إدارة الطيران والفضاء الأميركية “ناسا” تشرف حاليا على عملية انتحار مثيرة ستجري في كوكب زحل، عندما تنهي مركبة الفضاء كاسيني مهمتها الأخيرة والمثيرة بين حلقات الكوكب الضخم.
ومرت المركبة الفضائية من أمام أكبر أقمار كوكب زحل للمرة الأخيرة اليوم السبت واستفادت من جاذبيته في اكتساب قوة دفع للقيام بعدد من القفزات الاستكشافية داخل حلقات الكوكب.
وبعد قرابة 20 عاما من التحليق في الفضاء استخدمت كاسيني جاذبية القمر تيتان، الذي يشبه كوكب الأرض في بدايته، للقذف بنفسها في مدار جديد سيمر عبر منطقة غير مكتشفة من قبل بين الغلاف الجوي لزحل وحلقاته.
ومن المتوقع أن تبدأ المركبة الفضائية قفزتها الأولى ضمن 22 قفزة بين الكوكب وحلقاته يوم الأربعاء.
ومن المقرر أن تدمر كاسيني نفسها في القفزة الأخيرة المقررة يوم 15 سبتمبر بالدخول مباشرة في الغلاف الجوي لزحل، فيما يشبه عملية انتحار فضائية.
وجعلت ناسا المركبة تقترب حتى ارتفاع 979 كيلومترا عن تيتان بسرعة نسبية بلغت 21 ألف كيلومتر في الساعة.
تغير مظهر الكوكب بشكلٍ كبيرٍ منذ وصول مركبة كاسيني التابعة لناسا، وتوضح هذه الصورة نصف الكرة الشمالي لزحل في 2016، حيث سيمر هذا الجزء من الكوكب قرب نصف الكرة الشمالي، بانقلابٍ صيفيٍّ في مايو 2017.
دخلت المركبة الفضائية كاسيني -بعد أكثر من 12 عاماً في دراسة كوكب زحل وحلقاته وأقماره- عامها الأخير من رحلتها الملحمية، ومن المقرر الانتهاء من هذه الملحمة العلمية والتاريخية في شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2017، ولكن ليس قبل أن تكمل آخر مرحلتين جريئتين من مهمتها.
فبدايةً في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، سيقود مدار كاسيني المركبة إلى الحافة الخارجية للحلقات الرئيسية، حيث تُسمى سلسلة المدارات هذه -البالغ عددها 20 مداراً- بمدارات الحلقة F، وأثناء إنجازها لهذه المدارات الأسبوعية، ستحلق كاسيني مقتربةً من مركز الحلقة F الضيقة بهيكلها المتشابك والمميز، ليصل بُعدها عن المركز إلى 7800 كيلومتر (4850 ميلاً).
تقول ليندا سبيلكر Linda Spilker، عالمة في مشروع كاسيني في مختبر الدفع النفاث JPL التابع لناسا في باسادينا-كاليفورنيا: “نتوقع خلال مرحلة المرور بمدارات الحلقة F، أن نرى الحلقات جنباً إلى جنب مع الأقمار الصغيرة وهياكل أخرى موجودة ضمنها، كما لم يسبق من قبل. فآخر مرةٍ اقتربنا بهذا القدر من الحلقات، كانت عام 2004، عندما وصلت المركبة إلى كوكب زحل، ولم نرى سوى الجانب الخلفي منها. والآن، لدينا عشرات الفرص لدراسة هياكلها بدقةٍ عاليةٍ جداً من كلا الجانبين”.
المهمة الأخيرة: النهاية العظيمة
ستبدأ المرحلة الأخيرة لكاسيني -المُسماة بالنهاية العظيمة- بشكلٍ جديٍّ في شهر أبريل من عام 2017، وستحلق المركبة بالقرب من قمر زحل العملاق تيتان لتعديل إحداثيات مدارها، حتى تمر خلال فجوةٍ موجودةٍ بين زحل والحلقات، وهذه الفجوة عبارة عن منطقة غير مستكشفة من الفضاء حول زحل، ويصل عرضها إلى 2400 كيلومتر (1500 ميل) فقط.
من المتوقع أن تجري المركبة 22 عملية دخول خلال تلك الفجوة، مبتدئةً بأول عمليةٍ في 27 من شهر أبريل/نيسان. وأثناء النهاية العظمى، ستنجز كاسيني أقرب عمليات الرصد لكوكب زحل بهدف وضع خريطةٍ للمجال المغناطيسي ومجال الجاذبية الخاص بالكوكب بدقةٍ رائعة، ولتقديم نظرةٍ قريبةٍ جداً للغلاف الجوي.
