ما هي أبرز الاختلافات و التناقضات بين الإعلان الإسلامي لحقوق الانسان والإعلان العالمي لحقوق الانسان؟، وما سبب هذه الاختلافات الهائلة والجوهرية؟، أدناه جولة في التعرف على هذه القضية المهمة جدا، وبالغة الخطورة.
يعد موضوع حقوق الانسان احدى الركائز الاساسية في ظل ما يسمى بـ “النظام الدولي الجديد” الذي لم تنته عمليو تشكيل ملامحه بشكل كامل, ولا خلاف ان النظام الامريكي المهيمن بعد زوال الاتحاد السويفاتي قد تبنى هذه القضية كأحد الاسس الهامة لسياسته الخارجية من دون نفي الدور الهام الذي تقوم به المصالح الامريكية الاقتصادية في هذا المجال. بذلك تكون قضية حقوق الانسان احدى ادوات الضغط الغربي (الامريكي بشكل خاص) على المجتمعات غير ذات الثقافة الليبرالية, ومن بينها المجتمعات العربية ذات الثقافة الاسلامية.
اذا كان بامكان بعض المجتمعات تجاهل هذا الموضوع الحيوي والهام لاسباب دينية او عقائدية سياسية, او عدم التعامل معه بما يتناسب وأهميته, فان ذلك ليس متيسراً في ظل النظام الدولي الجديد, حيث لا بد من حسم هذا التجاهل والتردد بشأن قضية حقوق الانسان خاصة وان الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة, قادرة على فرض هذه القضية في علاقاتها الدولية على الاخرين بشتى الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية (من حيث المساعدات).
واذا كان بالامكان تخطي عقبات العقيدة السياسية (كما في الصين مثلاً), فان عقبات العقيدة الدينية تمثل عائقاً حقيقياً بما تملكه من قوة معنوية قادرة على اطالة امد المماطلة لوقت غير قصير, ولعل ارتباط العقيدو الدينية بالجانب التشريعي في حياة بعض المجتمعات ما يزيد من تعقيد المشكلة. لذلك فان قدر هذه المجتمعات ان تعاصر مواجهة قادمة لا محالة بين معتقدها الديني وقضية حقوق الانسان المعاصر العلمانية المنشأ.
المجتمعات العربية وغير العربية ذات الثقافة الاسلامية تعيش منذ القرن التاسع عشر حالة من الازدواجية لم يحدث ان واجهتها منذ ظهور الاسلام في القرن السابع الميلادي. هذه الازدواجية تتمثل في ضياع او فقدان الهوية الحضارية, من خلال التناقض القائم بين الثقافة الدينية والسلوك العلماني, وان ما تتمناه شيء وما تفعله شيء مخالف تماماً.
وفي الوقت ذاته لا تستطيع ان تحدد موقفها الفكري نظراً الى ارتباط الثقافة الدينية بالنص الديني المقدس. لذلك تعيش هذه المجتمعات في ظل ما يسميه البعض بـ “ثقل الواقع”.
من دون اي قدرة على دفع هذا الثقل او خلق قوة دينية مساوية له, ولعل هذا يفسر هيمنة روح “فكر ردة الفعل” لدى الداعيين للتمسك بالهوية الدينية.
ونقصد بـ “فكر ردة الفعل” ان هؤلاء الدعاة لا يقدمون تأصيلاً فكرياً لمختلف القضايا المعاصرة مثل الديمقراطية, حقوق الانسان, الاقتصاد الرأسمالي.. الخ, بقدر ما يكونون بانتظار ما يقدمه الاخر (الغربي) ثم يقومون بصياغة رد فعل فكري, غالباً ما تطغى عليه الانفعالات واللاموضوعية وفي ظل سيطرة تامة لها جس فضل سبق الاسلام على غيره من الثقافات والاديان, ودائماً يكون النموذج هو ذلك الماضي البعيد, دولة النبوة والخلافة الراشدة.
قضية الديمقراطية احدى القضايا التي يمكن الاستشهاد بها في هذا الصدد, ففي ظل هيمنة الفكر الديمقراطي وتبني جميع الدول والانظمة السياسية له باستثناء بعض الدول اخذ المنتون الى التيار الديني بطرح فكرة الشورى التي وردت في القران مرتين فقط لا غير.
لكنهم كانوا عاجزين تماماً عن تقديم تجسيد مادي متناسق وموضوعي للكيفية التي يمكن من خلالها ممارسة الشورى كنظام سياسي. وكانت نتيجة ذلك كله ان فكرة الشورى ظلت منحصرة في الاطار النظري, في حين كانت الممارسة (انتخاب, ترشيح, برلمان, دستور, أحزاب…الخ) مقتبسة من الفكر الديمقراطي, كذلك الامر مع موضوع حقوق الانسان بمفاهيمه الغربية.
هذا الموضوع الذي لا يوجد فيه ولا حتى مؤلف في الفكر الاسلامي التراثي, كما انه لم يحدث ان كان محور بحث لدى المؤتمرات الاسلامية.
وحين اخذ الكتاب المعاصرون في البحث في هذا الموضوع اضطروا الى اعتبار الفكر الغربي المرجعية الاساسية في هذا الموضوع, وحين اعوزهم الاستدلال من الحياة المعاصرة اودوا الحجج الشفهية لاحداث تاريخية غير متيقنة, فضلاً عن عدم قدرتها (نقصد الحجج) على الصمود امام البحث الدقيق والعقلاني.
مجال حقوق الانسان من الموضوعات التي يتباهى معظم الكتاب الاسلاميون باسبقية الفكر الاسلامي, لذلك سيكون محور هذه الدراسة البحث عن مدى التواجد الفعلي لحقوق الانسان في الفكر الاسلامي, ويقصد بذلك: البحث في مدى توافر المادة النصية في القران الكريم والسنة النبوية واراء الفقهاء من جهة, والتطبيق العملي لهذه المادة على صعيد الممارسة الفعلية من جهة ثانية. وحتى نتجنب مزالق العمومية اللفظية, لابد أولاً من تحديد المقصود بـ “حقوق الانسان”, بداهة القول تقتضي اعتبار الحقوق التي اقرها “الاعلان العالمي لحقوق الانسان”.
