ازاميل/ متابعة: جهز كل شيء لإتمام عرسه لكنه لم يتم، فأراد الخروج من مدينته، فولفسبورغ، فتوجه إلى “الدولة الإسلامية” في سوريا. وبدلا من الحياة الوردية التي وعده بها أحد الخطباء، ملأ قلبه الرعب فعاد لألمانيا، حيث يشعر بالارتياح رغم سجنه، وتخلى عن فكرة الالتقاء بحور العين والزواج بأربع نساء أو الاستمتاع بقضاء وقت طيب مع بعض مجاهدات النكاح!.
أمام محكمة الولاية العليا في مدينة “تسيله” بولاية سكسونيا السفلى تجري محاكمة المواطن الألماني، ذي الأصول التونسية إبراهيم . ب (26 عاما)، العائد من القتال في سوريا.
وقال إبراهيم أمام قضاة المحكمة إنه كان يتخيل أنه بمجرد وصوله إلى مناطق “الدولة الإسلامية” (داعش) في سوريا سيكون في انتظاره كل ما هو جميل، الضحك ولعب الكرة وحفلات الشواء والنساء والسيارات الفخمة، “وهناك يمكن له ان يتزوج بأربع نساء” لكن لم يحدث من ذلك أي شيء وإنما جرى سجنه بمجرد وصوله إلى معسكر استقبال المقاتلين في جرابلس السورية.
وعندما خرق أذنيه صوت باب الزنزانة وهو يوصد عليه بقوة حدث تحول في أفكاره، حسب ما حكى إبراهيم. “عند هذه النقطة أدركت أنني وقعت في مشاكل كبيرة”. إدراك تأخر كثيرا، فقد خرج من فولفسبورغ في ألمانيا متوجها إلى تركيا ومن هناك عبر الحدود مع سوريا، وانضم إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” وكان عليه أن يختار إما أن يكون “مجاهدا” فيشارك في أعمال القتال أو أن يصير “استشهاديا”، فيقوم بعملية انتحارية.
“لا أعتقد حتى اليوم أنني في هذه اللحظة أجلس على مقاعد المتهمين. أنا سعيد جدا لأنني موجود هنا وأستطيع أن أتحدث معكم”، يقول إبراهيم، الذي يشعر بالارتياح رغم أنه يجلس خلف نافذة زجاجية عالية داخل قاعة المحكمة. وراء الجدران الألمانية يشعر بالأمان، ويجلس مرتديا الملابس الغربية العادية وبجانبه صديقه المتهم أيوب ب (27 عاما)، ويواجه الاثنان الاتهام بالانضمام إلى تنظيم إرهابي أجنبي.
ويعترف إبراهيم أنه سجل نفسه كانتحاري لدى تنظيم “الدولة الإسلامية”، لكنه يقول، إنه فعل ذلك كحيلة فقط ليهرب من التنظيم خلالها.
“لم أكن ذاك الشخص المتدين.. ومازلت لا أجيد الصلاة!
“كنت في الوقت الخطأ وفي المكان الخطأ”، يقول إبراهيم ببساطة محاولا توضيح الأمر الذي لا يفهمه كثيرون. لم يستمر الأمر سوى أسبوعين أو ثلاثة منذ اللقاء الأول في أحد المساجد وحتى سفره متجها لسوريا: “كنت فقط أريد أن أبتعد عن هنا”، والسبب هو إلغاء حفل زفافه، ويضيف “لم أكن متدينا بشكل خاص وما زلت لا أستطيع تأدية الصلاة بشكل صحيح حتى اليوم ولم يسبق أن كانت لي علاقة بسلفيين أو إرهابيين”. ”
تفاصيل كثيرة تناولها إبراهيم في حديثه عن استعداده للزواج واستئجاره لقاعة الاحتفال وحتى اختياره لـ”تورتة” الفرح، ويقول: “أنا وخطيبي تناقشنا حول من يكتب اسمه أولا على التورتة، اخترنا اسما لأول طفل سنرزق به”. لكن بعد ذلك كان هناك جدال في الأسرة، وشعر أحد الأعمام أنه جرى خداعه، فسعى لمنع الزواج “الجميع يعلم أنني كنت أريد أن أتزوج، وكانت هذه هي الصدمة الكبرى بالنسبة لي”، يقول إبراهيم.
