على قناته في اليوتيوب نشر الشاعر والكاتب منصور الناصر فيديو، إليكم نصه الكامل:
يدعي أغلب رجال الدين أن هناك اعداء للدين أو أعداء للإسلام، ولكن من هما أكبر أعداء الدين؟ وإذا ما استثنينا أمر الحكم والسياسة، فأن الجواب هو أنهما العلم والثقافة.
قد يزعل البعض لأنهم لا يريدون التضحية بالطرفين فيفضلون الجمع بينهم.
ولكن هذه هي الحقيقة، تقول بأن طبيعة كل منهم التي تناقض الآخر تحتم ذلك ولن يتلاقوا أبدا. وإليكم رأيي في نقاط.
أولا العلم شك والدين يقين
سبب عداء الدين للثقافة العلم، معروف وهو وبعيدا عن كلام المتملقين والمرقعين، أنهما خطران جدا عليه.
لأن العلم شك والدين يقين .. اما الثقافة فناتج حرية، فيما يكون الدين دائما نتاج عبودية.
ولكن ما جدوى هذه الاسئلة؟
قبل البدء هناك ملاحظة لابد من التذكير بها.. وهي اننا نحاول أن نقدم قضايا إشكالية تؤثر على حياتنا
وتسمح لنا بفك الاشتباك بين المصطلحات والأفكار والمفاهيم.
وهو خلط جرى استغلاله ببشاعة من قبل المعنيين بشؤون الدين والفكر والسلطة عموما، ووظفوه لصالح أجنداتهم.
2- لماذا يتعارض الدين مع العلم؟
العلة هي أن جوهر الدين يزدحم بالثوابت والمعاني المطلقة، بدءا من الإله الكامل الخالد وانتهاء بأنبيائه المعصومين ومرورا بنصوصه المقدسة المطلقة.
وكأنه نسخة رديئة من مُثل أفلاطون الفلسفية.
لهذا فإن العلم القائم على أسس التجربة والبرهان، يهدّ بطبيعته أسس الدين القائم على التعصب والإيمان.
بل إن الدين يرفض الواقع “الأرضي” والعالم “الأدنى”ككل، لأنه متغير وغير جدير بالثقة، لهذا يبتكر عالما خرافيا من عنده ويفترض فيه الثبات المطلق والكمال.
3– نظرية الصراع بين الثابت والمتغير
نظرية الصراع بين الثابت والمتغير هذه تفسر سر ارتباط الجهل والتخلف بالدين، وعدائه لكل ما هو معرفي وعلمي وثقافي.
قضية الدين هكذا لا علاقة لها مباشرة بالماضي و”الأصول”، إلا لأنها تبدو ثابتة ومطلقة وغير قابلة للتغير أو التعرض لعوامل “الفساد”.
كل شيء في الماضي منجز ومحسوم.
أما إذا كانت هناك أمور غير محسومة تاريخيا، فإن جميع الاديان تقريبا، تميل إلى حسمها وتقديم إجابة نهائية حولها، وهذا ثمنه باهض أحيانا لأنه سيؤدي إلى نشوء الفرق والمذاهب الدينية المختلفة.
4– معاداة الدين للثقافة
ولكن لماذا يعادي الدين الثقافة والمثقفين والمظاهر الثقافية؟ الجواب ببساطة لأنها تنتصر للفرد وتركّز على الإنسان، تحتفي به وتحترمه وتقدر خصوصيته، وهذا مناف للدين الذي يحتقر ولا يقوم إلا على جماجم واجساد العبيد والأقنان.
الثقافة خطرة جدا على الدين لأنها تقوض مشروعه بالكامل. فهي لا تتشكل إلا استجابة للمتغيرات على اختلافها.
تفاعلها جميعا هو الذي يخلق التنوع داخل المجتمع البشري، وهو ما نسميه ثقافة. وهذا يفسر رفض الدين لأي مناسبة ثقافية أو شعبية، فهي تعد علامة تمرد على قيمه التسلطية المستبدة.
5- الدين ابن الثقافة ولا يظهر إلا بقتل الأب!
الدين نظام ثقافي في النهاية، لكنه ولكي يحقق استقلاله الكامل عن العوامل التي انتجته، لابد له من قتل الأم أو الأب اللذان كانا السبب في ظهوره، وهذا يتم عبر إعادة تشكيل أسطورته، وجعلها أكثر ثباتا وتحجرا في الأذهان.
