د.علي الشعيبي: ابن تيمية والعقيدة الكرامية اليهودية
كتب د. علي الشعيبي/ عربي برس
نحن في علوم البحث العلمي ولاسيما بحوث علم نفس الدعاة والأشخاص، وعلم النفس التربوي متواجدون في مخبر تحليل نفسي للأفراد والجماعات، أقوالهم، تصرفاتهم،أثرهم في الآخرين، وأثر الآخرين فيهم .
وابن تيمية واحد من هؤلاء الناس الذين طال حولهم الجدل بين مؤيد ومعارض، وما أعتقد أن أحداً في العصر الحديث عرضه مع التحليل النفسي، وربما عرضه بعض الباحثين على مدارس التحليل النفسي، ما أدري، ولكن ونحن في عصر الإرهاب والتكفير الذي هو نتاج فكر ابن تيمية، لابد من إعادة النظر في عقيدة، ومذهب، وفقه ابن تيمية .
وهذا أمر يحتاج إلى جهود مجموعة، متخصصة، أما مقالتي هذه، فهي في تحليل بعض أفعال وأقوال ابن تيمية، التي صارت الآن وعلى يد الوهابيين، والتكفيريين الآخرين ديناً خاصاً بهم، لاعلاقة له بصميم الدين الإسلامي، والمضحك المبكي أنهم يدّعون رفع راية الدين، والعدل، والعمل الصالح المستقيم، وأفعالهم تخالف دعوتهم، كما تخالف دعوتهم دعوة الرسولr، هناك سؤال يطرح نفسه، هل يعلم هؤلاء أنهم ضالون، أم هم في عنادهم وغيهم سائرون ؟.. أم تُراهم مصدقين أنهم أصحاب الفرقة الناجية ؟!..
ألم يكن مؤسس دينهم الذي أسسه لهم، وهو كما جاء وصفه في البخاري كأنه واحد من هؤلاء المعاصرين الذين نجدهم على الفضائيات أو في المساجد، أو وهم يقتلون الناس، ” كان غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمّر الإزار ………” وكان قد وقف إثر توزيع بعض الغنائم، فقال للرسول R: يا رسول الله اتق الله !….
نعم هكذا بكل صفاقة ووقاحة معهودة، جعلت بعضهم في العصر الأموي يقول الخليفة انفع من الرسول R!… وجعلت ابن تيمية لاحقاً يقتدي بهذا الذي يقول للرسول R “اتق الله!…” فيحرم زيارة الرسولr ، ويراها كفراً .
جده حرقوص هو الذي قال عن الرسول الكريم : اتق الله !.. فقال له الرسول R ” ويلك، أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله . قال: ثم ولى الرجل، فقال
خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه، فقال R: لا لعله أن يكون يصلي ، قال خالد : وكم من مصلٍ يقول بلسانه ما ليس في قلبه .
فقال رسول الله R إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم، قال: ثم نظر عليه وهو مقفٍ، وقال: إنه يخرج من ضُئضُئي هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، قال: أظنه قال لئن أدركتُهم لأقتُلنّهم قتل ثمود”[1] .
وفي حديث آخر أن الرجل الذي خاطب الرسولr هو ذو الخويصرة، وأنه من بني تميم، وأنه حين قال ما قال للرسولr، قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه، قال: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء …. ثم وصفه R، وقال: يخرجون على حين فرقة من الناس ….انظر الحديث كاملاً في البخاري .
فكان رأس الخوارج فيما بعد، وجداً لفكر ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، ومن هم على نهجهما، ومنذ البدايات الأولى أطلقوا على كل المسلمين صفة الكفر، كل المسلمين من الصحابة والتابعين عندهم كفار قديماً وحديثاً، ما لم يكونوا من أصحاب ابن تيمية الحرقوصي، وفي هذا يقول شاعرهم قطري بن الفجاءة في معركة دولاب :
فلو شهدتنا يوم ذاك وخيلنا تبيح من الكفار كل حريم
رأيت فتية باعوا الإله نفوسهم بجنات عدن عنده ونعيم
فهو يفتخر بأنه يضفي على المسلمين لفظ كفار، كما أباحوا لأنفسهم زوجات المسلمين، ولهذا يجب ألا نستغرب ما يفعله التكفيريون اليوم من قتل للمسلمين، واستباحة لأعراضهم، كما كانوا يقتلون الرجال ويغتصبون النساء، فإنهم يبقرون بطون الحبائل، ويستخرجون الأطفال منها ويذبحونهم، تماماً كما يحدث في العصر الحديث في الجزائر، وفي سوريا، وقد ذكر أحد الشعراء المقاتلين الذين كانوا مع المهلب بن أبي صفرة في قتله للخوارج، الذين أباحوا دم أهالي العراقين (البصرة والكوفة) وكل ما فيهما، فقيض الله لهم المهلب بن أبي صفرة فغلب عليهم ، فقال :
به هزم الله الأزارق بعد ما أباحوا من المصرين حلا ومَحْرُما
– والأزارق هم جماعة من الخوارج – وما كان هؤلاء التكفيريون لينتهوا إلا بعنف الأمويين والعباسيين، سحقاً بسحق حتى انكسرت شوكتهم .
