أزاميل/ متابعة: اعتبر الكاتب والاعلامي عبد الباري عطوان إن التحالف السعودي المصري بدا “يتضعضع″ إثر التدخل العسكري الروسي في سورية، وفيما أشار إلى أن الحرب الاعلامية بدأت تلتهب، وصف ظهور الشيخ القرضاوي الذي يعد مجرد ذكر اسمه ثلاث مرات امام الرئيس السيسي سببا لإضابته بالاغماء،في حفل السفارة السعودية بالدوحة بانه القشة التي قد تقصم “ظهر العلاقات بين القاهرة والرياض.
واكد ان المواقف والسياسات السعودية المصرية في حال صدام، وليس تناقضا فقط، تجاه هاتين المسألتين، حيث تقف الحكومتان في خندقين متقاتلين في مواجهة بعضهما البعض، وانها بدأت منذ تولي الملك سلمان الحكم في مطلع هذا العام.
ولفت إلى أن “التحدي الاكبر امام السلطات المصرية، هو كيفية الموازنة بين دعمها الواضح للضربات الجوية الروسية الموجهة للجماعات “الارهابية” في سورية التي تقاتل لاسقاط النظام، والعلاقات “الاستراتيجية” التي تربطها بالسعودية، وبعض الدول الخليجية الاخرى؟
مذكرا بان المحور المصري السوري كان الاقوى والاطول عمرا تاريخيا على مدى اكثر من ثمانية آلاف عام، مقارنة بالعلاقات السعودية المصرية، التي كانت تتسم بالتوتر والحروب في القرون الثلاثة الماضية خاصة،
واشار عطوان إلى ان نوعا من تحالفات “الحرب الباردة” السابقة بدأ يتبلور من جديد على ارضية صراع سورية، حيث تعود السعودية بقوة الى المعسكر الامريكي، فيما تستعيد مصر مكانها بقوة متدرجة في المعسكر الروسي، لتقف الى جانب الصين وايران والهند، ودول “البريكس″ عموما.
وادناه نص ما كتبه عطوان في صحيفته “الرأي اليوم”
التحالف السعودي المصري “يتضعضع″ على ارضية التدخل العسكري الروسي في سورية والحرب الاعلامية بدأت تلتهب.. ظهور الشيخ القرضاوي في حفل السفارة السعودية في الدوحة ربما يكون القشة التي قد تقصم “ظهر بعير” العلاقات بين القاهرة والرياض
عبد الباري عطوان
التحالفات السياسية والعسكرية العربية قصيرة النفس، وغالبا لا تعمر طويلا، لانها ترتكز على المزاجية والعلاقات الشخصية بين القادة، وليس استنادا لاعتبارات وقواعد استراتيجية صلبة، والتقارب السعودي المصري ربما يكون المثال الاوضح في هذا الصدد.
فبعد عامين تقريبا من الغزل “الحميم” بين القاهرة والرياض، وتقديم الاخيرة ودولة الامارات العربية والكويت المتحدة اكثر من 30 مليار دولار على شكل منح مالية، ونفطية، وقروض، وودائع ائتمانية، بدأت العلاقات تدخل “ثلاجة شديدة البرودة” رغم التصريحات المفاجئة التي ادلى بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، و”اشاد فيها بالدور السعودي في خدمة الحجاج على مدار السنين، واستحالة ان يزاود عليها احد”، وذلك اثناء خطابه بذكرى حرب اكتوبر.
هناك مفتاحان رئيسيان يحكمان طبيعة العلاقة المصرية السعودية في الوقت الراهن:
-
الاول: الموقف من حركة “الاخوان المسلمين” والجماعات الاسلامية المتشددة بشكل عام.
الثاني: الموقف من النظام السوري والتدخل الروسي العسكري الراهن الرامي الى منع سقوطه مهما كلف الثمن.
***
اللافت ان المواقف والسياسات السعودية المصرية في حال صدام، وليس تناقضا فقط، تجاه هاتين المسألتين، حيث تقف الحكومتان في خندقين متقاتلين في مواجهة بعضهما البعض، رغم المجاملات الرسمية.
الفتور في العلاقات بدأ منذ تولي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في مطلع هذا العام، حيث اثر ان “ينسف” ارث شقيقه الراحل الملك عبد الله السياسي، ويقدم على تغيير تحالفاته الاقليمية، وينخرط في تحالف اقليمي قطري تركي، مما يعني انهاء القطيعة مع حركة “الاخوان المسلمين” بكل تفرعاتها، واتخاذ موقف عدائي من التدخل الروسي لدعم النظام في سورية.
