أزاميل/ متابعة: تبدأ “أزاميل”، اليوم السبت، إلقاء الضوء على شخصيات فاعلة ومتميزة بدورها المهم في سير الأحداث في المنطقة العربية والإسلامية، وذلك باستعراض سيرتها وصفاتها و”الكاركتر” الخاص بها، ولا يقتصر الامر على الشخصيات السياسية، بل مختلف انواع الشخصيات المعاصرة، بدءا من الكاراكترات الثقافية والأدبية وانتهاء بالشخصيات السياسية والعسكرية.
روحاني.. بين “الإمبراطورية” والمصالحة مع جيرانه السُنّة
علي سعادة/ السبت، 11 أبريل 2015
يلقبونه بـ”الشيخ الدبلوماسي” بعد أن تولى منصب كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، رغم أنه يحمل لقب “حجة الإسلام”.
اعتمد سياسة بناء جسور ثقة مع الغرب، ونجح في إبعاد الملف النووي الإيراني عن دهاليز مجلس الأمن، وأبقاه على طاولة الحوار مع الدول الكبرى ضمن معادلة (5+1).
أبدى رغبة في الانفتاح وناكف سياسة التهديد بالحرب و”شيطنة الغرب” التي كان يتبعها سلفه محمود أحمدي نجاد.
محسوب على “التيار الإصلاحي”، ويصنف كسياسي معتدل، ويعرف بقربه من الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني ومن خلفه الرئيس محمد خاتمي.
وافق في العام 2003، خلال محادثات مع الغرب، على تعليق تخصيب اليورانيوم وتطبيق البروتوكول الإضافي لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية والسماح بعمليات تفتيش غير معلنة مسبقا للمنشآت النووية الإيرانية، وأكسبه هذا القرار “احترام “الغربيين، لكن “المحافظين” اتهموه بالوقوع تحت “سحر ربطة عنق وعطر جاك سترو” وزير الخارجية البريطاني حينها.
إيران في عهده تتأرجح بين انتصار غير مكتمل في مفاوضات النووي، وبين توسيع دائرة نفوذها في المنطقة العربية.. تقول طهران، عبر تسريبات إعلامية وأمنية وعسكرية، إن نفوذها امتد إلى أربع عواصم عربية ( بغداد، دمشق، بيروت وصنعاء، وربما عاصمة خامسة بحسب تحليلات مقاربة).
لكن خصومها يؤكدون أنها لا تزال تراوح مكان الخاسر بعد أن خسرت ثلثي العراق لصالح “الطائفية”، وأكثر من نصف سوريا لصالح “الفوضى”، وبيروت توشك على أن تتحول إلى ساحة جديدة محتملة للمواجهة بين “الجهاديين” والجيش اللبناني و”حزب الله”، فيما دفعت مغامرة الحوثيين في اليمن المنطقة إلى حرب طائفية ومذهبية مميتة.
روحاني: طبعا ..نحن منفتحون على مبدأ المفاوضات.. لأننا إيرانيون ولسنا جمهوريون!
حسن روحاني، المولود عام 1948 في مدينة سرخه بالقرب من محافظة سمنان شمال إيران، الرئيس السابع للجمهورية الإيرانية، شغل منصب عضو في مجلس الخبراء الإيراني منذ عام 1999، وعضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام منذ عام 1991، وعضو المجلس الأعلى للأمن القومي منذ عام 1989.
انخرط في سلك الدراسات الدينية في الحوزة العلمية في عام 1960، ثم انتقل إلى مدرسة قم في عام 1961 ودرس فيها المقررات الحديثة. أكاديميا درس في جامعة طهران في عام 1969، وحصل منها على درجة البكالوريوس في القانون القضائي عام 1972.
واصل روحاني دراسته في الغرب وتخرج من جامعة “غلاسكو كالدونيان” في عام 1995 مع أطروحة الماجستير بعنوان “السلطة التشريعية الإسلامية مع الإشارة إلى التجربة الإيرانية”، ثم حصل على درجة الدكتوراه في عام 1999، يجيد اللغة العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية والروسية.
كان نائبا في مجلس الشورى الإيراني لخمس دورات برلمانية، وشغل منصب نائب رئيس مجلس الشورى في دورتيه الرابعة والخامسة، كما شغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي لمدة 16 عاما خلال دورتين رئاسيتين لكل من رفسنجاني وخاتمي.
وفي فترة توليه منصب كبير المفاوضين النوويين في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2003 إلى آب/ أغسطس عام 2005؛ بدأ العالم يركز أنظاره على إيران و البرنامج النووي الإيراني، وبدأ نجم روحاني يلمع أكثر من ذي قبل.
رشح نفسه في عام 2013 لمنصب رئاسة الجمهورية بدعم كبير من رجال الدين في إيران، وأعلن عن فوزه بمنصب الرئاسة بنسبة 50.68% من الأصوات من الدورة الأولى، وقال مراقبون إنه استفاد من انقسام معسكر المحافظين وانسحاب المرشح الإصلاحي الوحيد محمد رضا عارف من السباق.
الواقعية والموضوعية اللتان تتسم بهما شخصية روحاني، دفعتا التيار الإصلاحي المبعد من الساحة السياسية، والذي ينظر إليه “المرشد” بوصفه “الابن الضال”، ليرى في روحاني المنقذ الوحيد المتبقي للعودة من خلاله إلى أروقة صنع القرار.
