وعددهم ( 995,000) ويعيشون في إسبانيا (وسط وجنوب) وجزر الكناري والبرازيل ويدينون بالمسيحية.
– الكاربات وعددهم (453,000) ويعيشون في التشيك وسلوفاكيا ويتحدثون الرومانية باللهجة الكارباتية ويدينون بالمسيحية.
– البرازيل وعددهم (402,000) ويعيشون في البرازيل ويتحدثون البرتغالية وديانتهم: روم كاثوليك.
– الزرغر ولا يعرف عددهم، يعيشون في بلغاريا ويتحدثون الرومانية، بعضهم يدين بالمسيحية وبعضهم بالإسلام وبعضهم بلا دين.
– البلغار ويبلغ عددهم (246,000) ويعيشون في بلغاريا، لغتهم البلغارية، ويدين بعضهم بالمسيحية وبعضهم بالإسلام وبعضهم له ديانة خاصة وبعضهم بلا دين.
أما الجزء الثاني فهم غجر الدومر،
وهم غجر الشرق الأوسط، وينقسمون إلى المجموعات التالية:
– الحلب (279,000) يعيشون في مصر و (39.000) يعيشون في ليبيا.
– النَّوَر () في مصر (الدقهلية)، تسعة آلاف في فلسطين (الضفة والقطاع)، وثمانية آلاف في فلسطين المحتلة من قبل إسرائيل، و (6.400) في الأردن.
– الغربتي يعيشون في غرب إيران وفي سوريا والأردن.
– اللولي، يعيشون في غرب إيران وأوزبكستان وفرغيزستان.
– الزط (41.000) و في سوريا، و 33 ألف في العراق.
– المهتار، يعيشون في إيران (محافظة فارس ومحافظة كهكيلويه وبوير أحمد).
– الكراتشي، يعيشون في شمال إيران والقوقاز وشمال تركيا.
– اليُرك، يعيشون في تركيا وإيران.
– تشوري وعددهم (9.800) في أفغانستان، و (2.400) في طجكستان.
– البراكي، يعيشون في سوريا والأردن.
– المزنوق، يعيشون في سوريا والأردن.
– الكاولية، يعيشون في العراق.
– القرج، يعيشون في إقليم كردستان العراق.
تلفظ كلمة الدومر في مناطقنا العربية ب آل (دوم) وتسمى لغتهم ب (دوماري) وتسمى أيضا (العصفورية) وهي لغة شفاهية لم تدوّن، وعلى الأرجح أنها كتبت قديما بأبجدية خاصة، وربما نجدها على ألسنة بعض كبار السن فيهم ولذلك فهي على وشك الانقراض.
يبلغ عدد الغجر في جميع أنحاء العالم نحو آل 10 ملايين، ثلاثة أرباعهم من الرومن والباقي من الدومر.
أما كلمة جبسي gypsy الأجنبية التي تعني الغجر فهي مشتقة من كلمة إيجبت egypt أي مصر، وقد أطلقت عليهم لظنهم أنهم يشبهون المصريين السمر اللون.
كان بعضهم يتكلم لغة مشتركة قد تكون من أصل هندي، وبعضهم لهم ثقافة وتقاليد متشابهة، وحتى أواخر القرن العشرين ظلت شعوب الغجر تعيش حياة التنقل والترحال. وللغجر أسماء مختلفة باختلاف اللغات والأماكن التي يتواجدون فيها، وهم من بين الشعوب التي تعرضت للاضطهاد من قبل الحكم النازي.
لغة الغجر
نادراً ما تستعمل لغة الغجر في الكتابة وهي لغة تقترب في قواعدها من اللغة الهندية الجديدة المشتقة بشكل غير مباشر من اللغة الدارجة لوسط الهند ولذلك فهي تبدو غريبة على اللغة الهندية السنسكريتية وأوجه الشبه مع اللغات الهندية ليس كبيراً ولا يفتح إمكانية تفاهم واضحة بين الغجر والهنود.
