اكتشف نيتشه في أربع نقاط
ينظر إلى فريدريك نيتشه باعتباره أحد أكثر فلاسفة العصر الحديث شهرة وتأثيرا، حيث أثرت أعماله وأفكاره مسيرة الفلسفة والمعرفة الإنسانية، وكانت ملهمة للوجودية وما بعد الحداثة، وبعيدا عن بعض العبارات المثيرة للجدل المعروفة عنه، دعونا نعرض في سطور موجزة، ملخصا لأفكار “نيتشه”.
حياته
ولد نيتشه في أكتوبر عام 1844، لأب قسيس، في قرية هادئة بشرق ألمانيا، وتدرج بتفوق في جميع المراحل التعليمية المدرسية والجامعية، وأدى نبوغه في اليونانية القديمة لتعيينه أستاذا في جامعة بازل وهو في منتصف العشرينيات من عمره، ولكن تلك الوظيفة المرموقة لم تدم طويلا.
إذ سأم نيتشه من زملائه في العمل، فاستقال من وظيفته الأكاديمية، وقضى أغلب أوقاته بعيدا في “سيلز ماريا” بالقرب من جبال الألب السويسرية، وهناك كتب بعضا من أبرز وأهم أعماله.
عاني نيتشه في حياته الشخصية من مشكلات عدة، منها علاقته السيئة بأهله، والتي تتلخص في قوله أنه لم يكن يحب أمه، وأن كان ينزعج ويتألم لمجرد سماع صوت أخته، ولم تكن حياته العاطفية أفضل حالا من العائلية، إذ رفض من قبل نساء كثيرات.
وعاش أغلب حياته وحيدا، كما عاني من ضعف مبيعات كتبه، وأصيب في عمر الـ 44 بانهيار عصبي حين رأي حصانا يضربه صاحبه، فصرخ للحصان قائلا: “أنا أفهمك”، وعاش بعدها لسنوات قليلة، حتى غيبه الموت بعد 11 عاما، وهو لم يتجاوز 55 عاما.
فلسفة نيتشه
امتلئت أعمال نيتشه بالأفكار البطولية، وكان “التغلب على الذات” هو أحد الأعمدة الرئيسية لأفكاره، والذي يتلخص في قدرة الإنسان على التغلب على الظروف والصعاب، كي يصل لما أسماه “السوبر مان” أو “الإنسان الأرقى”، وحينها فقط، يصبح الإنسان بالفعل كما يجب أن يكون.
1- الاعتراف بالغيرة
أمن نيتشه أن الغيرة أو الحسد جزء هام من الحياة، وكان يرى أن الدين باحتقاره للغيرة من الآخرين والنظر إليها كخطيئة شريرة، يدفعهم إلى إخفائها وإنكارها، رغم أنه لم يرى فيها شيئا سيئا، طالما استخدمها الإنسان لمعرفة ما يريده حقا في الحياة، إذ يجب النظر لمن نشعر تجاههم بالغيرة، باعتبارهم نموذجا لما يمكننا، في يوم ما، أن نصل له في المستقبل.
ولكن ذلك لا يعني اعتقاد نيتشه بقدرة الإنسان على الوصول لأي هدف يريده، ولكن ما ينبغى على الإنسان فعله هو أن يتحمل ما بداخله من الحسد والغيرة، وأن ينظر إليهما كمؤشر لما يريده، وأن يبذل كل ما يستطيع للوصول لأهدافه، والتغلب في سبيل ذلك على كل الصعاب، وقتها فقط يكون النجاح أو الفشل بكرامة، وهذا هو ما يعني الوصول لكينونة “الإنسان الأرقى”.
2- الدين ينشر اخلاق العبيد
كانت لنيتشه آراء شديدة تجاه الدين، إذ قال أن الشخص الوحيد الجدير بالاحترام بين كل من تكلم عنهم الإنجيل، هو الحاكم الروماني بيلاطس.
وكما شرحنا سابقا فقد كره نيتشه إبعاد الناس للدين عن ما بداخلهم من الغيرة، كما نظر للقيم المسيحية باعتبارها “أخلاق العبيد” أو “أخلاق القطيع” التي نشأت في الإمبراطورية الرومانية لمساعدة الناس على الهروب من أهدافهم التي كانوا يحلمون بتحقيقها، وذلك بسبب عجزهم وضعفهم، الذين يحول بينهم وبين تحقيق ما يريدونه في الحياة.
ومن أجل ذلك اخترع “القطيع” عقيدة منافقة، تستنكر ما يريدونه وفشلوا في تحقيقه، وتمجد ما لم يرغبوا به ولكن انتهي بهم المآل إليه، وذلك عبر مفاهيم مشوهة كاذبة ومخادعة.
