في مقالة متذاكية كثيرا، ومحسومة الحكم والتقريع سلفا، حاول كاتب في مقال نشره في جريدة الحياة الانتقاص من أدونيس، حتى وهو يرفض نظام الأسد طوال نصف قرن، ويدعو لرحيله،
والمقالة تأتي، ضمن سلسلة من المحاولات لانتقاد أدونيس على موقفه المعارض لنهج فصائل في المعارضة السورية، باستخدام العنف كوسيلة لاجراء التغيير في سورية.
وهو موقف مستقل من شاعر ومفكر كبير، رفض علنا النظام ومعارضيه، بل كان من ابرز معارضي النظام السوري وعلى مدى نصف قرن، حتى قبل ولادة معظم هولاء المعارضين بعقود، غير أن موقف كهذا لا يمكن للمعارضة من تجاوز آثاره سياسيا وإعلاميا وثقافيا، وحتى تاريخيا، فهو ينتقص منها في كل حال من الاحوال.
وكأن على أدونيس ان يقول ما يشاء الآخرون منه أن يقول، وإلا يتم التشنيع عليه، واتهامه بما تيسر من ادوات “التشنيع العربية” المعروفة.
والغريب، ان المقال الذي حمل عنوانا “تسويقيا” مثيرا، يتضمن تصريحا حادا من ادونيس ضد الاسد، لا يشير متن المقال نفسه، إليه إلا بانه جاء بفعل مهارة محاور أدونيس “الذكي” ولم يخرج من فم ادونيس بـ”طريقة مريحة”، بل باعتراف جرى إرغام أدونيس على التصريح به بسبب حصره في “الزاوية الضيقة”!
كما أنه يتحدث بطريقة مفضوحة عن قضية عجيبة غريبة وهي أن ادونيس الذي لم يجد “ما يقوله ضد دكتاتورية نظام الأسد، لم يتوان في المقابلة عن تحميل المعارضة وزر ذبح الإيزيديين في جبل سنجار في العراق”!
ولا احد يعرف من هي المعارضة هنا، هل هي #داعش؟ فتصريح ادونيس كان احتجاجا على ما قامت به داعش ضد الإيزيديين، وهو منشور ومعروف.
كما انه اخذ على أدونيس أنه “تجاهل تماماً تنظيم #داعش مثلما تجاهله النظام السوري في ساحات القتال” !
وهي عبارة بغض النظر عن تلفيقها، تردد دعاية إعلامية رخيصة معروفة وتهدف لخلط الاوراق وتشويش العقول الساذجة، في البلدان العربية، ولا يستعملها إلا الجهلة، أو من يعمل على نشره، ونحسب أن كاتب المقال أحدهما
وعموما يكشف المقال “المهزلة” الذي نشرته الحياة “وهذا امر غريب آخر، ولا يشرف هذه الصحيفة العريقة” عن عدوانية ربما سيضحك من ضحالتها، وابتذالها ادونيس نفسه، وهي مؤشر على انحطاط ثقافي “مدفوع الثمن” لصالح جهات سياسية وإعلامية معروفة.
واليكم نص المقال بقلم اسكندر الديك :
منذ الإعلان عن منح الشاعر أدونيس «جائزة السلام إيريش ماريا ريمارك» الألمانية في أيلول (سبتمبر) العام الماضي، حتى تقليده إياها في حفلة أقيمت أخيراً في مدينة أوزنابروك، لم تهدأ الانتقادات للقرار والاحتجاجات عليه.
وليس من المنتظر أن تهدأ قريباً، على اعتبار أن أدونيس نفسه ردّ بشدة على منتقديه متهماً كثيرين منهم إما بالغيرة والحسد، وإما بقصر النظر في تحليل ما يجري في سورية وغيرها، والتعامي عن الخطر الكبير الذي يمثله الأصوليون.
ورغم ذلك، وتحت وابل من الأسئلة المحرجة، اضطر إلى طرح مواقف جديدة نسبياً إزاء نظام الأسد من الأب إلى الابن.
تمنح مدينة أوزنابروك الجائزة منذ العام 1991 مرة كل سنتين، وتصل قيمتها المالية إلى 25 ألف يورو، وتذكّر بالكاتب الألماني إيريش ماريا ريمارك الناشط في دعم السلام والمولود في المدينة عام 1898. وفي كلمته بعد تسلم الجائزة، حمَّل أدونيس أوروبا جزءاً من المسؤولية عن الحرب الدائرة في سورية، مضيفاً أنّ القارة تتحمل المسؤولية أيضاً عن «تهجير حوالى 14 مليون طفل عربي حُرموا من التعليم، لأن مدارسهم تعرضت للتدمير».
