منذ أواخر الإنتفاضة الفلسطينيّة الأولى في عام 1993، شرعت “حماس” بتنفيذ العمليّات الاستشهاديّة ضدّ الأهداف الإسرائيليّة، في مدن القدس وتلّ أبيب ونهاريا ونتانيا، وقتلت عشرات الإسرائيليّين. واستندت “حماس” في عمليّاتها الاستشهاديّة على فتاوى العلماء الشرعيّين، وأبرزهم الداعية الإسلاميّ الكبير الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الإتّحاد العالمّي لعلماء المسلمين، الذي اعتبر منذ ذلك العام 1993، هذه العمليّات أعظم أنواع الجهاد، رافضاً تسميتها بالعمليّات الانتحاريّة، لأنّها عمليّات بطوليّة استشهاديّة أبعد ما تكون عن الانتحار، ومن ينفّذها ليس منتحراً.
لكنّ يوسف القرضاوي ذاته، وهو أبرز العلماء الشرعيّين في العالم الإسلاميّ، ويقيم في قطر، قال في 24 تشرين الثاني/نوفمبر: إنّ العمليّات الاستشهاديّة غير جائزة الآن في فلسطين، لأنّ إجازته لها سابقاً كانت للضرورة ولعدم وجود أسلحة لدى الفلسطينيين، وهذه الضرورة انتهت، وباتت لدى الفلسطينيّين وسائل جديدة للقتال غير العمليّات الاستشهاديّة.
أجرى “المونيتور” لقاءات مع مرجعيّات دينيّة في “حماس” وبعض ناطقيها الرسميّين، وظهر تباين مواقفهم بين متفهّم لفتوى القرضاوي ورافض لها.
وبدا الناطق باسم “حماس” في غزّة حازم قاسم حذراً بعدم الاقتراب من فتوى القرضاوي مباشرة، بقوله لـ”المونيتور”: “إنّ حماس تعتمد المقاومة بكلّ أشكالها، وامتلاك الجيش الإسرائيليّ لترسانة كبيرة جعل حماس تبتكر الوسائل لحماية شعبنا وردع الإحتلال وإكمال مشوار تحرير الأرض والإنسان، وهي تحتفظ بحقّها في استخدام كلّ طرق المقاومة”.
غضب عارم بالإعلام الخليجي من بدء عمليات تحرير الموصل من داعش و القرضاوي: أنقذوا الموصل!
ومن جهته، قال مدير الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة التابعة لـ”حماس” بغزة، وأحد الوجوه الدينيّة للحركة في غزّة الشيخ يوسف فرحات لـ”المونيتور”: “إنّ القرضاوي غير مطّلع على الواقع الفلسطينيّ، خصوصاً بقاء الإحتلال الإسرائيليّ وعدم زواله عن فلسطين، ولا أستبعد وجود ضغوط سياسيّة عليه، لم يذكر مصدرها، وتمنّيت لو لم يصدر فتواه الجديدة، مع أنّ حماس قرّرت انتهاج العمليّات الاستشهاديّة لأنّها مضطّرة إليها، لعدم توافر أسلحة تواجه بها القوّة العسكريّة الإسرائيليّة. ورغم أنّ القرضاوي عظيم الشأن، لكنّه ليس الوحيد الذي يفتي للأمّة الإسلاميّة، فهناك علماء آخرون ما زالوا على مواقفهم بجواز هذه العمليّات الاستشهاديّة”.
هجوم سعودي على الأزهر والقرضاوي:مؤتمر الشيشان “ضرار” والكلباني:العالم يعد الحطب لحرقنا
هناك العديد من الفتاوى الإسلاميّة بجواز العمليّات الاستشهاديّة، ومنها للعالم السعوديّ صالح الطريفي في عام 2015، والعلاّمة السوريّ ناصر الدين الألبانيّ في عام 2007، والعالم المصريّ أبو إسحاق الحويني في عام 2008، والعلاّمة الموريتانيّ محمّد الحسن الددو في عام 2013.
ومن جهته، قال رئيس رابطة علماء فلسطين وأستاذ الشريعة الإسلاميّة في جامعة الخليل بالضفّة الغربيّة الشيخ مصطفى شاور لـ”المونيتور”: “إنّ الموقف من فتويي القرضاوي الأولى والثانية بجواز ثمّ حظر العمليّات الاستشهاديّة يحدّده المقاتلون، مع أنّ كلام القرضاوي الأخير له وجاهة، وقد يمتلك منطقاً علميّاً لأنّ الفتوى تتغيّر حسب المصلحة الشرعيّة للمسلمين، مع أنّ أيّ وسيلة جهاديّة يجب أن تأخذ في الحسبان ردود الفعل عليها”.
يعتبر القرضاوي من أهم المرجعيّات الشرعيّة للإخوان المسلمين وعلاقاته وثيقة مع قادة “حماس”، لا سيّما رئيس مكتبها السياسيّ خالد مشعل، وسبق له أن زار غزّة في أيّار/مايو من عام 2013، وحظي باستقبال حافل من زعمائها، حتّى أنّ نائب رئيس المكتب السياسيّ لـ”حماس” إسماعيل هنيّة قبّل يديهيوم 9 مايو/أيار 2013، ممّا جعل للقرضاوي تأثيره على الحركة.
