في حديث مع صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، بعنوان “الصورة التي تخاطب الجبن فينا”، وترجمته – رفيقة محجوب، علّق المصور الصحافي Alain Mingam على الصورة الصادمة للطفل السوري الغريق آلان كردي.
وهنا نص المقابلة بصيغة سؤال وجواب، حتى يظهر صدق التعبير أمام صورة شاهدها ملايين الناس في ساعات وجيزة.
س: لماذا طافت هذه الصورة العالم؟
ج: نجد في هذه الصورة كل العناصر العاطفية التي أخرجتها من روتين صور الحرب، فهي تخاطب العين والضمير ووعينا كمواطنين. كما أنها فظيعة، لأنها تقع تحت الشمس وخلال العطلة على الشاطئ. وهنا يأتي التناقض بين الجنة وجحيم الموقف. لا يوجد أي عنصر تجميل أو أي تأثير عاطفي. فهي تخاطبنا لتقول لنا: انظروا إلى هذا الرعب الذي أصبح عاديا.
س: هذه الصورة ليست الأولى لضحايا من الأطفال اللاجئين.. لماذا حظيت هي بكل هذا الاهتمام؟
ج: هذه الصورة فردية. لا وجود للجماعة. فهذا الطفل وحيد وواجه الموت معزولا وهو ما يمسنا كآباء أو أمهات أو أخوات وإخوان.
فنحن لا نتعامل فقط مع إنسان لكن أيضا مع طفل وهو ما يخاطب الجبن فينا.
فنحن نشعر بالحرج بحجم هول الموقف. فنحن أمام مسؤولية مزدوجة: مسؤولية المشاركة في هذه الفوضى، ومسؤولية التوقف كثيرا عند صور فظيعة أخرى، والتي لم تمسنا بقدر ما مستنا هذه الصورة.
س: لماذا علينا أن نظهر هذه الصورة؟
ج: علينا فعل ذلك حتى ندين ما لا يمكن تحمله. فالصورة ضرورية للحياة في عالمنا.
العديد من الصحف البريطانية مثل الأنبدندنت نشرت هذه الصورة كما هي، لأنها تختزل الحقيقة ونتيجة الحرب في الشرق الأوسط.
الرأي العام لا يريد أن نحجب عنه الحقيقة فلا بد من التعامل مع القارئ كإنسان راشد. فغدا لسبب من الأسباب، وإذا تم منع هذه الصورة من التداول فذلك سيمثل ضربة للديمقراطية.
س: هل يمكن لهذه الصورة أن تؤثر في الرأي العام؟
ج: هذا ما أتمناه. فالصور لها وزن مهم وضروري في التأثير على الرأي العام وعلى الحكومات. وقضية الهجرة تم التلاعب بها وتوظيفها لأغراض سياسية. مسؤولية أي صحيفة عند نشر صور مثل هذه، هو زعزعة الأفكار المسبقة عن الهجرة. المهاجرون هم بالنسبة للكثيرين أناس يريدون أكل رغيفنا، ولكن ننسى أنهم عائلات بأكملها تفر من الحرب أو الفقر، وهذا الطفل هو هنا ليذكرنا بذلك. هذه الصورة توقظ الضمائر كباقي الصور التي بقيت علامة فارقة في التاريخ، فالفتاة الصغيرة التي احترقت بـ”النابالم” عام 1972 كان لها وقع رهيب في تلك الفترة. والرأي العام الأميركي بدأ بفضل هذه الصورة يعي فضاعة الحرب. وقد حان الوقت لنلتفت إلى مصير اللاجئين.
وقال الصحفي اللبناني غسان شربل عن الصورة
ولعله راهن أن شقيقه غالب سيوقظه بعد قليل. وأن أمه ريحانة ستناديه لمتابعة الرحلة إن استغرق غالب في الأحلام. ربما لم يعلم أن غالب مات قبل أن يوقظه. وريحانة ماتت قبل أن تناديه. وأنه مات هو الآخر. ربما لم ينتبه إيلان ابن السنوات الثلاث أن القارب انقلب بالسوريين الهاربين. وأن سورية نفسها تشبه قارباً انقلب. لم يعرف أن صورته ستحتل الشاشات. والصفحات الأولى.ما أقسى أن تكون سورياً في هذه الأيام.
ما أفظع أن تكون كردياً سورياً في كل الأيام.
وما أوجع أن تكون من كوباني التي نسميها، نحن العرب، «عين العرب».
