كتب الكاتب والإعلامي عمار السواد في صفحته مادة مهمة نعيد نشرها هنا لأهميتها
عن صادق جلال العظم في رحيله:
الحديث عن المثقف حين يتخذ الموقف، وحين يموت، وحين يخطئ ويثير الجدل، يعيدنا لأصل السؤال، عن موقف المثقف، أين يقف بالتحديد، أين يتناقض؟ وفي ظل الطائفية يطرح السؤال عن كون المثقف “ابن السنة” و”ابن الشيعة” او العلويين او المسيحيين أو الايزيديين أو الارمن والقبط والاسماعيلية او السلفية… والكلام نفسه عن بنوة “التيارات السياسية او الايديولوجية”.
هي المعادلة الأصعب، حين نحيل أنفسنا الى مذاهبنا الدينية او السياسية وقومياتنا، نتوقف ملياً، عند مواقفنا وخلفياتها الطائفية. ولا اجد مقاربة افضل من لحظة سقوط صدام حسين، إذ برر المثقف العلماني “ابن الشيعة”، سقوط نظام مستبد حتى لو كان بيد دولة عظمى لعبت ادوارا سيئة كثيرة في أزمنة عراقية سابقة.
هنا، اتذكر ما نقل لي من أن عامر بدر حسون الكاتب العراقي الذي عاش في سوريا حوالي ثلاثة عقود، خاطب هادي العلوي في ندوة حضرها مثقفون عراقيون وطالب فيها “المعارضة العراقية” انذاك بـ”حصر الجهود ضد امريكا”، فرد عليه “اقنع الحضور بأنهم ضحايا أمريكا وليس صدام”.
ما قاله العلوي بحسب “الرواية” ينبع من خلفياته “الشيوعية” الموغلة بالعداء للامبرالية، ولا يمكن أخذ موقفه مأخذ الجد او التعامل معه كقيمة واقعية وليس قيمة تجريدية. لكن الجمهور الحاضر الذي يعيش لحظة كونه ضحية لصدام، ليس هو المعيار في تحديد اتجاهات الموقف.
اعود لصادق جلال العظم، واضعه في مقارنة مع مجايله الآخر، أدونيس. الاثنان أبناء لحظة واحدة. الأول بدأ حياته يسارياً، والثاني كان “سورياً اجتماعياً”. الأول نقد الفكر الديني والثاني نقد الثابت والمتحول في ذات الفكر. الاثنان كان لديهما ملاحظات جوهرية حول النظام الاستبدادي، ولم يتوانيا عن التعبير عن موقفيهما بشكل حقيقي. كلاهما كان ضد “الدين” وضد “الاستبداد” في ذات الوقت.
التحول بدأ حين اندلعت الثورة السورية، الأول اندفع باتجاهها بقوة، مدافعاً عن وضوحها الطائفي في رؤيته عن “العلوية السياسية” غير مفرق بين كون الثورة متأسلمة أو متعلمنة، اما الثاني فقد رفض الثورة جملة وتفصيلاً، بذريعة أنها خرجت من الجامع، في ثلاث مقالات نشرها عام 2011، مخففاً من بطش النظام بمخاطبته محترماً إياه. أي انهما لم يجدا طريقاً ثالثاً، اندفعا مع الجمع هنا أو هناك.
انها لحظة البنوة للمذهب التي ساعدت على اتخاذ المواقف، ولا أقول كانت السبب. فلو كان صادق جلال العظم علوياً، استبعد أن يتخذ الموقف ذاته، او على الاقل لما دافع عن التعامل مع الثورة كقيمة حتى لو كانت طائفية، ولو كان ادونيس سنياً، فلا اظن انه سيكون بذات الموقف، او على الأقل سيحاول ايجاد مقاربة بين طابعها الاسلامي وضرورتها باعتبارها ضد الاستبداد.
الشيعي الجيد هو الشيعي الميت !
ورغم أن الموقفين يشم منهما رائحة بنوة الطائفة، فلا اشك للحظة واحدة أن الرأيين لم يخطئا بالمطلق، هناك مقاربات غير التصحيح والتخطئة يمكن التعامل معها. ونقتبس مقاربة العظم وننطلق بالقول ان المثقف العربي كان بحاجة الى هذه الهزة ليُفضَح، ونأخذ مقاربة ادونيس، فنكشف عن إن مناهضة الاستبداد كانت مشروطة.
بين هذه الثنائيات، يتشابه المثقف ولا ينفصل، بين مندفع نحو “قيم معارضة الاستبداد” حتى لو كان باستبداد بديل، وبين “قيم مناهضة الثيوقراطية” حتى لو كان بالدفاع الضمني عن نظام مستبد.
الإسلام والعقلانية وهل يمكن أن يكون هناك إسلام عقلاني؟
بالطبع، ان هذه الهفوات او الانهيارات الكبيرة، ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، كانت على المستوى الشخصي، سبباً اساسيا في عدم ايماني بفكرتي “الثورة” باعتبارها مسقطة للاستبداد، و”الاستبداد” باعتباره ضمانة لعدم الفوضى، لأن اتخاذ أي من الموقفين وليد لحظة عصابية لا تجعل المرء حقيقيا وتجعل المثقف ينقلب على كل قيمه اللازمة. فرغم قناعتي بأن التحولات ضرورية، مهما كانت قاسية، لكنها لا يمكن أن تدفعني لأكون في صف شرير ضد شرير.