وقال الكاتب البالغ من العمر 86 عاماً، إن أفواج اللاجئين «ذكّرت أوروبا بمسؤوليتها التاريخية والحالية أيضاً في قيام أنظمة متسلطة في العالم العربي». ودعا المفكرين العرب إلى «البحث عن مخرج من النزاع»، موضحاً أن الأمر «لا يرتبط فقط بتغيير نظام سياسي، بل ببناء دولة ديموقراطية وفصل الدين عن الدولة».
لكن الحائز على جائزة السلام لدور النشر الألمانية في عام 2015، الكاتب نفيد كرماني، وهو ابن لاجئ إيراني هرب من بطش الثورة الإيرانية إلى ألمانيا، رفض طلب إدارة مدينة أوزنابروك المانحة للجائزة إلقاء كلمة بالمحتفى به.
وقال كرماني في مقابلة مع صحيفة «كولنر شتات أنتسايغر» إنه على رغم تقديره أعمال أدونيس الأدبية، ينتقد «تجاهله الوحشية التي يتعامل بها النظام السوري مع شعبه». ورفضت رئيسة بلدية جزيرة لامبيدوزا الإيطالية جوزيبينا ماريا نيكوليني استلام جائزتها الخاصة إلى جانب أدونيس للسبب ذاته.
وحصلت نيكوليني على جائزة خاصة لمساهمتها المهمة في رعاية اللاجئين الهاربين إلى أوروبا.
وسبق لأدونيس أن حصل على جوائز ألمانية، أهمها جائزة الأديب الكبير غوته التي تمنحها مدينة فرانكفورت.
بين ثقافتين
وفي محاولة لتبرير منح جائزة ريمارك للشاعر أدونيس، قالت لجنة التحكيم إن أدونيس «من أنصار الفصل بين الدين والدولة والمساواة بين الرجل والمرأة»، إضافة إلى أنه «يمثل حلقة وصل مهمة بين الثقافتين العربية والغربية». وأوضحت إدارة مدينة أوزنابروك أن لجنة التحكيم كانت على معرفة بأن قرارها منح أدونيس الجائزة قد يثير الكثير من الجدل، لكن تكريمه «يهدف أيضاً إلى تسليط الضوء على إشكاليات النزاع السوري في شكل معمّق وعلى إمكانات حله، وكذلك على قضية تأثير دول أخرى فيه». وبسبب حملة الانتقادات العنيفة والتمنع عن المشاركة أجلت اللجنة حفلة تقديم الجائزة من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إلى 19 شباط الجاري.
وفي مقابلة أجراها معه الموقع الإلكتروني العربي لـ «دويتشه فيلله» غداة تسلّمه الجائزة، وصف أدونيس النقد المستمر لمنحه الجائزة بأنه «عادة عربية يمكن تفسيرها كنوع من الحسد والغيرة، وبقايا ثقافة سحرية تبحث دائماً عن كبش فداء». وأضاف: «تمنيت على هؤلاء المعترضين أن لا يخونوا مبادئ أو مفاهيم الثورة الحقيقية، وأن يطالبوا مثلاً بعلمنة الدولة والمجتمع وبفصل الدين عن الدولة وتحرير المرأة وعدم اللجوء إلى العنف، خصوصاً المسلح». وقال إنه في حال إصدار هؤلاء بياناً بهذا الشأن «سأكون أول من يوقعه».
وفيما لم يجد أدونيس في قتل مئات آلاف السوريين وزج عشرات الآلاف في السجون منذ خمس سنوات ما يقوله ضد دكتاتورية نظام الأسد، لم يتوان في المقابلة عن تحميل المعارضة وزر ذبح الإيزيديين في جبل سنجار في العراق، متجاهلاً تماماً تنظيم «داعش» مثلما تجاهله النظام السوري في ساحات القتال بعد أن كان أفلت من سجونه مئات من قادته. واتهم أدونيس المعارضة أيضاً بـ «السكوت عما وقع من مجازر في حق هذه الأقلية الدينية»، ليضيف: «أستغرب مثلاً مجرد النظر إلى المشكلة السورية على أنها مشكلة نظام فقط، وألا يتم رؤيتها على أنها مشكلة ثقافية وحضارية وإنسانية. إن تغيير نظام ديكتاتوري بنظام ثيوقراطي لا يحل المشكلة، بل على العكس يعقدها». ومن الواضح هنا تمسّك أدونيس المقصود بالعموميات، والابتعاد من وضع إصبعه -كما فعل في قضية الإيزيديين- على الجروح، كل الجروح، وتفضيله الإبقاء على الدكتاتورية إلى حين نضج المعارضة التي يتصورها هو.