اساس البحث في الدراسة, لذلك ينصب الاهتمام حول هذه الحقوق في الفكر الاسلامي وهذا بدوره يقتضي مبدأ الحياد, والمؤدي بدوره الى نقد الذات. ليس هدف الدراسة الدفاع عن الفكر الاسلامي أو البحث عن التبريرات, بل الوصول الى الحقيقة حتى وان كانت مؤلمة وقد لا ترضي المسلمين بشكل عام. وفي الدراسة الاكاديمية ليس مهماً ان يغضب فريق ويرضى اخر, بل المهم الوصول الى الحقيقة المجردة.
حقوق الانسان هي بايجاز الحقوق الثلاثون التي اقرتها منظمة الامم المتحدة في العاشر من ديسمبر/كانون الاول 1948, وهي ذات الحقوق الصادرة عن الجمعية الوطنية الفرنسية ابان الثورة الفرنسية, والتي اعترفت بموجبها بالمساواة بين جميع المواطنين, اضافة الى الحريات الاساسية.
اعلان حقوق الانسان حقوقاً ذات طبيعة عالمية بديهية معترفاً بها من قبل جميع الانظمة الدينية العلمانية على حد سواء, على سبيل المثال ما نصت عليه المادة الاولى:
[يولد جميع الناس احراراً متساوين في الكرامة والحقوق, وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم ان يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الاخاء].
وكذلك الامر بالنسبة الى المواد الثالثة والخامسة والسادسة وغيرها مما يتسم بالعمومية, هذه الحقوق لا تحتاج الى الوقوف او البحث فيها لكونها انسانية التوجه وذات بعد كوني, بمعنى انها سابقة على جميع الاديان السماوية وغير السماوية, حيث نادى بها الكثير من الفلاسفة والمفكرين قبل الميلاد, مثل المدارس الفكرية كالرواقية والكلبية, لذلك سيقتصر البحث على النصوص التي تتميز بالخصوصية نظراً الى تعارضها مع النصوص الدينية المقدسة او الاحاديث النبوية او الاجماع الذي يعد احد المصادر الاساسية للشريعة الاسلامية.
قد يحتج البعض ان مناقشة “حقوق الانسان” ذات المنشأ العلماني في اطار الفكر الاسلامي امر لا يتفق مع الاساس الديني للفكر الاسلامي, بمعنى ان حقوق الانسان انما قامت على اساس العلمانية الاوروبية القائمة على مبدأ فصل الدين عن الدولة, في حين يقوم الفكر الديني على النصوص الدينية ذات الطبيعة الالهية والتي بطبيعتها تفرض قيوداً على الفكر حتى لا ينحرف عن وجهة النظر الدينية, والامثلة على ذلك كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: انكار الدين الاسلامي لحق المرأة المسلمة بالزواج بمن تريد.
اذ يفرض القيد الديني حرمة زواج المسلمة بغير المسلم حتى ولو كان ذمياً, استدلالاً بعدم جواز ولاية الكافر على المسلم مصاقاً للاية القرانية: “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”, وكذلك عدم حق المسلم في الارتداد عن الدين الاسلامي والدخول في اي دين يشاء, أو اختياره بأن يبقى من دون دين مهما تكن الاسباب الداعية لذلك!.
لا خلاف ان للفكر الاسلامي طبيعته الدينية الخاصة, ومما لا خلاف فيه ايضاً ان اختلاف المقدمات يقضي الى اختلاف النتائج, لذلك دعونا منذ بداية الدراسة الى ضرورة البحث الجاد والحياد العلمي والبعد عن العاطفية الدينية, ولا يعني ذلك توجه الدراسة الى ممارسة جلد الذات, أو اشعار المسلمين بالمهانة الفكرية للدين الاسلامي نظراً الى عدم اتفاق بعض نصوصه مع نصوص اعلان حقوق الانسان, بل يتمركز التوجه نحو اثبات خصوصية الاسلام والدعوة الى تجديد روح الدين الاسلامي من خلال اثبات صدقية الفكر الاسلامي وذلك باستجلاء المفاهيم الدينية الكامنة في الفكر الاسلامي وتوضيح ذلك للغرب
اذ ليس مهماً ان يتطابق الفكر الاسلامي مع اعلان حقوق الانسان او يناقضه بل المهم الوصول الى حقيقة الفكر الاسلامي, ولا يحق لعلماء الاسلام المعاصرين الادعاء للفكر الاسلامي بما ليس فيه, كما ليس من حقهم التفاخر والتعالي على الحضارات الاخرى ومن ثم تحميل الفكر السلامي اكثؤ مما يحتمل, سواء من ناحية تجاهل الحقائق العلمية او من ناحية تأةيل النصوص بما لا يطيقه العقل الانساني.
ان المحاولات اليائسة لتبرير مواقف الفكر الاسلامي والمضامين الدينية للنصوص موقف مرفوض عقلياً وعلمياً. الاصل ان الفكر الاسلامي لا يعمل الا في اطار الدولة الاسلامية بغض النظر عن عدم وجودها في الواقع المعاش, فذلك لا يلغي النص الديني ولا ينفيه من التعامل الفكري.
فالنص الديني ثابت وملزم لجميع المسلمين وان لم يتعاملوا بموجبات هذا النصوص, ولا يستطيع اي مسلم, مثقفاً كان ام غير مثقف, ان يتخلص من اسار النص الديني, وان ينسلخ عن هذا الالتزام المعنوي الا بالارتداد عن الدين الاسلامي, حينئذ نكون قد خرجنا عن الموضوع برمته.
– حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي المعاصر: مقارنات
في نطاق نزعات الهوية والخصوصية والذاتية والتأصيل، صيغت في القعود الثلاثة الأخيرة عدة دساتير اسلامية، وعشرات الإعلانات لحقوق الانسان في الاسلام من جانب أفراد أو جماعات أو هيئات رسمية أو دول. وكانت السيدة (Ann Elisabeth Mayer) قد درست عدداً من هذه الإعلانات والبينات في كتاب لها صدر عام 1991م، مع اجراء مقارنات بين تلك البيانات من جهة وميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق والمعاهدات الصادرة فيما بعد حتى مطلع الثمانينات من جهة ثانية.
وأريدُ هنا أن أُجري مقارنة بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والمعاهدات الأخرى من جهة، وبين بيانين صادرين عن شخصيات اسلامية من جهةٍ ثانية. ما البيانات المعنيان فيحمل أولهما عنوان: (البيان الإسلامي ـ العالمي لحقوق الانسان) الذي عكف عليه خمسون مفكراً وشخصيةً اسلامية، برعاية المجلس الاسلامي بلندن، وأُعلن في اجتماع عقد بمقر منظمة اليونيسكو بتاريخ 19 سبتمبر 1981م.
