لماذا يَحمِل الرئيس ماكرون كُل هذه الكراهية للإسلام والمُسلمين؟ وإذا كان الإسلام في أزمةٍ فمَن الذي أوصله إليها؟ ومن الذي عزَل الجاليات الإسلاميّة في “غيتوهات” في أطراف باريس والمُدن الأُخرى؟
مُنذ أنْ جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه، وشُغله الشّاغل دائمًا هو التّطاول على الدين الإسلامي بطريقةٍ استفزازيّةٍ غير مسبوقة، فبعد استخدامه توصيف “الإرهاب الإسلامي” أكثر من مرّةٍ ها هو اليوم ينحَت توصيفًا أكثر تحريضًا عندما قال يوم أمس الجمعة “إنّ الإسلام في العالم يعيش أزمة” في فرنسا، وكشف عن خطّة عمل يجري وضعها لمُواجهتها بصرامةٍ.
ماكرون الذي تعاطى مع لبنان كوصيّ ومندوب سام، وما زال يَحِن لحقبة الاستعمار الفرنسي في تونس والجزائر، يدّعي أنّه يُفرّق بين الإسلام المُعتدل، والإسلام المتطرّف، ولكنّه في واقع الأمر يُعادي الاثنين، ويتبنّى سِياسة “تصنيع الخوف” والاستِثمار الانتخابي في “الإسلاموفوبيا” المُنتشرة حاليًّا في أوروبا والعالم الغربي عُمومًا، لأسبابٍ انتخابيّةٍ صِرفَةٍ بعد تراجع أسهمه مُقابل اليمين واليمين المُتطرّف اللّذين تتصاعد حُظوظهما وشعبيّتهما في أوساط الرأي العام الفرنسي هذه الأيّام.
هذا التّصعيد للكراهية ضدّ الإسلام والمُسلمين الذي يقوده ماكرون شخصيًّا يأتي تمهيدًا لتمرير قوانين وإجراءات ذات طابع عُنصري ضدّ الجِيلَين المُسلِمَين الثّالث الرّابع في فرنسا بعد الاعتِراف بفشل ما يُسمّى بالخطوات الإصلاحيّة لدمجهما في المُجتمع الفرنسي، مُضافًا إلى ذلك أن ماكرون يُحاول يائسًا استِعادة ما فقده من شعبيّةٍ أمام اليمين المُتطرّف، استِعدادًا للانتخابات الرئاسيّة عام 2022.
الإسلام ليس في أزمةٍ، وإنّما ماكرون نفسه هو المأزوم، وكذلك الدّول التي تتواجد فيها الجاليات الإسلاميّة المُهاجرة، ولأسبابٍ ذاتيّةٍ صِرفَةٍ، بعضها طابعه اقتصاديّ، وليس لها علاقة مُباشرة أو غير مُباشرة بهذه الجاليات المُسلمة، وإن وُجِدَت هذه العُلاقة فهي ضعيفة وثانويّة.
ففي الوقت الذي تصحو فيه الولايات المتحدة، زعيمة العالم الغربي إلى مخاطر العُنصريّة المُتفاقمة فيها ضدّ السّود بعد مقتل جورج فلويد خنقًا بطريقةٍ بَشِعَةٍ تحت ركبة أحد رجال الشّرطة الأمريكيين، يعمل الرئيس الفرنسي على تصعيد الكراهية ضدّ أكثر من ستّة ملايين من مُواطنيه المُسلمين، في تحريضٍ سافرٍ للجماعات العُنصريّة ضدّهم.
الإسلام المأزوم هو الإسلام الأمريكي الذي مَوّلت تطرّفه وكالة المُخابرات الأمريكيّة “سي آي إيه” وزميلاتها في أوروبا، وأرسلته إلى العالم الإسلامي للقتل والتّدمير وتفكيك الدّول، وبَذر بُذور الطائفيّة في مُجتمعاتها، فهذا “الإسلام المُتطرّف” و”المُزوّر” في مُعظم الحالات، كان الحليف الأكبر للدول الاستعماريّة الغربيّة، ماضِيًا وحاضِرًا، وربّما مُستَقبلًا أيضًا، والأمثلة كثيرةٌ لا تَكفِي هذه المِساحة لحَصرِها.
