عن صناعة الإبداع: أنت مخطئ.. لا علاقة لأصولهم بنجاحهم على الإطلاق!
بقلم محمد الأبرص/ أراجيك
1
البداية من كأس العالم الأخيرة التي فاز بها المنتخب الفرنسي بفريق يحوي عدداً كبيراً من اللاعبين من أصول إفريقية ورغم ذلك لايمكننا أن نقول أنَّ فرنسا فازت بكأس العالم عن طريق التجنيس لأنَّ فرنسا ببساطة لم تُجنٍّس لاعبين محترفين جاهزين بل هي التي صنعت هؤلاء اللاعبين فأغلبهم قد ولد وعاش في فرنسا وتدرِّب فيها، هؤلاء اللاعبون هاجروا وهم صغار أو هاجر آباؤهم إلى فرنسا بحثاً عن حياة أفضل وهناك وجدوا بيئة حاضنة للمواهب وتدربوا في المدارس الرياضية الفرنسية وانتسبوا لنُخبة الفرق الفرنسية والأوربية وفي النهاية فازوا بالكأس الأغلى تحت ألوان العلم الفرنسي.
المثال الشهير الذي نعرفه جميعاً هو اللاعب الفرنسي من أصول جزائرية زين الدين زيدان أحد أفضل لاعبي كرة القدم في التاريخ (يقول البعض أنَّه أفضلهم على الإطلاق) والذي ولد لأبوين (إسماعيل ومليكة) هاجرا من منطقة القبائل في الجزائر إلى أحد ضواحي مرسيليا وهناك كانت بداية قصة زيدان التي يعرف الجميع نهايته.
مثال شهير آخر نجده في جامايكا البلد الفقير ضعيف الإمكانيات ومع ذلك فقد هيمن رياضيوه على الساحة العالمية في ألعاب القوى بعد أن بدأت جامايكا نظاماً تدريبيَّاً طويل الأمد لرياضييها في الولايات المتحدة الأمريكية وهكذا ظهر أسافا باول وشيلي فريزر وفرونيكا براون وأخيراً أوسين بولت الذي حقَّق معجزة بكل ما للكلمة من معنى في سباق الـ 100 متر عندما قطعها خلال 9.58 ثانية متفوقاً على أبطال أمريكا أنفسهم.
السؤال المطروح هنا : هل كان زيدان وأوسين بولت سيصلان إلى قمة الإبداع الرياضي لو عاشا في الدول الإفريقية أو الدول النامية التي لا تتوَّفر فيها الإمكانيات الهائلة الموجودة في أوربا وأمريكا ؟؟؟ الجواب بالطبع لا.
أردت أن أبدأ من الشق الرياضي لاعتبار هام : الرياضة إلى حدٍّ ما تعتمد على القوة البدنية والموهبة الفطرية ومع ذلك فبدون التدريب والرعاية والاهتمام لا يمكن للموهبة بمفردها أن تُحقِّق شيئاً … إذا كان هذا حال الرياضة فما بالكم بالإنجازات الفكرية والعلمية !!!
بالانتقال للإبداع الفكري تُطالعنا في البداية مقولة العالم المصري الكبير أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء 1999 : “الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء ولكنهم يدعمون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل !!!” بمعنى آخر فالإنجازات العلمية والنجاح والفشل مرتبط بالظروف المحيطة والدعم بمختلف أشكاله أكثر من ارتباطه بالذكاء والملكات الفكرية، وهذا ما حصل بالفعل مع الدكتور أحمد زويل نفسه والذي استطاع – خلال عمله في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وهو المكان الذي تتوفَّر فيه إمكانيات هائلة جداً وفريق عمل على درجة عالية من الكفاءة وأجهزة بالغة الدقة والتطور – استطاع أن يخترع مجهره الشهير القادر على تصوير حركة الذرات وتفاعلها مع بعضها بزمن يُقدَّر بالفيمتو ثانية.