واللغة الغجرية مركبة وتحتوي على أصوات غريبة ذات طرق نطق متعددة ولها ثماني حالات من حالات الإعراب ولكنها تفتقد إلى المصدر.
انقسمت لغة الغجر تحت تأثير لغات الشعوب المستوطنة إلى عدة لغات محلية فقد استعاروا قديماً من الفارسية والآرامية.
وبعد وصولهم إلى دول البلقان تسربت إلى لغتهم شحنات من اللغات السلوفينية الجنوبية واليونانية والرومانية والهنغارية وحديثاً يصعب التفاهم بين غجر إسبانيا وغجر يوغسلافيا مثلاً بسبب الاستقلالية المحلية للغات الغجر.
الأساطير الغجرية
رغم أن الغجر حالياً يدينون بالأديان المعروفة إلا أن هناك معتقدات ميثيولوجية تختفي خلف هذه الأديان وتمدّها بالكثير من الحيوية والتنوع واستطاع علماء الغجريات أن يتثبتوا من النظام الأسطوري هذا وأن يصفوه فالغجر يؤمنون بإله واحد فقط هو (أوديل) ويسمى (أو ديفيل) أو (أوديلورو).
وأوديل الإله هو كل شيء (السماء والنار والريح والمطر) ولكن الأرض (فو) موجودة قبل أوديل التي ظهر عليها بعد حين ثم ظهر بعده الشيطان (أوبنغ) وهكذا احتوت الأرض إله الخير وإله الشر وكلاهما قوي يعمل ضد الآخر دون هوادة ويتجسدان في كل شيء (ويذكر هذا التقسيم بالمثيولوجيا الإيرانية القديمة).
وقد صنع الإله أوبنغ فيما بعد تمثالين من التراب على شكل رجل وامرأة ونفخ الإله أوديل الكلمة فيهما وهكذا كان مولد آدم وحواء (دامو ويهوا).
ويرتبط مولدهما بشجرتين مثمرتين نبتتا عند الماء أحداهما خلف الرجل والأخرى خلف المرأة غطتهما بأغصانها وأكل (دامو) من شجرته الكمثرى فظهرت الأفعى ورأت كيف أخذ يبدو الرجل فحاولت منع المرأة من أكل ثمار شجرتها الأجاص إلا أن أوديل تدخل في الأمر فانسحبت الأفعى.
وأكلت (يهوا) الفاكهة فعرفت الرجل الذي اكتفى من المرأة لكن المرأة رغبت في أكل فاكهة أكثر لكي تعرف الرجل (أي تتصل به) وكان الرجل يكتفي في كل مرة إلا أنها لا تكتفي ومنذ ذلك الحين لم تتوقف المرأة عن الرغبة في طلب الحب.
ويرى بعض الغجر أن الإنسان، لاحقاً، خلق من ثلاثة أصول (ثلاثة رجال) الأول أسود وهو جد الأفارقة، والثاني أبيض وهو جد الأوروبيين وأمثالهم من البيض، والثالث هو جد الغجر، وان هذا الجد يسمى (كين) وهو (قايين أو قابيل)، وقد قتل شقيقه فعوقب من الله بأن جعله هائما في الأرض هو ونسله الذي سيخلفه وهو ما يفسر تجوال الغجر في الأرض.
هناك أسطورة أخرى تفسر شتاتهم وتجوالهم تقول بأن الجد الغجري قد أسرف في الخمر وثمل ولم يستطع الدفاع عن السيد المسيح، وأخرى تقول إنه صنع المسمار الذي دقّه أعداء المسيح عندما صلبوه عليه. وهذا ما يشير إلى وقوفهم ضد المسيحية، رغم أن أغلبهم صار مسيحياً، وهو ما يفسر كره الأوربيين لهم.
النظام الاجتماعي
تتكون العشيرة الغجرية من عشر إلى عدة مئات من العوائل ويرأس العشيرة رجل ينتخب مدى الحياة والرئاسة ليست وراثية بل يتم انتخاب الرئيس لحكمته وقوته وعدالته وكبر سنه وللرئيس الحق في أن يفعل ما يشاء ويرأس مجلساً للكبار.
