لم يسبق لمثل هذا العمل أي قراءة آرامية سريانية للقرآن، أن صَدَرَ في تاريخ تفسير القرآن كلِّه؛ إذ لا يمكن أن نجد أعمالاً كهذه إلا في سياق الدراسات العلمية النقدية لنصوص الكتاب المقدس. لكن لوكسنبرغ، عبر منهجية هذا العمل على لغة القرآن واستنتاجاته، حرَّر الباحثين من الموروث الإشكالي للمفسِّرين الإسلاميين. وسواء كان مصيبًا أم غير مصيب في كلِّ ما أورد من تفاصيل، إلا أنه، عبر كتاب واحد، وضع التفسير الاختصاصي للقرآن أمام ذلك “المنعطف الحرج” الذي اتَّخذه مفسِّرو الكتاب المقدس قبل ما يزيد عن قرن.
Firas Yaghi Writer & political analyst – Blogger at Amin Network Media تاريخ النشر 11 نوفمبر، 2016
لقد بيَّن هذا العمل لمفسِّري القرآن قاطبة سلطانَ المنهج العلمي للفقه اللغوي وقيمته في تقديم نصٍّ أوضح للقرآن؛ الأمر الذي سيجبر الباحثين المرموقين، من الآن فصاعدًا، على التشكيك، من منظور فقهي لغوي، في افتراض التعويل على التراث النقلي الإسلامي في معظمه، وكأنه معصوم عن الخطأ البشري الذي يتخلل نقل أية وثيقة مدوَّنة. فإذا جاز لنا أن نعتبر دراسات الكتاب المقدس مؤشرًا فإن هذا العمل قد حدَّد نوعًا ما مستقبل الدراسات القرآنية.**
[2] يقدم الكتاب أطروحةَ ومراجعَ المنهجَ والأمثلة على تطبيقه في ثمانية عشر بابًا. وتغطي الأبواب، من أولها إلى عاشرها، خلفية ومنهج وتطبيق ذلك المنهج على فكِّ الاستغلاق الذي يطوِّق أصل كلمة قرآن ومعناها، تلك الكلمة التي يرى فيها لوكسنبرغ مفتاحًا لفهم النصِّ ككل. أما الأبواب من الحادي عشر إلى الثامن عشر فهي تستخلص من النتائج المتحصَّل عليها في النصف الأول لتناقش حلولاً ممكنة لعدة عبارات إشكالية وَرَدَتْ في النص.وهذه تتضمن مشكلات مفرداتية ونحوية وتركيبية تمثِّل للمبادئ الأساسية المبطِّنة للأغلاط العديدة الناجمة عن نقل القرآن (الأبواب من 11 إلى 14)، كما وتوسيع هذا المنهج للفحص عن المشكلات المولِّدة لسوء فهم متكرِّر للمواد المطروحة في النص (البابان 15 و16). ثم يطبق لوكسنبرغ استنتاجاته في تأويل سورتي الكوثر والعلق. ويتضمن الباب الثامن عشر موجزًا للعمل ككل. [3] يستهدف لوكسنبرغ توفير مختارات من النتائج المستخلَصة من تحرياته الجارية في لغة القرآن بحيث يمكن البدء بنقاش أولي حول مناهج لسانيات النص وحول ما يترتب عن تلك النتائج على مضمون القرآن، دونما الحاجة إلى الانتظار حتى انتهاء العمل بمجمله. فهذا العمل مجرد مسودة مؤقتة، بُسِطَت بالاستدلال ودُعِّمت بأدلة وفيرة.
فلوكسنبرغ يدرك جيدًا أن العديد من أسانيد عمل فقهي لغوي متماسك مازال ناقصًا؛ وقد وعد بتقديمها في دراسته النهائية.
وفي حين لم تعد الرَّها كيانًا سياسيًّا صارت لغتُها، وعاء المسيحية والثقافة، منتشرة عبر آسيا لتصل حتى أقاصي مالابار وشرق الصين. وهكذا ظلت السريانية، حتى بزوغ القرآن، هي وسيط التواصل الأوسع ونشر الثقافة عند الآراميين والعرب، والفرس بدرجة أقل. وهي التي أبدعت النتاج الأدبي الأغنى في الشرق الأدنى، بدءًا من القرن الرابع (أفرهاط وأفرام) حتى تم استبدال العربية بها في القرنين السابع والثامن. ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن الأدب السرياني–الآرامي، بما هو الرحم الثقافية التي وجدت فيها هذه الثقافة، يكاد يكون مسيحيًّا حصرًا. ويُظهِر جزء من دراسة لوكسنبرغ أن التأثير السرياني على أولئك الذين أوجدوا العربية المكتوبة كان ينتقل عبر وسط مسيحي وأن تأثير هذا الوسط كان حاسمًا.
[5] ثم يقدم لوكسنبرغ اشتقاقًا لكلمة “سرياني”، آتيًا على ورودها بارزة في مظانِّ الأحاديث الشريفة الأولى التي تذكر أن محمدًا كان يحضُّ صحابته على تعلُّم السريانية (والعبرية أيضًا). والأمر لا يمكن أن يكون غير ذلك لأن تلك الآداب كانت السوابق الأدبية للعربية المكتوبة. وقد وضع لوكسنبرغ دراسته لاختبار صحة الفرضية التالية: بما أن السريانية المكتوبة كانت لغة العرب المكتوبة، وبما أنها كانت تشكل الوعاء الثقافي للشرق الأدنى، مثلها كمثل الآكادية التي سبقتْها أو العربية التي تلتْها، فإن من الأرجح جدًّا أن تكون السريانية قد تركت بعض الأثر على الذين طوَّروا العربية المكتوبة. ويمضي لوكسنبرغ مفترِضًا أن هؤلاء العرب كانوا متنصِّرين ومشاركين في الليتورجيا المسيحية. [6] تنبَّه الدارسون الغربيون، منذ القرن التاسع عشر، إلى تأثير اللغات الأجنبية، ولاسيما اللهجة الآرامية المسماة بالسريانية، على مفردات القرآن. وقد جمع لوكسنبرغ كل ما يمت إلى هذا المنحى من البحث، وصولاً إلى فحص منهجي عن عربية القرآن بغية تأمين حلٍّ شامل لصعوباته النصِّية العديدة. وقد استندتْ النتائج التي استخلصها حول أصل القرآن، وقصة انتقاله من محمد إلى عثمان، والثيمات المضمَّنة فيه، إلى حجج مشتقة من أدلة جُمِعَتْ وفُحِصَ عنها من خلال أدوات مناهج الاشتقاق والقراءة النقدية للنصوص.فلا يستند أيُّ جزء من هذه المنهج على القبول الأعمى للافتراضات الدينية والموروثة، أيًّا كان نوعها، وخاصة منها ما يمت إلى المفسِّرين العرب. فحتى الآن لم يكن المفسِّرون الغربيون النقديون المرموقون “نقديين” بما يكفي في هذا الصدد. ويبرهن لوكسنبرغ، مباشرة أو بشكل غير مباشر من خلال استنتاجاته، أن هذه الثقة لم تكن في محلِّها.
من هنا ليس لأية حجة تسعى إلى البرهان على عدم صحة فرضيات لوكسنبرغ أن تفترض أن المفسِّرين العرب فهموا قواعد ومفردات عربية القرآن فهمًا سليمًا. وهذه من أهم إسهامات هذه الدراسة.
وهذا مهم جدًا لأنه أساس العربية المكتوبة – لغة حضارة وسيطية رفيعة – ولأنه، عند المسلمين، منبع كلِّ تعبير ولاهوت وتشريع ديني، ويُعتَبَر وحي الله إلى محمد. وهو في نظر غير المسلمين نتاج أدبي هام يستحق الدراسة، سواء من منظور تاريخيٍّ أو فقهي لغوي.
[8] وهذا المنظور هو الذي يتَّبعه لوكسنبرغ. فالمفسِّرون الغربيون قد اتَّبعوا التقليد الإسلامي بدلاً من استعمال الأدوات والفنون المرجعية للتحري الفيلولوجي. ويقدِّم لوكسنبرغ عرضًا موجزًا لما تضمَّنتْه المكتشفات من أعمال هامة تتناول فقه اللغة القرآني في الغرب. لقد تنبَّه العلماء بشكل متزايد إلى ما يتضمنه القرآن من مصطلحات أعجمية وإشارات إلى أحداث تاريخية أجنبية وإلى الأصول الآرامية لمعظم هذه المصطلحات والإشارات. غير أن إصرار العلماء الغربيين على اعتماد المقاربة البالية فنيًّا غير العلمية لتفاسيرهم الإسلامية فإن المغزى من مكتشفاتهم كان لا بدَّ أن ينتظر حتى صدور هذه الدراسة. [9] الباب الثاني من دراسة لوكسنبرغ لا يتخطَّى بكثير مجرد التصريح بأن دراسته مستقلة عن كلا الأبحاث العربية والغربية، تحديدًا لأن منهجه لا يستند إلى شروح المفسِّرين العرب، إنما بالحري إلى الأدوات المفرداتية العربية والسريانية، بالإضافة إلى اللسانيات السامية المقارنة. وكان مصدره الرئيسي بين المفسِّرين العرب هو التفسير الأقدم للقرآن للطبري.[1]لم يكن في حوزة الطبري أيُّ قاموس يستطيع مراجعته، فكان مضطرًّا إلى الاتكال على الأثر الشفوي وعلى مفسِّرين أقرب إلى معاصرة محمد ممَّن حافظت مؤلفاتُهم المفقودة جزئيًّا على كلامه. فكان اللسان، ذلك القاموس الأوسع للغة العربية،[2] والترجمات والتفاسير الغربية لبِلْ[3] وبلاشير[4] وباريت،[5] والقاموسان السريانيان لباين سميث[6] وبروكلمان،[7] ومعجم مَنَّا الكلداني–العربي،[8] هي الأعمال المرجعية الأولية الأخرى.