#القرضاوي يدعو لـ “داعش” بالنصر!
وبدوره، قال النّاطق باسم “حماس” المقيم في قطر والقائد السابق لجناحها العسكريّ شمال الضفّة الغربيّة حسام بدران لـ”المونيتور”: “إنّ حماس لم توقف العمليّات الاستشهاديّة ضدّ إسرائيل، فالأمر ليس مرتبطاً بفتوى القرضاوي، لكنّنا نعتبر العمليّات الاستشهاديّة سلاحاً استراتيجيّاً للردّ على جرائم الإحتلال الإسرائيليّ كالاغتيالات والمجازر، ونحن ننطلق بسياستنا من منطلقات شرعيّة، ولدينا إرث دينيّ كبير يسمح لنا بتنفيذ هذه العمليّات، لكنّ هذه العمليّات لها ظروفها العسكريّة على الأرض”.
كان لافتاً اهتمام إسرائيل بفتوى القرضاوي، ربّما لعلمها بحجم مكانته لدى “حماس”، وتقديرها بأنّ فتواه قد تنعكس على الواقعين الأمنيّ والعسكريّ، وتشجّع “حماس” على وقف هذه العمليّات.
لقد زعمت الإذاعة العسكريّة الإسرائيليّة في 25 تشرين الثاني/نوفمبر أنّ تركيا تقف خلف فتوى القرضاوي للفلسطينيّين بوقف العمليّات الانتحاريّة، ورحّبت المحاضرة في جامعة بار- إيلان الإسرائيليّة ناسيا شامير بـ30 تشرين الثاني/نوفمبر في صحيفة “إسرائيل اليوم” بفتوى القرضاوي، واعتبر الخبير الإسرائيليّ في الشئون العربية رؤوبين باركو في 29 تشرين الثاني/نوفمبر في الصحيفة ذاتها، أنّ الفتوى أتت لأنّ الفلسطينيّين باتت لديهم أسلحة أخرى كالصواريخ قد تغنيهم عن العمليّات الانتحاريّة للمسّ بأمن الإسرائيليّين.
ورأى محرّر الشؤون العربيّة في القناة الإسرائيليّة “العاشرة” تسيفي يحزقيلي في 2 كانون الأوّل/ديسمبر أنّ فتوى القرضاوي مؤشّر إيجابيّ عن تغيّر الواقع السياسيّ في المنطقة، نتيجة تراجع مكانة الفلسطينيّين لدى الدول العربيّة.
أمّا الباحث الفلسطينيّ في الشؤون الإسرائيليّة ومدير فضائيّة “القدس” في الضفّة الغربيّة علاء الريماوي فقال لـ”المونيتور”: “إنّ التّقارير الإسرائيليّة التي يتابعها تشير إلى أنّ حماس تحضّر لتنفيذ عمليّات استشهاديّة، ولوائح الاتّهام الإسرائيليّة لعناصر حماس في الضفّة الغربيّة تؤكّد توجّهها بالعودة إلى هذه العمليّات منذ ثلاث سنوات، لكنّ الظروف الأمنيّة في الضفّة تحول دون ذلك، مع أنّ مرجعيّات حماس الدينيّة في معظمها تحثّ على تنفيذ هذه العمليّات”.
وتزامن صدور الفتوى الجديدة للقرضاوي مع توقّف “حماس” عن تنفيذ العمليّات الاستشهاديّة ضدّ إسرائيل، وقد لا يعلم أحد هل توقّفت لأسباب دينيّة أم عوامل عسكريّة، مع أنّ موقع “ويللاّ” الإسرائيليّ ذكر في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015، أنّ قلقاً يسود إسرائيل بسبب توجّه لدى “حماس” بالعودة إلى العمليّات الاستشهاديّة.
وقال الناطق باسم “حماس” في غزّة فوزي برهوم لـ”المونيتور”: “إنّ المقاومة تستخدم أدواتها حسب طبيعة مصلحتها والظرف والحاجة إليها، وتوجّهات كتائب عزّ الدين القسّام الجناح العسكريّ لحماس ليست عشوائيّة، وليس لفتوى القرضاوي الجديدة دور بتوقّف العمليّات الاستشهاديّة، مع أنّ حماس تعود منذ تأسيسها قبل 29 عاماً في سنة 1987 إلى مرجعيّات دينيّة وشرعيّة”.
وأخيراً، ربّما أحدثت الفتوى الجديدة للقرضاوي هزّة داخليّة في “حماس”، لأنّها قد تحرمها المسوّغ الشرعيّ إن قرّرت العودة إلى العمليّات الاستشهاديّة ضدّ إسرائيل. ورغم أنّ الحركة لم تصدر موقفاً ضدّ الفتوى، ربّما للمكانة الكبيرة التي يحوزها القرضاوي في نفوس قواعدها وقياداتها، لكنّ التزام “حماس” من عدمه بالفتوى مرهون بتنفيذها لأيّ عمليّة استشهاديّة، في حال سنحت الظروف الأمنيّة بذلك.