يأمل العلماء أيضاً في الحصول على معلوماتٍ جديدةٍ تخص الهيكل الداخلي لكوكب زحل، ومعرفة طول يومه بدقةٍ أكبر، بالإضافة إلى الكتلة الكلية للحلقات، مما قد يساعد في تسوية مسألة طول عمرها أخيراً.
ستقوم المركبة أيضاً بإجراء تحليلٍ مباشرٍ لجزيئات الغبار في الحلقات الرئيسية، وأخذ عيناتٍ من المناطق الخارجية لغلاف زحل الجوي، حيث تُعتبر هاتين العمليتين أولى القياسات لهذه المهمة، وتعلق سبيلكر على الأمر قائلة: “يشبه هذا إطلاق مهمةٍ جديدةٍ تماماً، فالقيمة العلمية لمدارات النهاية العظمى والحلقة F ملحةٌ لدرجةٍ يمكن لك أن تتخيل فيها مهمةً كاملةً تنطلق نحو زحل، وتتمحور حول ما نحن على وشك القيام به”.
الدخول إلى زحل “حرفياً”
يواصل مهندسو المهمة منذ بداية عام 2016 إجراء تعديلاتٍ على مسار مدار كاسيني حول زحل، لوضع المركبة في مسارٍ معين استعداداً للمرحلة الأخيرة من المهمة. لقد أدخلوا المركبة في سلسلةٍ من عمليات التحليق بالقرب من تيتان، والتي بدورها تزيد تدريجياً ميل مدار كاسيني نسبةً إلى خط استواء زحل ومستوى حلقاته، ويتيح هذا التوجيه للمركبة بأن تثب فوق الحلقات بتحليقٍ واحدٍ وأخيرٍ بجانب تيتان في نيسان للبدء بمرحلة النهاية العظمى.
يقول إيرل مايز Earl Maize، مدير مشروع كاسيني من مختبر الدفع النفاث: “استعنا بجاذبية تيتان خلال المهمة لدفع كاسيني في نظام زحل الكوكبي، والآن يعود تيتان إلينا مرةً أخرى، ممهداً طريقاً لكاسيني إلى تلك المناطق غير المكتشفة والقريبة جداً من الكوكب”.
ستنتهي مرحلة النهاية العظمى بشكلٍ دراميٍّ في 15 أيلول 2017، فمع غوص كاسيني في الغلاف الجوي لزحل ستبدأ بإرسال البيانات عن المكونات الكيميائية للكوكب، لينتهي المطاف بنا بفقدان إشارة المركبة الفضائية، إذ أن الاحتكاك مع الغلاف الجوي بعد ذلك بفترةٍ قصيرة، سيسبب احتراق المركبة كنيزك.
واحتفالاً ببداية السنة الأخيرة وتلك المغامرة، سيصدر فريق كاسيني فلماً جديداً عن الكوكب، إضافةً إلى لوحةٍ فسيفسائيةٍ ملونة، وذلك من ارتفاعٍ كبيرٍ فوق نصف الكرة الشمالي لزحل. وسيغطي الفيلم 44 ساعة، أو ما يزيد قليلاً عن أربعة دوراتٍ لكوكب زحل.
رحلة مثيرة حقاً!
تقول سبيلكر: “هذ المشهد هو المتاح لكاسيني أثناء صعودها مراراً وتكراراً فوق خطوط العرض الشمالية قبل المرور بالحواف الخارجية -والداخلية لاحقاً– للحلقات”. وهكذا، رغم اقتراب نهاية المهمة، عند غوص كاسيني للمرة الأخيرة داخل الكوكب وبدء العد التنازلي بالفعل في مركز التحكم في مختبر الدفع النفاث، إلا أنه لا يزال هناك مرحلةٌ مهمةٌ جداً أمام المهمة.
يقول كيرت نيبر Curt Niebur، عالم برمجيات في مهمة كاسيني في مقر ناسا في واشنطن: “ربما نقوم بالعد التنازلي الآن، لكن لا يجب على أحدٍ أن يستبعد كاسيني بعد، ستكون المرحلة القادمة مثيرةً حقاً”.
#كاسيني، #زحل، #المركبات الفضائية، #ناسا، #النظام الشمسي
المصادر
phys.org