[10] ونقع على استعمال هذه المواد موضوعًا في خدمة المنهج في الباب الثالث، حيث يصرِّح لوكسنبرغ أن الهدف الرئيسي من الدراسة هو توضيح العبارات التي لم تتَّضح للمفسِّرين الغربيين الثلاثة. وقد قاده اكتشاف وجود الكثير من المفردات الآرامية الأصل إلى الرجوع إليها في تلك المقاطع التي لم تكن من “المتشابهات” بحسب افتراض المفسِّرين الغربيين.وكان الفحص عن هذه المقاطع مبرَّرًا، خاصةً حين لم تكن تفاسير المفسِّرين العرب (التي اتَّبعها المفسِّرون الغربيون إلى حدٍّ كبير) مطابِقة لسياق الكلام على الإطلاق. فعلى سبيل المثال، لم يكن لدى الطبري أية أدوات معجمية، كما أنه لم يستشهد إلا فيما ندر بأبيات من الشعر العربي الجاهلي تأييدًا لتفسيره عبارة معينة. في مثل هذه الحالات يكون هامش الخطأ واسعًا لأن التحقق من سياق تلك القصائد الجاهلية مرارًا ما يكون صعبًا للغاية. ومع ذلك، كان المفسِّرون الغربيون، في كثير من الأحيان، يقبلون تلك التفاسير دون أيِّ نقاش.
وأهم ما يميِّز هذا العمل هو أن محرِّريه حاولوا تثبيت التنقيط الذي يفرِّق بين القراءات المختلفة لحرف واحد. وقد نقَّح لوكسنبرغ هذه النقط في حالات عديدة، لكنه فعل هذا باتِّباعه منهجًا واضحًا ومفصَّلاً: فعندما كان مخيَّرًا بوضوح بين قراءتين مختلفتين رجَّح القراءة الأصعب؛ وفقط عندما كان تعبير معيَّن غير واضح بشكل جليٍّ، وعندما يعدم المفسِّرون العرب تفسيرًا معقولاً لذلك، كان لوكسنبرغ يستكشف حلاً يتطلَّب تغيير واحدة أو أكثر من النقط في الطبعة القاهرية.
[12] يسلِّط لوكسنبرغ الضوء على منهجه الاستدلالي. ومنهجه، انطلاقًا من تلك المقاطع التي أشكلت على المفسِّرين الغربيين، يجري كما يلي: في البدء كان يتحقق من وجود تفسير معقول في الطبري جاز عنه المفسِّرون الغربيون؛ فإنْ لم يجده تراه يدقق فيما إذا كان اللسان يتضمن معنى لم يعرفه الطبري أو مصادره الأسبق. فإذا لم يتفتق الأمر عن شيء، كان يتحقق ضمن السياق إن كان لتلك العبارة العربية جذرٌ آرامي يشابهها لفظًا ويخالفها معنى وينطبق على السياق. وقد وجد لوكسنبرغ، في حالات عديدة، أن الكلمة السريانية بمعناها كانت أكثر منطقية – مع الإشارة هنا إلى أن هذه الخطوات الأولى للاستدلال لم تمس النص الخالي من الحركات للطبعة القاهرية للقرآن. [13] فإذا لم تسفر هذه الخطوات عن شيء، كان يتأكد من أن تبديل واحدة أو أكثر من النقط يؤدي إلى جعل العبارة العربية أكثر منطقية. وقد وجد لوكسنبرغ أن المشكلة في العديد من الحالات عبارة عن التباس حرف ساكن بآخر. فإن لم يسفر هذا عن شيء كان يعمد إلى تغيير نقطة أو أكثر ومن بعدُ التحقق من وجود جذر سرياني مشابه لفظًا معقول المعنى. [14] فإذا لم يحصل بعد هذا كلِّه على حلٍّ، يتحقق مما إذا كانت الكلمة العربية نسخة من تعبير سرياني. وللنُّسَخ هنا معنيان: صرفي ودلالي. النسخة الصرفية هي استعارة تحافظ على بنيان الكلمة الأصلية، لكنْ باستعمال كُلَيْمَات اللغة الهدف. على سبيل المثال، فإن كلمة Fernsehen الألمانية مؤلَّفة من كُلَيْمتَيْ tele وvisio المكوِّنتين لكلمة television الإنكليزية، مترجَمتين إلى مرادفتيهما الألمانيتين. أما النسخة الدلالية فهي تنسب المعنى المستعار إلى كلمة لم تكن تحمله سابقًا، لكنه على كلِّ حال مترادف مع الكلمة الأصلية. [15] ويعرض لوكسنبرغ في الباب الرابع لتطور الكتابة العربية ولأهميته المحورية في سيرة نقل القرآن، فيبيِّن أنه كانت ثمة في الأصل ستة حروف للتمييز بين نحو ستة وعشرين صوتاً. وقد جرى من بعدُ تدريجيًا التمييز بين هذه الحروف عن طريق نقط تُكتَب فوق كل حرف أو تحته. وقد بدأت الأبجدية العربية المستعملة في القرآن كفنِّ اختزال أو كأداة تذكير ليس المقصود منها أن تكون مفتاحًا كاملاً لأصوات اللغة. ويستنتج لوكسنبرغ أن نقل النص عن محمد لم يكن على الأرجح نقلاً شفويًّا عن طريق الذاكرة، وذلك خلافًا للرأي السائد والمعتمَد في الموروث الإسلامي. [16] لقد حافظ ذلك الموروث على روايات مختلفة عن النقل الشفوي للقرآن؛ وقد جمعها لوكسنبرغ في الباب الخامس من كتابه. فبحسب الموروث الإسلامي، تم نقل القرآن جزئيًّا عبر سلسلة غير منقطعة من القُرَّاء المعاصرين لمحمد، كابن عباس (المتوفى في العام 692)، وحافظت عليه مرجعيات مبكرة، من نحو أنس بن مالك (المتوفى في العام 709)؛ الأمر الذي يتناقض مع ما ينقله موروث آخر مفاده أن عثمان حصل على “صحائف” القرآن من حفصة أرملة محمد وجمعها في مصحف. لكن ما لا يستطيع الموروث الإسلامي تحديده هو تاريخ “تثبيت” تنقيط الحروف في صورته النهائية، تلك السيرورة التي استغرقت، بحسب بلاشير، ما يزيد عن ثلاثمائة سنة. والسبب في صعوبة اقتفاء تطور القرآن قبل عثمان هو، كما يؤكد الطبري، أن عثمان أتلف كلَّ المخطوطات ذات القراءة المغايرة للنص الخالي من الحركات مما لا يتوافق مع روايته النهائية. [17] ويورِد لوكسنبرغ في الباب السادس الحديث المأثور عن محمد نفسه والمتعلق بالطبيعة غير المعيَّنة للنص القرآني الخالي من الحركات، وفيه قصتان يرويهما الطبري؛ ولبُّهما أن محمدًا أجاز كلَّ قراءة للنص لا تبدَّل النقمة فيها بشكل فاضح إلى نعمة، والعكس بالعكس. وحجة لوكسنبرغ في ذلك أن هذه القصص اللاحقة قطعًا إنما تعكس ما يُفترَض أنه استذكار باهت لخاصية عدم التعيين في الأبجدية العربية. [18] ويعرِّج لوكسنبرغ في الباب السابع على كيفية حلِّ الموروث الإسلامي للشكوك، الناجمة عن “مرونة” محمد فيما يتعلق بالنص، التي شاعت بين المفسِّرين الأوائل، فيطبق في هذا الباب طريقته الاستدلالية على القرآن لتبيان أن هذا الأخير يقدِّم الأدلة على أن ما يُعرَف بتقليد القراءات السبع – تلك الأحرف العربية السبعة التي أجازها محمد، اعترافًا منه بتعدد اللهجات العربية – وثيق الارتباط بحروف العلَّة السبع لإسترانجيلي، أي نظام الكتابة الذي طوَّره الناطقون بالسريانية الشرقية؛ إذ يستعمل هذا النظام النقط فوق الحروف وتحتها بما يشبه النقط المستعملة في العربية للتميز بين السواكن. والطبري أيضًا مطَّلع على الموروث الذي مفاده وجود خمس قراءات، تشير، كما يلمع، إلى الحروف الصوتية الخمسة للسريانية الغربية. وهذه الحروف الصوتية الخمسة في السريانية الغربية كانت أصل حروف العلة الثلاثة للغة العربية الفصحى. [19] ويؤكد ما تبقى من الباب على أسماء العلم ذات الأصول التوراتية في القرآن للبرهان على أن حروف العلة المزعومة – ألف، واو، ياء – لا بدَّ أن تكون متعددة المفعول هي الأخرى. ويشير لوكسنبرغ إلى أن الموروث الإسلامي يقبل قراءة الألف الممدودة /آ/ في بعض الحالات وكأنها /ي/ لأن مثل هذا اللفظ كان خصوصية تميِّز اللهجة المكِّية. كما بيَّن لوكسنبرغ أن مصطلح “حرف” لا بدَّ أن يحمل معنى مرادفًا لكلمة قراءة (بمعنى “طريقة قراءة”) وأن هذا لا يعني فقط إضافة حروف العلة إلى نص غير معتلٍّ، لكنه يعني أيضًا إضافة التنقيط الذي يميز الحروف الصحيحة. ولم يتم اعتماد هذا التنقيط إلا تدريجيًّا بحيث آلت الحروف الصحيحة إلى الثبات على قراءة واحدة. وقد انبسطت سيرورة تعيين قيمة كلِّ حرف من أحرف القرآن على ما ينوف على الثلاثمائة عام. وهذا معروف من المخطوطات القرآنية الأقدم التي لا تحوي النقط المميزة للقراءات المختلفة للحرف الصحيح الواحد. ومع شيوع استعمال التنقيط لم يعد المفسِّرون العرب مدركين أن العديد من الكلمات إما ذات أصل آرامي مباشر وإما نُسَخ تتصف بها عربية مكة. من هنا تأتي