#مابعدداعش
ما هي أبرز وأهم اولوياتنا بعد دحر داعش؟
بقلم : منصور الناصر
نقترب من هزيمة داعش عسكريا، ولكن هل ستختفي داعش و”الدعشنة” من حياتنا وواقعنا وغدنا؟
الجواب معروف وهو كلا
فهناك فرق بين عبارتي ما بعد تحرير الموصل وما بعد “داعش”،
لأن ما بعد “داعش” لم يحن أوانها بعد، ولن ننجح في تجاوزها إن لم نتأمل ونراجع كل أقوالنا وسياساتنا ومناهج تفكيرنا حتى المقدس منها.
بدءا لنعترف ونقول إن العنف وترويج ثقافة العنف والكراهية هما الأساس الذي تنمو فيه الدعشنة
ونعني بالدعشنة فلسفة إلغاء الآخر ومحاولة عزله وتغييبه بكل طريقة.
وصعوبة الامر تكمن هنا، وهي مهمة لا تقتصر على جهة دون اخرى، لأنها تقع على عاتقنا جميعا ويمكن تسميتها بمهمة #محو_الداعشية
وسنفصلها كواجبات حسب الجهة التي ستتولى أمرها، كما يلي:
1- واجب السياسيين، والذين عليهم أن يمارسوا دورهم ولا يخدعوا الناس بانهم نجحوا في القضاء على داعش نهائيا، خلط الأوراق بهذه الطريقة تبسيط شديد للموضوع وتضليل يكاد يكون إجراميا للشعب العراقي الذي ضحى ابناءه جميعا في تحقيق النصر العسكري..
ويفترض بالتالي من السياسيين ان يضحوا هم ايضا، بـ”خطوطهم الحمر” فما عادت هناك خطوط حمر بعد إراقة دم أحلى شباب العراق والذين ينبغي أن نخلص لذكراهم وتضحياتهم من اجلنا جميعا.
2- واجب رجال الدين: داعش كفكر وعقيدة لم تات من فراغ، والمصدر الذي خرجت من رحمه، ما زال موجودا، ليس على شكل سلفي جهادي فقط، كما يزعم كثيرون، فهذه دعاية رخيصة ومخادعة. لأننا نعرف جميعا ان هذا المصدر أنتج كثيرا من الحركات الجهادية العنيفة سواء سنيا أو شيعيا، وكلها تبرر ظهورها ببعضها، في حلقة مفرغة تكاد لا تنتهي.
واجب رجال الدين الخروج من أفقهم الطائفي الضيق والذي لا يليق بالمسلمين ولا بالإسلام نفسه، والذي هو من الرحابة والسعة بما لا يقاس بالشكل الجامد المحدود الذي يتحدث عنه اغلبهم.
ليطلقوا سراح الإسلام من اقفاصهم التي وضعوه فيها.. وليتركوا للناس حرية قراءة كتابهم المنزل دون قيود لولسبب بسيط هو انه نزل للناس جميعان وليس لهم فقط.
مسؤولية رجال الدين الأساسية إذا غربلة التراث الذي استند الى بعض زواياه ارهابيو داعش وغيرهم، ودمروا بسببه مستقبل وحياة امم كاملة.. أما مواصلتهم تمييع وحرف الحقائق، وتصنيف الإرهابيين كخوارج وبغاة ومدلسين بعبارات قديمة لم تعد تصلح لوصف ما يجري، فهذا لا يكفي، بل يزيد الأمر سوءا..
ما نحتاجه ليس تصنيف الإرهابيين والمتعصبين إلى هذه الزمرة أو تلك..إنما مناقشة النصوص التي استندوا اليها وحسم امرها نهائيا باتفاق الامة الإسلامية.
وإلا فما هو مبرر وصفهم بـ”العلماء” إن لم يبادروا بوضع حلول وأجوبة جديدة كليا لمشكلات واقعنا الراهن الاساسية؟
3- واجب المجتمع الدولي: لقد دافع العراقيون عن بلادهم ضد اشرس هجمة إرهابية في العصر الحديث، ودفعوا ثمنا غاليا جدا، من دمهم وثرواتهم من اجل ذلك، وعلى العالم الوقوف الى جانب العراق، في إعادة بنائه على أسس حديثة وعصرية اولا، وضمان استقراره ثانيا. وعدم السماح لتحويله ارض معركة الآخرين المفضلة مرة اخرى.