وهم كذلك في العصر الحديث لاينتهون إلا عنفاً بعنف وسحقاً بسحق حتى تنكسر شوكتهم، وتستأصل شأفتهم .
ولكن يجب تسليط الأضواء على عقيدتهم التكفيرية، ويجب أن يبدأ هذا من مجدد دعوتهم في القرنين السابع والثامن، أبن تيمية الحراني التكفيري، وأصحاب الصهيونية الإسلامية،الذين عرفوا بتاريخنا القديم بمروجي الإسرائيليات، والحديث بالصهاينة المسلمين .
هناك تشابه كبير، وفي أمر العقيدة خطير، بين الكرامية، وأصحاب ابن تيمية، يمكن تناول ما تسمح به طبيعة المقالة بالنقاط التالية :
– من حيث العقيدة كلاهما مجسدٌ مشبّهٌ، وسنرى بعضاً من تفصيل ذلك .
– ومن حيث العقيدة أيضاً كلاهما يثبت الصفات لله تعالى، مع بيان أن ابن تيمية لا يؤمن بالمجاز في القرآن الكريم، وشيخ السلفيين في العصر الحديث ناصر الدين الألباني يثبته .
– وكذلك في باب قعود الله تعالى على العرش، يقول ابن تيمية نقلاً عن الكرامية الذين ينقلونه بدورهم عن اليهود، في توراتهم المحرف، والذي لا يراه ابن تيمية محرفاً، أما ناصر الدين الألباني، فينكر عقيدة القعود؛
وقد أحببت أن أذكر إيمان ابن تيمية بكثير من الصفات، ورد الألباني عليه مباشرة لما له من تأثير ومقام بين السلفيين المعاصرين .
وكان قد خالف ابن تيمية بمائتي مسألة وأكثر، وأغلبها في باب العقيدة، كقول ابن تيمية بفناء النار، وإنكار الألباني لفنائها ، وهي من مسائل العقيدة، وسيرد بعض الخلافات في معرض هذه المقالة.
– ولكن أخطر ما أخذه ابن تيمية في باب العقيدة إيمانه باستقرار الله على العرش، بل يجوز استقراره على ظهر بعوضة !….. والألباني يخالف عقيدة الاستقرار ويعتبرها بدعة وطبعاً كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
وابن تيمية الذي أخذ عن اليهود – كما سيرد بالتفصيل – قوله وإيمانه بقعود الله على العرش يفضحه الألباني هنا أيضاً، فينكر نظرية القعود اليهودية، والناجم عن التعصب !..
– وأما عقيدة التشبيه، فابن تيمية يدعي أن المشبهة طائفة غير مذمومة، والألباني يقول : إنما زلوا لغلوهم في إثبات الصفات وتشبيه الخالق بالمخلوق .
ومن خلافهما إيمان ابن تيمية بما آمنت به الكرامية عن اليهود بإثبات الحركة لله تعالى، والألباني ينفيها مدعياً عدم ثبوتها .
وكل ما جاء من عقيدة لابن تيمية هنا، مأخوذ عن الكرامية الذين أخذوه بدورهم عن اليهود في توراتهم المحرف، والذي ينكر ابن تيمية تحريفه كما ذكرنا، وعندي لو جارينا ابن تيمية بذلك، لعلمنا ان القرآن ناسخ للتوراة حرفت أم لم تحرف .
وكذلك فإن بعض ما أخذه عن الكرامية أصله مجوسي . ويظل التجسيد والتشبيه يشكل الموافقة الأولى بين الكرامية واليهود وهو يعد إيماناً مطلقاً بالتجسيد .