في مكان آخر (افتح في تبويب جديد): عذرًا د. زويل، لا يجب علينا أن ندعم الفاشل حتى ينجح.
مرَّةً أخرى نعود لنسأل : هل كان الدكتور المُبدع أحمد زويل ليفعل ما فعله لو بقي في مصر؟ ويُطرح السؤال عينه أيضاً عن البروفيسور المصري مجدي يعقوب أحد أبرز جراحي القلب في العالم منذ نصف قرن.
ستيف جوبز مالئ الدنيا وشاغل الناس عبقري التكنولوجيا ومؤسس شركة أبل والتي حقَّقت ضجة كبيرة عندما تجاوزت قيمتها قبل أشهر تريليون دولار لتكون بذلك أول شركة تتجاوز هذه القيمة في التاريخ البشري … تقريباً الجميع يعلم هذا عن ستيف جوبز ، والبعض يعلم أيضاً أنَّه ابن عبد الفتاح الجندلي وهو مهاجر سوري من مدينة حمص ولكنَّ ستيف عاش كطفل بالتبني عند عائلة آل جوبز ودرس في أرقى المدارس والجامعات الأمريكية وهذا ما أهَّله لاحقاً لقيادة ثورة الكمبيوتر والهواتف الذكية في أمريكا والعالم.
لو أردنا استعراض العلماء والأدباء والمبدعين والسياسيين ورجال الأعمال الذين هاجروا من دول العالم الثالث إلى أمريكا تحديداً أو ولدوا لآباء مهاجرين إليها فالقائمة ستكون طويلة جداً ولن يكون أولها العبقري الكرواتي نيكولا تسلا ولكن يكون آخرها رئيس أمريكا الرابع والأربعين باراك أوباما سليل قبيلة اللوو الكينيَّة.
لو تتبعنا أهم الإنجازات والاختراعات العلمية عبر التاريخ سنصل للنتيجة نفسها كان التفوق العلمي يظهر في الحضارات المتقدمة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً وفق خط السير التاريخي الذي نعرفه جميعاً : مصر وسومر، اليونان، روما وفارس، الحضارة العربية الإسلامية ، أوربا … خلال هذا الاستعراض التاريخي سنلاحظ أنَّ العلماء والفلاسفة والمخترعين كانوا تقريباً يظهرون ضمن إطار تاريخي وجغرافي وحضاري واحد فمثلاً في الفترة التي ظهرت فيها المدرسة الفلسفية الإغريقية وقادت الفكر العالمي من خلال (سقراط ، أفلاطون ، أرسطو) لم يظهر تقريباً أي فيلسوف أو عالم عربي مكافئ أو حتى قريب منهم ، وخلال الثورة العلمية التي اشتعلت اشتعالاً في أوربا وقلبت العالم رأساً على عقب لم تظهر أي إنجازات علمية وفكرية هامة في الشرق الأوسط وآسيا ونفس الكلام يُقال عن الفترة الذهبية للحضارة العربية الإسلامية والتي كانت في أوربا بشكل مناقض تماماً هي العصور المظلمة Dark Age !!!
إذاً ما هي الخلاصة التي قد نستطيع تكوينها من كل ماسبق ؟؟؟
الإبداع بكل أنواعه : الرياضي الفكري الأدبي العلمي التكنولوجي … يحتاج إلى دعم وبيئة محيطة تتوفَّر فيها الإمكانيات التي ترعى هذا الإبداع وتنمِّيه … إن جاز التعبير فالإبداع صناعة أكثر من كونه موهبة وفطرة.
