أزاميل/ متابعة: في أي عالم مثالي، ينبغي أن تبدأ اتفاقية الإطار في خفض التوترات الطائفية في المنطقة، ما يمهد الطريق لحقبة جديدة من الاعتماد المتبادل، وفي الوقت الذي يزداد فيه بريق المعتدلين في إيران، وأيضا في الوقت الذي يتراجع فيه مستوى تدخلها الخبيث في الدول العربية المتهدمة، فإن دول الخليج القلقة بطبيعة الحال تشعر بمزيد من الثقة بعد أن نجحت في إيصال الجمهورية الإسلامية إلى مرحلة تخفيف حدة لهجتها الطائفية، وسوف يكونون أقل ميلا للتعامل مع إيران باعتبارها الخطر الوجودي، بل وسيجنحون إلى اعتبارها منافسا ودودا، إن لم يكن شريكا كاملا، في النظام الإقليمي، ومع خلو موجات الأثير الخاصة بهم والمنابر الدينية وحسابات «تويتر» من النقد اللاذع الطائفي، فإن المساحات الداخلية للممالك في الخليج سوف تجد فرصة جديدة لالتقاط الأنفاس، وربما تكون هناك فرصة لتمكين دفعة جديدة للإصلاحات السياسية القياسية.
وكان هذا بالتأكيد جزءا من رؤية الرئيس «باراك أوباما» طويلة الأجل للخطة بهدف إقامة ما وصفه بأنه «توازن بين السنة، أو دول الخليج ذات الأغلبية السنية وبين إيران».
ولسوء الحظ، فإن هذا السيناريو السعيد لا يزال بعيد المنال، فمنطقة الخليج تشهد في الواقع زيادة مقلقة في الطائفية، ولا تزال المغامرة الإيرانية المتشددة المتجسدة في قوة القدس الجامحة مستمرة، وربما تزيد بعد حقن وضخ الأموال جراء رفع العقوبات، وعلى الرغم من أن الإطار تلقى موافقة رسمية فاترة من الرياض، إلا إن المعلقين السنة في وسائل الإعلام الخليجية مرتابون بشكل عام، مسلطين الضوء في ذلك على استمرار ضعف الولايات المتحدة.
«قصر مصنوع من الرمال»، هكذا وصف كاتب سعودي الاتفاق، وهاجمت أصوات أكثر طائفية مثل «سعيد البريك» الاتفاقية، واصفا إياها بأنها حرب مستمرة على السنة كان الهدف من ورائها إيصال الأموال الإيرانية للحوثيين في اليمن، في حين أدان ناشط الصحوة «محسن العواجي» الاتفاقية بقوله «إنها منصة الصهيونية الصفوية»، وحث المملكة العربية السعودية على امتلاك القدرة النووية الخاصة بها.
ورغم ذلك، فإن الأهم من ذلك هو ما شهدته الفترة التي سبقت الاتفاق النووي من ارتفاع في نشوة النصر السنية بقيادة السعودية، وذلك نتيجة التدخل العسكري العربي في اليمن، أيا كانت الفوائد من وراء العلاقات الطائفية التي يمكن للاتفاق الإيراني أن يبرزها، فإن هذا سيقابله تصاعد للعنف في اليمن، وهو الصراع الذي يعمل المعلقون في الخليج ورجال الدين على تأطيره بشكل طائفي بأسلوب صارخ.
كان القرار السعودي بشن «عملية عاصفة الحزم» متجذر في مخاوف أمنية حقيقية جدا بشأن الحشد العسكري الحوثي على الحدود، ويهدف أيضا إلى إجبار واشنطن على مواجهة السياسات الإقليمية الإيرانية، ومع ذلك كان هناك أيضا حساب التفاضل والتكامل المحلي غير المعلن وراء الغزو الذي تلى ممارسة من اللعب على الورقة الطائفية منذ فترة طويلة لتعزيز الدعم المحلي للأسر الحاكمة.
وهذا بالتأكيد ليس جديدا كما ذكرت في كتابي الأخير؛ وبشكل مبسط فإن الاستراتيجية تسير بشيء من هذا القبيل: حافظ على المعارضة السياسية الخاصة بك مقسمة بين السنة والشيعة، وإبقاء شعبك مركزا على الاهتمام بالتهديد الخارجي، وقم بتصوير حكمك الخيري على أنه حائط الصد الوحيد ضد أي فوضى وشيكة، وهذا هو الغراء الذي يحافظ على النظام السياسي المنقسم على خلاف ذلك معا.
وبصرف النظر عن آثارها الإنسانية الوخيمة في اليمن، فإن «عاصفة الحزم» كانت بمثابة تنفيذ فاعل لهذه الاستراتيجية من وجهة نظر حكام الخليج العربي، وجاءت الحرب التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن في وقت كانت فيه الدوائر السنية منزعجة بشدة من الطائفية في دول الخليج، بما في ذلك رجال الدين داخل المؤسسة الرسمية، وتنتقد بشكل غير مباشر أنظمة الخليج العربي لمشاركتهم في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا.
ويحتشد الآن نفس الإسلاميين السنة، بما فيهم جماعة الإخوان المسلمين التي لها رأيها المخالف عادة، وراء آل سعود والأسر الحاكمة الأخرى. وعلى سبيل المثال، أشاد «سلمان العودة»، رجل الدين التابع للصحوة والذي يحظى بشعبية واسعة، بالحرب، واصفا إياها بالوحدة السنية ضد «الاستبداد الفارسي».