وإذا أخذنا شيئاً من ملف الفقه فإننا نصفه في معتقدات الكرامية إلى جانب التجسيد، قولهم في صلاة المسافر ” أنها تكبيرتان من غير ركوع، ولا سجود، ولا قيام، ولا قعود، ولا تشهد ولا سلام ” ولهذا وصفه الذهبي بالمبتدع، راوي الداهيات . ومن معتقداتهم: صحة الصلاة بثوب كله نجس، وعلى أرض نجسة. ومن معتقداتهم : أن غسل الميت والصلاة عليه سنتان غير مفروضتين، وإنما الواجب كفنه ودفنه .
وإلى جانب حماقاتهم الفقهية هذه، معتقدات غريبة والغريب في معتقداتهم، ما قالوه في إيمان المنافقين، أنه كإيمان الأنبياء والرسل، رغم ما أنزله الله تعالى في تكفيرهم من آيات كثيرة !..
وتجرأ الكرامية على الله تعالى، فنفوا عنه الحكمة – سبحانه – لو أنه اقتصر على رسول واحد من أول زمان التكليف، في حين أن أهل السنة يرون الله تعالى حكيماً عظيماً في كل أقواله وأفعاله وإراداته، كما قد جاز منه إدامة شريعة النبي محمد R إلى يوم القيامة .
عزيزي القارئ أنا أذكر لك بعض معتقدات ابن كرام وأتباعه وأغلبهم في بدايات أمره كانوا خارجين عن الدولة والخلافة العباسية، أو من الأميين، والدُّهم ، والفلاحين، الذين لا علم لديهم ولا وعي، ولا معرفة بشريعة الله، كفيلة بمنعهم من متابعة مجسمين، آخذين تجسيمهم عن اليهود .
فاليهود منذ بداياتهم كانوا يقولون بالتجسيم والتشبيه، ويظهر ذلك في أيام النبي موسى (U) فحين ذهب النبي موسى لميقات ربه، وترك اليهود مع أخيه هارون، مالبثوا أن طلبوا من هارون أن يصنع لهم عجلاً ليعبدوه، قال تعالى :”واتخذ قوم موسى من بعده عجلاُ جسداً له خوار …..”[2] ومن معتقداتهم في التجسيم، أن الله خلق آدم على صورته هو سبحانه، وقد تسرب هذا المعتقد إلى كتب الحديث عندنا ” خلق الله آدم على صورته “.
وكان ابن تيمية يؤمن بهذا الحديث، ويراه طبيعياً ضمن عقيدته في التجسيد والتشبيه، في حين أن ناصر الدين الألباني شيخ السلفيين في العصر الحديث ت2001 ميلادي، كان قد اختلف مع ابن تيمية في مئتي مسألة كما ذكرنا ، منها اختلافه في قضية إثبات الصورة في حديث” خلق الله آدم على صورته …..”
والخلق (خلق آدم )على صورة الله جعل اليهود ومن تبعهم مجسدة ومشبهة ، يعتقدون تصوير الله على شاكلة آدم أبي البشر، فأضفوا على الله الصفات الإنسانية الجسدية، والنفسية، ولأن الإنسان يتعب ، من هنا كان لابد لله أن يرتاح من التعب بعد خلقه السموات والأرض ، فجعل اليوم السابع للراحة من التعب بعد ستة أيام من الجهد المتواصل في خلق السموات والأرض !..وكتاب التوراة المشوه الذي بين ظهراني اليهود مليء بإضفاء الصفات الإنسانية على الله تعالى .
فالله الذي يتعب –حسب عقيدة المجسمة – يفرح وتظهر نواجذه (الضواحك) من كثرة الضحك إذا انشرح صدره وارتاح حاله( سبحانه ) والله كتب التوراة بيده ، وهو ينزل، ويطلع، والاستقرار . عندهم معلوم بالجلوس وبالموضوع ذاته .
علينا أن نعلم أنّ الكرامية تأثرت كثيراً بالعقائد المجوسية كالمانوية والديصانية ، وغيرها ، ولا سيما إيمانهم بقضية (الحد) أي أن ثمة حدٍّ ما لله تعالى ، وهذه المسألة أيضاً من المسائل التي خالف بها الألباني ابن تيمية الذي أخذها بدوره عن الكرامية والتي كانت قد أخذتها من المانوية بتعريف حد النور أنه يبدأ من حد الظلام والعكس صحيح أيضاً عندهم .
