في المقالة ادناه نجد مختصرا مفيدا لرؤية الشيعة للعالم وطريقة استجابتهم وتفسيرهم للأحداث الراهنة من حولهم.
ويمكن تصنيفه تحت باب “العقل الشيعي” في الرؤية والتحليل والتفكير مقابل “العقل السني” المختلف بدوره في الرؤية والتحليل والتفكير.
لا شك ان المقال يتضمن حقائق، لكن تأويل و”تبرير” هذه الحقائق يختلف حسب درجات الطائفية التي يمتلكها المؤول او المبرر.
غير ان هذا المقال لا يورد سببا موضوعيا لهذا العداء التاريخي بين الطرفين، ولا يشير إلى وجود اي بصيص امل في إنهائه او المحاولة للوصول إلى حل حاسم ينهي هذه المعضلة التي وصمت تاريخ المنظقة ولقرون بما لا يحصى من الكوارث والمآسي.
بالطبع هناك تأويلات وتبريرات دينية لكل طرف ضد الآخر، وهي تستعين بما تحتاجه من النصوص القرآنية او الأحاديث النبوية لاستخدامها كـ”أسلحة” للتشهير بالطرف الآخر.
لكننا نرى ان هناك أسبابا سياسية واقتصادية عميقة وراء هذا العداء، فالنصوص الدينية “حمالة أوجه”، وهي بإمكانها ان ترتق “وفق حاجة الفقهاء” ما تشاء وقتما تشاء وكيفما تشاء، في سبيل حل معضلة مزمنة كهذه.. ولكن أولاء الفقهاء لا يفعلون، على الرغم من السمعة السيئة التي بات يتعرض لها الإسلام والمسلمين في جميع بلدان العالم، والتي باتت تهدد وبشكل خطير الإسلام نفسه الذي استطاع رواده بناء حضارة بشرية عظيمة في القرون الوسطى، لكن ابناءه لم يستطعوا حتى الآن بناء حضارة جديدة تستطيع ان تحجز لها مكانا منافسا للحضارة الغربية التي باتت تدخل وتتواجد في كل شيء في عالمنا المعاصر ولم يعد من السهل تجاوزها أو مواجهتها بشكل مقبول على الاقل من قبل جميع الثقافات والحضارات التي شهدتها البشرية في تاريخها الطويل.
وعليه نجد ان كاتب المقال منغمس هو الآخر في حلبة الصراع المذهبي بين الطرفين، ولا يستطيع الخروج من افق الصراع لتامل ما يحدث موضوعيا للتوصل إلى حقائق ملموسة وغير متوهمة وقابلة للتعكز عليها ومن ثم التوصل لصيغة اولية لحل معضلة هذا الخراب المتواصل بسبب هذا الخلاف “الديني-البشري”.
الشيعي الجيد هو الشيعي الميت !
الشيعة العرب، ليسوا سوى عملاء ايران وطابور خامس لها في البلدان العربية ، يوالون ايران اكثر من موالاتهم لاوطانهم ، بل هم فرس وصفويون ومجوس وهنود ، من وجهة نظر القوميين العرب المتعصبين ، وهم ليسوا الا كفارا ومشركين وابناء متعة ويهود من وجهة نظر العرب الطائفيين المتطرفين.
للانصاف هناك فريق آخر من العرب اكثر وعيا من الفريقين السابقين ، وهو الفريق الذي لا ينطلق من منطلقات قومية وطائفية متطرفة ، لذلك يروض النفس على تحمل المواطنين الشيعة على انهم مواطنون يمكن التعايش معهم ، رغم كل الشكوك الدينية والقومية المحيطة بهم ، وهم بهذا الموقف يتفضلون على الشيعة بتحملهم والقبول بهم كمواطنين ، وان كانت هذه المواطنة تقترب من الدرجة الثانية.
ومن اجل ان نخرج من دائرة التجريد ، نشير الى بعض الامثلة وبشكل سريع ، اول هذه الامثلة شيعة العراق ، فهؤلاء الناس ، واعتقد جازما ودون ادنى شك ، لم تجد من بين القوميين والطائفيين المتطرفين من العرب من يشك في “ايرانيتهم” و “عمالتهم” و “شركهم” و “كفرهم” ، فهم مطعونون في دينهم واصلهم ، ولم تذرف عيون هؤلاء القوميون والطائفيون ، حتى دمعة واحدة ، على مئات الالاف من قتلاهم في عمليات التفجير والذبح والقتل بأقسى الاساليب التي يمكن ان تخطر ببال انسان ، واخر قرابينهم قتلى مجزرة سبايكر المروعة ، كما لم تذرف عيون هؤلاء دمعة واحدة من قبل على مئات الالاف من قتلى الشيعة في ظل النظام الصدامي ، وكأن الشيعة من وجهة نظرهم ليسوا من البشر ، او انهم خلقوا للذبح على يد القوميين والطائفيين المتطرفين من العرب.