وحتى في الكويت، حيث لا يسمع صوت للطائفية إلى حد ما، فقد تكشفت هذه الديناميكية، ولو في صورة طبق الأصل من دول الخليج الأخرى، كما أشارت «مادلين ويلز» في الآونة الأخيرة، وتسعى الفصائل الشيعية إلى قدر أكبر من الحماية من عائلة «الصباح» الحاكمة ضد الطائفية الوليدة لدى العشائر السنية المعارضة.
وعبر منطقة الخليج، كانت تموجات الطائفية للحملة العسكرية التي تقودها السعودية سامة وعنيفة، وفي الآونة الأخيرة انطلقت حربا كلامية ساخنة على نحو متزايد بين اثنين من حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في المنطقة، العراق والمملكة العربية السعودية، وفي تصريحات للصحفيين في واشنطن، انتقد رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» الحملة التي تقودها السعودية، وسأل مشافهة عما إذا كان السعوديون أيضا يضعون العراق في أذهانهم. وفي الوقت نفسه، أدان آلاف المتظاهرين من الشيعة، والذين خرجوا إلى الشوارع، الحرب، وأعلنوا استعدادهم مساعدة الحوثيين. وعلى الرغم من هذه التطورات، فإنه من غير المرجح أن يشتعل الصراع الثنائي الفعلي، وسوف تزيد تصريحات «العبادي» الموجهة إلى الجماهير المحلية وإيران من تعقيد جهود واشنطن لبناء جبهة عربية موحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
ولكن آثار الحرب الأكثر مكرا يمكن رؤيتها داخل دول الخليج العربي، حيث إن الحرب تغلق الفضاء السياسي، تفتح الباب أمام حملات ضد المعارضة. المواطنون الشيعة الذين لا يشاركون في جوقة التأييد القومي للحرب تتم مهاجمتهم مجددا لولاءاتهم المشبوهة.
ويتم القبض على النشطاء الذين يشككون في التدخل على وسائل الإعلام الاجتماعية. وفي البحرين، يقوم البرلمانيون السنة الموالون للنظام بوضع تشريعات تجرم أي انتقاد لهذه العملية التي يقوم بها «أنصار الحوثي»، وأعني بذلك المعارضون الشيعة من الوفاق. وفي المناطق الشيعية من المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية توفي شرطي وجرح العشرات من السكان المحليين الشيعة بعد أن حاولت قوات الأمن أخذ المبادرة بتعطيل وعرقلة احتجاجات في بلدة العوامية المضطربة.
كل هذا يعمل على تأكيد تصريحات «أوباما» لصحيفة «نيويورك تايمز» عن ضرورة الإصلاح الداخلي في الخليج في أعقاب الاتفاق مع إيران. ويرجع جزء كبير من انعدام الأمن والتوتر الطائفي في الخليج إلى المشاكل القائمة منذ فترة طويلة بشأن الحكم والتوزيع غير المتكافئ لرأس المال السياسي والاقتصادي، بدلا من إسقاط قوة إيران.
وهذه هي نقاط الضعف التي لا يمكن لأي قدر من الضمانات الأمنية الأمريكية وعمليات نقل الأسلحة أن تحميها. ولذلك ينبغي على صناع السياسة الأمريكيين أن يؤكدوا على محادثات «كامب ديفيد» القادمة من حيث إنه في الوقت الذي سوف تستمر فيه المساعدة في الدفاع الخارجي في الخليج، فإنهم أيضا ملتزمون بتحرك الخليج قدما في الإصلاح السياسي، وأيضا ربط المساعدات المستقبلية بمسألة التقدم في الإصلاح.
كما ينبغي أن تكون هناك خشية من تقديم الدعم للتدخلات العربية في دول ممزقة، في الوقت الذي تضطلع فيه ظاهريا لأهداف مكافحة الإرهاب أو لمراقبة النفوذ الإيراني، غالبا ما يكون فيها أجندات حزبية، إضافة إلى أهمية وضع حد لعملية تفاقم الصراع الطائفي.
وحتى لو كان الاتفاق النووي يمهد الطريق أمام التقارب السعودي – الإيراني في نهاية المطاف، فإنه لا ينبغي لنا أن نبالغ في تقدير قدرة طهران والرياض في التحكم في درجة الحرارة الطائفية في المنطقة مثل الثرموستات.
الجهات الفاعلة من غير الدول مثل الدولة الإسلامية والسلفيين المتطرفين والمليشيات الشيعية يبادرون بالحسم وأخذ القرار بغض النظر عن رغبات أسيادهم الإقليمية في دول الخليج العربية وإيران.
ولكي تكون على يقين، فإن تضييق التمويل الخارجي من الخزائن في الخليج أو إيران يقلل من القدرة على نشر الحرائق الطائفية.
لكن الطائفية في نهاية المطاف هي نتيجة ثانوية لانهيار المؤسسات وانهيار الدولة في سوريا والعراق، ولن يكون هناك تغيير في أي وقت قريب!.
المصدر | واشنطن بوست/ ترجمة الخليج الجديد 19-نيسان 2015