فابن تيمية في كتابه (موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول )ج2/29 مطبوع على هامش منهاج السنة ، يقول :”هذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد…” ويذهب به مذهبه إلى تكفير من لا يؤمن بهذا !….
فانظرأخي القارئ كيف يدس الشيخ الحراني العقيدة المانوية عن طريق الكرامية !..
وقديماً قال الذهبي :”وتعالى الله أن يَحِّد أو يوصف إلا بما وصف به نفسه ..”
وقد خالف ابن تيمية في ذلك إضافة للذهبي والألباني، ابن القيم والشوكاني .
وكان مقاتل بن سليمان ت 150ﻫ أول من أدخل فكرة المقام المحمود الذي وعد الله به نبينا R فأدخل الفكرة بشكل مادي تجسيدي ، فقال :”إن الله على العرش (بالمعنى المكاني المادي المحدد)وأنه تعالى استقرعليه استقراراً محسوساً،وأنه ترك مكاناً قدر أربعة أصابع ليجلس النبي R عليه ،وهوالمقام المحمود الذي وعده الله به.
ولأنه كان يهودياً فأسلم، نقل معه فكرة خلق آدم على صورة الله تجسيماً فهو من لحم ودم وعصب، وعظم، وجوارح، وله يدان، ورجلان، وعينان، ورأس، ومع هذا ” ليس كمثله شيء “بعد أن يعطيه صورة الإنسان كاملة، مادياً ونفسياً ،يستشهد بالآية ” ليس كمثله شيء “.
ولم يقل الكرامية بذلك الذي آمن به ابن تيمية لاحقاً، وصار من أتباعهم الفكريين يجلهم ويقدسهم، إلاعن اليهود والمجوس، ورغم أنهم كانوا في تعبدهم متصوفة فعالين، ومعروف موقف ابن تيمية من التصوف، فإنه يباركهم مادموا قد أخذوا عن اليهود والمجوس، فما هو الرابط الدفين الذي كان يقبع في لاشعور ابن تيمية الذي جعله يرى في “الإيزيديية” أهل السنة والجماعة !….
ونحن هنا لا ننتقص من قيمة أحد، ولكن الإزيديين في جميع الحالات ليسوا أشاعرة، لا مالكية، ولا أحناف، ولاشوافعة، ولا حنابلة،هؤلاء الذين عرفوا بالتاريخ الإسلامي أئمة أهل السنة والجماعة، فما الذي جعل ابن تيمية يخاطبهم بكتاب خاص لهم –بأهل السنة والجماعة ؟!…
سنأتي على ذكر ذلك، ولكن ليس قبل أن نكمل بعض عقيدة الكرامية وإيمان ابن تيمية بها .
وقد وضح الكراميون معتقدهم التجسيدي بذات الله- سبحانه – فالجسم عندهم قائم بالذات، مستغن بوجوده عن غيره … وهذا يشبه معتقدهم بأن الله أحدي الجوهر.
المعتقد الذي يعود إلى أرسطو، فهو (الجوهر) عند أرسطو محل للحوادث، وإن لم يكن هو حادثاً .
وأرسطو يقول بعدة جواهر، بينما يقول ابن كرام بجوهر واحد، هو الله تعالى ، ولا شيء سواه يوصف بأنه جوهر .
وهذه العقيدة ليست لأهل السنة، فكيف وافقهم عليها ابن تيمية، من خلال عدم تفنيدهم وبطلان عقيدتهم، وإجلاله لهم رغم وضوح عقيدتهم بالجوهر.
ودواهي الكرامية أكثر من أن تحصى ، وهي كما قال البغدادي بالآلاف .
قدمنا نماذج من عقيدتهم، وفقههم ومع ذلك فشيخ حران يدافع عنهم، ويراهم أهل نصرة الإسلام ، يقول:”وقام أيضاً أبو عبد الله محمد بن كرام بسجستان ونواحيها بنصر مذهب أهل السنة والجماعة، والمثبتة للصفات والقدر وحب الصحابة، وغير ذلك، ويرد على الجهمية والمعتزلة، والرافضة، وغيرهم ويوافقهم على أصول مقالتهم، التي بها قالوا ما قالوا، ويخالفهم في لوازمها، كما خالفهم ابن كلاب والأشعري، لكن هؤلاء منتسبون إلى السنة والحديث، وابن كرام منتسب إلى مذهب أهل الرأي …
ولي هنا أيها القارئ العزيز مقولتان، أما الأولى: فعلى ذكر الرافضة فقد تبين لكل ذي عقل مطّلع محلل، باحث في التاريخ الإسلامي، و الخلافات التي ظهرت خلال القرون الأولى أن مصطلح الرافضة يعني بالحرف الواحد ما نقوله نحن في العصر الحديث” المعارضة “.