مايهمنا كدول وشعوب عربية من كل هذا أنَّنا إذا أردنا أن نحاول اللحاق بالقطار الذي فاتنا منذ زمن بعيد وأن نجاري – ولو جزئيَّاً – التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم فعلينا أن نصنع الإبداع والنجاح ، علينا أن نُعوِّل على المؤسسات لا على الأشخاص ، علينا أن نبني ونطور الجامعات ومراكز الأبحاث وفي النهاية هذه المؤسسات والجامعات ومراكز الأبحاث هي التي ستصنع لنا – ولو بعد حين – المبدعين الذين سيقودون الأمة نحو التقدم !!!———–
ما اسباب تخلفنا تقنيا؟
لهذه الأسباب العرب مُتخلفون تقنياً ! – دراسة عماد أبو الفتوح،2013/03/26 – أراجيك
2
لابد أن جاء عليك الوقت الذي سألت نفسك هذا السؤال : لماذا نعيش فى بحر من التخلف والرجعية ، فى الوقت الذي يعيش العالم كله – ليس الاوروبيين والامريكيين فقط – فى مُستويات مميزة من التقدم التقني والعلمي ؟! ..
هل هُناك سر فعلاً ؟ .. هل نحن مُتخلفون بالفطرة ، أو أننا مكتوب علينا أن نولد ونعيش ونموت فى ظل حياة مليئة بالمُشكلات الإقتصادية والاجتماعية والطائفية .. ونكتفي فقط بمُشاهدة العالم من حولنا يعيش أزهى عصوره التقدمية العلمية والتكنولوجية ؟! ..
حتى الدول الذي صدّعوا رؤوسنا بإطلاق مُسميات سخيفة عليها ، مثل ( الدول النامية ) أو ( العالم ثالث ) أو ( الدول التى تُعاني من مشاكل اقتصادية ) أو غيرها من المُسميات .. تُحقق نمواً علمياً وتقنياً يُمكن وصفه بالجيد جداً بشكل عام .. والممتاز فى بعض الحالات الخاصة ، مثل الصين والهند وماليزيا والبرازيل وجنوب افريقيا غيرها..
لو كانت هذه الدول نامية أو تُعاني من مشاكل اقتصادية أو ( عالم ثالث ) وفقاً للتصنيف الغربي المُتعجرف لكل ماهو ( غير أبيض ) .. فهذا التصنيف فى الواقع يجعل من بلادنا العربية : دول خارج الخريطة الإنسانية بالمعنى الحرفي للكلمة .. أو ربما وصف دول نائمة – ليست نامية – يفي بالغرض !
أزعم أنه لو بُعث كل الفلاسفة والعُلماء القُدماء من قبورهم ، وانضموا لكل الباحثين والفلاسفة المُعاصرين فى مُحاولة للوصول إلى حل اللغز الكوني ( لماذا العرب مُتخلفون تقنياً ؟! ) لما استطاعوا الوصول إلى إجابة واضحة مُريحة .. لماذا تتخلف أمة تعوم على بحار من النفط والأيدي العاملة والموارد الطبيعية والعقول المُفكرة ، فى الوقت الذي تتقدم فيه أمم معدومة الموارد الطبيعية والبشرية أصلاً ؟!
لذلك ، لا تتوقع منى أن أذكر لك كل الأسباب التى قادت إلى بحر التخلف التقني الهائل الذي نعيش فيه .. فقط يُمكنني أن أوضّح بعض الأسباب ( المؤسساتية ) التى قادتنا إلى مانحن فيه الآن .. وأترك لكم مُهمة الإضافة عليها من خلال التعليقات ، حتى نصل إلى رؤية واضحة وشاملة لأبعاد هذه المأساة !
السبب الأول : شيخوخة المسؤولين !
لو كانت ( أليس ) الحسناء قادها حظها إلى بلاد العجائب ، فنحن ( الشباب العربي ) قادنا حظنا العاثر أن نعيش فى بلاد العجائز .. شيخوخة تزكم الانوف فى كل شيئ : الفكر – التخطيط – التنفيذ – المُتابعة – التأسيس .. كل شيئ ..
ابتُلينا بمؤسسات رسمية وخاصة تعبد نظام ( الأقدمية ) فى كل شيئ ، الذي تُمثله الكلمة الأبدية الممطوطة الغير مفهومة من طرفهم ومن طرفنا أيضاً : الخبرة ..
