مقدمة جزائري، حول أسئلة عراقي: وصل البارحة الصفحة، “الامتحان النهائي للصف السادس الابتدائي، للسنة الدراسية 1925 -1926″، الخاص بدولة العراق في تلك الفترة، والمتعلّق بامتحان “الجغرافيا”.
الرسالة وصلت، عبر أستاذة عراقية، وعضو بالبرلمان العراقي. وإعجابها بالمجتمع الجزائري، وإنجازاته بيّن ظاهر.
وبمجرّد ما اطّلع صاحب الأسطر على ورقة الامتحان، كانت هذه الأسطر، التي كتبها بآهاته وآلامه، والحسرة تأكل الكبد على ماأصاب الامتحانات في الجزائر ..
حين قرأت الأسئلة للوهلة الأولى، ودون شعوري مني، جمعت أبنائي وقرأت بصوت مرتفع جميع الأسئلة، ونبّهت على أنها وردت للطلبة في السنة السادسة ابتدائي سنة 1925.
وجب القول، بعد الإطّلاع على محتوى الأسئلة سنة 1925، لطلبة السادسة إبتدائي. لماذا عراقنا الحبيب، هوجم وتمّ تدميره بهذه البشاعة والوحشية، لأنه أنجب خيرة علماء الدنيا. والغرب لايرضى لأخيه أن ينافسه فيما يملك، فكيف يرضى لعراقي أن ينافسه في الذرة والنووي. ومن ناحية أخر، فإن عظمة الأمم، تظهر في كيفية تعاملها مع أبناءها في المرحلة الابتدائية. وكمثال على ذلك ..
من الابتدائي إلى سطح القمر: حين كنا طلبة، لدى أستاذنا وليد عبد الحي، أمد الله في عمره، سنوات 1986 – 1990، قال..
بعد أن أطلقت روسيا ، القمر الاصطناعي “سبوتنيك”، ثارت ثائرة الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن هذا الإنجاز، كان في أوّج الحرب الباردة، فجمع الرئيس الأمريكي حينها خيرة العلماء، وبعثهم إلى روسيا، لمعرفة الأسباب التي أدت بروسيا لإطلاق قمر اصطناعي.
واتجه الخبراء الأمريكيون إلى روسيا، وكان لهم مهمة واحد وهي، كيف تُدَرّس الرياضيات في الصف الابتدائي؟. وتوصلوا إلى نتيجة مفادها ..
أن الروس أطلقوا قمرا اصطناعيا، وسبقونا إلى ذلك، بسبب الطريقة التي تُدَرّس فيها الرياضيات في الصف الابتدائي.
وفعلا أعيد النظر في التعليم في المرحلة الابتدائية، بالولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت بعد أربع سنوات من إطلاق القمر الاصطناعي إلى القمر.
استعمال الخريطة في كل العلوم : خريطة منذ مدة وأنا أعيب على التعليم في الجزائر، وأقول لابد من فصل الجغرافيا عن التاريخ، وتخصيص أستاذ خاص بالجغرافيا، وأستاذ خاص بالتاريخ، ولم أجد أذن صاغية. ويكفيني شرفا، أن أمنيتي وجدتها، وأنا في عالم الغيب، حين خصص أهل العراق، إمتحان خاص بالجغرافيا وحدها، وليس امتحان خاص بالتاريخ والجغرافيا، كما نفعل في الجزائر.
قيمة الخريطة في فهم الأحداث التي تجري الآن، والتي حدثت سابقا، يتعدى دورها إلى فهم العلاقات الدولية المتشابكة، وتظل مع الطفل إلى الأبد، ترافقه في فهم القضايا من الناحية الجغرافيا. وعلى الأستاذ أن يوظف الخريطة في كل القضايا التي تطرح، وفي كل مجالات العلوم. ومن الخطإ إعتبار الخريطة، خاصة بمادة الجغرافيا دون غيرها من العلوم.
البارحة كنت مع زميل لي، وهو أستاذ في مادة الفيزياء، أبدى إعجابه بمقالي ، المعنون بـ “خريطة أستاذي زبيدة”، المنشور على الشبكة العنكبوتية. وكانت فرصة لأضيف..
الخريطة لابد أن تستعمل في كل العلوم، وليس في الجغرافيا دون غيرها. لأن عملية التأثر والتأثير، تبدو على الخريطة. ومثلا معرفة انتشار لغة دون غيرها. ولماذا المجتمع الفلاني يتقن لغة معيّنة، دون أخرى، تظهر أسباب ذلك، إعتمادا على استنطاق الخريطة. ونفس الشيء، يقال عن التشابه في اللباس والعادات والثقافة، الذي يظهر جليا،عبر الخريطة.
إن الخريطة تتعدى كونها، وسيلة تعليم، إلى أداة أساسية لايمكن أن يستغني عنها في العلوم والتعليم.
أنا طالب في العلوم السياسة والعلاقات الدولية، وأعرف جيدا معنى الخريطة، وفائدتها العظمى في تخريج جيل يختصر الفهم عبر الخريطة، ويقدّم تحليلا صائبا، لأنه يتقن التحدّث مع الخريطة، ويستخرج منها الأسرار والعجائب.
مازال صاحب الأسطر يتذكر جيدا، أنّ أول درس بجامعة الجزائر سنة 1986، في مقياس “ملتقى الامبريالية”، كان عبارة عن خريطة لإفريقيا، وعلى الطالب أن يذكر أسماء الدول الإفريقية، ويضعها في مكانها المناسب. ومازال الطالب يتذكر، الإجابات التي ذكرت يومها، والتي تقشعر لها القلوب والأجساد.
لو أعطيت نفس الخريطة، لطلبة السنة السادسة إبتدائي، الذين قدّمت لهم أسئلة سنة 1925، لقدموا الإجابة الصحية، لأن الطفل الذي يتربى على الخريطة، ويتعوّد استنطاقها والتحدّث إليها، يجد سهولة في ملء أية خريطة، ولأية قارة، أو دولة.
ضرورة فصل الجغرافيا عن التاريخ : أرجو أن يكون عراقنا الحبيب، مازال متمسكا بمادة الجغرافيا لوحدها، وبالتالي امتحان خاص بالجغرافيا لوحدها، وامتحان خاص بالتاريخ لوحده.
أقسم، أن الأسئلة لو طرحت سنة 1925 على تلاميذ السادسة ابتدائي، على طلبة الجامعة، فضلا عن طلبة الثانوية، لما استطاعوا أن يجدوا لها إجابة. وكذلك الأستاذة، سيعجزون عن إيجاد الإجابة الصحيحة لها.
رحم الله أساتذة العراق، الذين وضعوا تلك الأسئلة، سنة 1925، ورحم الله أساتذتنا، الذين دلونا على أهمية الجغرافيا، وفضل الخريطة.