المصاعب التي واجهت مفسِّري القرآن، بمن فيهم العرب الأوائل منهم. [20] ويرسم الباب الثامن باختصار الصعوبات التي تواجه المترجم النقدي. ويتفق لوكسنبرغ مع تقويم باريت العام لهذه المصاعب، التي تتضمن العديد من الكلمات والعبارات غير الواضحة، وتفاسير متناقضة في الموروث العربي، وغياب نص مرجعي ذي تنقيط ثابت، كالنص المتوفر للكتاب المقدس العبري. علاوة على ذلك فإن المفسِّرين المسلمين الأوائل حتى منقسمون حول العديد من المقاطع، وكثيرًا ما يقدمون لها العشرات من التفاسير الممكنة، المتنافية والمقبولة جميعًا على حدٍّ سواء في العديد من الحالات. [21] يناقش الفصل التاسع الطرح، الذي يؤكد عليه القرآن نفسه ويشكل أحد عناصر الإسلام الأساسية، الذي مفاده أن القرآن قد أوحي بالعربية. ويمثل طرحُ أن أصل القرآن، أم الكتاب، الموجود في السماء أو لدن الله، بما هو الصورة البدئية المباشرة والفورية للنص العربي، التحديَ العقائدي الأقوى لما يذهب إليه لوكسنبرغ من أن عربية القرآن لم تكن، إلى حدٍّ كبير، عربية على الإطلاق، أو على الأقل ليس بالمعنى الذي فهمه المفسِّرون العرب. فلغة القرآن هي لهجة قريش، قبيلة محمد، التي كانت مستقرة في مكة. وهذا لا يستبعد الاحتمال القائل بأن هذه اللهجة كانت متأثرة كثيرًا بالآرامية، وبالسريانية بصفة خاصة. ويرى لوكسنبرغ أن المأثور الإسلامي يلمِّح إلى مثل هذا التأثير. فالطبري يتبع الحديث المنسوب إلى محمد “اطلبوا العلم ولو في الصين” ويحضُّ علماء فقه لغة القرآن، أهل اللسان، أن يلتمسوا البرهان الفقهي من أيِّ مصدر كان، بحيث يُفسَّر القرآن للجميع. ويقوم لوكسنبرغ في الأبواب التالية بالحفر في حكمة هذه النصيحة. [22] ويدخل لوكسنبرغ في الباب العاشر في لبِّ الموضوع عبر تحليل معنى كلمة “قرآن”، فيأتي بالحجة أن كلمة قرآن مشتقة من السريانية قريانا، وهو مصطلح فني مأخوذ من الليتورجيا المسيحية ويعني “كتاب الفصول”، أي القراءات الكتابية الثابتة المستعملة في إقامة رتبة القداس الإلهي على مدار السنة. وهو يستند فيما يذهب إليه على تهجئة الكلمة كما وردت في النصوص المبكرة. فكلمة قريانا كان يكتبها محمد بلا همزة (مدة)، وفق أحد الشهود الأوائل؛ وهذا يعكس، بحسب لوكسنبرغ، أثرًا سريانيًّا. فبحسب الموروث الإسلامي، كانت لهجة محمد تلفظ الهمزة “ضعيفة”. وبالفعل كان آراميو سوريا والرافدين المسيحيون من الناطقين بالعربية يلفظون الهمزة بنفس الطريقة، تقريبًا كالـ/ي/. وفوق ذلك فإن المعاجم العربية–السريانية، التي مازالت محافظة على عدة قراءات “جاهلية” للكلمات العربية، تقرأ الكلمة السريانية قريانا كـقرآن و/أو قريان. ويطرح لوكسنبرغ تدرُّج تهجئة هذه الكلمة كما يلي: قريان > قر[آ]ن، مكتوبة بلا ألف، ثم قران بالألف، لتصير في النهاية قرآن بإقحام الهمزة. من هنا لم يعد المفسِّرون مدركين أن الـياء يمكن أن تمثل /آ/، وهو استعمال مبرهن عليه بشكل واسع في كتابة الأفعال المعتلة الآخِر. ويقدِّم ما تبقى من الباب توضيحات لمقاطع أخرى غير واضحة، حيث يعود الغموض إلى نفس الظاهرة، أحيانًا بشكل مباشر، وأحيانًا أخرى مترافقًا مع التباسات أخرى في منظومة الكتابة، كالخطأ في تنقيط التاء أو الياء، ثم تطبيق الاشتقاق نفسه. [23] ويُختتَم الباب بتبيان أن المعنى الفني لـكتاب الفصول مازال متضمنًا في كلمة قرآن. لكن الأكثر لفتًا للنظر هو نتيجة مفادها أن مصطلح أم الكتاب، الآرامي الأصل، ينبغي أن يكون الأصل المكتوب وأنه لم يكن في النية على الإطلاق استبدال القرآن بالأصل المكتوب. وقد يحتجُّ بعضهم بأن تفاصيل الحجة في سياق قراءة سورتي يوسف 1-2 وآل عمران 7 قد ضُغِطَتْ في هامشين، لكن الحجة بيِّنة مع ذلك. ويقدم لوكسنبرغ البرهان على أن مصطلح قرآن نفسه هو المفتاح لفهم تلك المقاطع الغامضة التي أسقط في يد المفسرين، من داخل الموروث ومن خارجه، وهم يتناولونها. فإذا كانت كلمة قريان تعني “كتاب الفصول”، وإذا كان النص نفسه يدَّعي أنه توضيح لنصٍّ أسبق، فإن النص الأسبق لا بدَّ أن يكون كُتِب بلغة مختلفة. والمرشح الأوحد في حالتنا هو العهدان القديم والجديد باللغة السريانية، الـبشيتا. من هنا فإن لتأثير الآرامية على عربية محمد أصلاً نصيًّا قابلاً للتحديد. ويقدم لوكسنبرغ في نهاية عمله حجة قوية مفادها أن سورة الكوثر إنما هي تلميح واضح إلى بشيتا رسالة بطرس الأولى 5: 8-9. وبالفعل فإن هذه السورة التي لا يتجاوز طولها الثلاثة سطور من أصعب السور على كلا المفسِّرين العرب والغربيين. ويبيِّن لوكسنبرغ السبب في هذا: لأنها مؤلفة من تدوين بالعربية لنصٍّ من العهد الجديد السرياني، بمعنى أن هذه السورة تكاد لا تحوي كلمةً عربيةً واحدة. إنها نصوص “موحى” بها؛ وبمقدار ما يحوي القرآن مقبوسات منها أو تأويلات لها فإن القرآن أيضًا “وحي”. [24] كانت هناك في زمن محمد لهجات عربية عديدة. وفي المواضع العشرة التي يدَّعي فيها القرآن أنه كُتِبَ بالعربية، يبيِّن لوكسنبرغ أولاً أن لتلك المقاطع أشكالاً نحوية مشكلة على المفسِّرين ويختلف تأويلها من مفسِّر لآخر. فهو، مثلاً، يشير في سورة فُصِّلت 44 أن ثلاثي فصَّل العربي يعني “قسَّم”؛ لكن سياق الكلام هنا كان يتطلَّب “ميَّز” أو “أوَّل” أو “ترجم”؛ إذ لا نجد هذا المعنى لهذه الكلمة العربية في أيِّ مكان آخر، كذلك لا تورِد المعاجم السريانية–العربية أيًّا من الكلمتين كترجمة للأخرى؛ ورباعي ترجم (المأخوذ عن السريانية مباشرة) هو الدال على الترجمة بالعربية. غير أن كلمة برش/برِّش السريانية يمكن أن تعني في نفس الوقت “قسَّم” و”ترجم” (ككلمة هبديل العبرية؛ وهذا أيضًا مثال على “نسخة دلالية” أشرنا إليها أعلاه). الطبري كذلك فهم فصَّل وكأنها مرادفة لـبيَّن (سورة الدخان 3)، التي تعني أيضًا “ترجم”. إن الآية 44 من سورة فُصِّلت تشهد بوضوح على مصدر للقرآن مكتوب بلغة “أعجمية”. وعلى خطى الطبري، يسجِّل لوكسنبرغ وجود خلل في نص هذه الآية يبيِّن وجود أصل غير عربي لأجزاء من القرآن. وحجته هنا ضعيفة بعض الشيء، لولا البراهين الإضافية المستنتَجة من أحد عشر موضعًا أخرى من القرآن، حيث طبَّق لوكسنبرغ هذه الحجج عينها وحججًا أخرى مشابهة تطبيقًا متماسكًا في حلِّ مصاعب تدور جميعًا حول المصطلحات المتصلة بوحي القرآن ولغته. وهذه الحجج تترك القليل من الشك في أن لوكسنبرغ كشف الغطاء عن سوء فهم أساسي لهذه المصطلحات ضمن سياقها القرآني. [25] ويبيِّن لوكسنبرغ في الباب الثاني عشر أنْ ليس أصل القرآن ولغته وحدهما يختلفان عما يدَّعيه المفسِّرون الذين كتبوا في الأمر بعد انقضاء مائتي سنة على الشروع فيه، إنما أيضًا أن العديد من المقاطع الأساسية يتضمن كلمات أو عبارات تمت استعارتها من السريانية إلى العربية. ففي تحليله لسورة مريم، الآية 24، حيث جاء: “فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربُّك تحتك سريَّا”، يستنتج أن هذه الآية يجب أن تُقرأ كما يلي: ” فناداها من فور أن انطرحت [لتضع] ألا تحزني قد جعل ربُّك وضعك شرعيَّا”. إن نقاش لوكسنبرغ المسهب لتعقيدات هذا المقطع يحلَّ الصعوبات النحوية للعربية بطريقة تتناسب مع سياق الكلام: يسوع ينفح في مريم الشجاعة على مواجهة أقربائها، على الرغم من وضعها طفلاً خارج الزوجية. ثم يقدم هذا الفصل حججًا مطوَّلة تتناول مشكلات مفرداتية وقواعدية وتركيبية ونظمية في سورة هود 116-117. [26] ويقدَّم الباب الثالث عشر الدليل على وجود قواعد صرفية آرامية في نحو القرآن. فالأمثلة