فى نظام العمل المؤسسي العربي ، يظل الإنسان العربي يُعامل على أنه طفل غير كامل الأهلية والخبرة لتقّلد وظائف قيادية إلى أن يبلغ السبعين من عُمره .. فقط بدءاً من هذا العُمر يُمكنه أن يتقلّد منصباً وظيفياً مرموقاً ، يستطيع من خلاله يدفع التطوير والتغيير على ارض الواقع .. هذا طبعاً إذا وجد الوقت الكافي لعمل أي شيئ آخر غير تناول الأدوية والمُتابعة الطبية لصحته..
هذا مفهوم ( أو يُمكن تجاوزه ) فى المؤسسات السياسية او الإقتصادية أو الاجتماعية أو اي شيئ آخر .. ولكن أن تكون المؤسسات العربية التقنية – التى تُعاني من مشاكل الإدارة والنُدرة أصلاً – رؤساءها من هذه النوعية من الأعمار ، ويكون مطلوباً منهم دفع عجلة التقنية والعلوم فى البلاد .. فهذا يُعتبر نوع من المُزاح الثقيل السمج ، الذي يُمكن تصنيفه – من وجهة نظري الشخصية – بأنه ( فساد ) مقصود فى مثل هذه المؤسسات يجب مُحاكمته ، باعتبار انه يُصادر أحلام وقُدرات وتطلعات شباب هذا الجيل المهووس بالتقنية بكل أنواعها..
هل تفهم الأجيال السابقة – مع كل الاحترام لمكانتهم وأعمارهم – مدى التقنية الذي نعيشها اليوم ، ومدى اندفاع الشباب الفطري لكل ماهو جديد وحديث ومُتطور ، وعزوفه وملله السريع من كل ماهو قديم تقليدي نمطى ؟!..
هذا السبب هو الأهم والاكثر تأثيراً على الإطلاق ، وتُعتبر كل الأسباب التالية هي مُجرد نتائج له .. السمكة تفسد من رأسها كما تعلمون .. ورأس السمكة مُغطى بالشيب والتجاعيد أكثر من اللازم !
السبب الثاني : توجيه ( عبثي ) لرؤوس الأموال
فى الوقت الذي نعيش فيه – كعرب – على بحار من الاموال والموارد الطبيعية والطاقات البشرية ، تكفي أي منطقة فى العالم لكي تتحول إلى دولة عُظمى فى ظرف عشر سنوات على الأكثر .. تجد دائماً توجهات شديدة الغرابة فى وضع رؤوس الأموال فى مشروعات أغلبها ذات توجهات إقتصادية / تجارية صرفة ..
أغلب رجال الأعمال لدينا عندهم تصوّر عجيب أن الإقتصاد القوى القائم بشكل أساسي على التبادل التُجاري هو الذي يقود إلى الرفاهية التقنية .. والواقع أن العكس هو الصحيح : الطفرة التقنية هي التى تقود كل دول العالم إلى الإقتصاديات القوية ..
لماذا لا تُوجد سيّارة عربية التصنيع 100 % حتى الآن تُنافس السيارات الأوروبية والأمريكية واليابانية ؟! .. هل تنقصنا موارد التمويل أو المهارات الفنية ؟.. لماذا لا يوجد هاتف ذكي عربي حتى الآن ؟! .. هل من الصعب جداً فعلاً تصنيع هاتف ذكي ( جديد ) بفكر عربي غير قائم على التقليد أو التجميع ؟! .. الكونغو ياسادة قامت بتصنيع هاتف ذكي بشكل كامل مؤخراً !
لماذا لا يستثمر العرب أموالهم فى صناعة الطائرات ؟ .. المُحركات ؟ .. الأجهزة الذكية ؟ .. البرمجيات ؟! .. لماذا لا تستثمرون حتى فى صناعة ألعاب الاطفال التى نستوردها من الصين يامؤمنين !