وجد إبراهيم لدى أصدقائه في المسجد دعما لم تستطع أن تقدمه له عائلته في ذلك الوقت: “كانوا مثل إخوة لي، تعثرت في حياتي فتلقفوني”. ويطلق الآن على هؤلاء الرجال، الذين كانوا يلتقون بانتظام في ذلك المسجد اسم “خلية فولفسبورغ”، وهي عبارة عن مجموعة من حوالي 20 من المسلمين من المدينة التي تقع في شمال ألمانيا، سافروا في 2013 و 2014 لسوريا من أجل الانضمام إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”.
الخطيب ياسين ودروسه في المسجد
هؤلاء الشباب كان يجذبهم الخطيب ياسين أ، الخطيب لدى تنظيم داعش. وكانوا يلتفون بانتظام عندما كان يجيء ليلقي دروسه في المسجد، حسب ما يحكي إبراهيم ه ب، ويوضح الإعجاب الشديد من قبل المجموعة بياسين أ: “كان يعطي الانطباع بأن لديه إجابة على كل الأسئلة وكان الجميع يحترمونه”
مقاتلون غربيون كثيرون انضموا إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا من بينهم أيضا مواطنون ألمان.
ثم بدأ يسافر من مجموعة فولفسبورغ الواحد تلو الآخر وقرر إبراهيم أن يلحق بأصدقائه. بإمكانه أن يتزوج أربع نساء، وأن يحصل على بطاقة يمكنها بها أن يتزود بالوقود ويشتري البضائع مجانا، هكذا وصف ياسين أ الحياة في سوريا لإبراهيم. ويقول إبراهيم: “أعترف أنني كنت أعمى وغبيا آنذاك.”
واليوم يقول إبراهيم، إنه نادم على كل خطوة في مسيرته نحو “الدولة الإسلامية”، لكنه لا بد أن يجيب القضاة على أسئلتهم بخصوص مسائل عديدة “صغيرة”، مثل الرأس المقطوعة التي سبق وتحدث عنها في مقابلة تلفزيونية قبل محاكمته، وقال إنه رآها عندما كان محتجزا لدى “الدولة الإسلامية”. حيث ذكر أن مقاتلي التنظيم شكوا في كونه جاسوسا، فقاموا بإلقاء جثة في محبسه لبث الرعب في قلبه.
العائدون من عند داعش: حالات تحتاج العلاج
في المقابلة التلفزيونية، كان إبراهيم قد قال، إن مقاتلي داعش وضعوا الرأس فوق الجثة، لكن عندما سأله القاضي أجاب بأن الجثة كانت ملفوفة في غطاء. وأنه لم يتمكن من رؤية هل هي برأس أم بدون رأس. تناقض كهذا يحاول إبراهيم تفسيره بأنه نتيجة خوفه وحالته العقلية والنفسية: “لقد كان الشهران والنصف بالنسبة لي مثل مقطع في فيلم. وعندما تكون جالسا في غرفة مثل تلك الغرفة وترمى فيها جثة، فإنك لا تبدأ في فحصها بدقة”.
ويقول إبراهيم إنه بعد عودته إلى ألمانيا خضع لأكثر من مائة ساعة من جلسات الإرشاد النفسي، وأنه كان يعيش في حالة من الذعر المستمر، وعندما جاءته الدعوى التي رفعتها عليه المحكمة الاتحادية، صار لديه خوف من أن يتم نقله إلى غوانتانامو أو تسليمه للولايات المتحدة، ويضيف: “اتصلت بالمحامي الخاص بي، وسألته: هل سأعدم؟”
وإذا ما تمت إدانة إبراهيم وزميله أيوب، فسيحكم عليهما بالسجن لمدة قد تصل حتى عشر سنوات.
وإضافة إلى تهمة الانضمام إلى منظمة إرهابية يواجه أيوب تهمة الإعداد لتنفيذ هجمات تخريبية خطيرة ضد الدولة.
وتقول لائحة الاتهام إنه شارك في التدريب على القتال واستخدام السلاح. وهي مسائل أنكرها الأسبوع الماضي أيوب البالغ من العمر 27 عاما، وقال إنه كان يريد فقط دراسة القرآن وتقديم “مساعدات إنسانية”.
عن : DW