والبيان أو الإعلان الثاني أوصت به منظمة المؤتمر الاسلامي عام 1980م، وصاغته لجنةٌ مكونة من السادة: عدنان الخطيب، وشكري فيصل، ووهبة الزحيلي، ورفيق جويجاتي، وإسماعيل الحمزاوي. ولكن هيئة المؤتمر لم تنظر فيه بعد ذلك، فأصدره أحد مؤلفيه (عدنان الخطيب) عام 1992م بدمشق بعنوان: (حقوق الإنسان في الإسلام) مع شرح عليه.
وأما موضوعات المقارنة فبعض الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية مثل حق العمل، حق العلم، وحقوق الأسرة والطفل، وحق التملك.
– أولاً: حق العمل
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
1 ـ تعترف الدول الأطراف في هذا العهد بالحق في العمل، الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له امكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق.
2 ـ يجب أن تشمل التدابير التي تتخذها كل الدول الأطراف في هذا العهد لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق توفير برامج التوجيه والتدريب والتقنيين والمهنيين، والأخذ في هذا المجال بسياسات وتقنيات من شأنها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية مطردة، ولحالة كاملة ومنتجة في ظل شروط تضمن للفرد الحريات السياسية والاقتصادية الأساسية.
البيان الإسلامي ـ العالمي لحقوق الانسان:
لكل إنسان أن يعمل وينتج، تحصيلاً للرزق من وجوهه المشروعة: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)، (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه).
حقوق الانسان في الاسلام:
أ) العمل حق تكفله الدولة والمجتمع لكل قادرٍ عليه، وللإنسان حرية اختيار العمل المشروع الذي يلائمه.
ب) على العامل إتقان عمله والإخلاص فيه، وله حقه في الأجر العادل الكافي مقابل عمله، وله الحق في كل الضمانات المتعلقة بالسلامة والأمن.
ت) إذا اختلف العمال وأرباب العمل فمن حقهم على الدولة والقضاء التدخل دون تمييزٍ لرفع الظلم وإقرار الحق.
– ثانياً: حق العلم
العهد الدولي الخاص:
1 ـ تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فردٍ في التربية والتعليم. وهي متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها، وإلى توطيد احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية. وهي متفقة كذلك على وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر، وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الإثنية أو الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم.
2 ـ وتقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن ضمان الممارسة التامة لهذا الحق يتطلب:
أ) جعل التعليم الابتدائي إلزامياً وإتاحته مجاناً للجميع.
ب) تعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، بما في ذلك التعليم الثانوي التقني والمهني، وجعله متاحاً للجميع بجميع الوسائل المناسبة، ولا سيما بالأخذ تدريجياً بمجانية التعليم.
ت) جعل التعليم العالي متاحاً للجميع على قدم المساواة، تبعاً للكفاءة، بجميع الوسائل المناسبة، ولا سيما بالأخذ تدريجياً بمجانية التعليم.
ث) تشجيع التربية الأساسية و تكثيفها، إلى أبعد حد ممكن، من أجل الأشخاص الذين لم يتلقوا أو لم يستكملوا الدراسة الابتدائية.
ج) العمل بنشاط على إنماء شبكة مدرسية على جميع المستويات، وإنشاء نظام منحٍ وافٍ بالغرض، ومواصلة تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدريس.
3 ـ إمكان اختيار مدارس غير حكومية.
الإعلان الاسلامي ـ العالمي:
أ) التعليم حق للجميع وطلب العلم واجب على الجميع ذكوراً وإناثاً على السواء: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة). والتعليم حق لغير المتعلم على المتعلم: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون)، (ليبلغ الشاهد الغائب).
ب) على المجتمع أن يوفر لكل فرد فرصة متكافئة ليتعلم ويستنير: (مَن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله عزوجل يعطي)، ولكل فرد أن يختار ما يلائم مواهبه وقدراته: (كلٌّ ميسر لما خلق له).
حقوق الإنسان في الاسلام:
1 ـ طلب العلم فريضةٌ على كل إنسان.
2 ـ التعليم واجبٌ على المجتمع والدولة، وعليهما تأمين سبله ووسائله وضمان تنوعه بما يحقق مصلحة الجماعة، ويتيح للإنسان معرفة دين الله تعالى، وحقائق الكون وتسخير الطبيعة لصالح البشرية وغيرها. وهو إلزامي في مراحله الأولى.
– ثالثاً: حقوق الأسرة والطفل
الإعلان العالمي لحقوق الانسان:
1 ـ للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين. وهما يتساويان في الحقوق لدى التزويج، وخلال قيام الزواج، ولدى انحلاله.
2 ـ لا يُعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملاً لا إكراه فيه.
3 ـ الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.
العهد الدولي الخاص:
وجوب اتخاذ تدابير حماية ومساعدة خاصة لصالح جميع الأطفال والمراهقين، دون أي تمييز بسبب النسب أو غيره من الظروف. ومن الواجب حماية الأطفال والمراهقين من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي.
كما يجب جعل القانون يعاقب على استخدامهم في أي عمل من شأنه إفساد أخلاقهم أو الإضرار بصحتهم أو تهديد حياتهم بالخطر أو إلحاق الأذى بنموهم الطبيعي. وعلى الدول أيضاً أن تفرض حدوداً دنيا للسن يحظر القانون استخدام الصغار الذين لم يبلغوها في عملٍ مأجورٍ ويعاقب عليه.
الإعلان الإسلامي ـ العالمي:
حق بناء الأسرة:
أ) الزواج ـ بإطاره الإسلامي ـ حق لكل إنسان، وهو الطريق الشرعي لبناء الأسرة وإنجاب الذرية وإعفاف النفس: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء).
ب) لكل طفل على أبويه حق إحسان تربيته وتعليمه وتأديبه: (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً). ولا يجوز تشغيل الأطفال في سنٍ باكرة، ولا تحملهم من الأعمال ما يرهقهم أو يعوق نموهم أو يحول بينهم وبين حقهم في اللعب والتعلم.
ت) إذا عجز والدا الطفل عن الوفاء بمسؤولياتهما نحوه، انتقلت هذه المسؤولية إلى المجتمع..