عدم مشاركة العاهل السعودي في قمة شرم الشيخ الاقتصادية للدول المانحة لمصر، ومشاركته الرمزية، ومغادرته المبكرة للقمة العربية التي تبعتها بايام في المنتج نفسه في نهاية آذار (مارس) الماضي، والغاء او تأجيل، زيارة كانت مقررة له الى العاصمة المصرية في طريق عودته من واشنطن قبل عشرين يوما، كلها تؤكد ان “الكيمياء” الشخصية والسياسية بينه وبين الرئيس المصري ضعيفة ان لم تكن شبه معدومة.
عندما يكون هناك خلاف او فتور في العلاقات بين الحكومات العربية، فان التعبير عنها لا يأتي في معظم الاحيان من خلال القنوات الدبلوماسية، وانما من خلال رسائل غير مباشرة، فالحكومة المصرية تملك ارثا كبيرا في هذا الصدد، وسلاحها الاقوى هو وسائل الاعلام، ومن يتابع الصحف وبرامج التلفزة المصرية، يجد انها مليئة هذه الايام ببعض البرامج والمقالات الانتقادية للسعودية، والاكثر من هذا استقبال وزارة الخارجية المصرية لوفد يمثل حزب “المؤتمر” اليمني الذي يتزعمه الرئيس علي عبد الله صالح، عدو السعودية الاول والاخطر، واعادة بث القنوات اليمنية التابعة له مثل “اليمن اليوم” و”سبأ” و”الايمان” على قمر “نايل سات”، وبرود” الاعلام المصري وحكومته تجاه “تحرير” قوات التحالف العربي برئاسة السعودية لباب المندب مدخل البحر الاحمر.
الحكومة السعودية صاحبة خبرة اعلامية محدودة في ميدان “الردح الاعلامي”، وان كانت طريقتها في هذا المضمار، باتت تعطي نتائج عكسية، لان هذا الدور لا يليق بها ومكانتها، وبدأت اخيرا تدخل حلبة السباق الاعلامي بدور اوسع، وتوجه انتقادات مبطنة لمصر وقيادتها، وذهبت الحكومة السعودية الى ما هو ابعد من ذلك، عندما وجهت سفارتها في الدوحة دعوة للشيخ يوسف القرضاوي، رئيس هيئة كبار علماء المسلمين، لحضور الاحتفال بعيدها الوطني اواخر الشهر الماضي، وهو الحضور الذي حظي بتغطية واسعة، وكان الهدف منه توجيه رسالة قوية الى الحكومة المصرية.
ذكر اسم الشيخ القرضاوي ثلاث مرات امام الرئيس السيسي يصيبه بالاغماء، فكيف سيكون الحال اذا حضر حفلا في السفارة السعودية، واين؟ في الدوحة، العاصمة الاكثر ثقلا على قلبه، حيث جرى استقباله، اي الشيخ القرضاوي، بحفاوة لافتة من قبل السفير السعودي واركان سفارته.
التحدي الاكبر امام السلطات المصرية، هو كيفية الموازنة بين دعمها الواضح للضربات الجوية الروسية الموجهة للجماعات “الارهابية” في سورية التي تقاتل لاسقاط النظام، والعلاقات “الاستراتيجية” التي تربطها بالسعودية، وبعض الدول الخليجية الاخرى؟
من الواضح، ومن خلال الاتصال الذي اجراه الرئيس السيسي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتضمن ترحيبا مصريا رسميا بهذه الضربات “المتدحرجة”، ان الرئيس المصري قرر الابتعاد عن حليفه السعودي السابق، او اتخاذه سياسة مستقلة عنه، لانه يدرك جيدا ان عضلاته المالية تتقلص وتنكمش بسرعة بسبب تراجع اسعار النفط اولا، وان سفينة تدخله في الازمة اليمنية تواجه رياحا وامواجا عاتية، قد تؤدي الى غرقها وعدم وصولها الى بر الامان بالتالي.