أكاد أتهمه بالانتحار عمداً. يأساً من بلاد تقتل أطفالها مرة على أرضها ومراراً في البحار. تطردهم وتوقعهم بين أنياب باعة الأحلام الموصلة إلى المقابر. ولعله انتحر ليرمي جثته في وجه هذا العالم المفترس. في وجه مهرج اسمه الضمير العالمي بقي متفرجاً على الجرح السوري المفتوح. في وجه كل من ولغ في دم سورية والسوريين. في وجه كل من حاول الاصطياد في بحيرة الدم السورية. ووجه كل من تردد في بذل ما يلزم لإيقاف مذبحة الأرقام القياسية. أرقام القتلى والمعوقين والبيوت المحروقة والجثث الصغيرة.
ووجه سوبرماركت الأمم المتحدة ودكان الجامعة العربية. ودكاكين القرار في عواصم القرار.
لهذا العالم الوحش ذاكرة تنسى. غداً يضجر من جثة إيلان ويقلب الصفحة. لهذا لا بد من الاحتفاظ بالجثة حاضرة. ليتها تؤخذ طازجة إلى اجتماع لمجلس الأمن على مستوى وزراء الخارجية. تحضر لتذكر جون كيري بنهر الجثث المتدفق في المنطقة على رغم زياراته الكثيرة وابتساماته. يمكن أن ترسل أيضاً إلى سيده بطل مسلسل «الخط الأحمر». الرجل الذي ترك العراق لمصيره. وترك أفغانستان لمصيرها. وترك السوريين بين الموت براً أو الموت بحراً بعدما كان سارع في تحريضهم على الذهاب بعيداً في انتفاضتهم.
————–
وانتشر على موقع تويتر وسم “الإنسانية تلفظ على الشاطئ” بعد تداول الصورة على نطاق واسع.
بلغ السيل الزبى
وعلق بعض الناشطين على الموقع بالقول إن هذه الصورة تلخص فشل المجتمع الدولي في سوريا، واعتبروها إنذارا لزعماء أوروبا بأنه قد بلغ السيل الزبى.
وتساءلت صحيفة إندبندنت البريطانية في صفحتها على تويتر قائلة “إذا لم تغير صورة هذا الطفل موقف أوروبا تجاه اللاجئين، فما الذي سيغيره؟”
وقالت صحيفة ديلي ميل البريطانية على موقعها الإلكتروني إن مأساة الطفل الصغير تلخص يأس هؤلاء اللاجئين.
وتعاطف كثير من الأوروبيين مع صورة الطفل “التي فطرت قلوبهم”، مطالبين زعماءهم بالتدخل لإنهاء مأساة اللاجئين.
وذكرت تقارير عديدة أن الطفل غرق مع أخيه حين كانا مع والديهما في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر.
وكان الطفل واحدا من 16 لاجئا غرقوا قبالة السواحل التركية، بينهم خمسة أطفال وامرأة، لم تثنهم المخاطر عن خوض البحر أملا في الوصول إلى جزيرة كوس اليونانية.
وتعالى صراخ اللاجئين الذين كانوا في قاربين حين أدركهم الغرق، وهو ما أنذر خفر السواحل التركي الذي لم يفلح في إنقاذ هؤلاء، لكنه أنقذ 15 شخصا آخرين من مجموع ركاب القاربين، كما تمكن آخرون من الوصول إلى الشاطئ وهم يرتدون سترات النجاة.
رونالدو.. صورة الطفل السوري الغارق شكلت صدمة بالنسبة لي
عبّر مهاجم نادي ريال مدريد الإسباني، الدولي البرتغالي كريستيانو رونالدو، عن تعاطفه التام مع الطفل السوري، إيلان كردي، والذي لقي مصرعه غرقاً وسط أمواج البحر المتوسط، وغيره من الضحايا الذين هربوا من المعارك الدامية في سورية؛ جاء ذلك من خلال رسالة قصيرة كتبها على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
وكتب نجم نادي العاصمة الإسبانية في الرسالة التي نشرها على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “إن رؤية صور الغارقين أمام الشواطئ كانت أمراً صادماً بالنسبة لجميع عناصر المنتخب البرتغالي، والذين أعربوا عن دعمهم التام للاجئين السوريين”.
من حرب فيتنام إلى طفل سوريا الغريق.. الأثر الخالد للصورة الخبرية
انضمت صورة الطفل السوري الغريق، أيلان كردي، ابن السنوات الثلاث إلى صور خالدة لمآسي البشرية، من بيافرا في نيجيريا إلى الحرب في فيتنام، لا تزال عالقة بأذهان الناس.
لكن الصورة التي التقطتها المصورة التركية، نيلوفير ديمير، للطفل السوري، وهو يرقد ميتا على شاطئ تركي في قميص أحمر، قد تكون غير مسبوقة، من حيث الأثر على الرأي العام والتبعات السياسية.
وانتشرت صورة أيلان كالنار في الهشيم عبر موقع “تويتر” الأربعاء، قبل أن تتصدر الصفحات الأولى للصحف في أنحاء العالم الخميس، لتطلق سيلا من المشاعر لدى العامة، وتزيد الضغط على الحكومات الأوروبية لتتحرك.