ث) لا يُجبر الفتى أو الفتاة على الزوج ممن لا يرغب فيه: (جاءت جارية بكر إلى النبي(ص) فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيّرها النبي(ص) ).
حقوق الإنسان في الإسلام:
أ) الأسرة عماد المجتمع المسلم، والزواج أساس وجودها، وهو واجب على الرجال والنساء، يرغب الإسلام في ممارسته، ولا يحول دون التمتع به أي قيد منشؤه العرق أو اللون أو الجنسية إلا لضرورة تقتضيها أحكام الشريعة.
ب) على الدولة والمجتمع إزالة العوائق أمام الزواج، وتيسير وسائله.
ت) التراضي أساس في عقد الزواج، وإنهاؤه لا يكون إلا وفق أحكام الشريعة.
ث) الرجل قيّم على الأسرة ومسؤولٌ عنها، وللمرأة شخصيتها المدنية وذمتها المالية المستقلة، وتحتفظ باسمها ونسبها.
ج) لكل طفلٍ منذ ولادته، حق على والديه ومجتمعه ودولته في الحضانة والتربية والرعاية المادية والأدبية.
ح) على المجتمع والدولة حماية الأمومة وتعهدها برعاية خاصة.
خ) من حق الأب أن يختار لطفله التربية الملائمة في ضوء القيم الأخلاقية الإسلامية.
– رابعاً: حق التملك
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
1 ـ لكل فردٍ حق في التملك، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره.
2 ـ لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً.
البيان الإسلامي ـ العالمي:
الملكية الخاصة مشروعة ـ على انفراد مشاركة ـ ولكل إنسان أن يقتني ما اكتسبه بجهده وعمله: (وأنه هو أغنى وأقنى). والملكية العامة مشروعة، وتوظف لمصلحة الأمة بأسرها: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرن فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم).
حقوق الإنسان في الإسلام:
لكل إنسان الحق في الكسب المشروع، على ألا يحتكر ولا يغشّ ولا يضرّ بفرد أو جماعة.
– نتائج المقارنات:
إن الثبت السابق الذي يتضمن ذكراً لنصوص المواثيق العالمية، وبيانين اسلاميين، فيما يتصل بحقوق العمل والعلم والأسرة والطفل، والتملك؛ يُظهر تقاطعات ولقاءات كما يُظهر فروقاً واضحة. والواقع أن (جدول أعمال) إعلان حقوق الانسان، والعهد الدولي الخاص فرض نفسه على البيانين الإسلاميين اللذين اضطرا إلى ذكر ما ذكر الميثاقان مع إضافات تفصيلية قليلة. بيد أن الاختلافات ما تزال واضحةً تحت العناوين المشتركة.
فالملاحظ أن الإعلانات الدولية تذكر أموراً كثيرةً باعتبارها حقوقاً طبيعية. بينما يؤصّل الإعلان الاسلامي ـ العالمي نفسه على القرآن والسنة، والآخر على الشريعة. ولذا تتمايز اللهجة. فتظل الإعلانات الدولية حققواً، بينما تُصبح الإعلانات الإسلامية تكاليف. وهذا تمايز تبدو أهميته فيما بعد عند التفصيل.
فهناك إصرار من جانب واضعي البيانيين الاسلاميين على التقيد بأحكام الاسلام أو الرجوع إليها في الزواج، والقوامة، وحضانة الأطفال.. الخ.
وهناك إصرار على استخدام المصطلح والتعابير الفقهية والقرآنية. وهناك إصرار أيضاً على أن ذلك لا يُعتبر تمييزاً بل هي نصوص شرعية لابد من اتباعها.
وخلاصة الأمر أن هناك نزعة تأصيل (في بيان المجلس الاسلامي أكثر مما لدى جماعة المؤتمر الاسلامي)، كما أن هناك إصراراً على إبراز خصوصيات شريعتنا؛ وصولاً إلى الإحساس بالاستقلالية عن أنماط الغرب ونماذجه ـ فالموجه إليهم البيانان ليسوا هم المسلمين في ديار الاسلام، بل أطراف المجتمع الدولي الذين ينبغي ـ حسب البيانين ـ أن يعلموا إصرار المسلمين على التمايز والندّيّة بسبب خصوصية نصوصهم وأعرافهم، وبالتالي شخصيتهم؛ فلا يمكن أن يذوبوا في المجتمعات الغربية، كما ذاب أسلاف لهم على الاطلاق.
وفيما عدا ذلك فإن البيانين لا يعرضان جديداً إلا في (التقنين) كما يذكر إعلان حقوق الانسان في الاسلام ـ والتقنين نزعة بدأت في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وتبلورت مع العمل على مجلة الأحكام العدلية العثمانية.
ثم استمرت على تقطع في النصف الأول من القرن العشرين، وتعود في الأعوام الأخيرة للبروز على مستوى وضع الدساتير، وإعلانات حقوق الانسان، وتقنين أحكام المعاملات ـ وهدفها أمران: إثبات صلاحية الشريعة للتطبيق في كل زمان ومكان، والتهيئة لقيام الدولة الاسلامية التي قويت فكرتها بعد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية، وإعلان الدستور الاسلامي هناك.
يرى الباحث المعروف جورج مقدسي أن التقليدين، الإنسانوي Humanism والسكولائي ظهرا في عالم الاسلامي، ثم تسربا إلى الغرب عن طريق إيطاليا والأندلس لكن الفرق بين عالم الاسلام، والعالم الأوروبي؛ أن العالم الاسلامي عرف الحركة الإنسانوية أولاً ثم النظام التعليمي السكولائي، بينما عرفت أوروبا، السكولائية أولاً ثم الأنسنة. فالذي يبدو لي أن مشكلاتنا الثقافية مع الغرب ناجمة عن التشابه الشديد في الأصل لا الاختلاف.
ولستُ على بينة مما إذا كان التأصيل والخصوصية، السبيلين الأكثر جدوى لحفظ الهوية أو استنقاذها.
على أن ظاهرة الإعلانات الاسلامية لحقوق الانسان ليست سلبية مطلقاً. فقد مرت فترة كنا فيها نرفض العالمي والكوني رفضاً باتاً، ونحن نقول الآن من خلال هذه الإعلانات: إننا نقبل بالدخول والمشاركة، لكن بشروط نعتبرها شروطاً حاجية أو تحسينية وليست ضرورات.
