عادل عبد المهدي: الفوز الرياضي.. استثمار “عبقرية المكان”؟

Advertisements

بسم الله الرحمن الرحيم
الفوز الرياضي.. استثمار “عبقرية المكان”؟
غداً ستجري المباراة بين العراق وجنوب افريقيا والتي نتمنى ان يكسبها فريقنا للتأهل للدور الثاني.. وهذا ليس بكثير على فريق برهن عن قدرته وشجاعته.. فليس صدفة ان يتعادل مع فريقين قويين عالميين كالدنمارك والبرازيل. وليس ضربة حظ ان يصل الفريق الاولمبي الى النهايات متجاوزاً فرقاً اسيوية عملاقة. لم يحقق ذلك، بشرائه لاعبين ومنحهم الجنسية، ولا بتعاقده مع مدربين اجانب، بل كان بسبب شجاعة اللاعبين وكفاءاتهم.. كان بسبب وحدة الشعب مع فريقه ودعمه وتأييده له.. كان بسبب انسجام الفريق في خططه وغاياته واحترامه لتوجيهات مدربه والمشرفين عليه.. هذه الوحدة لم يخل فيها اختلاف الديانات والمذاهب والقوميات والمعتقدات.. على العكس هذا هو الامر الصحيح الذي يجب ان نتعلم منه.. فالعراقيون لا يحتاجون الى الغاء هوياتهم او تغييرها لتتحق وحدتهم، وليراكموا النجاحات.. والعراق بحاجة لنجاحات كالنجاح الذي تحقق في كرة القدم.. نحن بحاجة لنجاحات سياسية واجتماعية واقتصادية وحضارية وعلمية وادارية وأمنية، الخ. فاذا كان العراق يستطيع ان يتعادل مع البرازيل العملاقة في كرة القدم، فهو يستطيع ان يتعادل مع كوريا صناعياً، ومع تركيا اروائياً، ومع ايران زراعياً وسينمائياً، ومع لبنان مصرفياً، ومع اليونان سياحياً، ومع الاردن امنياً، ومع الامارات ادارياً، ومع عُمان اجتماعياً، ومع مصر حضارياً واثرياً، ومع الهند علمياً وتعليمياً، ومع الصين تنموياً، ومع ماليزيا بيئياً.. وقس على ذلك.

نعم سيستهين البعض، ويقول كيف يمكننا تحقيق ذلك ولم نحقق بعد الانتصار النهائي على “داعش”، وان الامن الاجتماعي مفقود، والاقتصاد يمر بازمة خانقة ويعتمد على موارد النفط، واسعار النفط منخفضة، والزراعة والصناعة وشبكات المياه والكهرباء والبنى التحتية مدمرة والبطالة منتشرة، والنفايات في كل مكان، وصور الخراب هي السائدة، والتخلف الاداري والحضاري والاقتصادي والخدمي هو الحاكم.. وكيف يمكننا ان نحقق ذلك ونحن على هذه الحالة من الصراعات والانقسامات الطائفية والاثنية، والفساد ينخر بمنظوماتنا واساليب عملنا.. والجواب ان كل هذا ممكن شريطة ان نثق بانفسنا، كما وثق اسود الرافدين بانفسهم.. وان نتحد فيما بيننا كما اتحد اسود الرافدين.. وان ندرس نقاط ضعفنا وقوتنا كما درس مدرب فريقنا ومساعدوه نقاط القوة والضعف، وتصدوا للتحديات.. وان نستثمر طاقاتنا وامكانياتنا.. فالعراق، بتاريخه وشعبه ومقوماته، يمتلك ما يمكن تسميته بـ”عبقرية المكان”، حسب تعبير جمال حمدان في كتابه “شخصية مصر”، او اطروحة المعمارية العراقية البريطانية العالمية المرحومة زها حديد في “عبقرية العمارة”.. فلا شيء مستحيل في ذلك كله. وعلينا ان نعرف ان العراق والعراقيين مؤهلون للقيام بهذه الامور، واكثر.. فقبل عقود قليلة كان العراق متقدماً او بمستوى العديد من الدول المذكورة اعلاه.. وانه لم يتخلف عنها في هذه الحقول وغيرها، الا لفقداننا الثقة بانفسنا.. وانشغالنا بالصراعات فيما بيننا، او مع جيراننا.. وعدم وضع الاشياء في مواضعها ومحاولة كل منا ان يفرض رايه على الاخر. ففي كل امر، وفي كل حقل، هناك اعتبارات وشروط يجب تلبيتها.. فلقد لبى فريقنا هذه الشروط والاعتبارات واستطاع النجاح.. فلا سر في ذلك كله.. وما علينا ان اردنا الارتقاء ببلدنا وشعبنا سوى التخلي عن الكثير من العنعنات، والسلوكيات والافكار السخيفة، الضيقة الافق، والخارجة عن زمانها ومكانها، والتي باتت تملأ وقتنا واعمالنا وشعاراتنا وطروحاتنا، وان نلتزم بعوامل النجاح والتقدم. فالعراق والعراقيون لديهم زخمهم الخاص. ثقوا ان هذه ليست من باب الاحلام، بل هو الواقع والحقيقة بعينها. وما على من يختلف مع هذه النظرة سوى ان يراجع حال تلك البلدان قبل عقود من الان، ويدرس كيف تقدمت، او تقدمت في حقولها تلك.
انتصر اسود الرافدين سواء ربحوا المباراة القادمة ام خسروها.. فالاهم ان يكون العراق دائماً مؤهلاً، وفي الصفوف المتقدمة، وليس مهماً بعد ذلك ان يفوز بالمراكز الاولى. فلابد من التخلي عن النفسيات المحبطة والروايات المتشائمة والقصص الفاشلة، فالعراق بحاجة الى قصص نجاح واعادة ثقته بنفسه، واستثمار امكانياته، والعمل حقيقة على تأهيل نفسه في حقول شتى، والتقدم  والانتصار .
عادل عبد المهدي

Advertisements
Advertisements
Advertisements

المقال منقول عن جريدة العالم

شاهد أيضاً

بن سلمان لـ”ذا أتلانتيك”: مثلث الشر..إيران وداعش والإخوان.. ولا أعرف ما الوهابية

أكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن ما يسمى بالوهابية لا وجود لها في …