تدشين المؤسسات التقنية وتحديثها ، وربطها بكل المجالات العلمية ، وصرف الأموال الطائلة عليها ، وجذب القُدرات والعقول .. هو الطريق الأقصر والأسهل والأكثر ضماناً لطفرات اقتصادية ضخمة وانتعاشات اجتماعية كبيرة .. هذا مافعلته كوريا الجنوبية .. وماقامت به الهند .. وما سارت عليه الصين .. وما طبّقته ماليزيا والبرازيل وجنوب افريقيا .. ومن قبلهم جميعاً : الأمريكيين والاوروبيين..
كل هذه الدول تحقق النجاح من خلال هذا الأسلوب ، وبلادنا مُصممة على رفع شعارات الإهتمام بالإقتصاد أولاً .. وقد نجحنا فى تطوير الإقتصاد بشكل باهر فعلاً كما تعلمون ، بدليل أننا اكثر بلاد العالم فى الموارد الطبيعية والبشرية ، ولدينا – فى نفس الوقت – نسب هائلة من الفقر والبطالة وغياب الخدمات الأساسية !
السبب الثالث : إعلام ضائع !
إعلامنا المرئي ( وربما المسموع والمقروء كذلك ) ينقسم إلى ثلاثة أقسام غالباً : قنوات أغاني وأفلام – قنوات دينية – قنوات منوّعات..
عندما يجد شاب عربي مُبتكر نفسه أمام 1541548569 قناة أغاني وأفلام ، كل قناة تقوم بإذاعة نفس الأغاني والأفلام التى تُذيعها القنوات الأخرى .. ثم يجد نفسه أمام مليون قناة دينية تقول نفس ماتقوله القنوات الاخرى .. ثم قنوات المُنوّعات التى تستعرض نفس الموضوعات التى تستعرضها كل القنوات الأخرى ..
ولا تجد وسط كل هذا العدد الهائل من القنوات والوسائل الإعلامية ، سوى بضع قنوات ( لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة ) علمية أو تقنية أو تستعرض مواداً وثائقية تبث موضوعاتها بشكل رصين وهادف وجدّي يجتذب الشباب ، ويُحبب إليهم معاني الإبتكار والإبداع واستخدام التقنية ( وإنتاجها ) .. هذا إذا وجدتها أصلاً ..
فلا تُحدثوننا بعدها عن ( خطط التطوير التكنولوجي ) فى العالم العربي من فضلكم .. استمروا فى التوسع فى إنشاء قنوات الرقص والمنوعات والمسلسلات واللقاءات الحوارية السخيفة التى لا تُسمن ولا تُغنى من جوع .. ولكن لا تتهموا الشباب العربي بانه شباب مُتخلف رجعي متطرف غير مُبدع !
ملحوظة : القنوات التي تُقدم مواد إعلامية هادفة لأمور تقنية وعلمية ووثائقية فى العالم العربي ، فى أغلبها قنوات أجنبية تم تعريبها ، أو تستقي المواد الأجنبية وتترجمها للعربية .. لا يوجد قنوات علمية أو تقنية عربية 100 % على حد علمي ! .. لو كنت تعرف واحدة ، من فضلك أخبرنا بإسمها فى التعليقات !********************
اقرأ أيضاً: 25 مثال لإعلانات إبداعية وذكية من حول العالم
السبب الرابع : تعليم مُتواري
“إنطلاق فعاليات المؤتمر رقم ( كذا ) السنوى الذي يُناقش آفاق التطوير فى المنظومة التعليمية العربية “
أنا مُتأكد أنك قد قرأت هذا العنوان منذ أن أتيت إلى الدنيا .. وستظل تقرأه أيضاً إلى أن ترحل منها بعد عُمر طويل إن شاء الله .. الكثير جداً من الدراسات الجادة والمُحترمة تُقدم حلولاً جذرية لمشاكل التعليم ، وترسم طرقاً للخروج من هذا الواقع ونبدأ مشوار الألف ميل بخطوة .. ولكن هذه الخطوة اللعينة لا تأتي إطلاقاً للأسف .. على الرغم من أن هذه المؤتمرات والدراسات والبحوث تُعقد فى بلادنا منذ نشأة الكون نفسه ..