بيد أن المسألة المطروحة هنا تظل خياراً وجودياً وتاريخياً كبيراً. وشروط هذا الخيار الوعي بالمجال والزمان ـ وهو ما تحاول هذه المقالة أن تتطلع إليه.
2. تعريف الحقوق عند علماء الغرب
رغم ما لكلمة الحق من وضوح في أذهان عامة الناس، فإن علماء القانون قد اختلفوا في تعريف الحق اختلافًا واسعًا، ويقال بأن تعريف الحق من أكثر المسائل التي ثار الاختلاف بشأنها.
ويمكن تحديد الاتجاهات العامة لتعريف الحق عند رجال القانون في الغرب بثلاثة مذاهب لكل منهم نظريته التي تستند إلى القيمة التي وجد أنها أجدر بالأخذ بعين الاعتبار. وهذه النظريات هي:
- نظرية الإرادة، أو النظرية الشخصية.
- نظرية المصلحة، أو النظرية الموضوعية.
- النظرية المختلطة، وهي التي حاولت الجمع بين النظريتين السابقتين.
وقد نتج عن هذه المذاهب الثلاث ظهور خمسة تعاريف للحق:
– التعريف الأول: الحق قدرة إرادية يخولها القانون لشخص معين: وهذا التعريف هو المعتمد عند أصحاب نظرية الإرادة، أو النظرية الشخصية، وقد سميت بالنظرية الشخصية لأن أصحابها يعرفون الحق بالنظر إلى صاحبه، لأن القدرة الإرادية صفة تلحق بالشخص صاحب الحق.
– التعريف الثاني: الحق مصلحة يحميها القانون: وهذا التعريف هو المعتمد عند أصحاب النظرية الموضوعية، أو نظرية المصلحة، وسميت بذلك الاسم لأن أصحابها يعرفون الحق بالنظر إلى موضوعه، وموضوع الحق هو المصلحة.
– التعريف الثالث: الحق مصلحة يحميها القانون، عن طريق قدرة إرادية لشخص: وهذا التعريف لأصحاب النظرية المختلطة الّذين غلبوا عنصر المصلحة على عنصر الإرادة.
– التعريف الرابع: الحق قدرة في خدمة مصلحة ذات صفة اجتماعية، وتباشر بواسطة إرادة مستقلة: وهذا التعريف لأصحاب النظرية المختلطة الذين غلبوا عنصر الإرادة على عنصر المصلحة. وكل نظرية من هذه النظريات لا تخلو من النقد.
– التعريف الخامس: الحق ميزة يمنحها القانون لشخص ويضمنها بوسائله، وبمقتضاها يتصرف في قيمة منسوبة إليه باعتبارها له، أو مستحقة له: وهذا التعريف الأخير منسوب للفقيه القانوني البلجيكي جان دابان، وهو تعريف جديد حاول أن يتجنب فيه النظريات السابقة، وما وجه إليها من نقد، ونال هذا التعريف استحسانًا من قبل الفقهاء لاسيما فقهاء القانون في مصر.
3. تعريف الحقوق عند علماء الشريعة الإسلامية
من الملاحظ بالرجوع إلى كتب الفقه والأصول أن العلماء المسلمين لم يعطوا تعريفًا كاملاً شاملاً للحقوق، وإذا ما وردت بعض التعاريف له، فإنما ترد قاصرة عن تحديده تحديدًا كاملاً، شاملاً، ولعلهم رأوا أن فكرة الحق معروفة، فلا تحتاج إلى تعريف.
ولم أجد في كتب الفقه السني كتابًا مخصصًا يبحث في موضوع الحقوق بشكل موسع أو مجمل إلا أنني وجدت في مراجع الشيعة كتابًا موسعًا هو رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام اشتملت على كافة الحقوق الفردية والعامة الواردة صراحة أو ضمنًا في القرآن والسنة، ولعل هذا الكتاب هو أول كتاب أو بحث إسلامي يعالج موضوع الحقوق في الإسلام.
وقد حاول بعض الفقهاء والباحثين المسلمين المعاصرين إعطاء تعريف إسلامي للحق يأخذ بعين الاعتبار المفاهيم الإسلامية، ذات العلاقة بمسألة الحق، وهي تختلف إلى حد ما عن المفاهيم الغربية، كمفهوم نشأة الحق مثلاً. ومن التعريفات التي وضعها هؤلاء نورد التعريفات التالية:
– التعريف الأول: الحق هو الحكم الثابت شرعًا: نقل هذا التعريف الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته، واعتبر أنه تعريف غير جامع ولا شامل لكل ما يطلق عليه لفظ الحق عند الفقهاء.
– التعريف الثاني: الحق مصلحة مستحقة شرعًا: هذا التعريف منسوب للأستاذ الشيخ علي الخفيف، ويقول عنه د. الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته “أنَّه تعريف بالغاية المقصودة من الحق، لا بذاته وحقيقته، لأن الحق هو علاقة اختصاصية بين صاحب الحق والمصلحة التي يستفيد منها”.
– التعريف الثالث: الحق مصلحة ثابتة للفرد أو المجتمع أو لهما معا يقررها الشارع الحكيم: هذا التعريف للدكتور محمد يوسف موسى ذكره في كتابه الفقه الإسلامي، وهو يشبه إلى حد بعيد التعريف السابق للشيخ علي الخفيف، وقد رد عليه د. فتحي الدريني بأنه أيضًا عرف الحق بغايته، لأن الحق ليس مصلحة بل وسيلة إلى مصلحة.
– التعريف الرابع: الحق هو اختصاص يقرر به الشرع سلطة شيء، أو اقتضاء أداء من آخر، تحقيقًا لمصلحة معينة.
– التعريف الخامس: الحق هو اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفًا: هذا التعريف قريب من التعريف السابق، وقد اعتبر الدكتور وهبه الزحيلي أن هذا التعريف الذي جاء به الأستاذ مصطفى الزرقا جيد، لأنه يشتمل أنواع الحقوق الدينية، كحق الله على عباده، والحقوق المدنية كحق التملك، والحقوق الأدبية، والحقوق العامة.
ملاحظة حول هذه التعريفات:
الملاحظ من قراءة هذه التعريفات أنها قامت على اعتبار أن الحق إمَّا حكم أو مصلحة أو اختصاص، ولكنها أجمعت على أمر واحد، وهو علاقة كل ذلك بالشرع، وهو أمر يراد به الإشارة إلى منشأ الحق، لأن الفقهاء المسلمين يعتبرون أن الحق هو أمر مقرر من قبل الله تعالى.