على عدم التطابق النحوي في التذكير والتأنيث (كوجود فاعل أو اسم مؤنث مع فعل أو مقيِّد مذكر) ظهرت لأن الأشكال السريانية المؤنثة أسيئت قراءتُها كصفات خبرية مفردة مذكرة في محلِّ نصب أو أسماء فاعل (أو مفعول) عربية، حيث الاسم المتعدِّي فاعل مؤنث. ففي السريانية تتخذ الصفات الخبرية أو أسماء الفاعل (أو المفعول) دومًا الصيغة المطلقة (الصيغة الخبرية). فالصيغة السريانية المؤنثة المفردة، مدوَّنةً إلى العربية، مطابقة لصيغة النصب المفردة المذكرة العربية الأصيلة. وهذه الظاهرة شائعة جدًا في القرآن (مثلاً في سورة مريم 20، 23، و28). وكانت الحجة التي طرحها العديد من المفسِّرين لتفسير هذه الشذوذات هو أنه تمَّت التضحية بقواعد الصرف للحفاظ على إيقاع الآية. ويبيِّن لوكسنبرغ ضعف هذه الحجَّة من خلال تبيان كيف تمت، في العديد من الحالات، التضحية بالإيقاع من أجل تأدية قاعدة صرفية (مثلاً في سورتي الأحزاب 63 والشورى 17). علاوة على ذلك، على الأقل في حالة واحدة تتعلَّّق بتركيب شاذٍّ لجملة في سورة مريم 32، نلحظ أن الترتيب السليم نحويًّا للكلمات كان من شأنه أن يتطابق مع الإيقاع. وفي المواضع التي تقابل فيها صيغة المذكر صيغة مؤنثة أدرك لوكسنبرغ أن الناسخ حذف “المفعول به المفرد المذكر”، جاعلاً منه صفة خبرية، بدون أن يلاحظ أن الصفة صفة سريانية خبرية مؤنثة مدوَّنة في العربية. وما يؤيد كون هذه الصيغ الخبرية/المطلقة، كما وردت في القرآن، صيغًا سريانية أن العربية استعارت دومًا الأسماء والصفات السريانية في صيغتها المطلقة وليس في صيغتها المبالغة (“غير المقيدة” أو “المعجمية”)؛ مثلا:ً الله > إلاها: الحالة المطلقة إله؛ وكذلك قريب > قريبا: الحالة المطلقة قريب. ويبرهن لوكسنبرغ عندئذٍ أن فقدان تاء التأنيث في عربية القرآن إنما يعود لنفس الظاهرة. ويتبيَّن أن العديد من القواعد الصرفية العربية، كما وضعها أوائل النحويين العرب لتفسير هذه الحالات الشاذة، قد وُضِعَت لهذا الغرض بالذات، وقد كتبها أناسٌ لم يعودوا يفهمون اللغة الأصل التي كُتِبَت فيها. وينال المصير نفسه ما اصطُلِحَ على تسميته التمييز، الذي يتطلب وضع الاسم في العدد التسلسلي + الاسم في المفعول به المفرد. ويبين لوكسنبرغ أن الاسم في جميع الحالات هو حقًّا اسم سرياني مذكر بصيغة الجمع، حيث للأسماء المذكرة في صيغتي المفرد والجمع في السريانية التهجئة نفسها. [27] ويكتشف المرء في الباب نفسه كيف أساء المفسِّرون اللاحقون قراءة الجذور السريانية وحرَّفوها. ففي إحدى هذه الحالات نجد أن كلمة جو (سورة النحل 79) مقروءة خطأ بمعنى “الهواء المحيط” هي، في الأصل السرياني جَوْ، التي تعني في آنٍ معًا “الدخيلة” أو “الباطن” والتي يمكن أن تستعمل أيضًا كحرف جر يعني “داخل”. ويبيِّن لوكسنبرغ في سورة النحل 79 كيف أن استعمال المفردة كحرف جرٍّ أكثر منطقية من الحلِّ الذي طرحه المفسِّرون. لكن قواعد العربية الفصحى، التي وُضِعَتْ بعد ما يقرب من الثلاثمائة سنة بعد القرآن، لا تتذكر معنى الكلمة كحرف جر، وإن بقيت بعض اللهجات العربية المحلية تستعمل الكلمة في أصلها السرياني كحرف جر. وهكذا عندما نقرأ الآية 79 في سورة النحل “في جَوِّ السماء” للإشارة إلى الطير التي تبقى “مسخَّرات… ما يمسكهنَّ إلا الله” فإن اللهجات المحلِّية تُجمِع على أن “في جَوَّا البيت”، بمعنى “في داخله”، لغة عربية سليمة. إن سوء قراءة المفردة القرآنية العربية جَو بوصفها “هواء” صار اليوم جزءًا من المصطلحات الفنية للعربية الفصحى المعاصرة، حيث يقال “البريد الجوي” والقوى الجوية” و”الخطوط الجوية” و”النشرة الجوية”، وكلهُّا يستعمل جَو. وهكذا فإن المعنى الذي تخيَّله النحاة هو الذي مازال حيًّا. [28] ويرينا لوكسنبرغ أخيرًا صيغًا فعلية عربية ناتجة من دمج جذرين سريانيين متمايزين. وهو يفصِّل حجَّته التي نكتفي منها هنا بالإشارة إلى أن الالتباس يتأسَّس على لفظ مصدره السريانية الشرقية. فمعنى الفعل سخَّرَ يقابل، أحيانًا، كلمة شخَّر السريانية التي تعني “لام” أو “وبَّخ”، وأحيانًا أخرى، شَوخَر بمعنى “أعاق” أو “منع”. وقد حصل الالتباس لأن الكلمة السريانية شَوخَر كانت تُلفَظ في السريانية الشرقية والمندائية كـشَاخَر أو شَخَّر. [29] يناقش الباب الرابع عشر موضوع سوء فهم العبارات الاصطلاحية العربية المنسوخة عن عبارات آرامية. وينظر لوكسنبرغ في سورة الإسراء 64 حيث جاء: “واستفزِزْ من استطعتَ منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعِدْهم ما يعدُهم الشيطان إلا غرورًا” (ص 217)؛ إذ يدلُّ الجمع الغريب بين الاستفزاز وحالة الحصار على خطأ في القراءة. والعربية في حالنا هي التي أسيئت قراءتُها، تلك العربية التي تترجم حرفيًا عبارات سريانية. فبحسب تحليل لوكسنبرغ ينبغي أن تُقرأ هذه الآية كما يلي: “واغْوِ من استطعت منهم بصوتك وفُقْهُم حيلة وكذبًا وخداعًا واغْرِهم بالمال والأولاد وعِدْهم ما يعدُهم الشيطان إلا باطلاً” (ص 220). [30] إن المناغمة بين المقاطع التي يجمعها الموضوع يشكِّل وجهًا آخر يدل على الصعوبة النصية للقرآن. يفحص البابان الخامس عشر والسادس عشر عما يمكن أن ينجم عن سوء قراءة إحدى الآيات من تداعيات تؤدي لسوء قراءة مطابِقة في مجمل النص، ليس على أساس التشابه في القواعد أو المفردات، بل لأن الآيات المبعثرة تلمِّح إلى مفهوم واحد. ويعالج لوكسنبرغ في الباب الخامس عشر موضوع “الحور العين” وفي الباب السادس عشر موضوع “الولدان”، فيأخذ سورة الدخان 54 منطلَقًا للنقاش. وقد جاء في هذه السورة: “كذلك وزوَّجناهم بحورٍ عِينٍ”. فالفعل زَوَّجَ بمعنى “النكاح” أو بمعنى “قرن بهيمتين للتسافد” هي من أخطاء إبدال الزاي راءً، من جهة، والجيم حاءً، من جهة أخرى (وكلا الحرفين لا يتميز واحدهما عن الآخر إلا بالنقطة)، فنحصل على رَوَّحَ بمعنى “أراح” أو “أنعش” بدلاً من زَوَّج، حيث المفعول بهم هم المتَّقون. أما الاستنتاج الرئيسي لهذا الباب فهو أن تعبير “حور عين” يعني “[جفنات] بيض وجواهر [من بلور]”، وليس “نساء بيض واسعات الأعين” (سور الدخان 54 وسورة الطور 20). فقد فحص لوكسنبرغ أولاً بعناية عن كلِّ مكوِّنات هاتين السورتين، ولاحظ أن القرآن يذكر أنواعًا أخرى من الثمار في الجنة، وتحديدًا النخل والرمَّان (سورة الرحمن 68)، إضافة إلى الأعناب (سورة النبأ 32) التي ذُكِرَت أيضًا عشر مرات في سياق الكلام على ثمار الجنَّات “الأرضية”. وبما أن الفقهاء الأوائل يعلمون أن القرآن يستعمل الكلمة السريانية جنتا > جنَّة للدلالة على الجنَّة السماوية، فإن العنب ينبغي أن يكون ثمرة الجنة بامتياز (ص 234). فلِمَ، إن كانت هذه هي الحال، لم يُذكَر العنب ضمن ثمار الجنَّة “السماوية” إلا مرة واحدة فقط؟ [31] للإجابة على هذا الأمر، استند لوكسنبرغ على الفقه الأسبق، وتحديدًا على فقه تور أندراي وإدموند بِك، مبينًا وجود علاقة ما بين صور حدائق جنة الفردوس في القرآن وأناشيد أفرام السرياني التي عنوانها في الجنَّة. فقد لاحظ أندراي أن كلمة حور مشتقة، أغلب الظن، من كلمة سريانية تعني بيض، لكن الهدف من حلَّه كان القول بأن الاستعمال القرآني مجازي نوعًا ما. فلا هو ولا بِك اعتبرا في حينه أن كلمة حور العربية بمعنى “عذارى” كانت ناجمة عن سوء فهم المفسِّرين. [32] يستعمل أفرام كلمة جُبْنا، “الكرمة”، المؤنثة نحويًّا، التي تتفق مع كلمة حور؛ ومنها استنتج أندراي أنها، كما وردت في القرآن، مجازٌ المقصود منه “حور الجنَّة”. لكن مفاد حجة لوكسنبرغ بخصوص سورتي الدخان 54 والطور 20 أنه بدلاً من المفرد عين ينبغي قراءة الجمع عيون، مشيرًا إلى عناقيد الكرمة. والقرآن في أماكن أخرى يشبِّه الجفنات بـ”اللآلئ”؛ فلا بدَّ أن تكون بالتالي “جفنات بيض”، الأمر الذي لا يتضح من النص للوهلة الأولى. ثم يقدم لوكسنبرغ تنويعين لقراءة هذه العبارة: القراءة الأولى تترجم الجملة “[جفنات] بيض بلورية”؛ والقراءة الثانية – وهي التي يتبناها لوكسنبرغ – هي “[جفنات] بيض [كـ]ـجواهر البلور”. وبذلك نقرأ الآية المرمَّمة: “كذلك روَّحنا [عن المتَّقين في الجنة] بـ[ـجفنات] بيض [كـ]ـجواهر البلور.” [33] ومن الأمثلة العددة ذات الصلة في الفقرات من 15–2 إلى 15–9، يتابع لوكسنبرغ عذارى الجنة في القرآن. ففي الفقرة 15–2، يلاحظ لوكسنبرغ أن كلمة أزواج يمكن أيضًا أن تعني “أنواع” (سور البقرة 25 وآل عمران 15 والنساء 57). وتبدو مثل هذه القراءة أكثر منطقية حيث تصير: “فيها أنواع [ثمار) مطهَّرة.” ويربط لوكسنبرغ هذه القراءة بسوء فهم زوَّج في سورة الدخان 54، فيجد أن الخطأ في تأويل آية ينسحب على آيات المضمون الثيمي ذي المتات في أخرى. والمحاججة قوية كذلك في الفقرات الأخرى. ومن الملفت فيها المناقشة في الفقرتين 15–5 و15–6 المعقودة على الآية 56 من سورة الرحمن والآيات 70 و72 و74، على التوالي، حيث جاء، إشارة إلى عذارى الجنة، اللواتي “لم يطمثهنَّ إنس قبلهم ولا جان”. بدلاً من ذلك، تتكلم هذه الآية على جفنات الجنة التي “لم يدنسهنَّ إنس قبلهم ولا جان”. ويشير لوكسنبرغ إلى أن الآية 72 من سورة الرحمن تقيم دليلاً آخر على التوازي القرآني مع أناشيد أفرام، الذي كتب أن جفنات الجنة مثقلة بـ”العناقيد المتدلية”.[9] [34] ويتابع الباب السادس عشر هذا التحرِّي، مشيرًا إلى سوء قراءة مماثل تلتبس فيه جفنات الجنة بـالوِلْدان (بمعنى الشبان اليافعين). فقد جاء في سورة الإنسان 19: “ويطوف عليهم ولدانٌ مخلَّدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا”. وكلمة ولدان هنا كلمة عربية صحيحة، لكنها مستعمَلة بمعنى مستعار من كلمة يلدا السريانية، وذلك لأن “ولدانًا” كاللؤلؤ عبارة مشكوك فيها بعض الشيء، وخاصة إذا اعتبرنا أن “اللؤلؤ” كناية عن عناقيد الجنة، كما تبيَّن من الفقرة السابقة. وقد بيَّن لوكسنبرغ أن في السريانية تعبيرًا هو يَلدا دَجْـبِـتَّـا، بمعنى “ابن الكرمة”، كما جاء في البشيتا: متى 26: 29، مرقس 14: 25 ولوقا 22: 18، حيث يتنبأ المسيح بموته وقيامته: “الحق أقول لكم إنِّي لا أشرب بعدُ من وَلَدِ الكرمة (يَلدا دَجْـبِـتَّـا بالسريانية) هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه جديدًا في ملكوت أبي.” وهنا عصير العنب هو الـ”ولد”. إن مادتي كلٍّ من يَلدا وجبِـتَّـا في المعاجم العربية–السريانية تعطي على التوالي، بالإضافة إلى “ولد” و”كرْم”، “ثمرة” و”خمرة”. ويقدم لوكسنبرغ دلائل إضافية، من سور الصافات 45 والزخرف 71 والإنسان 15، على أن وصف عناقيد الجنة في نشيد أفرام السرياني هو المنهل الذي نهل منه النصِّ القرآني الأصلي. [35] ونجد في الباب السابع عشر تأليفًا لتقنيات ومكتشفات الدراسة السابقة وتحليلاً لسورتين كاملتين: سورة الكوثر وسورة العلق، اللتين يقدِّم لوكسنبرغ لكلٍّ منهما تفسيرًا وترجمةً كاملين. وقد قدمنا أعلاه نبذة عن سورة الكوثر. لكن تحليل الآيات التسعة عشر لسورة العلق جميعًا يغطي ما يزيد عن 22 صفحة. ونجد بين الحلول العديدة التي يقدمها هذا الباب أن الحرف أ الذي حيَّر المفسِّرين والنحاة هو في الحقيقة كلمتين مختلفتين: الحرف السرياني أَو بمعنى “أو” والحرف السرياني إين بمعنى “إنْ” أو “حين”. وبالجواز هنا عن تفاصيل المحاججة نقول إن هذه السورة يجب أن تُقرأ كدعوة للاشتراك في صلاة طقسية وأنها تحمل “طابع مطلع مسيحي–سرياني، استُبدِلَت به الفاتحة (من السريانية بتاخا) في تقليد لاحق”. وهذه ليست مجرد ليتورجيا عادية، بل هي القداس الإلهي، الاحتفاء القرباني المقدس، كما يتبيَّن من إعادة لوكسنبرغ صياغة الآيات 17-19 من سورة العلق: “فليَدْعُ [الذي “كذب وتولَّى”] معبوده [عندئذٍ] سندعُ الزبانية كلا لا تطعْه واسجد واقترب [تناول القربان]” (ص 296). وهذا جدير بالانتباه لأن هذه هي أقدم السور بحسب الموروث الإسلامي، وهي تكشف عن جذور مسيحية–سريانية. كذلك يبيِّن لوكسنبرغ أن مصطلحات قربانية وثيقة الصلة، كالتي في سورة العلق (جزنا عن البراهين عليها في هذه المراجعة)، تلمِّح أن الآيتين 114-115 من سورة المائدة تشيران إلى القداس القرباني المقدس (وليس إلى العشاء الأخير وحسب). لكن دليلاً إضافيًا للتأكيد على صحة هذه القراءة إنما يأتينا من مقطع شعري للشاعر الجاهلي العربي المسيحي عدي بن زيد الذي وصلتنا نبذة عنه في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (توفي عام 967). أما الباب الثامن عشر فهو خلاصة شاملة وجيزة تُختتَم بها الدراسة. [36] إخراج الكتاب من حيث النوعية إجمالاً جيد. هناك بعض الأخطاء المطبعية، بما فيها ترقيم بعض الفقرات (في الصفحتين 237 و239 مثلاً)، والقليل جدًّا من الأغلاط النحوية. كذلك يتسبب إخراج الصفحة أحيانًا في صعوبة القراءة. وهذا يعود جزئيًا إلى طبيعة الدراسة، التي تتطلب أبجديات عربية وسريانية ومندائية ولاتينية تتقاسم المساحة في هوامش ومقبوسات في المتن من المصادر. [37] ويفتقد عمل بهذا المدى، يقدم الأشياء مجتزأة، بالضرورة إلى تماسك الدراسة الكاملة وأناقتها. لكن ما يترتب عنه يظل مع ذلك واضحًا: لا بدَّ لأية دراسة علمية مستقبلية للقرآن أن تأخذ هذا المنهج بعين الاعتبار. فحتى إذا اختلف العلماء على النتائج فإن المنهج الفقهي اللغوي منيع؛ إذ وضع منهجًا يختلف جوهريًّا عن تقاليد التفسير التي يعتمدها المفسِّرون العرب والغربيون. فلقد زعزع لوكسنبرغ النظرة إلى القرآن بوصفه نصُّا “نقيًّا”، نصًّا خالصًا من الصعوبات اللاهوتية والفقهية اللغوية التي تتخلل تاريخ نقل النصوص، أي التوراة العبرية برواياتها المختلفة. [38] تبقى نقطة تساؤل مركزية يثيرها هذا البحث تتعلق بدافع عثمان إلى الإعداد لهذه النسخة المنقحة للقرآن. يورِد لوكسنبرغ الحديثين اللذين يرويان كيفية حصول عثمان على المخطوط الأول. فإذا كان تحليل لوكسنبرغ، حتى في خطوطه العريضة، صحيحًا فإن مضمون القرآن كان مختلفًا جدًّا أيام محمد وتحرير عثمان قد لعب آنذاك دورًا في سوء قراءة عدد من المقاطع الأساسية. فهل كانت إساءة القراءة مقصودة أم لا؟ وهذا التشوه في القراءة عمومًا يحوِّل القرآن من كتاب متجانس إلى هذا الحدِّ أو ذاك مع العهد الجديد والليتورجيا المسيحية السريانية إلى كتاب متمايِز من أصل مستقل. [39] نأمل صدور ترجمة إنكليزية لهذا الكتاب سريعًا. لكنْ رغم قناعتنا بما سيُحدِثه هذا الكتاب من ثورة رصينة فإننا لسنا من السذاجة بحيث نعتقد بأن جميع الاختصاصيين في الإسلاميات في الغرب سينهضون ويستجيبون مباشرة لما يطرحه مثل هذا العمل من تحديات علمية. لكن كما واجهت المسيحيةُ تحدياتِ القرنين التاسع عشر والعشرين الآتية من الفقه الكتابي والليتورجي، كذلك سيستفيد فقهاءٌ في الإسلام جادون، من كلا الشرق والغرب، من الاختصاص الذي افتتحه لوكسنبرغ.*** *** ***
ترجمة: أكرم أنطاكي وديمتري أفيرينوس
* كريستوف لوكسنبرغ، قراءة سورية-آرامية للقرآن: مساهمة في تحليل اللغة القرآنية، برلين، ألمانيا: الكتاب العربي، الطبعة الأولى، 2000.