وأما المقولة الثانية: فهي تعليق على مقولة الشيخ الحراني ، وهو يمدح ابن كرام الذي كان يتبعه جهلة المسلمين، والأميون الجهلة، والدُّهم، فلماذا مدحه ولماذا لبس القدم الحذاء ؟.. سؤال لا يحتاج إلى تحليل أو تعليل، ولمَ لا يمدحهم أصلاً وقد وافقوا المانوية، والفرق الأخرى الضالة والمعادية للإسلام وأهله، لماذا لا يمدحهم، وقد جاءت أفكارهم مطابقة تماماً لليهود في توراتهم التي حرفوها، وقوّلو الله فيها ما لم يقله سبحانه، ولاسيما في باب التجسيم والتشبيه، وقد ذهب الشيخ الحراني إلى أبعد مدى يمكن تصوره، فكان اتباع ابن كرام بخير، وهو يعلم علم اليقين كذب رؤساء فرق الكرامية، ومنهم رأس الفرقة الكرامية المعروفة بالإسحاقية نسبة إلى إسحاق بن محمش النيسابوري قبل 383 ﻫ الذي كان يضع الأحاديث التي تعلي من شأن الكرامية، بقوله كذباً فيما يرويه وينسبه إلى النبي R، أنه قال: يجيء في آخر الزمان رجل يقال له محمد بن كرام، يحيي السنة والجماعة، وهجرته من خرسان إلى بيت المقدس، كهجرتي من مكة إلى المدينة .
فانظر إلى هذا الكذب، وكيف يصنعون الكذب صناعة بمقاس، فإن ابن كرام الذي مات 255ﻫ يأتي في آخر الزمان !.. والإسحاقي الكرامي يشبه هجرة ابن كرام بهجرة الرسولr إلى مكة وابن كرام هاجر إلى القدس .
والتاريخ يعلمنا أن ابن كرام هرب بليلة ما فيها ضو قمر خوفاً من والي سجستان الذي أراد قتله لشدة ابتداعه في دين الله .
هؤلاء المجسمة الذين ما قصروا في الإساءة إلى الله ورسوله، قد أعجب بهم ابن تيمية التكفيري أيما أعجاب، ولا شك أن كل من يرى صحة الفكر الإسرائيلي بما عُرف بالعصر الحديث بالصهيونية الإسلامية، هو مدعوم عند ابن تيمية وجماعته، مادام أن الأمر سيؤول إلى تفتيت المسلمين وإضعافهم عن طريق تكفيرهم ..
وما كذبه اليهود في توراتهم المشوه المبدل، تعهد ابن كرام وابن تيمية من بعده ومن هو على شاكلتهما ببثه بين المسلمين، ففي سفر التكوين الإصحاح 28:” فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلق البشر، ذكراً وأنثى خلقهم “
ونزول الله سبحانه إلى الدنيا وسمائها، وصعوده الذي ذكره ابن تيمية في شرح حديث ” ينزل الله سبحانه وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، ثم يقول : “أين التائبون فأتوب عنهم..” الحديث ..ثم يصعد إلى السماء، وقد نزل ابن تيمية درجة عن المنبر وهو يقول كنزولي هذا ، ثم صعد حيث كان وهو يقول كصعودي هذا .
وفي سفر التكوين الإصحاح 11 ” ونزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما “
هناك سؤال يلح عليَّ، هو استفسار يذهب إلى القول ، بأن ابن تيمية الذي يعتقد بالكرامية، أيوافقها على قولها جواباً على سؤال: من يُعد من أمة الإسلام وملته؟
فالكرامية تقول:” أن اسم أمة الإسلام واقع على كل من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله سواء أخلص في ذلك أو اعتقد خلافه “!..
فما هو قول اتباع الشيخ الحراني الذين دافعوا عن صلة شيخهم، ونسبته إلى مذهب الكرامية، ما قولهم وشيخهم لم يترك أحداً من شره إلا وكفره، شأن أتباعه في العصر الحديث؟.
كان ابن تيمية ولا يزال اتباعه جريئين على الرسول R ، ولهذا وصفه الألباني بأنه “جريء في تكذيبه الحديث الصحيح ..”.