4- واجب المثقفين والإعلاميين والناشطين وقوى المجتمع المدني: وهو واجب لم يتحقق بدرجة مقنعة حتى الآن، فمعظم طاقة هذه الجهات تستنزف في إرضاء ولاءات حزبية وفئوية ضيقة على حساب الولاء للعراق، فيما تنشغل اغلبية القوى المستقلة الأخرى، في “التحليل” ووضع “الحلول” و نقد “الفاسدين” وفضحهم، واشاعوا بذلك جوا تشاؤويا مدمرا، طال جميع فئات الشعب العراقي.. وبدلا من تحريض الناس على العمل وإبتكار الحلول الناجعة، ومواجهة الاختناقات بعقلية متفتحة وإرادة صلبة، نشروا بين الجميع كما يبدو مناخا سوداويا، يشيع الياس والتذمر والتشكي، وهو ما يصب بالطبع في صالح المتنفعين والدجالين والفاسدين.
5- واجب الشعب العراقي: من المفروغ منه ان يحرص الشعب العراقي على وحدته ويسعى لترصينها، وذلك ينبذ الطائفية وقيم العنف المنتسرة فيه ولكن هذا كلام يقال كثيرا السؤال هو كيف؟
لأن الأمر ليس بالتمنيات ولا بالأحلام ولا الكلام التحليلي الأجوف، بل بالتخطيط والعمل الجاد والتغيير الجذري للعقلية السائدة، وهي عقلية عنيفة، واتكالية، لا ترغب بالقيام بأي مسؤولية حقيقية، بدليل أن كبار المسؤولين أصبحوا غير مسؤولين! وكلهم يلقون اللوم على عاتق غيرهم، في مسؤولية الكوارث التي يعيشها البلد، غير أنهم وفي الوقت نفسه يتسابقون جميعا بل يسحقون كل من يقف في طريقهم لاصطياد اي منصب وأي مسؤولية!
حتى نسي الناس أن المسؤولية مشتقة من كلمة السؤال، أي محاسبة ومراقبة وتحقيق وتدقيق، أي تقديم افعال لا أقوال، كما أن كلمة مسؤول ما عادت تعني القيام بإدارة عمل ما، والتخطيط له، بل ما عادوا يشعرون بأن من ابرز صفات أي مسؤول هي انه يخطئ! لأن مسؤولا لا يخطئ هو بالتأكيد مسؤول لا يعمل! لم أصبح مسؤولا بدافع غير دافع السرقة إذا ؟؟
لننظر حولنا من شمال العراق إلى جنوبه، لنجد حجم العمل والمسؤوليات التي تنتظر من ياتي لتحمل اعبائها وتنفيذها.. وهنا ياتي دور ابناء الشعب العراقي بانتخاب مسؤول “يعمل” يقول ويفعل..وهذا لا يتم غلا بالتدقيق في سيرة كل مرشح والبحث بالدرجة الاولى عن حجم منجزاته على الارض وبالملموس ..بغض النظر عن اصله ودينه وفصله.
وهذه تتحقق بتوفر شرطين
الأول: إهمال الأقوال مهما كانت “جميلة” والالتفات فقط إلى الأفعال، ووجود الجهات الرقابية الدقيقة التي تقيس حجم هذه الأفعال وتقدر أهميتها كمنجز
الثاني: التخلي عن الشكوى المستمرة، من فساد السياسيين والمسؤولين، والتي اصبحت شماعة يبرر فيها الجميع سلبيتهم وعجزهم عن إحداث اي تغيير.. كلا التغيير يجب ان يبدا داخل كل مواطن عراقي، نبذ العنف والتقسيمات الطائفية يجب ان نؤمن بهما جميعا كل حسب قدراته، اجتمعنا على هذا المبدا هو الذي سيجبر السياسيين والفاسدين على العودة لـ”الطريق القويم”، وحينها ومع الوقت نصبح فيه مسالة الحفاظ على المصلحة العامة اكثر جدوى بكثير من الحرص على المصالح الخاصة.
.
الخلاصة: جميع العراقيين يقفون الآن في مفترق طرق خطير جدا.. وهي وقفة تتطلب جرأة كبيرة منا جميعا ومن مختلف شرائح المجتمع، وقفة تحول تنوعنا القومي والديني والمذهبي والفئوي إلى عامل قوة لا عامل فرقة وتشظي.
وليكن الدستور مهما كانت ملاحظاتنا عليه، نقطة شروعنا الوحيدة لإعادة هيبة الدولة والتحول من مرحلة الفوضى الاقتصادية والسياسية إلى مرحلة احترام المؤسسات الدستورية عبر تنشيطها من جديد لتستقيم إلى مؤسسات فاعلة لا يمكن اختراقها من قبل التنظيمات التكفيرية، والطائفية
وعندها يمكن التأسيس لعراق جديد لن تستطيع اعتى المنظمات الإرهابية كسر هيبته
لأن مسك الأرض من قبل القوى الامنية لا يكفي ولا يعد نصرا لوحده،
النصر الحقيقي هو في قدرتنا على الالتقاء ببعضنا وحوارنا وتسامحنا وجعل هيبة الوطن ووحدته خيارنا المقدس الوحيد.. وبالاحرى الخط الأحمر الوحيد!