** نلفت هنا نظر القراء إلى أن فريق معابر لا يملك التأهيل العلمي الكافي لإطلاق حكم ذي وزن على كتاب د. لوكسنبرغ. لكننا، مع ذلك، ارتأينا نشر هذه الدراسة القيمة عنه نظرًا لأهمية المنهج المعمول به الذي لا يتناقض، في التحليل النهائي، مع مناهج التفسير المعمول بها في مدارس الفقه الإسلامي، على اختلاف مشاربها (باستثناء التفاسير الصوفية التي تعتمد الخبرة الداخلية مرجعية أخيرة)، كونها تعتمد قواعد نحو اللغة العربية وصرفها أساسًا للتفسير. (المحرِّر)
Des heiligen Ephraem des Syrers Hymnen de Paradiso und contra Julianum, in Corpus Scriptorum Christianorum Orientalium (CSCO), Scriptores Syri, t. 78, vols. 174 [Syriac], t. 79, vol. 175 [German translation] (Louvain, 1957).
والمقطع الذي يشير إليه لوكسنبرغ موجود في النشيد السابع، الآية 17. وفي الواقع يستطيع المرء إيجاد النص في CSCO, vol. 174, p. 29. كما يوجد العديد من المقاطع المماثلة حيث الثمار تتشابه مع ثمار الجنة. راجع بهذا الصدد:
Sebastian Brock, tr. and commentary, St. Ephrem: the Syrian, Hymns on Paradise (Crestwood, N.Y.: St. Vladimir’s Seminary Press, 1998).
http://www.zeit.de/2003/21/Koran
http://www.verlag-hans-schiler.de/
http://www.freitag.de/2005/15/05151501.php
http://www.al-moughtarib.com/HTML%20DATA/…/hans%20chiler.htm
القراءة السريانية – آلارامية للقرآن الكريم (دراسة نقدية لآراء كريستوف لكسنبرغ)
تأليف : أمير حسين فراستي إشراف : الدكتور محمود كريمي
مقدمة المركز
قال الله -تعالى- في كتاب العزيز: ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[1]. تكشف هذه الآية عن أنّ الله -تعالى- هو الذي اختار اللغة العربيّة لتكون لغةً لكتابه الخاتم لرسالاته؛ لما لذلك من دخالةً في ضبط أسرار آياته وإيصال حقائقه ومعارفه من دون تحريف أو اضطراب أو التباس أو تشويه…؛ فقضى الله -تعالى- تنزيل حقائق كتابه الكريم ومعارفه العالية والسامية بقالب اللفظ العربيّ؛ لتقريبها إلى الأذهان والأفهام، ولتكون قابلةً للتعقّل والتأمّل، بأسلوب فاق حدود القدرة البشريّة في الفصاحة والبلاغة والبيان والتعبير… فالقرآن الكريم معجز كلّه باختلاف اللحاظات والجهات، وأبعاد إعجازه أعلى من أن تحصيها العقول، أو أن تدرك كنهها الأفهام. ومن أبعاد إعجاز القرآن فصاحته وبلاغته وبيانه، حيث تحدّى بها العرب الذين بلغوا مبلغاً لم يذكره التاريخ لواحدة من الأمم المتقدّمة عليهم أو المتأخّرة عنهم، ووطئوا موطئاً لم تطأه أقدام غيرهم في هذا المضمار، فتحدّاهم به، ثمّ تدرّج معهم في التحدّي إلى حدّ أن يأتوا بحديث من مثل القرآن الكريم! وبعد أن طال بهم الأمد، لم يجيبوه إلا بالعجز!
وقد جذبت لغة القرآن الكريم المستشرقين في فترة مبكِّرة من دراستهم للقرآن الكريم، فأبدى بعضهم الانبهار بها، وادّعى الأكثر تأثّرها بلغات الحضارات المحيطة بشبه الجزيرة العربيّة، وبالأدبيّات اللغويّة للكتب السماويّة السابقة على القرآن، وكذلك بأدبيّات أشعار الجاهليّة، وقد عاود المستشرقون المعاصرون تظهير هذه الادّعاءات بأساليب وأدوات عصريّة؛ فظهرت نظريّات معاصرة في مجال دراسة لغة القرآن الكريم تنطلق من البحث اللغويّ في فقه اللغة التاريخيّ وفقه اللغة المقارن بين اللغة العربيّة (لغة القرآن) وغيرها من اللغات السامية السائدة في الشرق (بلاد الشام والرافدين وشبه الجزيرة العربيّة) قبل نزول القرآن، ومن هذه النظريّات ما طرحه كريستوف لكسنبرغ من أنّ القرآن يحتوي على الكثير من المفردات الغامضة وغير القابلة للتفسير، حتّى أنّ العلماء المسلمين وجدوا صعوبةً بالغةً في توجيه بعض الفقرات لناحية إعراب معناها!!! مدّعيًا أنّ القرآن كُتِبَ بمزيج من العربيّة والسريانيّة (اللغة السوريّة الآراميّة القديمة المنطوقة والمكتوبة والسائدة في كلّ منطقة
الشرق الأوسط إلى بداية القرن السابع الميلاديّ)؛ ولهذا أثره البالغ في تفسير القرآن!!! وقد لاقت نظريّة لكسنبرغ رواجاً وإعجابًا من قِبَل بعض الأكاديميّين، في حين وجد آخرون في تطبيقاته التفسيريّة انحيازًا وانتقائيّة للتفسير الذي يخدم طرحه! فأثار كتابه الذي ضمّنه نظريّته في لغة القرآن جدلًا عالميًّا في فقه اللغة التاريخيّ وفقه اللغة المقارن للغة العربيّة مع اللغات الساميّة السائدة قبل نزول القرآن في الشرق الأوسط، وقد لَقِي هذا الكتاب تغطية كبيرة في وسائل الإعلام الرئيسة وبشكل غير معتاد لكتاب في فقه اللغة التاريخيّ والمقارن (الفيلولوجيا)، وأُقيمت عن نظريّته مؤتمرات عالميّة عدّة؛ منها: ما أقامه الألماني فيسنشافتسكولغ (معهد الدراسات المتقدّمة) في برلين في سنة ٢٠٠٤م، ومؤتمر آخر أقيم سنة ٢٠٠٥م في جامعة نوتردام بعنوان (نحو قراءة جديدة للقرآن)؛ بحيث جمع عددًا من الذين أبدوا قبولًا بأسلوب لكسنبرغ، وآخرين قدّموا مقاربات نقديّة لنظريّته.
وأمام هذا الواقع، ومن منطلق الحرص على القرآن الكريم ولغته العربيّة التي ارتضاها الوحي لتكون مدخلًا لفهم صحيح وسليم للقرآن، كان من الضروري بذل الجهود العلميّة والبحثيّة لمناقشة هذه النظريّة ونقدها.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا من الجهود العلميّة المبذولة من قبل المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، ضمن مشروع القرآن في الدراسات الغربيّة؛ وهو جهد عملي بحثيّ مميّز أنجزه الباحث الإيرانيّ أميرحسين فراستي بإشراف الدكتور محمود كريمي الأستاذ المشارك في كليّة الإلهيات والدراسات الإسلامية في جامعة الإمام الصادق(عليه السلام) في العاصمة الإيرانية طهران، تناول فيه بالدراسة والتحليل والنقد كتاب «القراءة السريانيَّة-الآراميَّة للقرآن» للمستشرق الألمانيّ كريستوف لكسنبرغ الذي بذل فيه مساعيه ـ كما يدَّعي كاتبه ـ في تقديم رؤيةٍ حديثةٍ في لغة القرآن الكريم وطريقة فهمها. ويتمحور الكتاب حول إثبات أنَّ لغة القرآن الكريم ليست عربيَّةً محضة، بل فيه مفردات من اللغة السريانيَّة تسبَّبت في صعوبة فهمه لدى المسلمين، إلى جانب الأخطاء التي ارتكبها الكتّاب، والتي أدَّت إلى عدم التماسك والاتِّساق في نصوصه الشريفة.
ورأيه هذا ناجمٌ عن الاعتقاد بأصلٍ سريانيّ للقرآن، وهو رأيٌ لا يخلو من التعسُّف والتسرُّع، وفيه تغاضٍ عن حقائق جمَّة؛ فإنَّ بيانات علم الآثار وتصريحات علماء الساميَّات تعارضُ التاريخ الذي صنعه لكسنبرغ لمكَّة وأهلها، وكذلك التراث الروائيّ الإسلاميّ والشعر والأدب الجاهليّ زاخر بالشواهد المتعدِّدة التي ترفض دعاويه بشأن مفردات القرآن. هذا، مضافًا إلى استخدامه الخاطئ للمنهج الفيلولوجيّ الذي وظَّفه بشكلٍ منحاز في إثبات نظريَّته، فضلًا عن السياق القرآنيّ الذي لا يتناسب مع ما ادّعاه.