كما أنه كان جريئاً باتهامه رسول الله ”بأنه ارتاب في أمر السيدة عائشة ، وأنه ”أي النبي” لا يعلم المنافقين في المدينة بأعيانهم..”
وكان بعض علماء الشام الذين عاصروا ابن تيمية، قد علم أن في قلبه ضغينة على الرسول ، لا يجرؤ على الإباحة بها، وهذا ما جعله يخرق الإجماع في مسائل كثيرة، قيل أنها تبلغ ستين مسألة، ومات مسجوناً بسب ذلك، أما زعيم الأشراف بالشام تقي الدين الحصني، فقد قال في كتابه الذي ألفه في الرد على ابن تيمية “دفع شبه من شبّه وتمرّد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد “[3]
قال أن الشاميين كتبوا فتياً أيضاً في ابن تيمية، لكونه أول من أحدث هذه المسألة التي لا تصدر إلا ممن في قلبه ضغينة لسيد الأولين والآخرين ..” .
كذلك ضغينته على السيدة فاطمة ابنة رسول الله R، حين جعل حزن أبي بكر أكمل من حزن فاطمة عليها السلام على أبيها !.. وكان يتجرأ، ويقول :” ونحن نعلم أن ما يمكن عن فاطمة وغيرها من الصحابة من القوادح كثير “[4] فما هي قوادح ابنة النبي ؟! . والقدح بأحد معانيه، “العيب والنقصان ” لقد حاول الألباني ما أمكن بأن يلطف ألفاظه بحق ابن تيمية ، ولكنه مع كل تلك المحاولات ، وصفه بجرأته على رفض الأحاديث الصحيحة، وكان يكرر الحديث عن سقطات الشيخ الحراني الكثيرة .
وما أريد أن أختم به مقالتي ، رسالة ابن تيمية للطائفة الإيزيدية وأغلبها الآن في سنجار وشمالي العراق، كما أن أغلبها من الكرد .. والملفت للنظر في رسالة ابن تيمية، أنه يجعلهم أهل السنة والجماعة كما مر بنا، ويخاطبهم بذلك، وفي كل الأحوال هم ليسوا كذلك،
يقول :”من أحمد بن تيمية إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين المنتسبين إلى السنة والجماعة، والمنتمين إلى جماعة الشيخ العارف (هل كان ابن تيمية يؤمن بالعرفان !..)القدوة أبي البركات عدي بن مسافر الأموي .(لدى التحقيق تبين أن عدي بن مسافر ليس أموياً ) ، ومن نحا نحوهم ، وفقهم الله سلوك سبيله ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. إلى آخر الرسالة بكل رقتها ولطافتها تصدر إلى الإيزيديين الذي يراهم من أهل السنة والجماعة بينما كان يرى الرازي والغزالي ، وابن سينا ،من فراخ الهنود واليونان وأنهم أضل من اليهود والنصارى “.
كيف له أن يقول ذلك وقد أخذ أكثر عقيدته من اليهود ، وبها حارب المسلمين ومن أجلها انقض على الرسول وآله .
حاول كثير من الباحثين تعليل سبب رقته في مخاطبته الإيزيديين ، فهل كان منهم مخفياً بالإسلام ، أم كان مجوسياً متستراً بالإسلام ، أم كان وهو من حران متأثراً بالصابئة وبالفلسفة الزردشتية و المانوية والمجوسية عموماً؟ ..
لا ندري وكل الذي ندريه غموض في عقيدة ابن تيمية، وتغليبه بغض المسلمين على حبهم وجفائه في التعامل مع الحديث النبوي، وقلة تأدبه مع الرسول شخصياً وفوق كل ذلك تكفيره المسلمين ، عموم المسلمين إذا لم يكونوا معه.
وأنتم أيها القراء الكرام ترون اليوم حكم التكفيرين بالمسلمين، وكل فتاويهم بإباحة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم إنما جاءت من الفكر التكفيري، فكيف يقال عنه شيخ الإسلام وشيخ السلفيين ؟ ومن هم السلفيون ، وهل يوجد سلفيون في العصر الحديث غير سلفيي القرون الثلاث الأولى؟ هذه الأسئلة وغيرها نجيب عنها إن شاء الله في مقالتنا القدمة
من الرقة مع التحيات
د / علي الشعيبي
ملاحظة: المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وسننشر ردا سلفيا على هذه التهم بعد أيام، لكي يطلع القارئ على وجهة نظر الجهتين