فقد تحول “عدم ممارسة الجنس” إلى “النقاء والعذرية”، وتحول “الضعف” إلى “طيبة”، وتحول “الخنوع للمكروهين” إلى “طاعة”، وكذلك “عدم القدرة على الأخذ بالثأر” سمي خطأ بأنه”تسامح”، أو “الصفح والعفو”.
ما جعل الدين من وجهة نظر نيتشه، هو نظام منافق لإنكار المرارة.
3- الخمر مع الدين أكبر مخدرات الحضارة
لنفس الأسباب التي من أجلها كره نيتشه الدين، كره الخمور، إذ رأى أن كليهما يشكل أكبر المخدرات في الحضارة الأوروبية، وأنهما يساعدان الإنسان على نسيان الآلام وتقبل الأشياء كما هي، دون بحث عن تغيير حياته للأفضل.
إذ يمكن لبعض الكؤوس من الخمر أن تحسن من شعور الإنسان، ما يجعله ينسى تماما صراعه للنجاح في الحياة، ولذلك لم يشرب نيتشه غير الماء، وفي بعض الأحيان “اللبن”.
ولقد كان “فريدريك نيتشه” يرى أن النجاح يستحيل أن يتم دون معاناة، وأن النجاح لا يجتمع مع الراحة، حيث رأى أن الحياة يجدر بها أن تكون مليئة بالمغامرات والمخاطر.
ولذلك يقول: “وماذا تعرفون أنتم عن السعادة، يا أيها المرتاحون”.
4- لقد مات الإله.. ونحن الذين قتلناه!
قد تكون أكثر عبارات نيتشه إثارة للجدل، هي مقولته الشهيرة “إن الله قد مات، ونحن من قتله”، والتي ينظر إليها الكثيرون باعتبارها عبارة احتفالية متكبرة.
لكن الحق أنها لم تكن كذلك، فرغم تحفظات نيتشه تجاه المسيحية، وقناعته بخطأ الاعتقادات والقناعات الدينية، فإنه لم ير أن “نهاية الإيمان” أمر إيجابي أو يستحق الاحتفال، إذا أن العقائد الدينية، وإن كانت “باطلة” فإنها كانت عونا للبعض في التعامل مع مشاكل ومعضلات الحياة.
وقد رأى نيتشه أن ما سيخلفه الدين من فراغ، يجب أن يملأ بالثقافة والفنون، رغم ما رأه في عصره من أزمة في العلوم الإنسانية لأن الجامعات والدراسات الأكاديمية قد حولتها لمواد جامدة منزوعة الروح، بدلا من استخدامها كدليل في الحياة.
وكان نيتشه معجبا باستخدام الإغريق للدراما والتراجيديا المسرحية كوسيلة للتعليم الأخلاقي ومعالجة المشاعر.
خاتمة
لقد اقتنع نيتشه أن لكل عصر تحديات ومصاعب تواجه الإنسان، ينبغى أن تقوم الفلسفة بالمساعدة على مواجهتها، وقد كانت فلسفته خير دليل على ذلك، فقد شهد عصره شيوع الديمقراطية والرأسمالية وإنذارهما بموجات من الحقد والغيرة، وكذلك انتشار الإلحاد الذي أنذر بفراغ روحي، وقد بذل نيتشه قصارى جهده لحل هذه المعضلات التي شهدها عصره.
أشهر أقواله
بعد أن دارت رحى الحديث حول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، لا بدَّ من المرور على بعض أقواله التي غدت حكمًا يتناقلها الناس فيما بينهم وما زالوا يرددونها بعد مرور أكثر من مئة عام على وفاته.
وفيما يأتي سيتم إدراج أهم أقوال نيتشه
ستكون الحياة خطيئة دون موسيقى.
الحب أعمى، إلا أن الصداقة تغلق عينيها.
إنَّ كل الحقائق المكتومة تتحول إلى سموم.
الأفكار هي ظل العواطف، فهي أكثر ظلمة وفراغًا وبساطة.
داخل كل رجل حقيقي يختبئ طفل يريد اللعب.
نحن نرقص في حريتنا وهم يرقصون في قيودهم.
لا توجد حقائق بل تفسيرات.
ما لا يدمرني يجعلني أقوى.
ما يجعل الزواج غير سعيد هو الافتقار إلى الصداقة وليس إلى الحب.
أن تحيا يعني أن تعاني، وبقاؤك حيَّا يعني أن تعثر على بعض المعاني في المعاناة.