ومع ذلك .. لم تأت بعد فُرصة التطبيق ؛ لأن لدينا الكثير من المشاكل الإقتصادية كما تعلمون 😐
خطط تطوير التعليم العربي الفعّالة تظل حبراً على ورق شكلاً وموضوعاً .. اللهم إلا إذا كان لدينا دولة أو دولتين قامت بإدخال ( الآيباد ) إلى المدارس والجامعات الحكومية والخاصة ، بهدف أن نظهر أمام العالم بأننا قوم مُتحضرين فعلاً ، وأن أبناءنا يستخدمون الاجهزة اللوحية كما يفعل أبناء السادة فى مانهاتن ولندن ..
ولكن ربط التعليم بالصناعة والبحث والإبتكار ؟ .. تطوير المُحتوى التعليمي المدرسي والجامعي نفسه لكي يتماشى مع العصر ؟ .. لا جديد على الإطلاق .. نفس مُحتوى الكُتب التعليمية والمصادر الجامعية منذ خمسينات القرن الماضي ، ولكن بأوراق مُلوّنة .. فى الوقت الذي يُنفق فيه الغرب والشرق مليارات مُمليرة لتطوير التعليم وربطه بالصناعة والبحوث والتقنية ..
ربما يكون الامر الوحيد الذي يتطور فى منظومة التعليم العربية ، هو تجديد الرسومات والكتابات على جدران المدارس ، التى تحض التلاميذ على ممارسة الرياضة وغسل اليدين قبل الأكل وبعده .. وربما تطوير أبنية الجامعات ودهانها باللون الأبيض .. هذه إنجازات يجب أن تُذكر ..
ملحوظة : لا جامعات عربية إطلاقاً فى قائمة أفضل 100 جامعة حول العالم ، منذ أن بدأ تصنيف الجامعات أصلاً فى العصر الحديث .. على الرغم من أن أول 3 جامعات نظامية فى التاريخ كانت جامعات عربية ، ومازالت مُستمرة حتى الآن..
السبب الخامس : واقع غير مؤسسي ..
العجيب أنه ، وعلى الرغم من غياب كل الوسائل التى تدفع أي تطور تقني فى بلادنا .. إلا أننا نُفاجأ دائماً بهذا المصري الذي ابتكر ابتكاراً غير مسبوق .. أو ذلك الشاب المغربي الذي استطاع التوصل إلى برمجة مُعينة .. او تلك الشابة الأردنية التى قامت بإكتشاف علمي أو طبي عجز عنه أعظم الأستاذة والخبراء فى الغرب .. إلخ ..
الإبداع موجود بالفطرة فى هذه البلاد ، وهذا مبدأ أنا أؤمن به بشدة .. إلا أن غياب المؤسسات التى تحتضن هذا الإبداع ، وتقوم بمُتابعته وتسويقه وتطويره يؤدي إلى النتيجتين المأساويتين :
إما هجرة هذه العقول إلى دول بها مؤسسات تحترم الإبداع وترعاه .. أو أن تظل هذه العقول فى بلادنا ، وتنطفئ إبداعاتها وقدراتها تدريجياً ، حتى تنضم إلى ملايين العقول النمطية السائدة فى هذه المُجتمعات .. وتُشارك فى تخلفها وتراجعها بشكل أكبر !
المُفترض لأمة ضخمة تعدادها يقترب من الـ 400 مليون نسمة ، أن يكون فى رأس كل شارع أو حي سكني .. مؤسسة صغيرة ترعى مُبتكريها ومُخترعيها ، وتدفع بهم إلى المؤسسات الكُبرى التى تُموّل اختراعاتهم واكتشافاتهم ..
هل وجود هذه المؤسسات أمر صعب فعلاً ؟!
أرقام وإحصائيات مُبشرة بالخير !