المضحك المبكي ان شيعة العراق مشكوك فيهم ،حتى وهم يستشهدون من اجل الدفاع عن اعراض اخوانهم من اهل السنة ، ويمكن الوقوف على هذه الحالة الشاذة ، من خلال رصد الاعلام الخليجي والعراقي المحسوب على العرب السنة ، وهم يشككون في كل شيء يكون فيه الشيعة طرفا ، فالجيش العراقي مرفوض ان يتواجد في المناطق السنية في العراق ، وبعد ان دخلت “داعش” اليها وفعلت كل تلك الافاعيل باعراض ونواميس اهل السنة ، رفض العرب ايضا دخول قوات الحشد الشعبي لتحرير المدن السنية من “داعش” ، ولما ارادت الحكومة تسليح السنة لمحاربة “داعش” ، قامت قيامة هؤلاء العرب ، ورفضوا مثل هذا الامر معتبرين هؤلاء “صحوات” ولا خير يرتجى منهم لارتباطهم بالشيعة ، حتى وصلت هستيريا الرفض الى رفض الحشد الشعبي المسيحي الذي اعد لمعركة الموصل ، حيث شنت على هذا الحشد حربا نفسية شعواء.
الملفت ان كل هذا الرفض، وان كانت الاسباب التي تقف وراءه واضحة لكل ذي عين ، الا انه يُبرر من قبل العرب المتطرفين ، بعدم استفزاز العرب السنة ودفعهم للانضمام الى “داعش” ، ولسان حالهم يقول ان اهالي هذه المناطق يفضلون افاقي “داعش” المجرمين على ابناء وطنهم من الشيعة الذين جاؤوا لانقاذهم من “داعش” !!.
يمكن تلمس حالة الانحطاط الاخلاقي الذي وصل اليه الاعلام الخليجي ، من خلال موقف صحيفة الكترونية تصدر في لندن تمولها قطر ، تزكم الانوف بطائفيتها وحقدها على الشيعة ، من حادث الخلل الفني الذي اصاب احدى طائرات السوخوي العراقية والتي اسقطت عن طريق الخطا قنبلة على منزل في بغداد ، ورغم ان وزارة الدفاع العراقية اصدرت بيانا وشرحت فيه تفاصيل الحادث والاسباب التي كانت وراءه ، حيث كتبت الصحيفة في احدى افتتاحياتها ؛ ان الطيار الذي اسقط القنبلة هو ايراني ، وانه قصف المنزل انتقاما للحرب العراقية الايرانية !!.
امام هذا الموقف للعرب المتطرفين من احتلال “داعش” للمناطق السنية من العراق ، والتشكيك بالمالكي والجعفري والعبادي وكل القيادات الشيعية والحشد الشعبي الشيعي والسني والمسيحي ، ترى كيف يمكن تحرير اعراض العراقيين من بين ايدي “داعش” ؟ ، يبدو ان تصرفات هؤلاء المتطرفين من قضية تحرير المناطق السنية ، تبين انهم ليسوا في عجله من امرهم ، او انهم بانتظار ان يأتي الامريكي ليحررهم ، او تتوب “داعش” وتنسحب دون قتال.
اما شيعة لبنان ، فحدث ولا حرج ، رغم ان حزب الله (الشيعي) جعل العرب والمسلمين يذوقون ولاول مرة طعم الانتصار على عدو الامتين العربية والاسلامية ، بل ويذل هذا العدو ويكسر هيبته وهيبة جيشه الذي كان لا يقهر ، وينتصر للقضية الفلسطينية قولا وفعلا ، الا ان السعودية ، حاولت من خلال تحريكها لجيوش من المتسوولين والطائفيين والموتورين ، في لبنان ، كما بينت وثائق ويكليكس ، الاساءة الى حزب الله وشخص امينه العام السيد حسن نصرالله ، للحيلولة دون تحول شيعة لبنان الى نموذج يحتذى في العالم الاسلامي.
للاسف الشديد نجحت السعودية بفضل اموالها و وهابيتها وامبراطوريتها الاعلامية ومرتزقتها وتبعيتها لامريكا وذيليتها لـ”اسرائيل” ، ان تسيء الى صورة حزب الله وشخص السيد حسن نصرالله ، الرجل الذي قلما يجود الدهر بمثله . فبينما الامم الاخرى تكرم وتعظم ابطالها، رغم انهم لم يأتوا بمعشار ما أتى به سماحة السيد نصرالله ، نرى السعودية واذنابها في لبنان وخارجه من اشباه الرجال وعبيد الدولار ومرتزقة الصهيونية ، يناصبون العداء.
اذا ما تجاوزنا لبنان ، وانتقلنا الى البحرين ، عندها سنرى العجب ، حيث يُتهم شعب كامل بانه عميل لايران ، وانه طابور خامس ، وتهدم مساجده وحسينياته ، وتسحب الجنسية من خيرة ابنائه ، ويزج بالالاف منهم في السجون ، ويعذب الاطفال في المعتقلات ، وتهان رموزه الدينية والوطنية ، ولا يحق له ان يعترض على كل هذا الظلم والاستبداد ، لماذا لانه متهم وعليه ان يثت براءته!!، بينما الذي يظلم الثمانين بالمائة من هذا الشعب ، اسرة تحكم البلاد بالحديد والنار ، ولا تمثل حتى نسبة العشرين بالمائة من الشعب ، ولكن مسموح لها ان تفعل بالشعب الافاعيل ، لماذا لانها على دين المتطرفين العرب ، الذين يدعمونها من باب انصر اخاك ظالما او مظلوما ، وكل من يشك فيما نقول ندعوه الى ان يرصد مواقف منظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية والاعلام العربي والنخب العربية والشارع العربي من الثورة البحرينة ، ليتأكد مما قلناه.