وهو الذي يقرر الهجرة والإقامة في أماكن معينة وليس هناك ما يسمى ب(ملك الغجر) الذي يرأس قبائل أو عشائر متعددة أو (ملك غجر أوربا) فهذه أمور روجت لها الصحافة والأضواء أكثر من كونها حقيقة واقعية.
إن رئيس العشيرة أو الزعيم الغجري يختفي خلف زعيم مزيف عندما يتعلق الأمر بعلاقة الغجر مع بقية الناس وخاصة مع السلطات حتى لا ينكشف مصدر القوة الحقيقية للعشيرة.
أما رئيسة العشيرة فهي ليست بالضرورة زوجة الرئيس بل تكون عادة امرأة كبيرة السن تسمى (فيوري داي) أو (بيبي) وتعني الخالة أو العمة ولا تمتلك سلطات رسمية ويكاد تأثيرها ينحصر على النساء والأطفال بصورة خاصة. وهي تؤشر في نظر الباحثين بقايا العصر الأمومي الذي كان يعيشه الغجر في الماضي.
ويسود بين المجتمع الغجري قانون أو نظام ع دالة يسمى (كريس) ويكون مجلس الكبار هو المسؤول عن تطبيق هذا القانون ورئيس المجمع يسمى (كريسنتوري) ويقوم بحل المنازعات والخصومات وتداخل المصالح بين جماعتين أو أكثر ويطلب الكريسنتوري رأي الكبار ورؤساء العشيرة ولكن له وحده فقط الحق في إصدار قرار التجريم وإنزال العقوبة.
ولا تستثنى عقوبة الموت من العقوبات التي قد يحكم بها الجاني ولكنها نادرة وقد استعيض عنها بعقوبة الطرد. وقد يعمد الكريسنتوري لفصل النزاع إلى إجراء مبارزة ثنائية بين الخصمين وتتم بالسكاكين في وسط أوروبا وبالسوط في أوكرانيا وبالملاكمة في إنكلترا.
أما النظام العائلي فتسود فيه سلطة الأب ويماثل دوره دور رئيس العشيرة أما الأم فتؤدي دور آل(فيوري داي) وسلطتها قوية غامضة فهي تأتي بعد الرجل أهمية ولكنها تلمح في قوتها إلى بقايا العصر الأمومي أيضاً وعندما يتزوج الرجل يدخل في عائلة زوجته ويتكلم بلهجة هذه العائلة ويعتبر أبناء العم وأبناء الخال الأقرب إلى العائلة والأكثر قدرة على الارتباط زواجاً بها.
مهن الغجر تتركز في الغناء والرقص ولأنه من غير المسموح لهم بامتلاك الأراضي وزرعها فهم لايمتلكون بيوتاً ثابتة ويعتمدون على مهن أخرى تتناسب مع طبيعتهم الحرة مثل تجارة بيع الأحصنة والبغال والحيوانات الأخرى، وأنواع التجارة الصغيرة المتنقلة، والصناعات اليدوية كأعمال الفضة والحديد وصياغة الذهب.وبسببٍ من عدم استقرار حياتهم الاقتصادية تُربط بهم تهم السرقة والسلب والنصب والاحتيال.وكان بعضهم يمارس السحر والعرافة وأعمال الشعوذة.
الغجر والخيول
يكاد الحصان يشكل الطوطم الحيواني عند الغجر فهم يرتبطون بهذا الحيوان حباً ومنفعة وجمالاً لأنه يعني بالنسبة لهم الحياة والحرية والجمال فالغجري عندما يحب إنساناً يقول له (أتمنى أن تعيش خيولك طويلاً) وقد حرم عندهم بشكل مطلق أكل لحم الحصان وقالوا بأن أكله يؤدي إلى الجنون ويمكننا القول أن الغجري يعامل الحصان معاملة رجل لرجل ويمتلك مهارة فائقة في التعرف على عيوبه وأمراضه وأحواله وطريقة عيشه وعاداته.