ونحن نرى أن التعريف الخامس للأستاذ مصطفى الزرقا، هو التعريف الذي يمكن أن ينضوي تحت مفهوم الحق، حينما يتعلق بالحريات العامة، وحقوق الإنسان.
تعريف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان
على الرغم من وجود أربع إعلانات لحقوق الإنسان صادرة عن منظمات دولية وإقليمية وخاصة تمس وضع العرب المسلمين إلا أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يبقى الأكثر تأثيرًا وذلك لاعتراف العالم أجمع به من جهة ولصدوره عن منظمة أممية بدون معارض (بعد أن وقعت عليه الدول الست التي امتنعت عن التصويت يوم إصداره)، ولوجود معاهدتين تفصيليتين نابعتين عن هذا الإعلان أصبحتا ساريتي المفعول منذ عام 1976، أي منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وهو الإعلان الذي تستعمله القوى الغربية في مواجهة الدول الإسلامية. ولهذا فإننا سنركز في هذه الورقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونترك البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن المجلس الإسلامي الدولي للعالم وإعلان القاهرة عن حقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي والميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عن مجلس وزراء خارجية الدول العربية إلى ورقة عمل قادمة إذا شاء المولى.
يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أهم إعلان دولي لحقوق الإنسان في العصر الحديث، فقد جاء هذا الإعلان منسجمًا مع ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة لاسيما المادة (55) الفقرة ج والتي تنص على: “أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق فعلاً”.
وقد جاءت الحقوق التي تضمنها الإعلان مندرجة في إطار أربعة عناوين كبرى هي:
1. الحقوق الأساسية: (المواد 1 – 2)، وهي تتضمن أن الناس يولدوا أحرار ومتساويين وأن يكون التعامل بينهم بالاحترام ونبذ التمييز تحت أي سبب ومساواة الرجل بالمرأة.
2. الحقوق المرتبطة بشخصية الإنسان: (المواد 3 – 14)، وهي تتضمن: الحق في الحياة، وفي الحرية، وفي السلامة، وفي الكيان القانوني الذاتي، وفي تحريم العبودية Enslavement والرق Servitude والتعذيب Torture، وفي المساواة أمام القانون، وفي الحصول على الحماية والضمانات القانونية من خلال احترام المبادئ الأساسية للقانون الجزائي، وعدم رجعية العقوبات، واعتبار المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته، وفي عدم انتهاك حرمة المنازل والمراسلات الشخصية، وفي حرية التنقل ذهابًا وإيابًا، وفي تأمين المسكن.
3. الحقوق المرتبطة بالأحوال الشخصية: (المواد 15 – 17)، وهي تتضمن: الحق في الجنسية، وفي حرية الزواج، وفي احترام حقوق العائلة، وفي احترام وصيانة حق الملكية الفردية والجماعية.
4. الحقوق العامة والسياسية: (المواد 18 – 28)، وهي تتضمن: الحق في حرية الضمير، واختيار وتغيير الدين، وممارسة معتقداته، والحق في حرية التعبير واستقاء المعلومات وإذاعتها، والحق في حرية الدخول في الجمعيات والجماعات السلمية، والحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة مباشرة أو بالانتخاب، والحق في الحصول على ضمان اجتماعي، والحق في العمل لقاء أجر عادل، والحق في العيش بكرامة وفي مستوى حياتي لائق وكاف، والحق في النشاط النقابي، والحق في الراحة وممارسة الهوايات والصحة والتربية والتعليم والثقافة، والحق بالتمتع بنظام اجتماعي دولي يحترم حقوق الإنسان.
ونوهت المادة رقم 29 إلى أن على كل إنسان واجبات تجاه المجتمع وعليه العمل ضمن قوانين ذلك المجتمع.
أما المادة الأخيرة فمنعت تفسير أي مادة من هذا الإعلان بما يتعارض مع روحه وغايته.
نص الإعلان الإسلامي
مد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قال تعالى:”يا أيها الناس إنا خلقنكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. [الحجرات: 13].
إن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، إيمانا منها بالله رب العالمين خالق كل شيء، وواهب كل النعم، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكرَّمه، وجعله في الأرض خليفة، ووكل إليه عمارتها، وإصلاحها، وحمّـله أمانة التكاليف الإلهية، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا.
وتصديقا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله بالهدى، ودين الحقّ، رحمة للعالمين، ومحرِّرا للمستعبدين، ومحطِّما للطواغيت والمستكبرين، والذي أعلن المساواة بين البشر كافة، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، وألغى الفوارق والكراهية بين الناس؛ الذين خلقهم الله من نفس واحدة، وانطلاقا من عقيدة التوحيد الخالص، التي قام عليها بناء الإسلام، والتي دعت البشر كافة ألا يعبدوا إلا الله، ولا يشركوا به شيئا، ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، والتي وضعت الأساس الحقيقي لحرية البشر المسؤولة وكرامتهم، وأعلنت تحرير الإنسان من العبودية للإنسان.
وتحقيقا لما جاءت به الشريعة الإسلامية الخالدة، من المحافظة على الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، والنسل، وما امتازت به من الشمول والوسطية في كل مواقفها وأحكامها، فمزجت بين الروح والمادة، وأخذت بين العقل والقلب.
وتأكيداً للدور الحضاري والتاريخي للأمة الإسلامية التي جعلها الله خير أمة أورثت البشرية حضارة عالمية متوازنة، ربطت الدنيا بالآخرة، وجمعت بين العلم والإيمان، وما يرجى أن تقوم به هذه الأمة اليوم لهداية البشرية الحائرة بين التيارات والمذاهب المتنافسة، وتقديم الحلول لمشكلات الحضارة المادية المزمنة.
ومساهمة في الجهود البشرية المتعلقة بحقوق الإنسان؛ التي تهدف إلى حمايته من الاستغلال، والاضطهاد، وتهدف إلى تأكيد حريته وحقوقه في الحياة الكريمة؛ التي تتفق مع الشريعة الإسلامية.
وثقة منها بأن البشرية التي بلغت في مدارج العلم المادي شأوا بعيدا، لا تزال، وستبقى في حاجة ماسة إلى سند إيماني لحضارتها، وإلى وازع ذاتي يحرس حقوقها.