***
اذا نظرنا الى الفصول الابرز في تاريخ المنطقة، نجد ان المحور المصري السوري كان الاقوى والاطول عمرا على مدى اكثر من ثمانية آلاف عام، بينما العلاقات السعودية المصرية، وفي القرون الثلاثة الماضية خاصة، كانت تتسم بالتوتر والحروب، ابتداء من اقتحام جيش ابراهيم باشا نجل محمد علي للدرعية عاصمة الدولة السعودية عام 1818 وتدميرها وانتهاء بالحرب اليمنية في منتصف الستينات من القرن الماضي.
السعودية مصرة على اسقاط الرئيس بشار الاسد ونظامه، ولا ترى له اي دور في مستقبل سورية، وروسيا بوتين ترى العكس تماما، لان البديل عن النظام السوري هو الفوضى، وقيام جماعات اسلامية متشددة بمليء الفراغ، وتقترب مصر اكثر فأكثر من الموقف الروسي وتحاول جر دولة الامارات العربية المتحدة، وربما الكويت ايضا الى معسكرها، ويبدو انها بدأت تحقق بعض النجاح في هذا المضمار.
تحالفات “الحرب الباردة” السابقة بدأت تتبلور من جديد على ارضية الصراع في سورية، حيث تعود السعودية بقوة الى المعسكر الامريكي، ولكن بصورة اضعف من السابق بسبب تورطها في حرب اليمن، وتستعيد مصر مكانها بقوة متدرجة في المعسكر الروسي، الى جانب الصين وايران والهند، ودول “البريكس″ عموما.
النظام السوري قد يخرج الكاسب الاكبر من هذا الانقلاب في خريطة التحالفات الاقليمية والدولية ولو الى حين، فالامر المؤكد ان طوق النجاة الروسي بدأ يعطي نتائج ملموسة في هذا الصدد، اقليميا او على صعيد رسم خريطة جديدة للتحالفات الاقليمية.
————–
القرضاوي في حفل للسفارة السعودية بالدوحة
وكان نبأ لرويترز، ذكر بان الشيخ يوسف القرضاوي الذي تربطه صلات وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين حضر حفلا للسفارة السعودية في قطر يوم الجمعة الماضي في مؤشر على تخفيف حدة العداء من جانب الرياض تجاه الجماعة.
وظهر القرضاوي -المقيم بقطر والذي تسببت خطبه الحادة في توتر العلاقات مع الجيران الخليجيين- إلى جانب رئيس الوزراء القطري والسفير السعودي في الدوحة احتفالا باليوم الوطني للمملكة.
ومنح اعتلاء الملك سلمان -الذي يعتبر أكثر تعاطفا مع الإسلاميين المحافظين من سلفه الملك عبد الله- عرش السعودية في يناير كانون الثاني الماضي بصيص أمل لأعضاء الإخوان الهاربين في قطر بأن رياح السياسة في الشرق الأوسط بدأت تتحول لصالحهم مما قد يمنح الجماعة مزيدا من حرية التحرك.
وبينما أحجم الملك سلمان عن الظهور كصديق للإخوان فإنه عمل على تخفيف حدة التوتر مع حلفاء الجماعة فعزز علاقات الرياض مع تركيا وقطر وتواصل مع حزب الإصلاح ذراع الإخوان في اليمن.
وقال مصري من أعضاء الإخوان الذين يعيشون في قطر طلب عدم نشر اسمه “نحن الآن متفائلون.
“القيادة (السعودية) الجديدة قد تعني حقبة جديدة للشرق الأوسط حيث يتم التعاون مع الإسلاميين باعتبارهم شركاء.. بدلا من شيطنتهم.”
ودأب القرضاوي -الذي ولد في مصر- في خطبه على انتقاد السلطات في السعودية والإمارات التي ترى في الإخوان تهديدا للاستقرار الإقليمي ينطوي على غدر من خلال أنشطتها في مصر ودول عربية أخرى.
وفي مايو أيار الماضي حكمت محكمة مصرية بالإعدام غيابيا على القرضاوي في قضية تتعلق باقتحام سجون أثناء الانتفاضة التي أطاحت بحكم الرئيس السابق حسني مبارك في 2011.
وكان الجدل بشأن الإخوان وهي الجماعة الإسلامية الأشد تأثيرا في العالم محور خلاف بين دول الخليج العربية وصل في 2014 لحد سحب السعودية والإمارات والبحرين لسفرائها من الدوحة.
ولم يعد السفراء الثلاثة إلا بعدما قالت قطر إنها لن تسمح لجماعة الإخوان باستغلالها لممارسة أنشطتها.