ومع كل معرفته وخبرته يُظهر نفسه وكأنه لم يتنبه إلى أن الثورة الفرنسية التي يتغنى الجميع بها، أعقبتها فترات طويلة من الدكتاتوريات والنزاعات العسكرية إلى أن رست بعد مخاض طويل على ما يطالب به اليوم. وهو يعني: إما سلة واحدة متكاملة (علمنة الدولة، تحرير المرأة، الامتناع عن العنف ورفض التبعية) أو إبقاء الوضع الحالي و «دعم المعارضة الداخلية التي وقفت ضد العنف ويقودها هيثم مناع»، في الوقت الذي يتهم «المعارضة في الخارج» بأنها «عنيفة وتقوم على نهج السلطة الدينية».
استنطاق صحافي
وفي المقابلة المطوّلة التي أجرتها معه مجلة «دير شبيغل» الألمانية قبل نحو أسبوعين من تسلمه الجائزة في ما يشبه «الاستنطاق»، ناقشه محاوره الألماني بعناد في الأسباب التي تدفعه إلى تجاهل المسؤولية التي يتحملها نظام بشار الأسد عن مئات آلاف الضحايا، والدمار المروع الذي حصل في البلد، ورفض الشاعر المقاومة السورية، التي ينعتها بالأصولية المتطرفة. وحين أبلغه محاوره أنه «يعطي انطباعاً في كل ما ذكره بأن الأســـد هو الأقل سوءاً من غيره»، شعر أدونيس أنه حُشر فعلاً في الزاوية فرد بالقول: «هذا زعم لا أساس له، فأنا لم ألتق الأسد أبداً، لا الأب ولا الابن، وإن كنت ولدت علوياً فلا يعني أنني مرتبط به، ولم أكن موظفاً ولا خادماً في هــــذه الدولة». وبعد أن تحدث عن دخوله السجن عام 1955 لأسباب سياسية، وطرده من الفرع السوري في اتحاد الكتاب العرب، ومغادرة بلده إلى لبنان، ثم سفره عام 1985 للعيش في باريس في المنفى، أردف: «لقد انتقدت بشدة النظام وأيديولوجيته وحزب البعث الحاكم».
عندها قال له محاوره الألماني الذي بدا أنه استعد بصورة جيدة جداً للمقابلة: «لكنك أرسلت رسالة إلى الأسد بعد أشهر من اندلاع الانتفاضة تصفه فيها باحترام بأنه الرئيس المنتخب للبلاد وللشعب، وأعطيته الشرعية التي لا يملكها».
تلعثم أدونيس وحاول عبثاً تبرير موضوع الرسالة، وحين سئل عن التدخل الروسي واستعداد الغرب للقبول بالأسد جزءاً من حل مرحلي لتشكيل سلطة جديدة في البلاد، رد بفصيح العبارة: «بإمكان الأسد البقاء في الحكم ربما لفترة من الوقت وطالما أبقت روسيا يدها ممدودة لحمايته، لكنه لم يعد قادراً على الاستمرار وعليه الرحيل، لقد انتهى أخلاقياً، لكن السؤال يبقى: من سيأتي بعده؟
وواضح أن أدونيس الذي لم يكرر على موقع «دويتشه فيلله» العربي ما تجرأ وقاله عن مصـــير الأسد للمجلة الألمانية، لا يثــــق فعلاً بالشـــعب السوري وقواه الحية، بل يرفض حتى إعطاءه فرصة للتغيير، كما أنه لا يـــرى فـــي مثال تونس مشعلاً ولو خافتاً في هذه الظــلمة، ويتجاهله في أي تصريح يدلي به.
ملاحظة: لا تتبنى ازاميل بالضرورة الآراء الواردة في المقال