أما الأب فهو ليس الأب البيولوجي الذي تحدث عنه فرويد، واعتبره مصدر فكرة الإله، إنما هو الثابت الذي يحتاج إليه الإنسان، لكي يفكر وينطلق و”ينتسب”.
وقد يكون هذا الثابت أبا، أو أي شيء آخر، ربما شجرة او صنما او حتى فكرة.
وما علاقة الدين بالإله؟ الدين هو الأم التي تحرص على رعاية هذا الإله والديصراع الدين هكذا في كل خطوة يقوم بها، تتعلق بمكافحة أي متغيرات تعرضه للخطر.
ومن ضمنها الثقافات التي لا تكف عن التجدد والظهور في محيطه الاجتماعي. وهذا ما يوفر للدين ورجاله دائما عملا دائميا لا يعرف الانقطاع أبدا!
6- هناك خلط آخر مهم جدا، لا يوجد دين شخصي.. الدين الشخصي هذه اسطورة اخترعها العلمانيون، ولا وجود لها.. الدين هو الرابطة التي تربط افراد المجتمع.
6- ما جدوى هذا الحديث؟
- فك الاشتباك بين المصطلحات والمفاهيم .. العلم لا علاقة له بالدين .. كلمة علم في الدين لا يقصد بها العلم.
- تقبل نتائج ما نقرره
- عدم السماح لأحد بخلط الامور علينا.
الثقافة يسميها أحد المفكرين بناء الأحاسيس وأنها أسلوب حياة، لهذا تشمل كل ما يفعله الناس. أنها نتاج الحرية ولا تقوم إلا على الحرية الفردية تحديدا.
وخطر الثقافة على الدين كبير جدا، لأنه ابن الواقع والحياة وليس الأفكار المعدة مسبقا للتطبيق على مجاميع هائلة من الناس.
فكيف يمكن للدين ان يعمل في وسط ثقافي مفتوح؟
الثقافة باختصار حرية وتجدد وانفتاح .. اما الدين فعبودية وانغلاق وانبطاح!
المثقف يبقى مثقفا ولا يصبح متدينا. أما المتدين فلا يمكن له أن يصبح مثقفا، لأنه شيء مختلف أولا.. وشيء لا يحتاجه ثانيا! لكنه يقبل بوجود الثقافي داخل عالمه الديني، إذا كان يوفر دعما تعبويا لسلطته.
فأين المشكلة؟ المشكلة استحالة اختفاء الحالتين.
فلا الثقافة ستكف عن انتاج مثقفيها الاحرار ولا الدين سيكف عن إنتاج متطرفيه الأبرار المتسلطين الأخيار !
7- ختاما..لا خيار: لا علم بوجود الدين!
باختصار على الشعوب التي تختار الوقوف مع الدين أن تقبل بنصيبها من الظلم والفساد والنفاق والتخلف والاستبداد والعبودية للسلاطين او رجال الدين.
أما الذين يدعون إمكانية الجمع بين الدين والعلم والثقافة فهم إما واهمون أو منافقون.
العلم كما لا يخفى اصبح شأنا لا يمكن التغافل عنه.. إنه يدخل في كل جانب من جوانب الحياة.
أما الثقافة فهي لم تعد شأنا عاديا، إنها جزء رئيسي من الإنسان المعاصر.
ولنا ان نتخيل إنسانا فقيرا في ثقافته الشخصية ومعرفة ابسط أصول الحديث والكلام وحتى الأكل، لا يجيد التعامل من نظرائه من البشر الآخرين القادمين من ثقافات أخرى.
آيات التملق الديني للعلم وجمع بين ولابد من اختيار أحدهما.
رأيي أن الدين الشمولي انتهى زمنه، ولا رجعة له نهائيا.
من يظن شيئا آخر .. يفهم الدين بشكل مختلف، خاص به، لكنه أصبح أشبه بحزب سياسي عقائدي يبحث عن السلطة.
حتى إن إله الدين بات وجوده غريبا في عالمنا المعاصر. فقد سحبت منه معظم صلاحياته التي كانت موكلة إليه عبر التاريخ.