حكم المتطرفين العرب على الشعب البحريني ، ينطبق على حكمهم على اليمن ، فالزيدية في اليمن وكل من يتعاطف معهم يذبحون من الوريد الى الوريد على يد السعودية ومرتزقتها من الدواعش والقاعدة والتكفيريين ، لماذا؟، لانهم متحالفون مع ايران ، ولكن لاندري كيف تكون حركة انصارالله متحالفة مع ايران ، بينما هي تتعرض لعدوان سعودي تكفيري غاشم منذ اكثر من ثلاثة اشهر ، ولم تُسجل حتى حالة واحدة تؤكد وجود سلاح ايراني او تواجد ايراني في اليمن ، رغم ان السعودية ومرتزقتها واعلامها الكاذب يبحثون تحت كل حجر ومدر لاثبات هذا التحالف.
المجازر البشعة التي ترتكبها السعودية في اليمن ، لم تجد لها اي ردود فعل بين العرب المتطرفين قومين وطائفيين ، لان القتيل كما تقول السعودية هم من الشيعة ، وهذا يكفي ان يكون سببا وجيها لقتلهم ، وقتل الشيعة لا يحتاج للاتيان بادلة او براهين لتبرير عملية القتل ، فهو مبرر من الاساس.
هناك من يبرر ذبح الشيعة في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، لان بعضهم مع الامريكان والبعض الاخر مع ايران ، فاستحقوا القتل والتنكيل ، ولكن ماذنب شيعة السعودية والكويت ، تهدم عليهم بيوت الله هم ساجدون صائمون ؟، الجواب على هذا السؤال بسيط ، وهو انهم كفرة مشركون ، ويستحقون القتل الف مرة ، ولا حاجة لوجود امريكي او ايراني لتبرير قتلهم ، فكونهم شيعة يكفي.
هناك اسطوانة مشروخة يكررها بعض الاغبياء ويريدون من الاخرين ان يقتنعوا بها ، وهذا الاسطوانة تقول ، ان سبب مآسي الشيعة العرب هو ايران وثورتها الاسلامية ، فقبل هذه الثورة كان الشيعة في العراق يعيشون بسلام دون ان يتعرض لهم احد. للاسف السلام الذي يتحدث عنه هؤلاء المتطرفون ، تعني ان تعيش تحت الظلم والاستبداد دون ان تجرأ على ان تعترض على اتفه الاشياء ، واذا ما اعترضت تقتل انت وعائلتك وحتى عشيرتك ، واذا ما اعترضت تلقى في احواض التيزاب ، وفي مكائن فرم اللحم ، وتتحول الى فئران لتجارب الاسلحة الكيمياوية ، وتدفن انت واطفالك احياء ، لا يحق لك ان تقيم طقوسك الدينية ، واذا اقمتها فانك ميت لا محالة ، وتُنتهك مقدساتك ، ويُعدم رموزك الدينيين ، ويُسلط عليك سيف الخيانة والتهم بالعمالة ، ولا تتبوأ نسبة واحد بالمائة من المناصب السيادية في وطنك بينما انت تمثل سبعين بالمائة او اكثر من ابنائه ، فانت مطعون في دينك وفي قوميتك وفي وطنيتك وفي نسبك ، كلها لانك شيعي ، والكارثة ، ان العرب المتعصبين يصفقون لقاتلك ، بل ان هناك من يتمنى ان يكون مكانه ليتقرب الى الله زلفى بقتلك.
حالة العراقيين في السابق ، في ظل حكم الطاغية صدام ، اشبه بحال الشعب البحريني في ظل الطفيان الخليفي ، فاذا ما ارتضى الشعب البحريني ان يعيش خانعا مرعوبا ، خوفا من ان يتهم بالخيانة ، عندها سيكون لدى العرب المتعصبين والمتطرفين ، شعبا مسالما طيبا ، ولكن اذا اراد ان يعيش بكرامة مثل باقي الشعوب ، عندها ستكون ايران هي السبب ، وتلصق الخيانة والعمالة والشرك والكفر بثمانين بالمائة من الشعب البحريني ، هكذا وبكل سهولة.
المتطرفون والمتعصبون العرب بشقيهم القومي والطائفي ، وضعوا امام الشيعة اربعة خيارات احلاها مر ؛ إما ان يتسننوا ، او ان يتركوا اوطانهم ، او ان يعيشوا عيشة العبيد ، او ان يُقتلوا ، فالشيعي الجيد هو الشيعي الميت.
شفقنا- منيب السائح