والغجري يعتبر أن خبرته في الخيل من أنبل المهن وأنها الحرفة الوحيدة التي يتفاخر بها الغجري ومن النادر أن يتاجر الغجر بالخيول فيما بينهم. إذ أنهم على معرفة تامة بخطورة هذه العملية فلا يقدم أحدهم على مثل هذا العمل ولك ن عملية مقايضة الخيول قد تجري دون أن تصاحبها أية وعود.
أما الحيوان الثاني الذي ارتبط بالغجر فهو الدب الذي يشكل مظهراً شعبياً مألوفاً عندهم وهناك أسطورة طريفة عن الغجر والدب تقول (إن فتاة عذراء حملت دون زواج وقد أفزعها هذا الحادث فقررت الانتحار غرقاً إلا أن رجلاً خرج لها من الماء فجأة وأعلمها أن لا تخاف من هذا الحبل إذ أنها ستلد حيواناً باستطاعته أن يعمل كرجل.
فولدت الفتاة دباً. وقرر غجر قبيلتها تربية هذا الحيوان وعلموه الرقص والقيام بالعديد من الحيل فبعد هذا صار جميع الغجر عارضي دببة) والدببة عند الغجر حيوانات للاستعراض والرقص والزينة والتجوال والربح.
وأحياناً يعمل الغجر على تربية القردة واستعمالها لنفس الغرض وتعلم بعضهم تدجين الأسود والنمور وكانوا صناع عالم السيرك في الغالب.
بعض تقاليد الغجر
الزواج بين الغجري وغير الغجري أمر لا يمكن الموافقة عليه إطلاقاً وأن حدث مثل هذا فيستبعد الغجري من جماعة الغجر ويعتبر آثماً وقد يشمل ذلك عائلته كلها أو كل من له علاقة بالطرف المذنب.
وإذا أرادت العشيرة نبذ شخص معين فتأمر امرأة متزوجة بتمزيق قطعة من ثوبها وترميها على رأس هذا الشخص فيجد نفسه منبوذاً وإلى الأبد من كافة العشائر ولا يكلمه أحد حتى عائلته، وكل من يقترب من الشخص المنبوذ مدنس حتى الأشياء التي يلمسها يجب أن تحرق ولا يحق لأحد قتل الشخص المنبوذ لكي لا تنتهي تعاسته ولا يشارك أحد في جنازته أو دفنه.
بعض العشائر الغجرية تسمح للمنبوذ بالعيش في معسكرها على أن يؤدي الأعمال القذرة والمهام الشاقة وأحياناً تؤشر قدمه بشريط أحمر ليتجنب بقية الغجر تدنيس أنفسهم إن استعملوه.
الغجر في البلدان العربية
يرى الباحث (كيفن هولمز) أن الغجر قدموا من بلاد فارس وإيران باتجاه العراق وصار اسمهم لاحقاً (الزط) ثم وصلوا بلاد الشام ودخلوا الصحراء وجزيرة العرب في حائل، وفي فلسطين سموا (النوَر)، وظهر الغجر في مصر وشمال أفريقيا لاحقاً.
مرادفات كلمة غجري: لرّي، تيدوها (اثنان: إلهان أو زوجتان)، جبسي بالإنجليزية.
أما في البلدان العربية فمرادفاتها كاولي (كابولي، كولي طائفة شريرة في الهند)ويعرفون بالنَور والقرباط في بلاد الشام (لبنان-سوريا-فلسطين-الأردن)… والهناجرة في مصر… والحلب في السودان..و الضوم في تركيا..و الروما في أوروبا الشرقية.
القرج تعني (أسود) مأخوذه من الكلمة التركية (قره) وهم جماعة رحل يمتهنون الحدادة وصنع الغرابل وفتح الفال وتمارس نساؤهم بيع مايعده الرجال من المنتجات اليدوية ويمارسون تركيب الاسنان والتسول وتغلب على لغتهم الكردية لهجة لرّية، هم يشبهون الغجر من الأكراد والتركمان.
