شعب الأكثر سعادة في العالم
كاريكاتير عبدالله الجابر – السعودية
نورة بنت عفش *
21/1/2016
لم يخطئ عبد الله الجابر عندما رسم كاريكاتيره الأخير في صحيفة سعودية. لكنه لم يعجب السلطة. منعته من نشر رسم له في أي مطبوعة سعودية إلى أجل غير مسمى. نشر الرسام خبر المنع على صفحته على تويتر كخاطرة يومية لا تستلزم العجب.
لم يكن الرسم سوى تمثيل لرد فعل السعوديين على التغييرات الأخيرة التي طالت الأوضاع الاقتصادية في البلاد. ارتفاع الأسعار، ورفع الدعم عن المحروقات، وعجز في الميزانية في بلاد النفط والطاقة البشرية الهائلة. كان الجماعة يطبلون في الرسم للوزير في حال وجود عجز في الميزانية أو فائض على سواء.
احتلت المملكة المركز الثالث في أكثر الشعوب سعادة في العالم. تصدّر الخبر مواقع الأخبار في السعودية. دراسة غربية تمت بناء على مساءلة شرائح بشرية متنوعة في دول عديدة. قد تشبه دراسة أكثر النساء دلالا على كوكب الأرض، التي احتلت فيها السعودية مركزا متقدما لكون المرأة السعودية غير مطالبة بالعمل أو بذل أي جهد لتأمين معيشتها، ويقود سائق سيارتها. لم يبق للسعوديين غير التنفس. شهيق وزفير. يبلغنا بالقرار صاحب العلاقة بموضوعية تامة.
تُمنع شاعرة من إلقاء شعرها في أي فاعلية لأنها هجت القبيلة واقتربت من خطوط حمراء في بلاد مشبعة بالروح القبلية. يُسجن صحافي لأنه عبر في مقالاته عن رغبة في إضفاء تغيير على نظام الحكم، لم يقل أنه يريد اقتلاع الملكية، طالب بملكية دستورية يكون فيها للأشخاص العاديين قدرة على لعب دور أساسي في اتخاذ القرارات وليسوا كديكور فقط. حُكم الرجل بخمس عشرة سنة سجناً مع غرامة مالية ومنع من الكتابة والظهور الإعلامي لأجل غير مسمى.
رائف البدوي ما يزال خلف قضبان السجن ينتظر استكمال نصيبه من الجلد، لإنشائه موقعا الكترونيا يدعو إلى تغذية النقاش في الدين والسلطة.
حتى نمر النمر لم يعدم لأنه شيعي، بل لكونه جاهر بما لا يمكن بتاتا رفع الصوت به في ربوع المملكة.
يطلب الخضوع دوما تنكيس الرأس والموافقة على ما يصدر عن أصحاب القرار. كل شيء جيد. رفع أسعار المحروقات، خفض سعر النفط الخام، أخذ البلاد إلى حرب، رفع الإنفاق على السلاح. تماما كالكاريكاتير المقموع. على السعودي أن يصفق لأي شيء، ولا يسائل، وإذا ما حاول رفع الصوت مطالبا بالشفافية، بمعرفة أين تذهب أموال النفط وعائدات الحج، فإن…
الرقابة بدأت تشمل كل وسائط التواصل الاجتماعي، ليصبح حتى مدير المجموعات على واتس آب مطالبا بتحمل مسؤولية أي خلل في الآداب أو نقد لسياسات الدولة يعرّضه للسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات إن لم يبلِّغ أو لو ساهم في نشر ما يخالف سلوكيات النظام و “قيم الوطن والآداب العامة”.
رقابة يساهم الشق الديني في السعودية بتغذيتها. فيرفع الصوت في الخطاب الديني مؤيدا ما يصدر من قرارات رسمية ويحمل الشعب مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية. فهو يسرف في الإنفاق ويستسهل هدر الطاقات، لذا وجب على الدولة إيقاظه من خدره وتربيته حتى يعي نعمة الأمن والأمان التي يعيش فيهما.
“غلاء السعر ورخصه لا يغير رزقا قد كتبه الله لك وأنت في بطن أمك، ولو كان الرزق في الأرض لهلك الناس، ولكنه في السماء، وفي السماء رزقكم وما توعدون” ( بحسب إمام الحرم المكي سعود الشريم).
لا بأس إذا برفع الأسعار، ولا ضير من التضخم، كله في النهاية يصب بالمصلحة الوطنية كما يقال على المنابر، ولن تكلفك الزيادة أكثر “من كوب كابتشينو”.
تريد المملكة مجتمعا مؤدبا، لا تصدر عنه زلة، تريد ناسا يسمعون الكلام ولا يخالفون، يوافقون على كل ما يصدر عن ولاة الأمر، السمع والطاعة من الجميع، صحافيين وصحفا ووسائط اجتماعية، احتفظ برأيك في داخلك، في زاوية مظلمة، لا تخرجه للعلن وإلا فالعقوبات بانتظارك.
لم يبق للسعودي غير التنفس أو اللهج بما لا يخالف أهواء الدولة. فليحتسب نفسه أخرس وأعمى وأطرش.
- باحثة اجتماعية من السعودية