نرجو أن يقدِّم هذا الكتاب فائدة علميّة وبحثيّة مرجوّة للباحثين في نقد النظريّات الاستشراقيّة المعاصرة في لغة القرآن الكريم، ولا سيّما نقد نظريّة كريستوف لكسنبرغ في هذا المجال.
والحمد لله رب العالمين
المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية
—————————
[1] سورة الزخرف، الآية: 3.بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
لقد شهد الاستشراق في سبعينيَّات القرن العشرين تحوُّلًا جذريًّا في مجال دراسات القرآن الكريم، على أثر انقسام المستشرقين إلى مدرستين ذواتَي اتِّجاهين مختلفين؛ سُمِّيَت المدرسة الأولى بـ«التقليديَّة»[1]، والثانية بـ«التنقيحيَّة»[2].
وما يميِّز المدرسة الثانية، والتي من روادها «وانسبرو»[3] و«كرون»[4] و«لولينغ»[5] و«كوك»[6]، هو أنَّها -خلافًا للأولى التي تقصر أبحاثها على المصادر الإسلاميَّة ـ تحلِّل التراث الإسلاميّ موظِّفةً منهجَ نقد المصادر[7]، مضافًا إلى الاعتماد على مصادر غير عربيَّة، مثل: نتائج علم الآثار، وعلم الكتابات القديمة، وعلم المسكوكات[8]. ويعمد هذا الاتِّجاه إلى إثارة الشكّ في صحَّة التاريخ الإسلاميّ، ويعتمد -بصورة صريحة أو ضمنيَّة- على فرضيَّات «جولدتسيهر[9]»[10]، الذي كان يرى أنَّ الحديث [النبويّ] هو حصيلة التطوُّر الدينيّ والتاريخيّ والاجتماعيّ للإسلام في القرنين الأوَّلَيْن للهجرة، وعلى هذا الأساس فلا قيمة له في معرفة التاريخ الذي يدَّعيه، أيْ العصر النبويّ، بل للزمن الذي وُضع فيه، أيْ العصرَيْن الأمويّ والعبَّاسيّ[11]. ويفضي هذا الاتِّجاه إلى القول بأنَّ القرآن ليس نتاجًا بشريًّا وحسب، بل اكتمل في فترة القرنين الأوَّلَيْن للهجرة[12]، ومن هذا المنطلق يكترث بإعادة بناء نصِّ القرآن.
لكن ما لبث أصحاب هذا الاتِّجاه أن تلقوا ردود فعلٍ قاسيةٍ وانتقاداتٍ لاذعةٍ من قبَل أغلبيَّة المستشرقين الذين رفضوا نظريَّاتهم؛ ما أدَّى إلى صمتهم لمدَّة سنوات[13].
ولعلَّ عودة هذا الاتِّجاه إلى الحياة من جديد مرهونةٌ بمؤسَّسة ألمانيَّة عنونت نفسها بـ«الإنارة» (Inârah)، تنويهًا بعصر التنوير الأوروبيّ الذي يمتاز برفض الطبيعة الإلهيَّة للكتاب المقدَّس، واستبدال القصص والخرافات والوحي بالعقلانيَّة، وهي تحاول تطبيق الاتِّجاه نفسه على الإسلام والقرآن[14]. ومن أبرز الباحثين فيها: «كارل هاينتس أوليك»[15] -مؤسِّسها ورئيس التحرير لعدد من منشوراتها- وكذلك «كريستوف لكسنبرغ»، مؤلِّف كتاب «القراءة السريانيَّة-الآراميَّة للقرآن: مساهمة في فكِّ شفرة لغة القرآن»[16]، وهما كسائر المتعاونين مع تلك المؤسَّسة تتمحور مؤلَّفاتهم -نتيجةً لاعتقادهم بأنَّ الإسلام كان في البداية نوعًا من المسيحيَّة، وما زال كذلك حتَّى نهاية القرن الأوَّل للهجرة[17]- حول إثبات أصل مسيحيّ للإسلام.
تركِّز هذه الدراسة على كتاب لكسنبرغ المشار إليه آنفًا، والذي أثار ضجَّة بين المستشرقين والمسلمين لدى انتشاره للمرَّة الأولى باللغة الألمانيَّة عام ٢٠٠٠م. ثم نُقل إلى اللغة الإنكليزيَّة عام ٢٠٠٧م، مع إضافات من المؤلِّف نفسه، وهي النسخة التي اعتمدنا عليها هنا.
يشدِّد لكسنبرغ في كتابه هذا على مسألة الكلمات الدخيلة في القرآن الكريم، ويدَّعي تعديل فهمها على أساس منهجه الخاصّ، وذلك بعد إنكاره أهمِّيَّة المصادر الإسلاميَّة في فهم القرآن على الإطلاق[18]. ويمتاز هذا الكتاب عن أمثاله في توظيف مؤلِّفه منهجًا فيلولوجيًّا في إثبات ما كان أسلافه -أمثال: «كارل فُلرز»[19] و«ألفونس مينغانا»[20]- بصدد إثباته[21].
وحريٌّ بالذكر أنَّ مسألة الكلمات الدخيلة في القرآن الكريم مسألةٌ قديمة قِدَمَ تاريخ القرآن، وقد اختلف فيها العلماء المسلمون بُعَيْد جمع القرآن. فبينما أنكر بعضهم[22] وجود الكلمات المعرَّبة في القرآن الكريم؛ تمسُّكًا بقوله -تعالى-: ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٩٢﴾ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) [23]، أثبتها آخرون؛ مفسِّرين عبارة «بلسانٍ عربيٍّ» في قوله -تعالى- بـ«الواضح البيِّن» الذي جيء بوصف «مبين» لتوكيده[24]؛ ولهذا عكف فريقٌ منهم على تدوين معاجم وتأليف كتب تضمٌّ هذه الألفاظ الدخيلة في العربيَّة. ومن أقدم هذه الكتابات ما جُمع من أجوبةِ عبد الله بن عبَّاس على أسئلةٍ طرحها نافع الأزرق الخارجيّ، وما كتبه الجواليقي وسمَّاه «المعرب من الكلام الأعجميّ»، وتبعه كثيرون ممَّن لا تتَّسع هذه المقدّمة لذكر أسمائهم.
وليس المسلمون وحدهم من اهتمّ بهذه المسألة، بل كانت موضع اهتمام غيرهم -أيضًا-، حتَّى أقبل بعضهم على تأليف كتبٍ تحوي عددًا كبيرًا من هذه الألفاظ. ومن أشهر هذه الكتب ما ألَّفه القسِّيس المسيحيّ آرثر جفري، بعنوان: «الكلمات الدخيلة في القرآن»[25]، والذي ضمَّنه أكثر من ثلاثمئة مفردة قرآنيَّة، رادًّا أصلها إلى خارج بيئة الإسلام. هذا، وعلى الرغم من اهتمام المسلمين وغيرهم بهذه المسألة، ولكن ثمَّة بونًا شاسعًا في رؤيتهما إلى هذه الكلمات، يكمن في استنتاج المستشرقين من التقارض اللغويّ أصولًا غير إلهيَّة للقرآن، مفترِضِين التوراة والإنجيل مصدَرَيْن له[26].
واستمرَّ هذا الاتِّجاه الاستشراقيّ فترة طويلة من الزمن حتَّى أكل عليه الدهر وشرب في ثلاثينيَّات القرن العشرين[27]، إلى أنْ جاء المستشرق البلغاريّ «لولينغ» ليُحييَ بدعةً قد أُميتت، في كتابه: «القرآن الأصليّ»[28] بحثًا عن جذورٍ مسيحيَّة للقرآن. ثمَّ ظهر بعده «لكسنبرغ» مطوِّرًا عناصر فرضيَّات «لولينغ»، ومؤكِّدا على نظريَّات علم اللسانيَّات، في كتابه الصادر سنة ٢٠٠٠م[29]، والذي اختلفت الآراء -تأييدًا ومعارضةً- حول فكرته البديعة التي ادَّعاها فيه بشأن القرآن، والمتمثِّلة في أنَّ جزءًا كبيرًا منه هو باللغة السريانيَّة.
ومن أهمّ دعاوى هذا المستشرق، هو أنَّ بعض كلمات القرآن قُرئت أو فُهمت بنحو خاطئ؛ بسبب عدم تطوُّر الخطِّ العربيّ في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، أو عدم كتابة النقاط في رسم القرآن، وكذلك يعتبر الخطَّ السريانيّ أصلًا للخطِّ العربيّ، ولغةَ أهلِ مكَّة -أيْ مخاطبي القرآن- مزيجاً من العربيَّة والآراميَّة، قاصدًا السريانيَّة تحديدًا؛ وذلك للتواجد الحاشد للنصارى فيها. ومن هذا المنطلق بدأ بتعديل مفردات القرآن الكريم وتعابيره، وإيجاد الموافقة بينها وبين المعتقدات المسيحيَّة، مستدلًّا بأنَّها ليست بالعربيَّة، بل باللغة السريانيَّة.