وكان روحاني قد ركز حملته الانتخابية على مبدأ “الإدارة الجديدة لشؤون الدولة” بعيدا عن المشادات الكلامية والصراعات السياسية، واعتمد المفتاح كشعار يفترض أن يفتح باب الحلول أمام إيران.
وقال في أحد تصريحاته: “حكومتي لن تكون حكومة تسوية واستسلام – في الملف النووي- لكننا لن نكون كذلك مغامرين”، مضيفا أنه سيكون “مكملا لسياسات رفسنجاني وخاتمي”، دون أن يذكر الرئيس السابق المحافظ محمود أحمدي نجاد بأية كلمة إيجابية.
براغماتي بشكل أو بآخر في سياساته الخارجية، خاصة بعد سيطرة “تنظيم الدولة” على أجزاء واسعة من العراق واندحار الجيش العراقي أمام “التنظيم”، فقد ضحى بحليف إيران نوري المالكي، شكليا، مقابل دخول الولايات المتحدة وحلفائها في حرب ضد “تنظيم الدولة”.
يلمح إلى أن العدوين اللدودين إيران والولايات المتحدة، لديهما مصلحة مشتركة في مواجهة الخطر بعد عشرات السنين من العداء.
وفي حين استبعدت الولايات المتحدة مرارا أي تنسيق عسكري مع إيران ضد “تنظيم الدولة”، فإن المعطيات على الأرض تقول إن ثمة لقاء خلف الكواليس بين طهران وواشنطن، وربما تقاسم للأدوار، مع أن روحاني يعتبر أن الغارات الغربية على التنظيم في سوريا تأتي “بدافع الألاعيب السياسية والمصالح الآنية”.
روحاني يبدو صريحا أكثر من باقي أركان حكومته، خصوصا بعد سيطرة حلفاء إيران الحوثيين على صنعاء، فهو يريد التحالف مع شخص موثوق في اليمن لأنه يدرك أن سيطرة الحوثيين على اليمن بأكمله مستحيلة، وبالتالي فهو سيلجأ إلى طاولة الحوار في نهاية الأمر، بعد أن تحول علي عبدالله صالح إلى ورقة محروقة وخيار خاسر. وكذلك الأمر في سوريا؛ فحليف إيران بشار الأسد لا يسيطر عمليا إلا على دمشق وبعض أجزاء من بعض المدن، وبالتالي فإن التوسع الإيراني قد وصل حاليا إلى أقصى مدى له.
وتحتاج إيران للخروج من حالة الزهو إلى حالة التفكير العقلاني باستثمار ما حققته على الأرض في الوطن العربي بمزيد من الانفتاح الإيجابي على العنصر العربي، السني بغالبيته، والرافض لسيطرة عنصر غير عربي على أراضيه حتى وإن كانت واقعة تحت حكم أنظمة غير مقبولة جماهيريا.
روحاني وبمساعدة التيار الإصلاحي وفي مقدمته محمد خاتمي قادر على إرسال برقيات تطمين للعرب وللسنة، لكنها رسائل تخطئ العنوان أحيانا ومربكة أيضا.
فهو نهج في إخراج إيران من مأزق المقاطعة والحصار الدولي لها، توقيع اتفاق مبدئي يحدد النقاط الرئيسة، في انتظار التوصل للاتفاق النهائي قبل حزيران/ يونيو المقبل بهدف الإسراع برفع العقوبات، ما سيخرج البلاد من عنق الزجاجة وتجاوز المعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي أنهكتها.
لكنه في الوقت ذاته يرسل رسائل مقلقة وشوفينية متعصبة عبر أكثر من طرف، من بينها مستشاره علي يونسي، الذي قال إن “إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”. وهو تصريح لم يغضب روحاني المزهو بـ”الإمبراطورية الفارسية” على ما يبدو.
الإيرانيون، كما هو معروف، لا يأبهون بهذه الحسابات السياسية الإقليمية والدولية، فاهتمامهم الأول والأخير منصب على الشؤون الداخلية، خاصة الاقتصاد، وغالبيتهم غير راضين عن إنفاق الحكومات المتعاقبة لأموال الشعب على “حزب الله” وعلى إشعال الحروب في المنطقة.
روحاني أخفق حتى الآن في خلق مجتمع ديمقراطي أكثر حرية منذ فوزه الكاسح في الانتخابات، ذلك الفوز الذي قام على أساس برنامج تقدمي، وهو ما قاومته بشدة أجهزة الأمن القوية والقضاء والتيار المحافظ.
وهو ما انعكس واقعيا من خلال انتخاب محمد يزدي، رئيس هيئة القضاء السابق المعروف بتشدده ومعارضته للحركة الداعية للديمقراطية، رئيسا لمجلس الخبراء، وقد تفوق على هاشمي رفسنجاني، الرئيس السابق والشخصية المؤثرة المتحالفة مع الرئيس حسن روحاني.
ويتكون مجلس الخبراء من رجال دين بارزين يقومون نظريا بالإشراف على أداء علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية. أما عمليا فينحصر دورهم في انتخاب مرشد جديد عندما يتوفى المرشد الحالي.
التمدد الإيراني وصل إلى حدوده القصوى، وسيبدأ بمرحلة الانكماش التدريجي، لأن إيران تلعب في محيط عربي في غالبيته سني المذهب، ولن تنجح في إخضاعه لنفوذها طويلا.
هل يمسك روحاني باللحظة التاريخية ويتصالح مع جيرانه العرب، أم يبقى أسير أحلام “الإمبراطورية”؟! هذا هو السؤال، على طريقة شكسبير.