وإيمانا بأن الحقوق الأساسية، والحريات العامة في الإسلام جزء من دين المسلمين، لا يملك أحد بشكل مبدئي تعطيلها كليا أو جزئيا، أو خرقها، أو تجاهلها في أحكام إلهية تكليفية، أنزل الله بها كتبه، وبعث بها خاتم رسله، وتمَّم بها ما جاءت به الرسالات السماوية، وأصبحت رعايتها عبادة، وإهمالها، أو العدوان عليها منكرا في الدين، وكلُ إنسان مسؤول عنها بمفرده، والأمة مسؤولة عنها بالتضامن..
إن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تأسيسا على ذلك تعلن ما يلي:
المادة الأولى:
أ – البشر جميعا أسرة واحدة، جمعت بينهم العبودية لله، والبنوة لآدم، وجميع الناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية، وفي أصل التكليف والمسؤولية، دون تمييز بينهم بسبب العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الجنس، أو المعتـقد الديني، أو الانتماء السياسي، أو الوضع الاجتماعي، أو غير ذلك من الاعتبارات. وإن العقيدة الصحيحة هي الضمان لنمو هذه الكرامة على طريق تكامل الإنسان.
ب- إن الخلق كلهم عيال الله، وإن أحبهم إليه أنفعهم لعياله، وإنه لا فضل لأحد منهم على الآخر إلا بالتقوى، والعمل الصالح.
المادة الثانية:
أ- الحياة هبة الله، وهي مكفولة لكل إنسان، وعلى الأفراد والمجتمعات والدول حماية هذا الحق من كل اعتداء عليه، ولا يجوز إزهاق روح دون مقتضى شرعي.
ب يحرم اللجوء إلى وسائل تفضي إلى إفناء النوع البشري.
ج- المحافظة على استمرار الحياة البشرية إلى ما شاء الله واجب شرعي.
د- يجب أن تصان حرمة جنازة الإنسان، وألا تنتهك، كما يحرم تشريحه إلا بمجوّز شرعي، وعلى الدول ضمان ذلك.
المادة الثالثة:
أ- في حالة استعمال القوة، أو المنازعات المسلحة لا يجوز قتل من لا مشاركة لهم في القتال كالشيخ، والمرأة، والطفل. وللجريح والمريض الحق في أن يداوى، وللأسير أن يطعم ويروى ويكسى. ويحرم التمثيل بالقتلى، ويجوز تبادل الأسرى، وتلاقي اجتماع الأسر التي فرقتها ظروف القتال.
ب- لا يجوز قطع الشجر، أو إتلاف الزرع والضرع، أو تخريب المباني والمنشآت المدنية للعدو بقصف، أو نسف، أو غير ذلك.
المادة الرابعة:
ولكل إنسان حرمته، والحفاظ على سمعته في حياته، وبعد موته، وعلى الدولة والمجتمع حماية جثمانه، ومدفنه.
المادة الخامسة:
أ- الأسرة هي أساس في بناء المجتمع، والزواج أساس تكوينها، وللرجال والنساء الحق في الزواج، ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق قيود منشؤها العرق، أو اللون، أو الجنسية.
ب على المجتمع والدولة إزالة العوائق أمام الزواج، وتيسير سبله، وحماية الأسرة، ورعايتها.
المادة السادسة:
أ المرأة مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية، ولها من الحقوق مثل ما عليها من الواجبات، ولها شخصيتها المدينة، وذمتها المالية المستـقلة، وحق الاحتفاظ باسمها، ونسبها.
ب على الرجل عبء الإنفاق على الأسرة، ومسؤولية رعايتها.
المادة السابعة:
أ- لكل طفل منذ ولادته حق على الأبوين والمجتمع، والدولة في الحضانة، والتربية، والرعاية المادية، والعلمية، والأدبية، كما تجب حماية الجنين والأم، وإعطاؤهما عناية خاصة.
ب- للآباء ومن بحكمهم الحق في اختيار نوع التربية التي يريدون لأولادهم، مع وجوب مراعاة مصلحتهم ومستقبلهم في ضوء القيم الأخلاقية، والأحكام الشرعية.
ج- للأبوين على الأبناء حقوقهما، وللأقارب حق على ذويهم؛ وفقا لأحكام الشريعة.
المادة الثامنة:
لكل إنسان التمتع بأهليته الشرعية من حيث الالتزام، وإذا فقدت أهليته، وانتقصت، قام وليُّه مقامه.
المادة التاسعة:
أ- طلب العلم فريضة، والتعليم واجب على المجتمع والدولة، وعليها تأمين سبله، ووسائله، وضمان تنوعه بما يحقق مصلحة المجتمع، ويتيح للإنسان معرفة دين الإسلام، وحقائق الكون، وتسخيرها لخير البشرية.
ب- من حق كل إنسان على مؤسسات التربية، والتوجيه المختلفة من الأسرة، والمدرسة، والجامعة، وأجهزة الإعلام، وغيرها أن تعمل على تربية الإنسان دينيا ودنيويا، تربية متكاملة ومتوازنة، تنمي شخصيته، وتعزز إيمانه بالله، واحترامه للحقوق والواجبات، وحمايتها.
المادة العاشرة:
لما كان على الإنسان أن يتبع الإسلام دين الفطرة، فإنه لا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه عليه، كما لا يجوز استغلال فقره، أو ضعفه، أو جهله لتغيير دينه إلى دين آخر، أو إلى الإلحاد.
المادة الحادية عشرة:
أ- يولد الإنسان حرا، وليس لأحد أن يستعبده، أو يذلَّه، أو يقهره، أو يستغله، ولا عبودية لغير الله تعالى.
ب- الاستعمار بشتى أنواعه، وباعتباره من أسوأ أنواع الاستعباد محرم تحريما مؤكدا، وللشعوب التي تعانيه الحق الكامل للتحرر منه، وفي تقرير المصير.
وعلى جميع الدول والشعوب واجب النصرة لها في كفاحها لتصفية كل أشكال الاستعمار، أو الاحتلال، ولجميع الشعوب الحق في الاحتفاظ بشخصيتها المستـقلة، والسيطرة على ثرواتها، ومواردها الطبيعية.
