ما هي حقيقة الدور الإسرائيلي في الصراع الدائر في هضبة الجولان؟ للاجابة عن هذا السؤال يجب النظر الى المسألة من زاوية المصالح الأمنية الإسرائيلية والمخاطر التي تتهددها على المديين القريب والبعيد.
في نظر إسرائيل أن الخطر المباشر الذي يتهددها اليوم من جبهة الجولان، بعد انهيار الجيش السوري وتفكك الدولة المركزية وتراجع سيطرتها على هذه الهضبة واقتصارها على جيب يربط الهضبة بدمشق، يأتي في الدرجة الاولى من “حزب الله” ومقاتليه المنتشرين في المناطق التي ما تزال موالية لنظام الأسد، ومحاولة الحزب بدعم من الإيرانيين انشاء بنية تحتية عسكرية مشابهة لتلك القائمة في جنوب لبنان، وربط جبهة الجولان السوري بجبهة الجنوب اللبناني.
انطلاقاً من هذا الافتراض انتهجت إسرائيل سياسة تهدف الى عرقلة هذا المسعى سواء من طريق القيام بعمليات اغتيال موضعية، مثل اغتيال جهاد مغنية ومسؤولين كبار من الحزب وضباط إيرانيين مطلع هذه السنة، أم من طريق اقامة قنوات اتصال مع الاطراف المعتدلين في المعارضة السورية التي تقاتل الأسد و”حزب الله” في الجولان، وذلك بتقديم المساعدات الانسانية والطبية.
اما الخطر البعيد الذي يتربص بإسرائيل فهو الآتي من التنظيمات الجهادية المتطرفة مثل “داعش” و”جبهة النصرة” اللتين اصبحتا تسيطران على اجزاء كبيرة من الهضبة في الجانب السوري، واقتربتا من السياج الحدودي.
ففي نظر إسرائيل ان سياسة مد الجسور مع هذه التنظيمات عبر اطراف محليين سوريين مقربين من الإسرائيليين من شأنه أن يسمح لها باحتوائها في الوقت الراهن، وتوظيف الصراع الدائر بينها وبين قوات الأسد و”حزب الله” في خدمة مصالحها. هذا مع يقين إسرائيل أن التنظيمات الجهادية سوف تدير بندقيتها نحوها اذا نجحت في السيطرة على كامل الهضبة السورية.
في ظل هذه المعادلة المعقدة، تدير إسرائيل منظومة العلاقات التي أنشأتها مع أطراف في المعارضة السورية التي لم تعد سراً على أحد، وهي بذلك تسعى الى تحقيق هدفين: كبح عدوها المباشر “حزب الله” واحتواء عدوها الأبعد “داعش” و”النصرة”، وذلك من دون التورط في النزاع في سوريا.
لكن تحرك دروز إسرائيل تضامناً مع اخوانهم في سوريا خرّب على إسرائيل خططها، وأحرجها، واستفزها ووضعها أمام خيار صعب: إما التضامن مع شريحة أساسية من مواطنيها، وإما مواصلة تقديم الدعم لمن يعتبرهم الدروز في إسرائيل أعداء لهم وذلك حفاظاً على مصالحها الأمنية.
ليس صعباً معرفة ماذا ستختار إسرائيل، فمهما كان “حلف الدم” الذي يربطها بدروز إسرائيل مهماً، فانه ليس أهم من مصالحها الأمنية.
(عن صحيفة النهار اللبنانية)