أمَّا كتابه «القراءة السريانيَّة ـ الآراميَّة للقرآن»، فهو يتألَّف من ثمانية عشر فصلًا، بدءًا من المقدِّمة (الفصل الأوَّل) ووصولًا إلى الخلاصة (الفصل الثامن عشر)، وبعد أن يعرِّف مصادرَ بحثه في الفصل الثاني ومنهجيّته في الفصل الثالث، يعبِّر عن رأيه في الفصل الرابع في أصل الخطّ العربيّ ومشاكله التي أدَّت إلى أخطاء جمَّة ـ حسب دعواه ـ في قراءة القرآن وفهمه، ثمّ يشير في الفصل الخامس -وهو قصيرٌ جدًّا ـ إلى النقل الشفاهيّ أو الكتبيّ للقرآن منذ العصر النبويّ حتَّى عصر الخلفاء، وبينما يدَّعي عجز التراث الإسلاميّ عن تحديد زمن التعديل النهائيّ لقراءة القرآن، ويقدّر ذلك بفترة تربو على ثلاثمئة عام، تجده يُلفت الأنظار في الفصل السادس إلى الروايات الدالَّة على اختلاف الصحابة في قراءة القرآن، وفي الوقت ذاته تأكيد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على صحَّة جميع القراءات؛ تمهيدًا للفصل السابع، الذي ينوِّه فيه إلى مسألة القراءات السبعة للقرآن، وهنالك يربط بين هذه الأحرف السبعة والمصوِّتات السبعة في الخطّ السطرنجيلي (السريانيّ الشرقيّ)، وليناقشَ بعض الأحرف والمصوِّتات العربيَّة مثل «ي/ﱝ/ئ/ا/ة»، ويضرب أمثلةً من تعديلاتٍ أجراها على قراءة القرآن وفهمه، مشدِّدًا على خلط القرآن بين قواعد الكتابة العربيَّة والسريانيَّة كثيرًا، وعلى صمت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في الإجابة على السؤال عن تأويل القرآن، وفي الفصل الثامن يشير إلى الصعاب التي واجهها مترجمو القرآن إلى اللغات الأوروبيَّة، وتصريحهم بغموض جملة من المفردات والتعابير القرآنيَّة؛ ليخوض بعدها ـ تدريجيًّا ـ في نقد عربيَّة لغة القرآن، مفسِّرًا إعجازه -في الفصل التاسع- باستحالة فهم تفاصيله على الإنسان، ومنطلقًا في الفصل العاشر من مفردة «القرآن» نفسها، مدَّعيًا أنَّها مأخوذة من كلمة «ܩܪܝܢܐ» السريانيَّة التي تعني «كتاب قراءة النصوص المقدَّسة» (Lectionary)، متَّخذًا من ذلك دليلًا على إثبات تأثُّر القرآن بها، بل اقتباسه من الكتاب المقدَّس -أي العهدين القديم والجديد- وليس مستقلًّا عنهما. هذا، ويُعالج في الفصل الحادي عشر بعض الآيات التي تدلّ على نزول القرآن بلسانٍ عربيٍّ مبين، بينما يتشبَّث بأدلَّة -يسمِّيها بالفيلولوجيَّة- يسعى من خلالها إلى إثبات أنَّ لغة القرآن مختلفةٌ تمامًا عمَّا سُمِّي لاحقًا -أيْ بعد قرنين من الهجرة- بالعربيَّة الكلاسيكيَّة؛ إذ هي لغة الكتاب المقدَّس نفسها، ثمّ فُصِّلِت (يعني -كما يزعم لكسنبرغ تُرجمت) إلى العربيَّة. وبعد ذلك يتناول في الفصل الثاني عشر -بإسهابٍ- نماذج من المفردات والتعابير القرآنيَّة التي يزعم لها أصولًا سريانيَّة، وقد أدَّت قراءتها بوصفها ألفاظًا ذات أصول عربيَّة إلى عدم فهمها الصائب لدى المفسِّرين المسلمين، فيحاول تصحيح قراءتها، إلى جانب تقديم فهمٍ جديدٍ منها، مستدلًّا بتوظيف منهجه الفيلولوجيّ في لغة القرآن. كذلك يناقش في الفصل الثالث عشر اقتباس العربيَّة من النحو السريانيّ، ويشير إلى أمثلة في القرآن، ثمَّ يعالج في الفصل الرابع عشر آيتين من القرآن، يدَّعي قراءتهما الخاطئة في ما مضى من الزمان. ثمَّ يقدِّم في الفصل الخامس عشر دراسةً عن مدلول الحور العين، أثارت جدلًا واسعًا، حيث عبَّر فيها عن فهمه الغريب لهذا التعبير وهؤلاء الكائنات، معقِّبًا بالبحث عن الغِلمان (أو الولدان المخلَّدون)، مستنتجًا في الأخير أنَّ المفسِّرين المسلمين كانوا غافلين عن العناصر المسيحيَّة في الجنَّة التي يصوِّرها القرآن. ويختتم الكتاب بتفسيره الجديد لسورتَي الكوثر والعلق، فيبذل جهده في إيجاد الموافقة بين مضامينهما والمعتقدات المسيحيَّة التي اعتنقها السريان.
أمَّا هذا الكتاب الذي بين أيديكم، فيتناول أهمّ دعاوى لكسنبرغ في مجال لغة القرآن والخطّ العربيّ، ويعالج دعاويه الواردة في الفصلين الرابع عشر والخامس عشر من كتابه أنموذجًا؛ محاولًا الإجابة على الأسئلة الآتية:
ما هي أهمّ دعاوى لكسنبرغ وأدلَّته في إثبات نظريَّته عن القرآن؟
هل تتلائم نتائج الكتاب مع التراث الإسلاميّ؟
هل هذه النتائج مدعومة بمنهج علم اللسانيَّات، وهل كان المؤلِّف مصيبًا في توظيف هذا المنهج أو لا؟
ويتألَّف الكتاب من فصلين رئيسين؛ هما:
– الفصل الأوَّل: تطرّق فيه الباحث إلى أركان نظريَّة لكسنبرغ، مع الاستفادة من معطيات علم الآثار ونتائجه وما قاله المستشرقون وعلماء الساميَّات عن تاريخ العرب قبل الإسلام؛ لتقويم مدى صحَّة ما ادَّعاه لكسنبرغ عن تاريخ مكَّة وأصل الخطّ العربيّ.
– الفصل الثاني: يدرس فيه الباحث أنموذجين من تعديلات لكسنبرغ على قراءة القرآن وفهمه، وسيأتي التوضيح لاختيارهما. وقد قُدِّمت في هذا الفصل أدلَّة من التراث الروائيّ الإسلاميّ، وكذلك من تفاسير العلماء المسلمين، إلى جانب أشعار العرب في الجاهليَّة، مضافًا إلى دراسة فيلولوجيَّة لبعض مفردات القرآن، فضلًا عن آراء المستشرقين في مزاعم لكسنبرغ والردّ عليها.
وفي الختام، أقدِّم جزيل الشكر والامتنان والتقدير والاحترام للمركز الإسلاميّ للدراسات الاستراتيجيَّة-فرع بيروت؛ لموافقتهم على نشر هذه الدراسة، ثمَّ خالص شكري لأستاذي الغالي الدكتور محمود كريمي الذي أشرف على هذه الدراسة، وأرشدني إلى النهج القويم في إنجازها، كما أشكر الأستاذ الدكتور نهاد حسن حجي الشمري، الذي زوَّدني بجملةٍ من الكتب النافعة عن أصل الخطِّ العربيّ وتاريخه. وأرجو من الله-سبحانه وتعالى- أن يتقبَّل هذه الدراسة المتواضعة، ويجعلها توعيةً للأمَّة الإسلاميَّة، وصيانةً لهم من تضليل المستشرقين وأعداء الدين.
أمير حسين فراستي
——————————
أصدرت هذه المؤسَّسة إلى الآن (سنة 2020م) تسعة مجلَّدات بعنوان: «Inârah – Schriften zur frühen Islamgeschichte und zum Koran» (كتابات حول تاريخ الإسلام المبكر والقرآن)، وهي كتب جماعيَّة طبعتْها «Verlag Hans Schiler». (انظر موقعها:
www.inarah.net).
[15] Karl-Heinz Ohlig: الأستاذ المتقاعد في جامعة «Saarland» الألمانيَّة، والباحث في تاريخ المسيحيَّة. يعتقد أنَّ المسيحيَّة الأصيلة غير تثليثيَّة، ويبحث عن وثائق وشواهد تثبت ذلك (https://en.qantara.de/print/716). [16] Die syro-aramäische Lesart des Koran: Ein Betrag zur Entschlüsselung der Koransprache. [17] Hawting, Gerald: Book Review: Die dunklen Anfänge, Journal of Qur’anic Studies, 8(2), 2006, p. 135. [18] Luxenberg, Christoph: The Syro-Aramaic Reading of the Koran, Berlin: Verlag Hans Schiler, 2007, p. 11. [19] Karl Vollers. [20] Alphonse Mingana. [21] انظر: كريمي نيا، مرتضى: مسأله تأثير زبانهاى آرامى وسريانى در زبان قرآن، لا ط، نشر دانش، 1382هـ.ش، ص47. [22] انظر: أبو عبيدة، معمر بن المثنى: مجاز القرآن، تحقيق: محمَّد فؤاد سزگين، لا ط، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1381هـ.ش، ج1، ص17؛ الشافعي، محمَّد بن إدريس: الرسالة، تحقيق: أحمد شاكر، لا ط، مصر، مكتبة الحلبيّ، 1358هـ.ش، ج1، ص42؛ ابن فارس، أحمد: الصاحبي في فقه اللغة العربيَّة ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ط1، لا م، نشر محمَّد علي بيضون، 1418هـ.ق، ص33. [23] سورة الشعراء، الآيات 192-195. [24] انظر: خشيم، علي فهمي: هل في القرآن أعجميّ: نظرة جديدة إلى موضوع قديم، لا ط، بيروت، دار الشرق الأوسط، 1997م، ص6. [25] The Foreign Vocabulary of the Quran (1938). [26] انظر: نولدكه، تيودور: تاريخ القرآن، ترجمة: جورج تامر، ط1، بيروت، نشر جورج ألمز، 2004م، ج1، ص7. [27] Motzki, 2006, p. 65. [28] Über den Ur-Quran: Ansätze zur Rekonstruktion vorislamischer christlicher StroStrophenlieder im Quran (1974). [29] Steenbrink, 2010, p. 158.