يرى الباحث العراقي لطفي الخوري إلى أن كلمة غجر مشتقة من اللفظة التركية «كوجر» والتي تعني رُحّل. ويؤكد انه مازال الناس في مدينة الموصل (شمال العراق) يستعملون كلمة «غوجر» للإشارة إلى الغجر، ومنهم من يستعمل كلمة «قرج» بالمعنى نفسه وهو ما يعتبره الخوري إثباتا لصحة فرضيته، ويرى غيره أنها مشتق من قاجار، القبيلة التركية التي تنحدر منها إحدى الأسر التي حكمت بلاد فارس.
الأغاني الغجرية
تنتقل الأغاني الغجرية بين الأجيال شفاهياً دون تدوين وتؤدى الأغاني الجديدة ارتجالاً دون أن يسعى الغجري لحفظها أو تداولها لأن هدفه الأساسي هو اللهو والمتعة ولذلك تفتقر هذه الأغاني للسمة الملحمية وتتميز بقصرها وعدم خضوعها لاشتراطات معينة وأغلب هذه الأغاني تؤدى باللهجات العامية وتختلط فيها عدة لهجات والمغني الغجري يتجاوز في أغلب الأحيان حرية الشعر المتعارف عليها وعندما لا يجد القافية المناسبة يدخل لحناً جديداً أو يهمل آخر.
يستهل الغجري أغنية ثم يبدأ بدلاً من استعمال الأبيات الشعرية سرداً نثرياً دون أن أي إيقاع ويفترض بها أنها كانت أغنية يوماً. ولكنها لم تبق في ذاكرته يتأمل المغني ويسترجع موضوعه وعندما يتحقق منه ويناله يبدأ بالغناء (أو السرد) وعندما يلاحظ أن أغنيته ضعيفة ولا تعبر عن مشاعره وأحاسيسه ولم تحقق غرضها يتحول إلى الارتجال ومن ثم إلى النثر.
…………………………………………………………….
المراجع:
1. أغاني الغجر. هانزيكون فويكت. ترجمة نامق كامل/ منشورات وزارة الثقافة والإعلام – بغداد
2. في تراث الغجر، ترجمة لطفي الخوري/ التراث الشعبي، العدد/ 12 السنة 8/ 1977
3. الغجر والخيل، ترجمة لطفي الخوري/ التراث الشعبي/ العدد 9/ السنة/ 1977
نماذج من الأغاني الغجرية
من أجل شفتيك.. سأنسى اللغة
مرحى يا إلهي.
ما هذا الذي فعلناه
سرقنا خيولاً.
ربطناها إلى العربات
وهربنا بها بعيداً.. بعيداً.
صباح الخير، أيتها الجميلة
من أجل نظرة منكِ
ألف دينار قليلة
من أجل صدرك
أسير عشر سنوات على الأقدام.
من أجل شفتيك
سأنسى اللغة.
من أجل ساقيك
أكون عبداً.
امتطي الحصان الأبيض
وانطلقي كالرمح.
أدخلي يدكِ في ثنايا صدري
ستخرجين منه أفعى باردة.
أفعى الحب.
أفعى الحب الخضراء
انظري إلى عيني.
أفعى الحب الخضراء لا تنام
أفعى الحب الخضراء تستطيع القتل
كان حبي ذهباً مصهوراً
وقمراً أصفر فوق الخيمة
وكـ….
والحوافر التي ترن على الطريق الثلجي
نعم.. هناك حبي حيث سرى إلى راحتيك
وشعرك وشفتيك
أدخلي يديك في ثنايا صدري
أفعى الحب الخضراء لا تنام
أفعى الحب الخضراء تستطيع قتلك
ذهب حبي. قمر حبي.
ليالي العناق الأولى
تحولت إلى ألم
إلى أفعى باردة العينين.
إلى ناب مفتوح للحقد.
——————–
مصدر المقال: جريدة الاتحاد