الحُكومات الفرنسيّة المُتعاقبة هي التي شجّعت سِياسات العزل للمُهاجرين المُسلمين عندما فرضت عليهم الإقامة في معازلٍ و”غيتوهات” سكنيّة خاصّة على أطراف العاصمة، حسب الجنسيّة، وعزلتهم كُلِّيًّا عن نُظرائهم الفرنسيين حتى كأنّهم “وباء” وظلّت تتعاطى معهم كمُواطنين من الدّرجةِ العاشرة بسبب لونهم وعقيدتهم، والآن تتّهمهم بعدم الاندِماج في المُجتمع الفرنسي.
سياسات العزل العُنصريّة هذه في السّكن والمدارس والمُستشفيات، لم تَكُن موجودةً في مُعظم الدول الأوروبيّة، فقد وعت البريطانيّة الجار لفرنسا لخُطورة سِياسات العزل هذه، وأقامت مساكن للفُقراء في أوساط الأحياء الراقية حتى لا يشعروا بالدونيّة والتّمييز، وحاربت الحُكومات البريطانيّة المُتعاقبة كُلّ أشكال العُنصريّة في المدارس والملاعب الرياضيّة، ليس حِرصًا على مشاعر المُهاجرين، وإنّما أيضًا للحِفاظ على أمن واستِقرار المجتمع، وتعزيز كُل أشكال التّعايش، ونسوق هذا المثال ليس لنُبرّئ السّلطات البريطانيّة من بعض المُمارسات العنصريّة، وإنّما لنُبيّن خطأ نظيرتها الفرنسيّة.
إدمان ماكرون على “شيطنة” الإسلام والمُسلمين وشنّ الهجمات عليهما بين الحِين والآخر يُشكّل خطرًا على أمن فرنسا واستِقرارها، وتعزيز “الإسلاموفوبيا”، والجماعات العُنصريّة وأجنداتها الدمويّة في نَشر الكراهية والأحقاد ضدّ المُسلمين، ولذلك لا بُدّ من علاجٍ سريعٍ لهذا الإدمان لتَقليصِ مخاطره.
العناصر الإسلاميّة المُتطرّفة التي لجأت إلى العُنف وأقدمت على أعمال قتل إرهابيّة في فرنسا مِثل المجموعة التي هاجَمت مجلة “شارلي إبدو” الفرنسيّة السّاخرة عام 2015، لكنّ هذا الهُجوم الدّموي غير المُبرّر والمُدان، جاء نتيجة استفزازٍ مُتعمّدٍ تمثّل في نَشرِها رُسومًا ساخِرةً تتطاول على الرّسول محمد “صلى الله عليه وسلم”، وعادت المجلّة نشر الرّسوم نفسها بطريقةٍ استفزازيّةٍ قبل ثلاثة أسابيع، والذّريعة حُريّة الإساءة وليس حُريّة التّعبير.
إذا كان الإسلام في أزمةٍ، فإنّ أبرز أسبابها هو التدخّلات الغربيّة ذات الطّابع الاستِعماري في شُؤون الدّول الإسلاميّة، فمَن الذي يَقِف خلف الإرهاب الإسرائيلي، ومن الذي زوّد “إسرائيل” بالأسرار والمواد التي مكّنتها من إنتاج أسلحة نوويّة، ومن الذي احتلّ العِراق وقتل مِليونين من أبنائه، ومَوّل وسَلّح الجماعات المُتطرّفة في سورية، وحوّل ليبيا إلى دولةٍ فاشلةٍ، وشرّد نِصف شعبها، وفتح الباب على مِصراعيه لنَهبِ مِئات المِليارات مِن ثرواتها وأرصِدَتها؟
نترك الإجابة للرئيس ماكرون وإنّ كُنّا لا ننتظرها ولا نتوقّعها.
“رأي اليوم”
وقال أحد المعلقين معترضا: بل يعاني الإسلام من أزمات لا مثيل لها: أزمة نفاق المسلمين جهارا نهارا، وأزمة تقديس ما يقوله الشيوخ والفقهاء بلا تفكير، وأزمة توجس من المرأة والجسد والحواس والعقل والفن والأقليات والآخر، وأزمة خوف وسواسي من فقدان الدين والفحولة، وأزمة الفتن الدائمة والنائمة، من فتن التاريخ إلى فتنة القبر والدجال…منقووووووول وصح مية بالمية