وقال مصور وكالة “ماجنوم”، ستيوارت فرانكلين، الذي التقط صورة رجل صيني يقف في مواجهة دبابة في ميدان تيانانمين عام 1989: “لا يوجد لدينا مثال أوضح لصورة واحدة أحدثت في ليلة واحدة كل هذا الأثر”.
وقالت جيني ماثيوز المصورة التي تعمل لصالح وسائل إعلام ومنظمات إغاثة في مختلف أنحاء العالم، إن وسائل التواصل الاجتماعي أدّت دورا كبيرا ليس فقط في نشر الصورة، بل في نقل مشاعر الناس.
وأضافت: “شعر الناس أن بمقدورهم التفاعل مع الصورة بنقل ما شعروا به من حزن”.
وفي كندا، أضحى المصير الذي لاقاه أيلان وأسرته قضية سياسية بعدما تبين أن الأسرة حاولت الهجرة إلى هناك. واستجاب رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، للضغط الشعبي لقبول المزيد من اللاجئين السوريين.
وقالت منظمة (أنقذ الطفولة) الخيرية، إنها منذ نشر الصورة سجلت زيادة في التبرعات استجابة لندائها بشأن سوريا.
وقال مدير معرض المصورين في لندن، بريت روجرز: “لدينا هنا صبي يعاني سوء التغذية، يرتدي ملابس عصرية.. يبدو وكأنه بقي ليوم كامل على الشاطئ هكذا”.
مآسي الماضي
وسرعان ما أصبحت صورة أيلان المروعة تقارن بثلاث صور أخرى دخلت تاريخ التصوير الخبري.
في عام 1969 أثارت صور التقطها دون ماكولين الوعي بالحرب في بيافرا، حيث حاولت امرأة هزيلة إرضاع رضيعها الذي يتضور جوعا، وأطفال آخرين منهكين في الإقليم الانفصالي الذي حاصرته القوات النيجيرية.
وتحولت الصور إلى لافتات رفعها محتجون اعتراضا على الدعم البريطاني لنيجيريا. وبعدها بأسابيع اعتبر المغني جون لينون ذلك سببا لإعادة وسام بدرجة فارس منحته إياه الملكة إليزابيث.
في عام 1972، تجسدت ويلات الحرب في فيتنام في صورة التقطها نيك أوت للصبية فان تي كيم فوك ابنة التسع سنوات، وهي تركض عارية يتملكها الرعب فرارا من قصف النابالم.
وتصدرت الصورة الصفحات الأولى للصحف الأمريكية، رغم تحفظات في ذلك الوقت على نشر صور عارية.
بعدها لم يخف الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، في حديث مسجل تساؤله إن كان المعسكر الرافض للحرب وراء الصورة من أجل أغراض دعائية. لكن مصداقية الصورة ثبتت بما لا يدع مجالا للشك.
وفي عام 1993 سببت صورة التقطها كيفن كارتر لطفلة سودانية واهنة أسقطها الهزال أرضا، بينما يقف نسر بالقرب منها منتظرا صدمة ورعبا، فتواصل المئات مع محرري الصحيفة للسؤال عما حدث لها.
وواجه كارتر انتقادات لأنه التقط الصورة بدلا من مساعدة الفتاة. لكن ما لم يكن معلوما حينها أنه كان قد وصل للتو على متن طائرة تحمل الطعام، وأن والدي الطفلة قد وضعاها جانبا من أجل الذهاب والحصول على مساعدات.
وفازت الصورة في العام التالي بجائزة بوليتزر. وبعد ذلك بثلاثة أشهر انتحر كارتر.
ومثلما فعلت صورة طفل سوريا الغريق، مثلت تلك الصور نماذج لقدرة الصور الثابتة على تجسيد أزمة معقدة مستعصية في رمز بمقدور أي شخص استيعابه.
وقالت ماثيوز: “الصور مجردة لا تقدم لك الواقع كاملا. تقديم معلومات دقيقة قد يصبح صعبا حقا. الناس لا ينصتون بشكل كامل.. ويشعرون بالارتباك. الشيء الجيد في صورة أيلان أنها واضحة تماما. فيها حقيقة واحدة”.
وأزمة اللاجئين إلى أوروبا مستمرة طيلة الصيف، لكن هذا الكم الهائل من المقالات الإخبارية والتقارير التلفزيونية التي تظهر المعاناة واليأس، لم تكن بهذا القدر من التأثير الذي أحدثته صورة أيلان.
وقال روجرز: “تشاهد اللقطات المصورة ولا تعود إليها. تضيع الذكرى سريعا في معظم الأوقات. لكن الصورة الثابتة تبقى أمامك.. يمكنك تأملها وتصبح تعبيرا عما يحدث في أزمة اللاجئين”.