المادة الثانية عشرة:
لكل إنسان الحق في إطار الشريعة بحرية التنقل، واختيار محل إقامته داخل بلاده، أو خارجها، وله إذا اضطهد حق اللجوء إلى بلد آخر، وعلى البلد الذي لجأ إليه أن يجيره حتى يبلغه مأمنه، ما لم يكن سبب اللجوء اقتراف جريمة في نظر الشرع.
المادة الثالثة عشرة:
العمل حق تكفله الدولة والمجتمع لكل قادر عليه، وللإنسان حرية اختيار العمل اللائق به؛ مما تتحقق به مصلحته، ومصلحة المجتمع. وللعامل حقه في الأمن والسلامة، وفي كافة الضمانات الاجتماعية الأخرى، و لا يجوز تكليفه بما لا يطيقه، أو إكراهه، أو استغلاله. أو الإضرار به وله – دون تمييز بين الذكر والأنثى- أن يتقاضى أجرا عادلا مقابل عمله دون تأخير، وله الإجازات، والعلاوات، والترقيات التي يستحقها. وهو مطالب بالإخلاص والإتقان، وإذا اختـلف العمال وأصحاب العمل فعلى الدولة أن تتدخل لفض النزاع، ورفع الظلم، وإقرار الحق، والإلزام بالعدل دون تحيـز.
المادة الرابعة عشرة:
للإنسان الحق في الكسب المشروع، دون احتكار، أو غش أو إضرار بالنفس، أو بالغير، أوربا ممنوع مؤكدا.
المادة الخامسة عشرة:
أ لكل إنسان الحق في التملك بالطرق الشرعية، والتمتع بحقوق الملكية، بما لا يضر به، أو بغيره من الأفراد أو المجتمع، ولا يجوز نزع الملكية إلا لضرورات المنفعة العامة، ومقابل تعويض فوري وعادل.
ب تحرم مصادرة الأموال، وحجزها إلا بمقتضى شرعي.
المادة السادسة عشرة:
لكل إنسان الحق في الانتفاع بثمرات إنتاجه العلمي، أو الأدبي، أو الفني، أو التـقـني، وله الحق في حماية مصالحه الأدبية والمالية الناشئة عنه، على أن يكون هذا الإنتاج غير مناف لأحكام الشريعة.
المادة السابعة عشرة:
أ- لكل إنسان الحق في أن يعيش بيئة نظيفة من المفاسد، والأوبئة الأخلاقية، وتمكنه من بناء ذاته معنويا، وعلى المجتمع والدولة أن يوفرا له هذا الحق.
ب- لكل إنسان على مجتمعه ودولته حق الرعاية الصحية، والاجتماعية بتهيئة جميع المرافق العامة التي يحتاج إليها، في حدود الإمكانات المتاحة.
ج- تكفل الدولة لكل إنسان حقه في عيش كريم، يحقق له تمام كفايته، وكفاية من يعوله، ويشمل ذلك المأكل، والملبس، والمسكن، والتـعليم، والعلاج، وسائر الحاجات الأساسية.
المادة الثامنة عشرة:
أ- لكل إنسان الحق في أن يعيش آمنا على نفسه، ودينه، وأهله، وعرضه، وماله.
ب- للإنسان الحق في الاستـقلال بشؤون حياته الخاصة في مسكنه، وأسرته، وماله، واتصالاته، ولا يجوز التجسس، أو الرقابة عليه، أو الإساءة إلى سمعته، وتجب حمايته من كل تدخل تعسفي.
ج- للمسكن حرمته في كل حال، ولا يجوز دخوله بغير إذن أهله، أو بصورة غير مشروعة، ولا يجوز هدمه، أو مصادرته، أو تشريد أهله منه.
المادة التاسعة عشرة:
أ- الناس سواسية أمام الشرع يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم.
ب- حق اللجوء إلى القضاء مكفول للجميع.
ج- المسؤولية في أساسها شخصية.
د- لا جريمة، ولا عقوبة إلا بموجب أحكام الشريعة.
هـ- المتهم بريء حتى تثبت إدانته بمحاكمة عادلة، تؤمن له فيها كل الضمانات الكفيلة بالدفاع عنه.
المادة العشرون:
لا يجوز القبض على إنسان، أو تقييد حريته، أو نفيه، أو عقابه بغير موجب شرعي، ولا يجوز تعريضه للتعذيب البدني، أو النفسي، أو لأي نوع من المعاملات المذلة، أو القاسية، أو المنافية للكرامة الإنسانية، كما لا يجوز إخضاع أي فرد للتجارب الطبية، أو العملية إلا برضاه، وبشرط عدم تعرض صحته وحياته للخطر، كما لا يجوز سن القوانين الاستـثنائية التي تخول ذلك للسلطات التنفيذية.
المادة الحادية والعشرون:
أخذ الإنسان رهينة محرم بأي شكل من الأشكال، ولأي هدف من الأهداف.
المادة الثانية والعشرون:
أ- لكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية.
ب- لكل إنسان الحق في الدعوة إلى الخير، والنهي عن المنكر، وفقا لضوابط الشريعة الإسلامية.
ج- الإعلام ضرورة حيـوية للمجتمع، ويحرم استغلاله وسوء استعماله والتعرض للمقدسات، وكرامة الأنبياء فيه، وممارسة كل ما من شأنه الإخلال بالقيم، أو إصابة المجتمع بالتـفكك، أو الانحلال، أو الضرر، أو زعزعة الاعتقاد.
د- لا تجوز إثارة الكراهية القومية، والمذهبية، وكل ما يؤدي إلى التحريض على التمييز العنصري بكافة أشكاله.
المادة الثالثة والعشرون:
أ- الولاية أمانة، يحرم الاستبداد فيها، وسوء استغلالها تحريما مؤكدا، ضمانا للحقوق الأساسية للإنسان.
ب- لكل إنسان حق الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، كما أن له الحق في تقلد الوظائف العامة وفقا لأحكام الشريعة.
المادة الرابعة والعشرون:
كل الحقوق والحريات المقررة في هذا الإعلان مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية.
المادة الخامسة والعشرون:
الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتـفسير، أو توضيح أي مادة من مواد الإعلان.
* انبثق هذا الإعلان من المؤتمر الحادي عشر لوزراء الخارجية لدول منظمة المؤتمر الإسلامي، ونوقشت بعض مواده في مؤتمر القمة الإسلامي الثالث، وتمت صياغته النهائية في انعقاد المؤتمر التاسع عشر لوزراء الخارجية لدول منظمة المؤتمر الإسلامي في طهران سنة 1989م.