المحتوى العربي على شبكة الإنترنت ، والذي يُعتبر مؤشراً للتعامل مع الادوات التقنية الأساسية فى عصرنا هذا ( الانترنت – الحواسيب – الاجهزة اللوحية – الهواتف الذكية – إلخ ) هو 3 % من المُحتوى العالمي .. على الرغم من أن اللغة العربية هي اللغة رقم ( 5 ) من حيث الاستخدام فى العالم الرقمي .. إقرأ تقريراً تفصيلياً عن حال المحتوى العربي على شبكة الانترنت :
المُحتوى العربي على شبكة الإنترنت .. واقع يدعو إلى الرثاء !
ويكفي من تقرير اليونيسكو للعلوم الصادر للعام 2010 بعض القطرات :
الإنفاق العربي على البحث العلمي يتراوح مابين 0,1 % إلى 1 % من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لتقرير اليونيسكو للعلوم الصادر فى العام 2010 ..
الإنفاق المحلي لكيان الإحتلال الاسرائيلي فى البحث والتطوير العلمي للعام 2006 يتراوح مابين 4,6 % إلى 4,8 % ..
فى العام 2006 ( كمثال ) ، لم تنتج الدول العربية إلا 0,1 % من العدد الإجمالي لبراءات الاختراع المسجلة عالمياً ..
الدول العربية لاتخرج سوى 373 باحثاً لكل مليون نسمة، علماً بأن العدد المتوسط على المستوى العالمي يبلغ 1081 باحثاً لكل مليون نسمة..
عالم واحد فقط من أصل أفضل 100 عالِم من حيث عدد المُساهمات العلمية على المستوى العالمي ينتمي إلى المنطقة العربية..
المنطقة لم تخرج سوى شخص واحد حائز على جائزة نوبل في مجال العلوم هو العالِم المصري الأصل الأمريكي الجنسية أحمد زويل الذي نال جائزة نوبل للكيمياء عام 1999
في مجال الاختراعات فإن البراءات المسجلة عالمياً في أكبر دول عربية من حيث تعداد السكان ( مصر ) لم تزد عن (77) براءة اختراع خلال الفترة 1980- 2000 م ، في حين بلغت في كوريا (16328) اختراعاً للفترة ذاتها.. كما ورد فى تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية العربية الصادر فى العام 2002 / 2003 ..
أعتقد أن هذه الأرقام والحقائق تُعطيك مؤشراً عاماً على الواقع الذي نعيشه بشكل كاف جداً .. لا حاجة للمزيد من الأرقام المؤلمة إذن ! 😐
لا أريد أن أكون مُتشائماً ، ولكن الواقع والأرقام والمُعاناة الذي يعيشها الوطن العربي أصبح لا يُطاق ، ولا يُنذر إلا بكارثة حقيقية أخرى فى المستقبل القريب والبعيد .. إذا استثنينا الوقت الحاضر ، بإعتبار أنه ملئ أصلاً بالكوارث السوداء التى لا يُمكن أن يأتى أسوأ منها فى تصوّري الشخصي..
إذا لم تقم بلادنا ( الثورية والغير ثورية ) بوضع التقنية والعلوم فى قمة اولوياتها ، فسنتحوّل بالفعل إلى أمة من ( القرود ) – على حد تعبير المفكر الراحل مُصطفى محمود – ، فى عالم لم يعد يتقبل الامم ( العالات ) على غيرها..
اترك تعليقك ولا تمرّ مرور الكرام .. تصوّرك عن الأسباب الأخرى التى ترى انها ساهمت فى جعلنا مُتخلفين تقنياً وعلمياً إلى هذه الدرجة ، والتى أرجو بشدّة ألا يكون من ضمنها الفكر التآمرى المُعتاد ؛ أن الغرب والشرق يتآمرون علينا وأنهم السبب فى هذا التخلف !
والسؤال الأهم : هل لديك تصوّر / رؤية / تجربة منهجية مُعينة ، ترى أنها من المُمكن أن تُخرجنا من هذا الواقع المأساوي الذي نعيشه ؟!